نفحات lاستغاثة عاق تائب

نفحات
نفحات

أروى حسن

عندما يسرف الإنسان على نفسه ويتمادى فى معصية الله، ويتوب ويستغيث، يستجيب له سبحانه وتعالى مصداقا لقوله عز وجل فى كتابه العزيز: “قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم”، وقد يأتيك الغوث من الله تعالى فى صورة رجل صالح يدعو لك، وهذا ما حدث فى وقت خلافة على بن أبى طالب “رضى الله عنه”، حيث روى عن الحسين بن على “رضى الله عنهما” قال: “كنت مع أبى فى الطواف ذات ليلة، وقد خلا الطواف، ونام الزوار، إذ سمع مستغيثاً مستجيراً يقول:
يا من يجيب دعا المضطر فى الظلم 
 يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا 
 يدعو، وعينك يا قيوم لم تنم
هب لى بجودك فضل العفو عن جرمى 
 يا من إليه رجاء الخلق فى الحرم
إن كان عفوك لا يلقاه ذو سرف 
 فمن يجود على العاصين بالنعم
قال الحسين:‌ فقال لي: يا أبا عبد الله أسمعت المنادى ذنبه، المستغيث ربه؟ قلت: نعم، سمعته. فقال: اعتبره عسى تراه، فما زلت اختبط فى الظلام واتخلل النيام، حتى بدا لى شخص قائم. فقلت: السلام عليك، أجب ابن عم رسول الله، فأسرع فى سجوده وقعوده وسلم، فلم يتكلم حتى أشار بيده بأن تقدمني، فتقدمته فأتيت به أمير المؤمنين، قلت: دونك ها. قال له: من الرجل؟ قال: منازل بن لاحق. قال: ما حالك، ومم بكاؤك واستغاثتك؟ قال: ما حال من أُوخذ بالعقوق فهو فى ضيق، وتاب ودعاؤه لم يستجاب. قال علي: ولم ذلك؟ قال: لأنى كنت ملتهياً فى العرب باللعب والطرب، أديم العصيان وما أراقب الرحمن، وكان لى والد شفيق رفيق، يحذرنى ويخوفنى العقاب ويقول: “يابنى إن لله سطوات ونقمات وما هى من الظلمين ببعيد”، وكان إذا ألحّ عليَّ بالوعظ وثبت عليه ضربته، حتى كان يوما أوجعته ضرباً ولويت يده، فأومأ  بيده إلى ركبتيه يروم النهوض من مكانه ذلك، فلم يُطق يحركها من شدة الوجع والألم، فأقسم أن يدعوا عليا فى الحرم وعندما ذهب أنشأ يقول:
يا من إليه أتى الحجاج بالجهد 
فوق المهاد من أقصى غاية البُعد
إنى أتيتك يا من لا يخيب من 
يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد
هذا منازل من يرتاع من عققى
فخذ بحقى يا جبار من ولدي
حتى تشل بعون منك جانبه 
يا من تقدس لم يولد ولم يلد
قال: وما إن اتم دعاه حتى نزل بى ما ترى ثم كشف عن يمينه، فإذا بجانبه قد شل. وأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لى فى الموضع الذى دعا به علي، فلم يجبني، حتى إذا كان العام أنعم عليَّ بالرضا، فخرجت به على ناقة فتوفاه الله فى الطريق وقبرته هناك.
استحلفه أمير المؤمنين أن كان أباه قد رضى عنه حقا، فحلف، فقام سيدنا على وصلى ركعات ورفع يديه وأسر بدعوات إلى الله تعالى، بعدها قال له أمير المؤمنين قم يا منازل فقام على قدميه كأن لم يكن به شيء، قال له أمير المؤمنين: لو لم تقسم أن أباك رضى عنك ما دعوة لك.