علاء عبد الهادى
لسنوات ليست قليلة من عمرى الصحفى، كنت مسئولا عن متابعة الشأن الثقافى، وقضايا الآثار والتراث فى جريدتى الأخبار، واحتفظ بعلاقات واسعة فى هذين القطاعين، وبعضهم، أو لنقل أغلبهم، صاروا أصدقاء، تربطنى بكثير منهم علاقات إنسانية.. أقول هذه المقدمة التى قد تبدو غير ضرورية، لكى أتحدث عن قضية شطب حديقة الأسماك من قائمة الآثار، وهو التقرير الذى انفرد به زميلى الشاب شهاب طارق، وقررت نشره، بعد أن تحققنا من أصل محضر اجتماع اللجنة، وألا يكون مدسوسا علينا.. تأكدنا بعدة طرق لرفض د. أسامة طلعت رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية التعامل مع شهاب، لأنه «لا يسمع كلامه ولا يلتزم بما يمليه عليه فقط».. بمجرد نزول «أخبار الأدب» إلى الأسواق انقلبت الدنيا رأسا على عقب، وبعض المواقع نشرته، دون أن تشير إلى المصدر، وخلال سويعات لم يعد هناك حديث على «السوشيال ميديا» إلا حديث حديقة الأسماك، وعلى نفس الغرار اهتمت برامج «التوك شو» كلها تقريبا بمناقشة قضية حديقة الأسماك.. وماذا تريد وزارة السياحة والآثار منها ؟ وماهى حقيقة مشروع تطويرها المزعوم؟
زملاء مسئولون اعتز بصداقتهم من وزارة السياحة والآثار اتصلوا بى معاتبين مشككين فى صحة الخبر، ومعاتبين أن ينشر هذا الخبر فى جريدة أنا رئيس تحريرها، وأن.. وأن..، وخرج د. مصطفى وزيرى أمين عام المجلس الأعلى لللآثار لينفى ضمنيا ما نشرته أخبار الأدب، ولكنه فى تفاصيل رده يؤكد ما نشرناه، قال إن المجلس الأعلى الذى أدخل الحديقة فى عداد الحدائق التراثية الأثرية التى يجب المحافظة عليها، هو نفسه الذى أعاد فتح الملف ليستقطع نصف فدان أو ثلاثة أرباع الفدان من مساحة الحديقة التى تبلغ تسعة أفدنة ونصف الفدان لإنشاء «باركنج» للسيارات، ولإنشاء كافتيريات لتقديم الخدمات لزوار الحديقة من سندوتشات وعصائر وحاجات ساقعة- لى حد تعبيره- وأن هذا سوف يتم بكل احترافية تماماً كما حدث فى قصر البارون.
ونفى أيضا أن تكون هناك نية لقطع شجرة أو المساس بأى من العناصر التراثية للحديقة، وبذكاء يحسب للدكتور مصطفى أخذ خطوة للوراء، وقال إننا نطور الحديقة ولا نعتدى عليها، لأن وظيفتنا الحفاظ على الآثار، وليس الاعتداء عليها.
وأنا هنا أعيد التأكيد على أن ما نشرناه كان صحيحاً تماماً وأن الأمر كان يسير وفق ما تم الإعداد له، ولكن بعد الانزعاج الذى أبداه الضمير الجمعى للمصريين، والذى تجلى على السوشيال ميديا، وتم خلاله الربط مع إجراءات مشابهة، قررت الحكومة، ممثلة فى وزارة السياحة والآثار، التراجع عن المشروع بصورته التى تم إقرارها، وحفظا لماء الوجه قال الصديق د. مصطفى وزيرى إن الأمر لم يعرض بعد على مجلس ادارة المجلس الأعلى لللآثار، ولا المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية برئاسة رئيس الوزراء الذى ستكون له الكلمة الفصل، ليس هذا فحسب، بل إن وزير الزراعة تذكر فجأة أن حديقة الأسماك من أملاك وزارته، أى نعم حديقة تراثية محمية بقانون الآثار، إلا أنه صاحب الولاية عليها، وقال القول الفصل بإن الحديقة باقية بأبعادها الحالية.. وبعيداً عن هذا السجال أنا أؤكد أن هناك العديد من الأفكار التى يمكن مناقشتها لحل مشكلة جراج السيارات، ليس من بينها الاعتداء على الحديقة التى يتم التعامل معها ككيان ووحدة متكاملة العناصر، ولا نستقطع منها جزءا بجراحة تقضى عليها.. وأقول لصديقى الدكتور وزيرى إن رسالتك الأساسية هى الحفاظ على الآثار والتراث الذى أؤتمنت عليه، وليس حل مشكلة انتظار السيارات أو حتى تعظيم الاستثمارت فى حرم الآثار، إذا كان هناك ما لا يمنع فبها ونعمت، وإلا فالأولوية للحفاظ على الأثر والتراث.
انفراد «أخبار الأدب» بهذا الخبر، ونشره لا يعنى أننا نقف فى معسكر معاكس لوزارة السياحة والآثار، ولكننا نقف مع الحق، كما نراه وكما تعلمنا، وكما أقسمنا باحترام أخلاق المهنة، وتراجع الوزارة عن المشروع، أو حتى تراجعها خطوة للوراء يعزز من رسالة الإعلام ويعلى من شأنه باعتباره أحد أدوات الرقابة الشعبية.