أسرار الشيخ الحصري تحت «عمود الكهرباء».. صوت من الجنة 

الشيخ الراحل محمود خليل الحصري
الشيخ الراحل محمود خليل الحصري

على أطراف طنطا، وتحديدًا في قرية تسمى «شبر النملة»، كان صبي صغير يتحايل على الظروف في سبيل حفظ القرآن الكريم واستذكار جميع مواده الأزهرية رافعًا شعار الاجتهاد أولا وأخيرًا.

 

أما هذا الصبي فقد كان الشيخ الراحل محمود خليل الحصري، الذي اعتاد التوجه إلى الطريق الرئيسية لقريته في محافظة الغربية، للجلوس تحت أحد أعمدة الكهرباء ليتمكن من القراءة جيدًا واستذكار دروسه يوميًا دون تأخير.

 

وتروي ياسمين الخيام ابنة الشيخ الراحل محمود خليل الحصري لـ«بوابة أخبار اليوم» تفاصيل واحدة من العلامات الإنسانية في حياة العلامة الراحل قائلة: «بعد أن منّ الله على والدي من فضله وذاع صيته قاد سيارته وذهب إلى نفس المكان الذي كان يوجد فيه عمود الكهرباء الذي يذاكر تحته ليشتري كل الأرض المحيطة به وكانت نحو 3 أفدنة ثم يحولها إلى دار ضيافة واسعة».

 

وتحكي الحاجة ياسمين عن هذا الموقف: «أصبح هذا الصرح مبنى لرعاية الأيتام واستضافة الغرباء وكل من يرغب في تناول الطعام على مدار الـ24 ساعة يوميًا، ولم تغلق أبوابه أبدًا، والله حتى الآن الأواني التي كان يتم طهي الطعام فيها والخاصة بأمي لا تزال شاهدة على هذا».

 

اقرأ أيضًا|  الشيخ الحصري «أبو الكرم».. حين تبنى مقرئ القرآن الجديد «أبو بدلة»

 

والشيخ محمود خليل الحصري مولود في 17 سبتمبر 1917 في قرية شبرا النملة بطنطا بمحافظة الغربية؛ إذ كان والده قبل ولادته قد انتقل من محافظة الفيوم إلى هذه القرية التي ولد فيها.

 

ومنذ صغره كان الشيخ الحصري مهيأ لأن يكون بين رموز القرآن الكريم، فالطفل ذو الثمانية أعوام أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً، ما دفع بأهله إلى إرساله للأزهر لتلقى الدراسة، وبعدها تفرغ لعلوم القرآن لما كان لديه من صوت متميز وأسلوب فريد منذ نعومة أظافره.

 

وقد برز الشاب محمود الحصري بين أقرآنه بصوته وأدائه المميز، وإتقانه للقواعد الأحكام التي لا تزال حتى اليوم علامة مميزة جدا للشيخ الراحل، فتقدم إلى امتحان الإذاعة عام 1944، وكان ترتيبه الأول على المتقدمين وهو أول من سجل القرآن بصوته مرتلاً في الإذاعة المصرية مطلع 1961 وظلت إذاعة القرآن الكريم تقتصر على صوته منفردا لنحو 10 سنوات.


 
مرت السنوات وذاع صيت «الحصري» فأصبح أول قارئ يقرأ القرآن في البيت الأبيض، وقاعة الكونجرس الأمريكي، وأذن لصلاة الظهر في مقر الأمم المتحدة، حيث تجلى لمدة نصف ساعة في قراءة القرآن الكريم، حتى ملأ صوته أرجاء المكان وسط حالة من الإنصات وحبس الأنفاس سيطرت على أعضاء الكونجرس من روعة صوته.

 

 

ليس هذا فحسب بل إنه قرأ القرآن بقاعة الملوك والرؤساء الكبرى في لندن أثناء زيارته لإنجلترا، وتوالت الزيارات في إندونيسيا والفلبين والصين والهند وسنغافورة وغيرها من بلدان العالم، وأسلم على يديه عشرات من الناس في أنحاء العالم.

 

وكان لسماع هؤلاء القرآن الكريم منه الأثر الأكبر والسبب الأول في إسلامهم، ففي فرنسا أعلن الإسلام على يديه عشرة فرنسيين وذلك في زيارته لبلادهم سنة 1965، وفي أمريكا قام بتلقين الشهادة لثمانية عشر شخصا رجالاً ونساء ليعلنوا إسلامهم على يديه.

 

ويحتفظ الشيخ الحصري في سجله بأنه أول من سجل المصحف الصوتي المرتل برواية حفص عن عاصم عام 1961، ثم سجل رواية ورش عن نافع عام 1964 ثم رواية قالون والدوري عام 1968 وفي نفس العام سجل المصحف المعلم، وانتخب رئيساً لاتحاد قراء العالم الإسلامي، لتتجاوز شهرته بلده وإقليمه وقارته.