نزار الصياد: عمارة حسن فتحى مصطنعة ولم تكن تناسب السكان الذين أرادهم أن يقطنوا داخلها

نزار الصياد: عمارة حسن فتحى مصطنعة ولم تكن تناسب السكان الذين أرادهم أن يقطنوا داخلها
نزار الصياد: عمارة حسن فتحى مصطنعة ولم تكن تناسب السكان الذين أرادهم أن يقطنوا داخلها

كتب : شهاب طارق

تأثره الكبير بوالده الدكتور محمد محمود الصياد أستاذ الجغرافيا بجامعة القاهرة دفعه للاهتمام المبكر بالتاريخ والجغرافيا. درس العمارة وأصبح مهندسًا معماريًا، إلا إنه ظل مرتبطًا كذلك بالثقافة العامة، وقد ساهمت نشأته وتكوينه داخل مدينة القاهرة، فى أن يراها من منظور مختلف، إذ بدأ محاولة اكتشافها فى سن مبكرة، وتحديدًا حين كان طالبًا بالكلية، ووقتها أثار اندهاشه أن زملاءه لم يكن لديهم نفس الشغف والاهتمام بالقاهرة القديمة «لم ندرس القاهرة كمدينة، وهذا ما أثار بداخلى الكثير من التساؤلات، إذ درسنا فقط بعض الفترات التاريخية التى تخص عمارة القاهرة، لذلك كانت هذه الأسئلة التى لم أعرف لها إجابة سبب شغفى بالقاهرة». بحثا عن إجابات لأسئلته.. تعمق نزار الصياد أكثر فى دراسة القاهرة والعمارة العربية الإسلامية بشكل عام.
بعد دراسة مطولة أصبح الصياد يرفض مصطلح «المدينة الإسلامية» إذ يرى أن الولع بهذا المصطلح، ظهر بسبب الاستعمار الذى غير ومحا هوية بعض الشعوب، إلى أن جاءت حركات التحرير والتى أرادت تشكيل هوية جديدة فأصبح الدفاع عنه، نوعا من أن أنواع العزة والكرامة والقومية، وهى قومية دينية فى الأساس -كما يصفها- إذ يرى أن هناك تفسيرات ليس شرطًا أن نردّها للدين كما كان دائمًا يحدث فى مصر «أنا كباحث أفسر المجتمع العمرانى الإسلامى كحضارة وليس فقط كدين، وهى وجهة نظر لم تكن مقبولة من جانب المصريين لذلك لم أقدم على ترجمة أعمالى إلى العربية لسنوات طويلة».
 

مؤخرًا ترجمت للدكتور نزار الصياد أستاذ العمارة والتخطيط وتاريخ المدن بجامعة كاليفورنيا، بركلى، ثلاثة عناوين، البداية كانت مع كتاب «القاهرة.. تواريخ مدينة» والصادر عن المركز القومى للترجمة، ثم كتاب «النيل.. مدن وحضارات على ضفاف النهر» والصادر عن دار الشروق، وأخيرًا كتاب «مدن وخلفاء» والذى ترجم عن دار المرايا.. وحولها دار هذا الحوار.

*قلت إن علاقتك بالقاهرة كمجتمع عمرانى بدأت حين كنت طالبًا بالجامعة، لكن متى بدأت دراستها بشكل أكاديمى؟


حين ذهبت إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)أردت أن أدرس موضوعًا يتعلق بـ«الإسكان»، وفى هذه الفترة كنا قد وقعنا على اتفاقية السلام، فوقعت جامعة القاهرة مع الـMIT مشروعا ضخما، بتمويل من منظمة التعاون الأمريكانى، وكان مشروعى عن العشوائيات سنة ١٩٧٧، ولم تكن العشوائيات وقتها منتشرة مثل اليوم بالطبع، لكننا أردنا فهم ومعرفة أسباب سلوك الناس فى بناء منازل غير قانونية وعلى أراضٍ زراعية، وبأساسات غير مطابقة للمواصفات، وبالفعل نشرت أول مقال علمى عن القاهرة والزيادات السكانية المصاحبة،

وكذلك عن المدن الجديدة القريبة من القاهرة والتابعة لها، والتى أطلقت عليها اسم «مدن نوم» وهى -من وجهة نظرى- مدن مخالفة لسياسة الدولة التى أرادت استيعاب الزيادة السكانية بعيدًا عن العاصمة من خلال بناء مدن مثل: العاشر من رمضان والسادات والعامرية والتى كان من المفترض أن تمتص السكان من العاصمة لكن الفكرة لم تنجح فى النهاية.
بعد ذلك بدأت تحضير رسالة الماجستير فركزت على شارع المعز الذى لم يكن أحد يهتم به خلال تلك الفترة، وقامت مؤسسة الأغاخان بنشرها فى كتاب بعد تخرجى، وحتى الآن لا يزال هذا الكتاب المنشور منذ٤٠ عامًا مرجعًا أساسيًا لتوثيق تلك الفترة خاصة أنه وثق ثلاثة شوارع رئيسية: المعز والجمالية والدرب الأحمر.


*وكيف بدأ الاهتمام بفكرة المدينة الإسلامية وأنماطها المختلفة؟


بعد أن انتهيت من رسالة الماجستير عملت داخل إحد المكاتب الهندسية الشهيرة، وهو المكتب الذى صمم برج التجارة العالمى الذى فجر فى أحداث سبتمبر، وبعدها جاءنى عرض للعمل فى السعودية للمساعدة فى إنشاء قسم جديد لدراسة العمارة والتخطيط، وتاريخ العمارة بجامعة «البترول والمعادن» واستطعت أن أنقى أفكارى، وبالمناسبة ففكرة كتاب «مدن وخلفاء» جاءتنى هناك، وذلك بسبب توافر المراجع فوجدت نسخا من المخطوطات الأصلية وقرأتها بشغف، لكنى لاحظت وجود مدن مختلفة، ورغم ذلك لازلنا نتحدث عن «المدينة الإسلامية»، وأثناء تلك الفترة طلب منى أستاذ تاريخ العمارة أن ألقى محاضرة عن المدن العربية الإسلامية، ولم يكن ذلك تخصصى، ومن خلال اطلاعى على الكتب الموجودة استطعت تقديمها، وبدأ يظهر لى نمط مختلف لكل مدينة، وبدأت عملية تجزئة لتلك المدن، ولاحظت أن موقع المسجد فى بعض المدن يقع فى مركز الوسط، ومدن أخرى وجدت أن قصر الحاكم بداخلها هو الواقع فى مركز الوسط، ومدن أخرى لم تكن تحوى قصورًا أو مساجد، ومن خلال هذه الملاحظات بدأت أبحث فى كيفية نشأة تلك المدن، بجانب الاطلاع على تاريخها، ومن هنا قمت بتنسيق المدن إلى ثلاثة أجزاء منها: «مدن المعسكرات» وهى المدن التى بناها المسلمين فى أول العهد -الفتح الإسلامى من وجهة نظر المسلمون- أو -الاحتلال الإسلامى من وجهة نظر الثقافات والدول التى غزاها العرب- لذلك فى كتابى «مدن وخلفاء» لم استخدم لفظ «فتح أو احتلال» لكنى استخدمت كلمة «غزو» لأنها الكلمة التى استخدمها العرب حين غزوا الشام والعراق، ومن هذا المنطلق صنفت المدن العربية لـ«مدن الحاميات» مثل الكوفة والبصرة «ومدن كانت موجودة وقائمة» لكن غيرها الغزو العربى مثل دمشق وحلب و«مدن جديدة بناها المسلمون كعواصم للخلافة.»

*ترفض مصطلح المدينة الإسلامية لكن هناك مدن غلب عليها الطابع الإسلامى مثلًا أهل «الكوفة» تأثروا بالجنة وتخيلوها ورسموا بعض من هذه التصورات على جدران منازلهم، كيف ترى الأمر؟


لا أوافق. فهذه الأفكار مازالوا يرددها المستشرقون وبعض العلماء الأجلاء حتى وقتنا هذا، لكن المشكلة أنهم مازال يعيشون فى حالة الانبهار بالعمارة الإسلامية وبالعمران الإسلامى، أما أنا فقد تخطيت هذه المرحلة، لأن هناك أشياء تبهر وأشياء أخرى لا تبهر على الإطلاق، وهناك حقائق وهناك إسقاطات، ففكرة تخيل شكل الجنة، وانعكاس هذا التخيل من خلال نقوش مرسومة على جدران منازل الكوفة باستخدام بعض آيات القرآن مثل «تجرى من تحتها الأنهار» فالعرب هنا تخيلوا الجنة التى لم يروها

وهنا تخيلهم للجنة كان قاصرًا، بمعنى أنهم استنسخوا أشياء جميلة رأوها من قبل فى حياتهم وتخيلوا أنها الجنة، لذلك يجب أن نبحث ونتساءل عن المدينة التى اقتبسوا منها شكل الجنة فى هذا العصر

وبالطبع هى مدينة «دمشق» والتى كانت مليئة بالخضرة وبالجبال، وقد تخيلوا أيضًا مصر والتى كانت بالنسبة إليهم أرض الحضارة والمدنية، لذلك فهذا التبسيط المأخوذ من القرآن أو من خبرة الناس هو الذى خلق هذا الانطباع، لكن بالنسبة إليّ فنموذج الكوفة والبصرة -فى مراحلها الأولى من صدر الإسلام- قد يكونان من المدن القليلة التى يمكن أن ننعتها بصفة «إسلامية»، لكن فى أول عقدين من إنشائهما فقط، وذلك لأن المدن بطبيعتها مقسمة لجزءين وهما، عمران وحياة، وهذين الجزءان صعب فصلهما، وصعب أن ننعت الجماد بلفظ «إسلامي»، فلا يمكن أن أنعت فنجان الشاى بأنه إسلامى لأنى مسلم! لكن فى حالة الكوفة والبصرة فتشكيل العمران داخلهما كان قائمًا على مُثل إسلامية من صنع وتخيل الخلفاء، لكن بعد ذلك تغيرت الأمور، وأصبح حاكم المدينة له سلطة قوية، وسلطته وإرادته كحاكم كانت أقوى من أى عامل رمزى إسلامى قد يستسقى من القرآن أو من الحديث، لذلك لو أردنا أن نتحدث عن المدينة كوحدة اجتماعية، فلا يمكن أن ننكر أن هناك مدينة إسلامية، لكن كشكل عمرانى لا يمكن تقبله، لأنه لم يحدث أبدًا إلا فى فترات قليلة جدا، كان الإسلام هو العامل الرئيسى فى تشكيل هذا العمران.

 

العلاقة بين الدين والدولة أثرت على شكل العمران فى كل الحضارات


الاهتمام بالورش التراثية من منطلق «جذب السياحة» يحول القاهرة

لا توجد عوامل مشتركة بين دول حوض النيل تجعل منها وحدة ثقافية واحدة

سد النهضة سيؤثر على استعمالات النهر فى مصر أكثر من تأثيره على شكله ومجراه
 

حين نؤرخ للقاهرة سينمائيًا سنتمكن من معرفة الأشياء التى أثرت فى أذهان الشعب                                                       منذ بناء السد العالى اعتاد المصريون على الأمان الكاذب

 

*أثناء خلافة عمر بن الخطاب كان رافضًا لأى مظاهر تحديث فى شكل المدينة النمطية الإسلامية باعتبار أن المدينة المنورة هى المرجعية الأولى لشكل المدن، لكن هل يمكن أن نقول أن بداية

الثورة على شكل المدينة النمطى كان فى عهد أول خليفة أموى معاوية بن أبى سفيان؟

لا أعتقد ذلك، وهذا من ضمن أسباب نقدى لفكرة المدينة الإسلامية، فالعرب ذهبوا لمناطق شتى خلال المائة عام الأولى للإسلام ووصلوا إلى شبه جزيرة أيبريا فى الغرب، ووصلوا شرقًا إلى حدود الهند، فهم لم يصلوا لتلك البلاد إلا من خلال معاونة مجموعة من الثقافات والحضارات، والقبائل، والأشخاص مختلفى الجنسية والديانات، وهذه الفئة الأخيرة وجدت أن من مصلحتها معاونة هذا الغزو العربى، لأنهم سيستفيدون منه اقتصاديًا بعد ذلك، ورغم أن الهدف كان خلق إمبراطورية إسلامية، إلا أن هذه الإمبراطورية اختلف شكل العمران بداخلها من مدينة لأخرى نتيجة التأثر بثقافة وجغرافيا وتاريخ هذه الجماعات..

لكن إذا أردنا تأصيل المسألة، فما حدث أنه بعد انتهاء فترة الخلفاء الراشدين بدأ بعض الولاة بتنفيذ تصورات جديدة لشكل ونمط المدينة، دون الرجوع للخليفة الموجود، وهو أمر كان مرفوضا لحد كبير أثناء فترة الخلفاء الراشدين، ومن هؤلاء الولاة كان معاوية، والذى خلق عاصمة جديدة للخلافة الإسلامية، إذ رفض أن يعيش فى المدينة المنورة وأراد أن يحكم من دمشق لأنه رأى فيها حياة رغدة

وكانت قريبة من المدن التى أراد أن يحتلها، والتى كانت آخر ما تبقى من حكم الدولة البيزنطية، وهذا الأمر أعطاه نوعا من الاستقلال، ولو نظرنا إلى طبيعة الخلاف بين عليّ ومعاوية، من ناحية جغرافية سنكتشف أن معاوية بعدما تخلص من عليّ، أراد أن يبين دولته التى بناها بأنها دولة «دائمة» ولن تختفى، لذلك تخلص من فكرة المدينة النمطية، وأراد مضاهاة الإمبراطورية الساسانية الواقعة فى الشرق، والإمبراطورية البيزنطية فى الشمال، ورغم أنه قام بهذا الأمر، لكنه من الناحية الثقافية والعمرانية كان أقل منهم بكثير، فما كان يمتلكه فى ذلك الوقت من مدن ناضبة، هى المدن التى احتلها مثل دمشق، والتى كانت زاهرة فى عهد البيزنطيين. لذلك ما أود أن أقوله أن العرب مع الحياة الرغدة التى تعرضوا لها، بدأوا يفكرون فى أشياء أخرى تختلف عن نظام الحكم الإسلامى، إذ تحول إلى نظام حكم إمبراطورى، وبالتالى فالشخص الذى يهتم ببناء مملكة أو إمبراطورية يختلف عن الشخص الذى يهتم بنشر الدين، وتعمير الأرض من خلال مُثل هذا الدين، لذلك أرى أن مدينتى القاهرة وبغداد هم مدن إمبراطورية، لا يعبران عن أية مفاهيم إسلامية على الإطلاق.


*الخليفة عمر أراد الحفاظ على الشكل النمطى للمدن الإسلامية، لكن الملاحظ أنه نتيجة ترف الدولة الإسلامية، تشكلت صراعات أخرى لا علاقة لها بالتصور الذى فرضه الخلفاء الراشدون


يمكننى أن أقول أن فكر عمر فى هذه اللحظة كان موافقا تمامًا لتطلعات الدولة الإسلامية، لكن بعد فترة تغيرت التطلعات، وتغيرت الوسائل التى استخدمها عمر، فهو أراد الحفاظ على الأشخاص المحاربين، ومنع إنغماسهم فى حياة الترف، والحياة المدنية، وقد نجح فى هذا الأمر وهذه الأفكار سمحت باستكمال الغزوات

وتوسيع حجم الدولة، لكن بعد ذلك تغيرت التطلعات إذ كان من الضرورى استمرار هذه الدولة واحترام الدول الأخرى لها، وهذا ما أراده معاوية، لكنه لم يكن له تصور لشكل هذه الدولة، وبعد أن جاء العباسيون فى بغداد والفاطميون فى القاهرة، لم يكن هدفهم ضمان بقاء هذه الدولة كما أراد معاوية بل أرادوا أن يجعلوا من تلك المدن عواصم إمبراطوريات أهم من الإمبراطوريات المجاورة، وبالفعل أصبحت بغداد فى عهد المنصور من أهم مدن العالم، وكذلك القاهرة فى عهد الفاطميين.


*لننتقل لجزئية أخرى، متى يمكن نعت الشئ بدينه، بمعنى هل ممكن أن نطلق لفظ العمارة المسيحية أو اليهودية مثلًا؟


الإجابة عن هذا السؤال معقدة وصعبة للغاية، فالعلاقة بين الدين والدولة فى كل الحضارات أثرت على شكل العمران داخل هذه البلاد، لكن السؤال هو: «متى يصلح نعت شيء بدينه؟» فالناس فى مدن أوروبا الجنوبية كإسبانيا وإيطاليا، لم يطلقوا لفظ «المدينة المسيحية»، لكن فى بعض الأحيان كانوا ينعتون بعض أنواع العمارة بالمسيحية، وذلك لأن بعضا من هذه المبانى بنيت بهدف واحد

وهو، خدمة الدين المسيحى، إذ إن المبانى التى نعتت بلفظ «العمارة المسيحية» كانت عبارة عن كنائس وكاتدرائيات، وأديرة، لكنك لن تجد مدارس أو أسبلة أو كتاتيب، نعتت بالمسيحية

مثل ما حدث عندنا، لكننا نعتنا كل هذه المبانى بلفظ «العمارة الإسلامية» عن طريق التسهيل، والمهم فى سؤالك هو أن نعت بعض الأديرة أو الكنائس بأوروبا بالمسيحية، كان شيئا يستحق النعت، فخلال فترات العصور الوسطى، كان علماء الدين يحللون الإنجيل، وكانوا يجتمعون مع المثقفين فى المدينة، أى المعماريين والنحاتين، وقد أثرت هذه التحليلات فى المعماريين، وتأثروا بها عند بناء الكنائس، فظهرت أشكال متعددة من العمارة لم تسم ولم تنعت بالمسيحية، لكنها أطلق عليها اسم العمارة القوطية، أو عمارة النهضة، أو الرومانيسك، وهذه الأنواع اكتسبت قوتها من التفسيرات الدينية التى فهمها المعمارى من الإنجيل، وبدأ ينفذها على أرض الواقع من خلال هذا الفهم والذى انعكس على بناء الكنائس وفقًا للتفسير الدينى، وفى هذه الحالة يمكن ننعت هذه العمارة باسم «العمارة المسيحية» وذلك لأن تشكيلها المعمارى والعمرانى هو فى الأساس دينى، وبالرغم من ذلك لم يطلقوا عليها اسم «عمارة مسيحية”.

أفسر المجتمع العمرانى الإسلامى كحضارة وتخطيت حالة الانبهار بالعمارة الإسلامية 


نزار فى حواره مع شهاب طارق    «تصوير: أحمد هاتف»


*ولماذا تم قبول فكرة المدينة الإسلامية خلال القرنين الأخيرين؟


هذا اللفظ لم يكن يستخدم أبدًا ولو نظرت لرحلات ابن بطوطة وغيره، ستجدهم يصفون شكل المدن وطبائع الشعوب، إذ لم يكونوا شغوفين بتفسير المدن أو نعتها بالإسلامية، لكن الولع بلفظ المدينة الإسلامية، ظهر بسبب الاستعمار الذى احتل وغير ومحا هوية بعض الشعوب

وحين جاءت حركات التحرير أرادت تشكيل هوية جديدة، لكن الملاحظ أن لفظ المدينة الإسلامية، أطلقه المستشرقون نتيجة لطريقة تفكيرهم فى هذا الوقت، ورغم ذلك أرفض أن ينظر إليهم بنوع من الريبة كما يحدث دائمًا، فهم مجموعة من الناس قضوا حياتهم لدراسة هذه البلاد - قد يكون منهم بالطبع من خدم حكوماتهم فى القرن الـ٢٠- لكن لا يمكننى أن أتقبل أن شخصًا جاء من بلاده فى القرن الـ١٩ ومكث ما يقرب من الـ٢٠ أو٣٠ عامًا وتطبع بعادات وطباع تلك الشعوب، وقرر أن يدفن فى مصر أو سوريا بسبب حبه لهذه الأماكن، أن يصنف فى النهاية بأنه يحمل سوءًا أو كراهية لهذه البلاد، لذلك يجب أن نفهم ونحلل ما حدث فهؤلاء كان عندهم خلفية تأثروا بها، لذلك حين نعتوا هذه المدن بالإسلامية، كان ذلك لأنهم أرادوا وصف ما رأوه فى هذه البلاد وفقًا لخلفيتهم الثقافية التى أثرت فيهم، إذ تأثروا بثقافات دولهم التى ينتمون إليها، أضف إلى ذلك أن معظم دراستهم فى بلادهم كانت دراسة فى فقه اللغة وهو مجال دراسى إنجيلى الأصل، ولم تكن دراساتهم تاريخية، وهذا معناه أنهم تأثروا بالفكر الدينى، وتأثير الدين على الدولة، لذلك عندما ذهبوا لمدن مثل مراكش وفاس وحلب، أرادوا تفسير هذه المدن من منطلق خلفيتهم الدراسية، فأطلقوا هذا المصطلح فى النهاية.


*لكن هذا المصطلح تم الإبقاء عليه أكاديميًا حتى وقتنا هذا، رغم أن الغرب بات يرفضه بشدة..


نعم تم الإبقاء عليه ويرفضه البعض فى الغرب والشرق سياسياً فقط، وللأمر عدة أسباب فعندما بدأت هذه الفكرة تُنتقد فى الغرب، أصبح أكثر المدافعين عنها هم العرب والمسلمون، كنوع من العزة والكرامة والقومية، وهى قومية دينية فى الأساس، ومن هذا المنطلق صعدت توجهات سياسية أراد البعض الحفاظ عليها، فمن الصعب أن تجد شخصًا من الإخوان المسلمين يعترف بعدم وجود مدينة إسلامية، لأنهم يريدون أن يدافعوا عن هذه الفكرة من منطلق إثبات الوجود، وإثبات صحية فكرهم الأيديولوجي.


إذًا فالبعض يتحدث أيضًا عن أن العمل الأكاديمى فى الخارج، يتطلب تقديم بعض التنازلات والرضوخ لبعض المعتقدات الغربية كيف تقيم الأمر؟


الأمر يعتمد على شخصية الإنسان، فأنا كنت رئيسًا لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا بيركلى، لمدة ٢٠ عاما وتحديدًا من سنة ١٩٩٥ إلى ٢٠١٥، والمعروف أن مراكز دراسات الشرق الأوسط بأمريكا تحاول ولا تنجح فى أن تبتعد عن أخذ مواقف سياسية تجاه بعض القضايا

وحين استطعت أن أحصل على تمويل من مؤسسة خيرية سعودية يقدر بخمسة ملايين دولار لتمويل المركز، أرادت المملكة وقتها عمل برنامج للدراسات العربية وآخر للدراسات الإسلامية فغضب اليهود وأرادوا إنشاء برنامج للدراسات اليهودية التى تتعلق بإسرائيل، ووافقنا على كلا الأمرين لتحقيق هذا التوازن، وأتذكر أنه فى إحدى المرات أردت أن أستضيف الأستاذ إدوارد سعيد، والذى خلق مجالات دراسية وثقافية جديدة لم تكن موجودة فى الجامعات مثل دراسة أساليب وتاريخ الاستشراق، وقد رُفض سعيد من قبل المستشرقين

*ولا أقصد هنا المستشرقين المهتمين بتاريخ العمران لكن أقصد المستشرقين الذين اهتموا بتحقير الثقافة الإسلامية من منطلق أنها ضد الثقافة الأوروبية

وقد دعوته للجامعة قبل حرب العراق الثانية فى سنة ٢٠٠٣، ونفدت التذاكر التى بلغ عددها ٢٥٠٠ فى نصف ساعة، لكن بدأت أصوات من داخل الجامعة تطالب بوقف المحاضرة، باعتباره مناهضا للصهيونية واليهود، وبدأوا يهاجموننى، فاقترح عليّ أحد مديرى الجامعة باستقدام أستاذ صهيونى معه لإجراء مناظرة فرفضت، ولاقت محاضرة سعيد نجاحاً غير مسبوق

ولكن قام مدير الجامعة بعد ذلك بعدة أيام بدعوة أحد الأفراد المتبنين للقضية اليهودية لتحقيق ما أسماه بالتوازن، واختار إيهود باراك الذى كان رئيسًا سابقاً للوزارة فى إسرائيل داخل نفس القاعة الذى ألقى فيها، سعيد محاضرته فلم يحضر له سوى ٢٠٠ فرد. وهذه بعض من الظروف التى قد نتعرض لها.. لكن لا يمكن أن يملى أحد علينا شروطا، فحين كنت مديرًا للمركز كنت أدعى سنويًا لزيارة إسرائيل حوالى ٤ مرات، لكنى كنت أرفض وأعتذر لأصدقائى هناك، وأقول لهم أنا مستعد أن أذهب لإسرائيل، لكن حين يتم الاعتراف وقبول دولة فلسطين المجاورة.


*لنتقل لجزئية أخرى مشروع تطوير القاهرة التاريخية هناك ملاحظات عليه كيف تقيمه، وهل هى فى محلّها؟


بالطبع فى محلها، فالمشكلة من وجهة نظرى أن دمج وزارة السياحة مع الآثار كان خطأ كبيرًا، فكثير من الدول نفذت تلك الفكرة فى ثمانينيات القرن الماضى لكنها تداركت الأمر بعد ذلك

لأن الفكرة السائدة أن السياحة لها أولوية عن الآثار، بمعنى أن الآثار هى التى يجب أن يعاد تشكيلها لتساعد على السياحة وهذا خطأ، ففكرة تجديد القاهرة القديمة أمر مهم، لكن عملية التنفيذ يجب أن تتم وفقًا لأيدلوجية محددة، أتذكر سنة ١٩٨١ عقد أول مؤتمر لليونسكو، قبل وضع القاهرة على قائمة التراث العالمى، ووقتها انقسم المؤتمر لمجموعتين، الأولى رأت أن الأولوية يجب أن تكون لصيانة وترميم هذه الجوامع والكتاتيب والمدارس والأسبلة التى تمثل تراثًا مهمًا للبلد، لكن المجموعة الثانية رأت أن الميزانية المحددة لإعادة تطوير القاهرة من الأفضل أن تصرف فى تحسين أحوال الناس والمصانع والورش، لضمان استمرارية أصحاب الحرف من القيام بمهنهم التراثية، لكن فى النهاية لم يتم تنفيذ أى من الفكرتين، أما فى الوقت الحالى فالفكرة الطاغية هى إعادة بعض من هذه الورش التراثية، لكن من منطلق «جذب السياحة»، وهذا يحول القاهرة التاريخية إلى مسرح، فالأهم هو أن نحافظ على السكان الموجودين وتشجيعهم على الاستمرار فى صناعتهم بالإضافة إلى تقليل التلوث المنبعث من بعض الصناعات، بحيث يشعر هؤلاء أنهم ينتمون للمنطقة، لكن ما يحدث حاليًا هو شىء آخر، لأن التركيز منصب على خلق عمران جديد، لجعل المنطقة أكثر جمالية، وأنا لا أعترض لكن ما يهمنى هو تثقيف الناس لأنهم وحدهم من يستطيعون الحفاظ على تراثهم.
لننتقل إلى كتابك «النيل: مدن وحضارات على ضفاف نهر» تحدثت فيه عن تشابه خصائص وعادات دول حوض المتوسط، لكن لماذا لم تتوارث دول حوض النيل عادات مشتركة فيما بينها؟
هذه ملاحظة جيدة جدًا، فطبيعة البحر المتوسط ومناخه شبيهة بين الدول المطلة عليه، وهناك تبادل للحضارات طوال فترات التاريخ، وهذه المنطقة ظلت تحت سيطرة الرومان، والإغريق والفينيقيين، لكنها لم تكن أبدًا تحت سيطرة الفراعنة بسبب أن انتماءنا دائمًا كان ناحية الوادى فى الجنوب، لكن نهر النيل كبيئة جغرافية يختلف عن البحر المتوسط مناخياً واقتصادياً بجانب أنه ليس هناك عوامل لغوية ودينية اجتماعية مشتركة بين دول حوض النيل المختلفة الأعراق، مما يجعل وصفها كوحدة ثقافية واحدة أمرا صعبا للغاية.
لكن نحن عندنا ثقافات «متقاربة»، فمن الممكن القول أن ثقافة إثيوبيا المسيحية، قريبة من ثقافة مصر القبطية، رغم وجود فاصل جغرافى بين الدولتين، كما أن ثقافة مصر الإسلامية خاصة بداية من القرن الـ١٦قريبة من ثقافة السودان الشمالى فى الوقت الحالى، لكن بطبيعة الحال هناك سبب جغرافى أيضًا لهذا الاختلاف نظرًا لأن أحواض الأنهار تختلف تمامًا عن البحيرات.


*هل تتوقع إذا ما وقعت مصر وإثيوبيا اتفاقًا حول النهر، أن تحدث تغييرات فى شكل المدن الموجودة على ضفاف النهر؟


فى جميع الأحوال سواء تم الاتفاق أو لا فالسد سيؤثر على استعمالات النهر فى مصر أكثر من تأثيره على شكله ومجراه، فمنذ بناء السد العالى، اعتاد المصريون على الأمان الكاذب لأن اعتمادنا الرئيسى كان على المياه التى تسقط فى إثيوبيا

وهم دائمًا ما يشعرون تجاهنا بنوع من الغيرة، لكن على أى حال لا يمكننا التنبؤ بشكل المدن بعد بناء السد، وأنا أرى أن الدولة يجب أن تركز الآن على ثلاثة محاور هامة، فنحن عندنا ملايين يقطنون مصر من السلوم وحتى العريش ومن بورسعيد حتى حلايب وشلاتين، لذلك أرى ضرورة التوسع من استخدام مياه التحلية داخل هذه المناطق عوضًا عن مياه النيل، الأمر الثانى الذى يجب تبنيه هو التوعية والتثقيف لاستخدام وسائل الرى الحديثة لترشيد استهلاك المياه، وأخيرًا توطيد العلاقات مع دولة جنوب السودان وإعادة إحياء مشروع قناة جونجلى وهو الأمر الذى قد يؤدى إلى استغلال أكثر لمياه النيل الأبيض كتعويض عما يمكن فقده بسب سد النهضة.


*لك كتاب سيصدر عن السينما، هل يمكن تقديم تاريخ ما من خلال السينما؟


 أعترض على كلمة «تاريخ»، فنحن ليس لدينا تاريخ واحد، بل تواريخ مختلفة، والتاريخ المكتوب من خلال السينما يختلف عن المكتوب عبر الدراسات الاجتماعية، لأنها تفتح آفاقا جديدة غير متوافرة لدينا مثل الخيال، فأنا كتبت كتابا أسميته «المدن السينمائية.. تاريخ الحداثة من بكرة السينما إلى الواقع» فما نراه من خلال بكرة السينما هو ما يريد أن يوصله لنا مخرج العمل

 

 

 

وهو يعبر عن فترة زمنية أو إحساس معين، يريد توصيله، وحين يشاهد الجمهور هذا الإحساس، ومع تكراره يبدأ الناس بعملية البحث عنه فى الواقع، ولو لم يجدوه فى الواقع، يقومون بخلقه فى النهاية والبحث عنه، مثال على ذلك أتذكر أن إحدى أطفال العائلة منذ عشرين عامًا كان جالسًا بحوارى، ووقتها مررنا على كوبرى «بروكلين بريدج» بنيويورك فوجه إليّ الطفل سؤالًا وقال لى «أين تمثال الحرية؟» فقلت له تمثال الحرية فى مكان آخر بنيويورك، لكنه صمم أن موضع التمثال يجب أن يكون فى هذا المكان، إلى أن ذهبنا إلى منزلهم فى إحدى المرات وبدأ يقلب فى أشرطة الفيديو

وفتح لى فيلما هنديا شهيرا صور فى نيويورك واسمه «كالا هونا هو» ورأيت أن بطل الفيلم يقف على البروكلين بريدج وبجواره تمثال الحرية، لذلك فالطفل حين رأى تمثال الحرية فى هذا الموضع داخل الفيلم أصبح مقتنعا تمامًا أن موقعه فى الواقع يجب أن يكون داخل هذا المكان، ومن هذا المنطلق كتبت كتاب «القاهرة السينمائية» لأننا حين نؤرخ للقاهرة سينمائيًا، سنتمكن من معرفة الأشياء التى أثرت فى أذهان الشعب المصرى، -سواء كانت واقعية أو لا- لكنها توضح لنا التخيلات والتطلعات لواقع قد يكون غير حقيقى لكنه مرغوب فيه.


ماذا قصدت بكتابك « نهاية التراث»، هل يمكن خلق تراث آخر بديل مصطنع وغير أصلى؟


حين صدر كتابى (Tradition and Heritage) و (End of Tradition) ما قصدته هو نهاية تقاليد العمران وليس نهاية التقاليد، فكلمة (Tradition) لا يوجد لها تعريب كامل ولا يمكن وصف الكلمة بالتراث وهذه مشكلة كبيرة ستواجهنى عند ترجمته، فما قصدته أن هناك أصلا وهناك صورة لأشياء كثيرة فى الوجود، سأذكر لك مثالا، خلال إحدى المؤتمرات التى نظمتها داخل مصر قمنا بزيارة لمنطقة الأهرامات وكان معنا أستاذ أمريكى ضمن الحضور، وتساءل عن سبب صغر حجم تمثال أبو الهول، وحينها أثار الأمر استغرابى فنظرت إلى «البادج» وبطاقة الهوية المعلقة حول رقبته ووجدت أنه أستاذ بجامعة «نيفادا» بلاس فيجاس، ووقتها فهمت الأمر، فهناك فى لاس فيجاس فندق شهير صمم على هيئة الهرم، وأمامه تمثال لأبو الهول باعتباره مدخلا لهذا الفندق، ولكى يستوعب التمثال العدد الضخم من السيارات القادمة تم تكبيره وتطويله ليستوعب ثمانى حارات من السيارات، فهو دائمًا ما كان يشاهد أبو الهول الأكبر بلاس فيجاس، ولكنه حين جاء إلى مصر وجده صغير الحجم فلم ينبهر به، وهنا نجد أن النسخة المطابقة للأصل أصبحت هى المرجعية الرئيسية التى استخدمها الإنسان بدلاً من الأصل، وذلك للحكم على الأشياء، وبالتالى فقد الأصل أهميته، فالعلاقة بين الأصل والمحاكاة هى التى تجعلنا نفكر كثيرًا فى المستقبل، خاصة وأننا فى عصر العولمة، فبرج إيفيل يجذب حوالى ٢٣ مليون زائر سنوى، لكن برج إيفيل الموجود فى لاس فيجاس يستقطب ٤٠ مليون زائر كل عام أى ضعف عدد الزوار، وهنا أصبحت زيارة «الصورة» أسهل من زيارة المكان الأصلى، لذلك ما أود أن أقوله أن الأصل لن يختفى لكن الذى سيحدث هو أن هناك أشياء سنعدها تراثية رغم أنها غير أصلية.
لننتقل لجزء أخير، ذكرت أنك كنت منبهرًا بحسن فتحى حينما كنت طالبًا، لكن عندما سافرت للخارج، تراجع هذا الانبهار ولم يعد يبهرك فتحى، لماذا حدث هذا التحول، وكيف تقيم تجربة حسن فتحي؟
أعتقد أن حسن فتحى لم يهتم أن يتكلم بلغة الشارع أو بلغة مهندسى عصره، فقد عزل نفسه باعتباره إله العمارة التقليدية (Vernacular Architecture) ومن هنا قام الغرب بتأليهه، فأنا لم أنبهر ‏بحسن فتحى لكنى كنت أنظر إليه فى هذه الفترة الزمنية، باعتباره مهندسا معماريا خلاق لديه تذوق لعمارة المماليك فى القاهرة القديمة، وعندما درست أكثر وزادت خبرتى اكتشفت أن فكرته القائمة على البناء بالطين -رغم أنها فكرة جيدة وبها نوع من الاستدامة- إلا إنها فكرة مصطنعة، ولم تكن تناسب السكان الذين أرادهم أن يقطنوا داخلها وخاصة فى قرية الجرنة ولذلك تجد أن مشاريعه الناجحة كانت معظمها بيوتا للأثرياء.
إلى جانب ذلك فقد أدركت أن فتحى اهتم أكثر بالنطاق المعمارى العالمى أكثر من اهتمامه الحقيقى بالأوضاع فى مصر أو بنشر نوع من أنواع الوعى التاريخى للمعماريين المصريين، فقد كتب كتابه الشهير «عمارة ‏الفقراء» ‏باللغة الإنجليزية والفرنسية أولًا، وذلك عندما طرح عليه بعض أصدقائه الأكاديميين الأجانب فرصة لنشر هذا الكتاب، لكنه لم ينشره باللغة العربية إلا بعد عقدين من الزمان، وخاصة بعد فوزه بجائزة الأغاخان، لذلك فقد ‏كان فتحى عضوًا من أعضاء الصفوة ‏فى فترة زمنية معينة هيأت لهؤلاء أن يتحدثوا بلسان الفقراء والفلاحين ولكنه ‏لم يكن فى الواقع نصيرًا للفقراء وهذا لا يعيبه ولكنه إحقاق لواقع..


ما سبب تأخر ترجمة أعمالك للعربية، أعتقد أن الأمر تأخر كثيرًا؟


عليك أن توجه هذا السؤال للمصريين ولدور النشر المختلفة، لكن هناك سببا رئيسيا هو أن بعض كتبى التى كتبتها فى البداية، لم أكن مهتمًا بترجمتها لأنى شعرت أنه قد لا يتم تقبلها بشكل جيد داخل الأوساط العربية، فكتاب «مدن وخلفاء» كتبته فى فترة ازداد التدين فى مصر إلى درجة الهوس، وحينها -والآن أيضًا- كنت أرى أن دراسة الأشياء «الإسلامية» هى فى الأصل دراسة لحضارة وثقافة، وأن هناك كثيرا من التفسيرات ليس شرطاً أن نردّها للدين كما كان دائمًا يحدث فى مصرفى نهاية القرن الماضى، وأنا كباحث أفسر المجتمع العمرانى الإسلامى كحضارة وليس فقط كدين، وهى وجهة نظر لم تكن مقبولة حين ذاك من جانب المصريين.


هل لديك مشروع فى الوقت الحالى تحاول تنفيذه؟


‏لدى العديد من المشاريع، أولها كتاب «القاهرة السينمائية» والذى أشرت إليه منذ قليل، وسيصدر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة باللغة الإنجليزية، وعن دار المرايا باللغة العربية ‏فى أوائل العام القادم، وهناك ‏مشروع آخر كبير بالتعاون مع ٢٥ ‏من كبار الأكاديميين المتخصصين فى دراسة القاهرة واسمه «القاهرة: ‏موسوعة معرفية»، و‏سيصدر بالإنجليزية فى نهاية العام القادم من دار نشر روتلدج ‏بلندن، وأتفاوض حاليًا مع دار الشروق لترجمته. 
أما المشروع الثالث والأخير وهو الأكبر، فهو تحويل كتاب النيل إلى مجموعة من الحلقات التليفزيونية التسجيلية، وحاليًا أنا فى محادثات مع عدة قنوات أجنبية لإنتاجه.