عاجل

حبر على ورق

استراتيجية ثقافية تليق بمصر

نوال مصطفى
نوال مصطفى

بقدر ما أسعدنى إعلان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فى مصر، الذى صاحبه إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى عام 2022 عاماً للمجتمع المدني، أحزننى وضع الحقوق الثقافية للإنسان فى نهاية المحور الثانى من محاور الاستراتيجية الوطنية، وبالتحديد احتلت رقم 8 سبقها 7 حقوق اقتصادية واجتماعية ضمها هذا المحور رغم الصياغة الرصينة، الدقيقة للاستراتيجية، لاحظت عبورًا سريعًا على الحقوق الثقافية، فلم تحظ إلا بصفحة ونصف بين 78 صفحة شملتها الاستراتيجية المهمة.

الرئيس ركز فى الفترة الأخيرة على قضية الوعى والتنوير، وكرر فى أكثر من لقاء جماهيري، ومداخلة تليفزيونية إنهما يشكلان حجر الزاوية فى بناء الجمهورية الجديدة، والدولة المتقدمة التى نتطلع جميعًا إلى أن نكونها،  ولماذا جاءت بنود هذا الجزء فى الوثيقة مركزة فقط على حقوق الملكية الفكرية والحفاظ على التراث والمناطق الأثرية، وكل هذا مهم طبعًا، ولكن أين بناء الإنسان المصرى؟، وتشكيل الوعي، وترسيخ قيم الانتماء والهوية، والربط بين الأصالة والحداثة؟.

هذا الوطن يملك ثقافة مركبة، متعددة الروافد والأعمدة، أذكر كتاب أستاذنا الراحل ميلاد حنا «أعمدة الشخصية المصرية السبعة» وتحليله الرائع لتداخل عدة ثقافات استوطنت مصر وتركت بصماتها على الشخصية المصرية دون أن تستلبها ، جاء فى الفصل الثالث من كتابه المهم: أن تلك الأعمدة هي: العامود الفرعوني، والعامود اليوناني-الروماني، والعامود القبطي، والعامود الإسلامي)، ثم يأتى الفصل الرابع الذى عنون بـ«انتماءات حسب المكان» وفيه يتحدث عن (العامود العربي، والعامود البحر أوسطي، والعامود الأفريقي).

نحتاج لاستراتيجية ثقافية شاملة تربط عظمة إرث مصر الثقافى مع حاضرها وتطلعها إلى التقدم والنهوض، نحتاج أفلامًا ومسلسلات تحكى سير عظماء مصر وهم كثر فى كل مجال من مجالات الحياة، نحتاج مسابقات ثقافية يرعاها رجال الأعمال تحيى قيمة الثقافة والقراءة وكل الفنون فى كل نجوع وقرى مصر، تلك التى خرج منها أم كلثوم وعبد الحليم، نحتاج أن نحتفى بالثقافة والفنون وستكون هذه هى الأداة الفعالة الحقيقية فى مواجهة الإرهاب والتطرف.

نحتاج أن نفتح الأبواب لهواء الفكر الحر الذى لا تكبله قيود أو تحفظات عقيمة، نريد أن تعود مصر بقوتها الناعمة بمثقفيها وفنانيها إلى الريادة، نظرة واحدة إلى صور الفنانين الذين تزدان بهم جدران دار الأوبرا المصرية كفيلة بأن تزرع فى نفوسنا جميعاً كمصريين شعوراً بالفخر والزهو، هذا الشعور يتملكنى كلما ذهبت لأحضر عرضاً موسيقياً راقياً أو حفلاً لإحياء ذكرى أحد رموزنا الفنية الخالدين بأعمالهم حتى الآن، أقول فى نفسى: هذه هى مصر، منصة إطلاق النجوم فى كل المجالات عبر العصور.

الشأن الثقافى وقضية التنوير فى حاجة إلى تركيز وجهد مخلص، وإيمان حقيقى من قبل المسئولين عنها ليس فقط فى وزارة الثقافة، ولكن من كل المسئولين فى الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني، ورجال الأعمال، نحتاج أعمال درامية هادفة، وخريطة مختلفة لبرامج التليفزيون والإذاعة تعيد البرامج الهادفة والتى كانت تتمتع بمشاهدة عالية جداً مثل نادى السينما وأوسكار و جولة الكاميرا وعالم البحار، نريد استراتيجية ثقافية تليق بمصر وتراثها الغنى الفريد.