منهج النبوة فى بناء الشخصية الإنسانية

د.عبدالحليم منصور
د.عبدالحليم منصور

فى هذه الأيام يحتفل المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها بذكرى مولد النبى عليه الصلاة والسلام، ومن صور هذه الاحتفالات تذاكر سيرته العطرة، وتدارس منهجه فى نشر الدعوة الإسلامية، ومن أهم ما يمكن تدارسه وتناوله بالشرح والتحليل فى هذه المناسبة العطرة، منهجه صلى الله عليه وسلم فى بناء الشخصية الإنسانية، ويبدو لى أن منهج النبوة فى بناء الإنسان يتجسد فيما يأتى:


أولا - الإيمان بالأديان السماوية قاطبة: ذلك أن المسلم يؤمن بالرسالات السماوية جمعاء، فضلا عن إيمانه بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: «آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» وهذا يعطيه أريحية فى قبول الآخر، والتعايش معه تعايشا سلميا على النحو الذى أمر به القرآن الكريم.


ثانيا - احترام عقيدة دون إكراه: من أهم ما يتميز به الإسلام فى بناء شخصية أبنائه، هو عدم إكراه الآخرين على العقيدة الإسلامية فى ضوء قول الله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ»  وأن مهمة المسلم هو تبليغ رسالة الإسلام على النحو الذى كلف به الرسول عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: « إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ «.


ثالثا - إقامة العدل مع كافة البشر: من أهم ركائز الشخصية الإسلامية إقامة الحق والعدل مع كافة البشر وإن اختلفت دياناتهم، لأن الحق قامت عليه السماوات والأرض، ولأن إقرار العدل ركن أساسى فى الإسلام ولو على المخالفين قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ».


رابعا- التعاون الإنسانى: إن التعاون الإنسانى مبدأ أصيل قرره القرآن الكريم بين الناس جميعا قال تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ».


خامسا  - مبدأ السلام: يكرس الإسلام فى نفوس أبنائه مبدأ مهما يؤصل من خلاله أن السلام أصل فى العلاقات الإنسانية بين الشعوب، وأن الحرب أو الجهاد لم يشرع إلا لتحقيق نظرية الدفاع الشرعى التى اعترف بها العالم الآن وأسس لها فى كل تشريعاته واتفاقاته.


سادسا - التسامح: يكرس الإسلام فى نفوس أتباعه مبدأ التسامح مع الآخر، وعدم النيل منه، قال تعالى: «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» الحجر: (85) وقال تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» الأعراف: (199) على هذا النحو بنى الرسول عليه الصلاة والسلام شخصية أتباعه، فى جو من السماحة والعدالة، والاعتراف بالآخر، والعيش معه فى أمن وسلام، وكفل حق الدفاع الشرعى من أجل رد الاعتداء دون تجاوز، مع الاعتراف للآخر بحقه فى اعتقاد ما يشاء، مع ألق من التعاون الإنسانى، والإخاء بين الشعوب، لينتفع الجميع بخيرات الكون، ولتزدهر الأرض بمن فيها ومن عليها، ألا ما أحوج الشعوب لمثل هذا فى أيامنا هذه لينعم الجميع بالسلم والسلام، والأمن والأمان فى هذا الكون الفسيح.


د.عبد الحليم منصور أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر