محمود الوردانى [email protected]
بقراءتى للمجموعة القصصية ما لا يمكن إصلاحه - دار الكرمة - 2020 لهيثم الوردانى، تحررت من الحرج الذى لازمنى تجاهه، بسبب القرابة التى تربط بيننا، فهو إبن شقيقى الأكبر الراحل عبد العظيم، لكنه فى الوقت نفسه أصدر، على مدى السنوات الماضية ومنذ عام1995 مجموعته المشتركة الأولى "خيوط على دوائر" ، ثم ثلاث مجموعات قصصية أخرى هى اجماعة الأدب الناقصب واحلم يقظة و امالايمكن إصلاحه، إلى جانب كتابيه المدهشين اكيف تختفى و اكتاب النوم
.. وفى كل هذا تجنبتُ تماما الإشارة إليه بسبب الحرج كما أشرت، لكن مالا يمكن إصلاحه، أطلقت سراحى فى الحقيقة، فهى واحدة من المجموعات القصصية النادرة والجارحة والبعيدة الغور.
أبادر إلى القول أولا إن هناك ظروفا شخصية حالت دون أن تنتظم علاقتنا العائلية، فقد سافر مع أسرته بعد مولده عام 1972 إلى السعودية، عندما ترك أبوه العمل بالصحافة ليلتحق بالتدريس، وأمضى هيثم سنوات طفولته وحتى مطلع الصبا هناك، وعاد لينهى دراسته الثانوية وتخرج فى كلية الهندسة عام 1994، وفى أواخر التسعينيات كان قد انتقل إلى برلين، ومازال يعيش هناك، فيما عدا الأوقات القليلة التى يمضيها فى أجازات بالقاهرة.
لذلك لم يحدث أن تأثر بى مثلا، ولا أعرف ما إذا كان قد قرأنى بعناية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فقد كان تأثره بمجايليه أقل مما كان يمكن أن يحدث لو كانت إقامته استمرت فى مصر
.. وعموما فهذا موضوع يحتاج لمساحة أكبر ودراسة أكثر عمقا.
أود فى البداية أن أشير إلى أن القصة القصيرة كجنس أدبي، فَقَدت مكانتها وانفضّ عنها الكاتبون متجهين إلى الرواية على مدى العقدين السابقين، فتوارت على نحو لافت بل وكادت تختفي، ولم يتمسك بها ويتخذ منها وسيلته للتعبير إلا عدد قليل من الكتاب لايتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأظن أن هيثم الوردانى واحد من أبرزهم.. وقد سبق لى أن قدّمت قراءات لأعمال بعضهم مثل محمد فرج وياسر عبد اللطيف وحسن عبد الموجود، على تنوع واختلاف تجاربهم، وأظن أن مايجمعهم حتى الآن اتخاذهم من القصة القصيرة، والقصة القصيرة وحدها وسيلة للتعبير، لاتختلف عن الرواية التى هُرع إليها الأكثرون فى الحجم فقط، بل هناك أسباب أعمق تتعلق بهذا الشكل تحديدا من أشكال الكتابة، شكل هو وحده القادر على استيعاب تجارب محددة لا يستجيب لها أى شكل آخر وفى هذا السياق، من الواجب الإشارة إلى أن بعض هؤلاء الكتاب قد يلجأون إلى الرواية، فيما لو رأوا أن التجربة التى يتناولونها تستوجب ذلك، كما أن بعضهم الآخر يلجأ إلى كتابة متتالية قصصية، فيما لو استوجبت التجربة ذلك.
على أى حال، من اللافت أن عنوان المجموعة لايشير لأى قصة من القصص، لكنه يشير إلى احالة وإحساس وإيقاعب، يربط بين القصص الثمانى التى تضمها المجموعة الخلابة حقا، والتى تشكّل عالما خاصا بالكاتب، وسباحة تخصه وحده فى طريق حفره بنفسه.
أظن أن هناك أمرين يلفتان النظر فى المجموعة، وكلاهما يؤكد على التنوع المدهش للعوالم والشخوص والأماكن. الأول هو تنوع الضمائر التى يستخدمها الكاتب. هناك أربع قصص هى ا أنا سلطان قنون الوجود او أمل أعمى و اغداء اومياه جوفية مكتوبة بضمير الغائب، وهناك ثلاث قصص هى "الخطوة المعلقة وأمير الظلام و مياه جوفية"، بينما هناك قصة واحدة هى "شبابيك جديدة مكتوبة على لسان امرأة وحيدة".
بسبب المساحة أستأذن القارئ فى استكمال قراءة "مالا يمكن إصلاحه" للأسبوع المقبل إذا امتد الأجل.
المصدر : جريدة أخبار الادب