كنوز| الذكرى 56 لشاعر «لا تكذبي».. صاحب القلب المعذب دائمًا

كامل الشناوى مع عبد الوهاب وأم كلثوم
كامل الشناوى مع عبد الوهاب وأم كلثوم

بعد خمسة أيام من الآن وبالتحديد يوم الثلاثاء المقبل تحل علينا الذكرى 56 لرحيل الكاتب الصحفى الكبير والشاعر الرومانسى الرقيق «كامل بك الشناوى»، زاره الكاتب الراحل الكبير محمد حسنين هيكل قبل رحيله بساعات بمستشفى الكاتب بالدقى، ذهب إليه صباح يوم وفاته ليطمئن عليه، وزاره مرة أخرى فى مساء نفس اليوم، سأله هيكل عن موعد خروجه من المستشفى فأشار كامل الشناوى بأصبعه بعلامة النفى، وبعدها بثلاث ساعات، وتحديدا فى الواحدة من صباح يوم الثلاثاء 30 نوفمبر سنة 1965 أسلم كامل الشناوى الروح عن عمر يناهز 57 عامًا ليعم الحزن فى مصر ويمسك بتلالبيب الأسرة الصحفية والفنية والأدبية والثقافية. 


قبل رحيله بشهور لخص كامل الشناوى تجربة حياته فى سطور عبر فيها عن قناعات وصل إليها متأخرا، بعد رحلة خوف وهروب من الموت استمرت لسنوات، وصاغ فلسفته التى أدركها قبل فوات الأوان التى تضمنها كتابه «بين الموت والحياة»، فهو يقول: «كان الموت هو عدوى الوحيد الذى أخشى لقاءه، ولعل هذا هو إحساس الناس جميعا ولا أدرى لماذا؟

إنهم مثلى لا يعرفون ما هى الحياة، وكيف ينفصل منها وهو لا يكون إلا بها، فلا موت بغير حياة أو لغير حياة، هل الموت متصل بالحياة ؟ لماذا إذن نتهيبه ونجفل منه، فى حين نقبل على الحياة ونطمئن إليها؟ هل هو نهاية شاذة للأحياء؟ كيف يكون ذلك وكل من سبقنا من الأحياء انتهوا بالموت؟ هل هو نهاية طبيعية لكل ما هو حى؟ إنه كذلك فعلا.. فكيف نحاول أن نهرب من نهايتنا؟ وإلى أين الفرار؟».


عاش كامل الشناوى جل حياته هاربا من النوم ليلا، وتجذر فى داخله إحساس بأن الموت سوف يدركه بغتة وهو وحيد فى شقته بمنطقة جاردن سيتى، ولا ينكر كامل الشناوى أنه أحب الحياة، وأحب أن يعيشها كما يريد، وكتب عن حبه للحياة يقول: «ما أكثر ما أحببت الحياة! وما أكثر ما كرهت الموت دون أن أفهم لماذا أحب، أو لماذا أكره..

كل ما أدركه الآن من أسباب حرصى على أن أحيا هو أنه كان لى فى الحياة ما أريده وكان عندى للحياة ما أعطيه، اليوم تغيرت نظرتى إلى الموت، لم يعد الموت ذلك العدو الذى يخيفنى بل لعله صار صديقا، ولهذا لم ترتعد فرائصى وأنا أرى خطر مرضى، ولست فى ذلك متشائما أو يائسا، فموت الأحياء تجديد للحياة، إنه يخلى مقاعد العجزة والمرضى والضعفاء لأحياء جدد قادرين أصحاء أقوياء»، وكتب أيضا: «الموت فى المفهوم الدينى هو الحق والدنيا هى الباطل، وإذا كان هناك عذر لغير المؤمنين فى أن يجفلوا من الحق أى الموت فما هو عذر المؤمنين؟».


لم يهنأ قلب كامل بك الشناوى الشاعر الرومانسى الرقيق طوال حياته بحب صادق من امرأة استلطفها وأعجب بها وشعر أنه يميل نحوها، وقد وصف مصطفى أمين قلب كامل الشناوى بأنه أشبه بالشقق المفروشة من كثرة من سكنوا فى قلبه وغادروه وتركوا به ندبة حزن، وتعذب قلبه مرات بسبب حب ضائع، مرة بالخيانة وأخرى بالهجر وثالثة بالبعاد، فقد أحب فى صباه فتاة كانت تسكن بجوار بيتهم فى قرية «نوسا البحر» بمركز أجا محافظة الدقهلية، لم يصارحها بحبه الذى كتمه فى قلبه، وبعد سنوات التقى بها وعلم منها أنها تزوجت وأنجبت فصارحها بما كان يكنه لها فى قلبه وأخبرته أنها كانت تبادله نفس المشاعر لكنه لم يصارحها بحبه لها، والتقى فى شبابه بفتاة من عائلة أرستقراطية تسكن فى المعادى تقطن حى المعادى، عرّفته على إتيكيت الأسر الأرستقراطية، ولم يفض الحب بينهما إلى نتيجة وأصبحا صديقين، وتعرف فى كازينو بديعة على فتاة تدعى «روز» وقع فى غرامها، وقال عن قصة حبه لها أنها أعمق قصة حب فى حياته كانت بطلتها غانية فى كباريه، واعترف أنه لا يدرى كيف بدأ الحب بعد ذلك، واصفا تعلقه بها بسهم أصاب قلبه فأحبها لمدة عامين ثم اكتشف خيانتها مع أحد أصدقائه، فتركها وفى قلبه جرح غائر، وهى التى كتب فيها قصيدة «لا وعينيك يا حبيبة روحى.. لم أعد فيك هائماً فاستريحى» التى لحنها وغناها فريد الأطرش.


قرر كامل الشناوى أن يتزوج ووقع اختياره على حفيدة شقيقة صديقه الحميم محمد التابعى، وتقدم لخطبتها فأرسل أهلها إلى التابعى ليأخذوا رأيه فأشار عليهم بالرفض، وسأله كامل عن السبب وهو فى صدمة فقال له التابعى إنه يسهر الليل ولا يعود إلى بيته إلا فى الصباح والفتاة عمرها 18 عاما وفى حال زواجها منه فماذا ستفعل فى الوحدة التى ستقتلها، وأحب فتاة أخرى قرر أن يتزوج منها ثم سافر لبضعة أيام وعندما عاد وجدها تزوجت، طعنات متوالية تلقاها قلب كامل الشناوى الذى أدرك أنه تعيس فى الحب، وجاءت الطعنة الكبرى من مطربة أعطاها كل شىء، ولم يبخل عليها بأى شيء وصعد بها لسماء الشهرة، وكتب صديقه مصطفى أمين فى كتاب «شخصيات لا تنسى» القصة قائلا: «عشت مع الشناوى حبه الكبير، وهو الحب الذى أبكاه وأضناه.. وحطمه وقتله فى آخر الأمر، أعطى كامل لهذه المرأة كل شيء المجد والشهرة والشعر ولم تعطه شيئا، أحبها فخدعته..

أخلص لها فخانته.. جعلها ملكة فجعلته أضحوكة»، وأشار مصطفى أمين إلى أن المطعون كامل الشناوى كتب فيها قصيدة «لا تكذبى» فى غرفة مكتبه بشقته فى الزمالك.. وكان ينظمها وهو يبكى.. كانت دموعه تختلط بالكلمات فتطمسها..

وكان يتأوه كرجل ينزف، وبعد أن انتهى منها قال: إنه يريد أن يقرأها على المطربة بالتليفون، واتصل بها، وبدأ يلقى عليها القصيدة بصوت منتحب خافت.. تتخلله الزفرات والتنهدات والآهات..

وكانت المطربة صامتة لا تقول شيئا، لا تعلق.. ولا تقاطع.. وبعد أن انتهى قالت: «كويسة قوى..

تنفع أغنيها»، هكذا وصف مصطفى أمين المشهد الإنسانى الذى يمزق نياط القلب، ويقول مصطفى أمين برغم خيانتها له أن كامل كان يحاول بأى طريقة أن يعود إليها..

يمدحها ويشتمها.. يركع أمامها ويدوسها بقدميه.. يعبدها ويلعنها.. وكانت تجد متعة أن تعبث به»، ويقول مصطفى أمين إن كامل الشناوى قال له: «أنا لا أفهمها، فهى امرأة غامضة لا أعرف هل هى تحبنى أم تكرهنى؟ هل تريد أن تحينى أم تقتلنى؟».


الحياة المرة أثرت كثيرا فى نفس وروح كامل الشناوى الشفافة الرقيقة، ويقول مصطفى أمين إن الشناوى كان يجلس يوميا يكتب عن عذابه، وأصبح يتردد على المقابر، وحينما سأله مصطفى عن ذلك، أجاب بابتسامة حزينة: «أريد أن أتعود على الجو الذى سأبقى فيه إلى الأبد»، لكن الناقد طارق الشناوى نجل شقيق كامل الشناوى شكك فى هذه الحكاية التى ألصقت بعمه بعد أن جمع معلومات من عدة مصادر من بينهم مصطفى أمين نفسه واتضح له أن كل واحد ممن سألهم روى الحكاية من خلال رؤيته وتحليله الخاص، وأضاف كل منهم بعض التحابيش من عنده لزوم زيادة التشويق، ولكنهم أجمعوا على أن هناك «خائنة» واتضح لطارق الشناوى أن الخيال هو الحقيقة والحقيقة هى الخيال.


من كتاب «آخر ظرفاء ذلك الزمان »

إقرأ أيضاً|سهير البابلي وأحمد خليل قصة عاشقين جمعتهما الحياة والموت