عمر بن لادن من «تورا بورا» إلى نورماندى الفرنسية.. رحلة التمرد والتحول

أسامة بن لادن ونجله عمر
أسامة بن لادن ونجله عمر

«أنا نجل أسامة بن لادن، أشعر بالغضب من الجرائم التى ارتكبها، وأتبرأ من طريقه العنيف-وأعتذر من صميم قلبى لإيذاء العديد من الضحايا».. هكذا عبر عمر الابن الرابع (من بين 24 ابنًا) لأسامة بن لادن عن نفسه فى مقابلة خاصة لملحق «7 أيام» بصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، ويقدم نفسه كسفير للسلام، وأنه صالح للجميع، بغض النظر عما إذا كانوا مسلمين أو يهودًا أو مسيحيين وأنه أبعد ما يكون عن أسامة بن لادن.. مع ذلك لا يمكن عدم ملاحظة التشابه الخارجى بين الابن والأب. فلديه عيون والده وأنفه.

ولد عمر (40 عاما) فى السعودية من زوجته الأولى لوالدته نجوى غانم، وسافر فى شبابه مع عشيرة بن لادن إلى باكستان، ومن هناك إلى السعودية، ثم إلى السودان، وأخيراً إلى أفغانستان. يعيش اليوم فى نورماندى بفرنسا، ويتعامل على النقيض تمامًا من طريق الرعب الذى قصده والده - يعمل بالرسم من أجل لقمة العيش. عمر متزوج منذ ما يقرب من عقدين من الزمان من چين فيليكس براون، أو باسمها الحالى - زينة محمد الصباح، التى تكبره بخمسة وعشرين عامًا، وهى جدة لخمسة أحفاد. خلال المقابلة، كان مترددًا، وربما يجد صعوبة فى تجاهل حقيقة أنه يجرى مقابلة مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، لكن زينة من ناحية أخرى كانت مبتسمة وواثقة. ترشده فى العلاقات العامة.

وهو يفخر دائمًا بالكشف عن أصل عائلة والدة زوجته من اليهود فى إسرائيل التى يتطلع لزيارتها لعرض لوحاته هناك. «أعلم أن هذا بلد جميل وأن الكثير من الناس فيه يريدون السلام مع الفلسطينيين. وأنا أعلم أنه منذ عام 1948 يعيش الفلسطينيون جنبًا إلى جنب مع الشعب اليهودي، وأن جيران كل دين يمكن أن يعيشوا جنبا الى جنب بسلام».!

لا للخلافة

يتذكرعمر بن لادن ان والده استدعى جميع أعضاء القاعدة بما فيهم ابناؤه إلى اجتماع عاجل. كان ذلك عام 1999، فى أحد مساجد قندهار وتحدث فى الاجتماع عن «الشهيد»، موضحًا أن من يبذل حياته من أجل الإسلام يحظى بأكبر قدر من الاحترام يمكن أن يحققه المسلم. على حائط المسجد «كانت هناك قائمة بالشهداء، رجال تطوعوا ليكونوا انتحاريين، واحدًا تلو الآخر أضافوا أسماءهم إليها. كانت لديه قدرة مذهلة على تشجيع الشباب على التخلى عن حياتهم»..

فى نهاية الاجتماع الذى دعا إليه زعيم القاعدة، طلب من جميع أبنائه التجمع فى حلقة وقال: «يا بنى من أراد أن يضحى بحياته من أجل الإسلام، فعليه أن يضيف اسمه إلى القائمة».

المواجهة الأولى

فجأة رأى عمر، أحد إخوته الأصغر يركض ليضيف اسمه على أنه شهيد المستقبل. غضب على والده كما لم يغضب منه من قبل، فقد كان أخوه أصغر من أن يدرك مفهوم الحياة والموت. يقول: «تحليت بالشجاعة وقلت له: أبي.. كيف يمكنك أن تطلب هذا من أبنائك؟» فى هذا الوقت لم يعد سعيدًا بي، لقد مثّلت خيبة أمل كاملة له -ابن لا يريد السلطة، ويفضل السلام على الحرب. «حدق فى وجهى بعدوانية، وقال: أى رجل أو ولد آخر فى هذا البلد». دار حول الحلقة بعينيه وقال لأخي: «هذا ينطبق عليكم جميعًا».. وسم أسامة بن لادن ابنه عمر وريثًا منذ شبابه. وفى تلك اللحظة، ظهرت الحقيقة البسيطة، وهى أن ذلك «لن يحدث. «أبى كان يكره أعداءه أكثر مما أحب أبناءه». شعرت بالغباء حيال الحياة التى أهدرتها وعرفت أننى سأرحل، وسأغادر قريبًا جدًا».

فى صباح يوم 11 سبتمبر 2001 ، استيقظ عمر على صراخ عمه فى منزل جدته فى جدة عندما اقتحم غرفته وصرخ: انظر ماذا فعل أخي! انظروا ماذا فعل أخي! خرب حياتنا! لقد دمرنا! ظل يصرخ: تعال بسرعة! تعال وانظر ماذا فعل والدك!«رأيت على شاشة التليفزيون ألسنة اللهب تتصاعد من المبانى الشاهقة. لم يكن لدى أى فكرة عما كنت أنظر إليه، كانت الكلمات والصور مروعة جدًا. على الرغم من أن عمى أعرب عن أسوأ مخاوفه، إلا أنه لم يستطع أى منا أن يصدق حقًا أن شخصًا نعرفه، شخصًا نحبه، كان مرتبطًا بهذه الأحداث الكارثية.. «واجهت صعوبة فى الاعتقاد بأن لديه القدرة على تنظيم مثل هذا الشيء. لقد غير هذا اليوم حياتنا إلى الأبد، وكان من الصعب جدًا الاستمرار فى العيش بعد ذلك. خلال هذه السنوات من الخسارة والحزن، كان على أن أتصالح مع حقيقة والدي. «كثيرا ما أتساءل عما إذا كان والدى قد قتل مرات عديدة حتى أن القتل لم يعد يجلب له المتعة أو الألم».. فى يوم الاثنين 2 مايو 2011، شنت الولايات المتحدة عملية نبتون، والتى قتل فيها أسامة بن لادن، يقول عمر: «شعرت بالارتياح لأنه انتهى».. يضيف: «يسبب اسم عائلتى لى الكثير من المتاعب فى العديد من الأماكن وخاصة فى العالم العربي. أما فى العالم الغربى لا، أنا مجرد شخص عادى هنا وأتعامل كالمعتاد. فى العالم العربى الكثير من الكراهية تجاهي. الجبناء الذين يخافون التحدث معى يعتقدون أننى مثل أسامة لأننى ابنه. لكن الأمر ليس كذلك. انا لست أسامة.

علاقة جافة

ويضيف:«لم يكن أبى رجلاً يُظهر المودة. لم يعانقنى أو يعانق أخى مطلقًا. حاولت إجباره على إظهار المودة إلى وجذب انتباهه بكل طريقة ممكنة. أردت فقط أن يكون لدى أب لأحبه، اذهب فى جولة معه ونتحدث قليلا».

«سُمح لنا بالتحدث فى حضوره، ولكن فقط بصوت منخفض، لم يكن مسموحًا لنا التحدث كثيرًا، أخبرنا والدي، يجب أن نكون جادين فى كل شيء، كنا ممنوعين من إلقاء النكات، والتعبير عن الفرح». وأكد «يجب أن نبتسم لا أن نضحك. إذا فقدنا السيطرة وغلبنا الضحك، كنّا نحرص على عدم ظهور أسناننا».. استمرت الأسرة فى الهجرة، هذه المرة إلى السودان، أعطى أسامة لأبنائه وثائق قانونية تفيد بأن أبناءه الثلاثة الأكبر-عبد الله وعبد الرحمن وسعد، سيُمنحون سلطة التصرف نيابة عنه عند وفاته. ولم يظهر اسم الابن الرابع عمر فى القائمة. ثم أعلن أسامة: «سأرحل غدًا، وسآخذ عمر معي». المحطة التالية كانت أفغانستان.

فى تورا بورا

فى وادى سافان جار الأفغانى («الجبل الأبيض»)، استقبل قائد طالبان الملا محمد عمر أسامة وعمر بن لادن، ثم أهدى أسامة كهفًا فى جبال تورا بورا. المنزل الجديد لعائلة بن لادن.. لم تكن هناك كهرباء فى الجبل، علمت حينها أن الأوقات العصيبة حلّت علينا. أصبحنا عائلة جبلية حقيقية، نعيش حياة مضاءة بالشموع أو فوانيس الغاز. لم تكن هناك أنابيب مياه، وأتذكر عندما وصلت الكهف لأول مرة تساءلت عما إذا كانت والدتى اللطيفة ستضطر للذهاب مع إبريق من الماء على رأسها، وتكافح لتسلق جبل صخرى لجلب الماء للشرب والطهي؟ ثم تذكرت أنه لا يوجد مطبخ، ولا حمام.

عشنا هناك لمدة عام وسرنا كثيرًا فى هذه الجبال، فى رحلات خطيرة للغاية، بالنسبة لي، كطفل ومراهق، كان الأمر بمثابة مغامرة ممتعة لفترة من الوقت حتى كبرت وأصبحت مراهقًا، شعرت بالرغبة فى العودة إلى بلدي، إلى المملكة العربية السعودية. افتقدت الحياة الأسرية والحياة الطبيعية، دون عنف وحروب، لذلك قررت المغادرة».. حانت الفرصة عندما حصل عمر على إذن للسفر مع والدته الحامل إلى سوريا، وأدرك أن هذه كانت فرصته للمغادرة. قبل أن يغادر إلى الأبد، رأى والده آخر مرة. «لقد نظر إلى نظرة غير سارة، كما لو كانت لدى فرصة أخيرة لتغيير رأيي، لكننى أصررت على أن آخذ والدتي. رفع يديه فى الهواء وقال لي: 'تذكر يا عمر، من الآن فصاعدًا كل شيء بينك وبين ربك»..
«شعرت أنها المرة الأخيرة لأننى كنت أعلم أن الحرب لن ترحم أى شخص وبالتأكيد ليس والدى، قبل أن أتركه، أخبرته أن أفعاله كانت خاطئة وأن الطريق إلى الأمام هو بالكلام وليس بالحرب. العالم كله اضطهده، كنت أعرف أنهم سيقتلونه».