تأليف القلوب

تأليف القلوب
تأليف القلوب

 كتبت : د. نور على محمود

النفس البشرية عنيدة وحشية تُقبل على من يتألفها وتنفر ممن يشتد عليها ولو كان فى شدته مصلحتها كما أنها تألف الاعوجاج 

وتميل إلى التمرد وتكره النصح ولا ترضى أن تُنسب إلى الجهل أو عدم المعرفة أو سوء التصرف وتغضب إذا نُبَّهت على خطأ بل قد تجتهد فى معاندة الحق وعدم الإقرار به؛ خشية انكشاف جهلها ومِن ثَم فلا بد من التلطف فى معاملتها ومحاولة تأليفها على الحق، وأخذها إليه برفق؛ حتى تؤمن به وتذعن له.

وقد كان تأليف القلوب على الإسلام أحد أساليب الدعوة التى استعملها النبى صلى الله عليه وسلم فقد روى البزار بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه (أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينه فى شيء قال عكرمة: أراه قال فى دم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا ثم قال: أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ فقال الأعرابي: لا 

ولا أجملت، فغضب بعض المسلمين، وهمُّوا أن يقوموا إليه، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كُفُّوا.
فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله دعا الأعرابى إلى البيت فقال: «إِنَّما جِئْتَ تَسْأَلُنَا فَأَعْطَيْنَاكَ فَقُلْتَ مَا قُلْتَ فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا 

وقال: «أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟» فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ جِئْتَنَا فَسَأْلَتَنَا فَأَعْطَيْنَاكَ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَفِى أَنْفُسِ أَصْحَابِى عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَإِذَا جِئْتَ فَقُلْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا قُلْتَ بَيْنَ يَدَيَّ، حَتَّى يَذْهَبَ عَنْ صُدُورِهِمْ، فقال: نعم.

فلما جاء الأعرابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ كَانَ جَاءَنَا فَسَأَلَنَا فَأَعْطَيْنَاهُ فَقَالَ مَا قَالَ 

وإِنَّا قَدْ دَعَوْنَاهُ فَأَعْطَيْنَاهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ كَذَلِكَ يَا أَعْرَابِيُّ؟ فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مَثَلِى وَمَثَل هَذَا الأَعْرَابِى كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ فَشَردتْ عَلَيْهِ فَاتَّبَعَهَا النَّاسُ فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلَّا فِرَارًا فَقَالَ لَهُمْ صَاحِبُ النَّاقَةِ: خَلُّوا بَيْنِى وَبَيْنَ ناقَتِى فَأَنَا أَرْفَقُ بِهَا 

وَأَنَا أَعْلَمُ بِهَا فَتَوَّجَّهَ إِلَيْهِ وَأَخَذَ لَهَا مِنْ قتام الأَرْضِ وَدَعَاهَا حَتَّى جَاءَتْ واسْتَجَابَتْ وَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا، وَإِنِّى لَوْ أَطَعْتُكُمْ حَيْثُ قَالَ مَا قَالَ لَدَخَلَ النَّارَ).
وهذا يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتألف قلوب الناس ويستميلهم إليه بحسن خلقه ولين جانبه وتلطفه معهم.

أقرا ايضا | رمضان عبد المعز: الكذب معصية لا تنجي من الهلاك