من «القرافة» إلى «الكافيهات»

السعادة بين أشواك الصبار

زراعة الصبار
زراعة الصبار

علا نافع  

على طريق ترعة المريوطية، وتحديدًا فى منطقة المنصورية، تتناثر المشاتل بأزهارها الملونة، ونباتاتها الزاهية، عمال يعملون بجد رغم درجة الحرارة المرتفعة يسارعون برى نباتاتهم وترطيبها منعا لجفافها، يقفون على ناصية الطرق يعرضون بضاعتهم للبيع فلكل زهرة عاشق، وعلى مقربة من تلك المشاتل توجد مزرعة للصبار، من أقدم مزارع الصبار بمصر.
 

هواة زراعة الصبار لا يتخطون عدد أصابع اليد الواحدة بمصر، هنا فى تلك المزرعة التى تزيد مساحتها عن الفدانين، يوجد أكثر من خمسة آلاف نوع من أندر أنواع الصبار، التى تتجاوز أعمارها الـ100 عام، صبار جىء به من المكسيك وآخر من أمريكا الشمالية ودول إفريقيا المختلفة، وتختلف أشكاله وألوانه بحسب بيئته وطبيعة أشواكه وبنيانه الهندسى، فضلًا عن أسعاره، فالنادر منه يصل سعره لعشرة آلاف دولار.
ورغم ارتباط زراعة الصبار بزيارة المقابر والترحم على الأموات فى مصر، إلا أنه نبتة السعادة وعلاج الاكتئاب لدى الأوربيين والأمريكيين، وليس هذا فقط بل باتوا يستخدمون مواده العضوية فى إنتاج الادوية ومستحضرات التجميل الباهظة الثمن.
داخل المزرعة التى تخصصت فى إنتاج الصبار منذ 1982، يقف المهندس أحمد هلال ليُتابع العمال عن كثب، يمسك إصص الصبار ليترقب نمو البذرة الصغيرة والتى يستغرق نموها أكثر من عام كامل، يحرص على تسميدها بالأسمدة اللازمة لتغذيتها كى تنمو بقوة ولمعان، يتفحص بين الحين والآخر الأنواع المختلفة دون أن يعبأ بأشواكها البارزة فقد تعلم من والده طرق لمسها السليمة حتى لا يتأذى منها.
ينادى على "سالم" واحدا من مساعديه الكثر كى يبدأوا فى رى الصبار، فرغم الفكرة السائدة بأن ذاك النبات لا يحتاج للرى الدائم إلا أنه يهتم بريه من وقت للآخر كى يضفى عليه لمعانا وحيوية خاصة بالأنواع العصارية المعروف عنها قدرتها على تخزين المياه لسنوات عديدة، لم يعبأ "أحمد" بانتقادات البعض على اهتمامه وزراعته للنبات الحزين بل زاده حبا وتمسكا به، وبدأ يطوف البلاد المختلفة ليجمع أكبر عدد من نباتات الصبار المكتشفة حتى وصل عددها لأكثر من خمسة آلاف نوع، يشارك كل عام فى معرض الزهور لعرض صباره وترويج فكرة زراعته بين الجمهور العادى خاصة أن أسعارها رخيصة مقارنة بالنباتات الأخرى إذ تتراوح ما بين 15 جنيها حتى السبعين جنيها.
النبات الحزين
يقول المهندس أحمد، إن الصبار نبات يستطيع تحمل الظروف البيئية القاسية وندرة المياه، ولكن تحتاج زراعته ونموه لصبر أيوب ومال قارون إذ إنه لا ينمو فى مصر رغم صحاريها الواسعة فهو يحتاج لبيئة رطبة ليست بشديدة الجفاف وذات رمل خشن الحبيبات وهذا ما يتواجد فى صحراء المكسيك وأمريكا الشمالية، ويتميز هذا الصبار بأشواكه القوية والبارزة فضلا عن وجود بعض الأنواع التى تدخل فى إعداد أطعمة شهية ومربات مختلفة تعد الأغلى فى العالم، مقارنة بالصبار الإفريقى والذى يمتاز بطوله العالى وأشواكه المنبعجة ويتواجد أغلبه فى نيجيريا وغينيا.
وعن اهتمامه بالصبار قال: منذ تفتحت عيناى على الحياة وجدت والدى شغوفاً باقتناء أنواع الصبار المختلفة ثم جاءت له فكرة افتتاح مزرعة كبرى يضم فيها أندر الأنواع وبالفعل تم الافتتاح فى أوائل الثمانينيات على مساحة فدانين ونصف ويضيف: بعد تخرجى فى الجامعة ساعدت والدى فى عمله سواء من خلال إنتاج النباتات الصبارية المعمرة الكبرى والتى وصل عمرها لأكثر من مئة عام أو الصغيرة للأماكن الداخلية واللاند سكيب كما ننتج أيضا البذور والشتلات والنباتات العصارية والتى تستخدم فى انتاج الالوفيرا المادة الخام لمستحضرات التجميل ومنتجات ترطيب البشرة والشفاه، مؤكدا أن مزارعى الصبار فى مصر لا يزيد أعدادهم عن الخمسة أفراد وأغلبهم ينفق أموالاً ضخمة حتى تزدهر مزرعته.
ويشير المهندس أحمد إلى أن فوائد الصبار الطبية عديدة إذ بات الأوروبيون يستخرجون منها مواد عضوية تستخدم فى علاج السرطان والأمراض المزمنة مثل سكر الدم وارتفاع الضغط كذلك يساهم فى سرعة شفاء الجروح لخصائصه المهدئة للجلد لذا فإن المداومة على استخدام جل الصبار يحفز من شفاء حروق الدرجة الأولى والثانية ناهيك عن دخوله فى صناعة منتجات العناية بالفم والأسنان.
وينفى هلال كون الصبار نباتاً يجلب وجوده الطاقة السلبية بالمنزل مؤكداً أن الأوروبيين يحرصون على وجوده فى منازلهم لقدرته على سحب طاقة الاكتئاب وتخليص الجو من الشحنات السلبية وهذا ما يفسر ارتفاع أسعاره بألمانيا والدول الأوروبية بل إن هناك مطاعم وكافيهات بدأت بتطبيق فكرة وجود ركن للصبار من أجل التخلص من الضغوط النفسية والاكتئاب الذى يعانى منه معظم الأوروبيين على عكس المصريين الذين يربطون وجوده بزيارة المقابر أو "القرافة" كما يطلقون عليها.
وعن أشهر أنواع الصبار يقول: يمتاز المصريون بحسهم الفكاهى حتى فى الأسماء التى أطلقوها على الصبار فقد حرفوا تسميتها الأجنبية واستبدلوها بأخرى مصرية مشتقة من أشكالها المميزة فهناك صبار "عمة القاضى" وآخر "ديل الجمل" كذلك أسماء مشتقة من أعضاء الجسم مثل "المخ والفشة والكرشة" وغيرها من الأسماء.
أما عن عمر نموه فيوضح أن نموه بطىء للغاية ويستغرق أعواما عديدة تصل إلى أربع سنوات أما النباتات العصارية فعمرها يتراوح بين 6 أشهر وعام مشيراً لوجود فارق بين النباتات الشوكية والعصارية، حيث إن العصارية لا يوجد بها شوك أما الصباريات فيكسوها الشوك من كل الجوانب.
زمن وجهد
وعلى مقربة من الصبارات المعمرة الموجودة بمقدمة المزرعة تجلس العاملات بالمزرعة وأغلبهن فتيات لم تتخط أعمارهن الثامنة عشرة عاما، يعملن بجهد وهمة دون أن يهتممن بلسعات أشواك الصبار الحادة أو حرارة الجو، فقد وقعن فى عشقه إذ علمهن الصبر واليقظة وتفادى الوقوع فى الأخطاء على قدر الإمكان، يمسكن الأصص بمهارة ويعملن على تنظيف النباتات من الحشائش الضارة، يتبادلن الضحكات والنوادر بينهن، ينتظرن لحظات الراحة حتى يهرعن لبيوتهن كى يتناولن ما أعددته لهن أمهاتهن من وجبة مشبعة، يرتبطن بعلاقة أبوة مع المهندس أحمد الذى لا يتوانى عن تقديم المساعدة والمساندة لهن.
تقول رحاب: "أعمل فى المزرعة منذ أكثر من عامين وتنطوى مهمتى على تنظيف النبتة الصغيرة من الحشائش الضارة التى تشوه شكلها العام وريها بين الحين والآخر، فرغم الاعتقاد السائد بأن الصبار ليس من المهم ريه إلا أن ذلك يؤثر على زهاء لونه وريعانه ويجعله باهتا وشاحبا".
وعن مميزات الصبار، قالت إنه يمتاز بقوة على تحمل الظروف البيئية الصعبة خاصة فى أشهر الصيف الحارة والأشهر الباردة ولكن رغم ذلك فإنه يحتاج لاهتمام خاص سواء من حيث تسميده وتغذيته أو رشه بالمبيدات للقضاء على الحشائش الضارة أو الفطريات التى تهاجمه.
أما آيات، واحدة من العاملات فتقول: "نعمل فى المزرعة منذ الساعة التاسعة صباحا حتى الرابعة مساء ونحصل على يومية تتراوح ما بين الثلاثين حتى الأربعين جنيها أما الرجال الذين يعملون معنا فيحصلون على يومية أكبر منا نظرا للأعمال الشاقة التى يقومون بها من حمل الأنواع الطويلة أو ذات الأشواك الحادة فضلا عن رعايتهم الدائمة للنباتات والتى قد تصل لاكثر من اثنى عشر ساعة مؤكدة أن أغلب العاملات بالمزرعة يسكنَّ بجوارها فى بيوت المنصورية البسيطة مما لا يكبدهن مشقة الانتقالات".