داخل قصور الثقافة بين القرى والنجوع

نجوم «مخفية» فى «قلب الجبل»

العرض المسرحى قلب الجن
العرض المسرحى قلب الجن

كتب: عصام عطية

«قلب الجبل»، مسرحية لفرقة فاقوس المسرحية، أبدع فيها مجموعة من الشباب الموهوبين بأدائهم العالى، رغم فقر الإمكانيات داخل قصر ثقافة مركز فاقوس، كما هو الحال فى معظم قصور الثقافة الموجودة فى المدن والنجوع، والمُتابع جيدًا لفناني الفرق الفنية فى وزارة الثقافة بكل هيئاتها يعرف جيدًا أنهم جميعًا يشكون من التهميش، سواء فى البيت الفنى للمسرح أو داخل قصور الثقافة أو حتى فنانى دار الأوبرا.


الفن والأداء فى كثير من مؤسسات وزارة الثقافة ليس له مقياس موضوعى منضبط، وغالبا ما يخضع للأهواء، فالأوبرا تستعين بنجوم من الخارج تمنحهم الآلاف، فى حين أن مطربى الأوبرا أصحاب الأصوات الجميلة يحصلون على الملاليم، وهو نفس الحال فى بيوت الثقافة فهناك فنانون ونجوم لا نعرف عنهم شيئاً رغم أنهم عمالقة فى الأداء، لكن حظهم السيئ أنهم وقعوا فى هيئات لا تعرف كيف تُقدمهم للجمهور أو تصنع نجوميتهم.


«قلب الجبل»، مسرحية عرضت منذ أسابيع ضمن الموسم المسرحى 2020ــ 2021 بالإدارة العامة للمسرح، العرض من تأليف على عثمان وإخراج محمد النجار، الذى كشف أن أحداث العرض تدور فى إحدى قرى الجنوب والتى قد تحدث بالبيئة المصرية على اختلاف موقعها الجغرافى على أرض مصر شمالا وجنوبا، والمكان الدرامى للعرض بلدة يحدها جبل قاسى والصخور فقست من ثم قلوب من اقترب منه، وعلى مشارفها مجموعة الغجر الذين حاولوا ويحاولون وسيحاولون دوما إشعال فتيل الأزمة بغية بث الفرقة بين الأهالى ليخسروا ترابطهم فيعدوا غثاء لا همة لهم ولا قيمة ولا تواجد فوق الأرض فيعدوا القبر لهم ملاذا وغاية للهرب من واقع أليم، وتدور الأحداث حول فارس الشاب الأرعن الذى قتل أمه انتقاما منه لشكه فيها وهى البريئة المنزهة فكان صوت الدم المراق أعلى من صلة الرحم فقتل الأم غيلة منه، وتتشابك الأحداث ببحث فارس عن الرجل الذى كان بصحبة الأم لقتله هو الآخر وتكشف الأحداث بعد ذلك أن ذاك الرجل هو زوج للأم وأن الأم المقتولة ليست خاطئة لكنها تزوجت بإطار شرعى ولأن الانتقام يعمى البصر والبصيرة فلم يستمع فارس لصوت العقل وارتضى الانتقام من نفسه.


أضاف، أن رؤيته الإخراجية تتركز على محاولة تأكيد الدلالات التى تعضد من رفض الثأر كفكرة فى معناها العام والخاص ومحاولة نبذ العصبية والتعصب، وعليه ارتكزت الرؤية الإخراجية على صناعة خط موسيقى طقسى موازٍ يعتمد على استلهام التراث الصعيدى والفلاحى والشعبى فى معناه العام والاعتماد على الحكى غناء وأداء وتمثيلا لخلق حالة طقسية شعبية تسعى إلى الاكتمال شكلا ومضمونا فى حدود الإمكانات المتاحة ومحاولة خلق رؤية حالة مبهرة قادرة على خلق خيال يجمل الواقع فيكشف الخبايا وصنع آليات جديدة.


وقال إن الفرق المسرحية فى الأقاليم مظلومة إعلاميا بمعنى أنه نادراً ما تتم تغطية فعاليات العروض المسرحية على شاشات القنوات التلفزيونية أو الصحافة ولا يتم الاحتفاء بالعروض إلا من خلال جريدة مسرحنا على الرغم من اهتمام وزارة الثقافة بالعروض وبخطة تشغيل سنوية للمواقع الثقافية فى كافة أنحاء الجمهورية، مضيفًا: «يعيب قصور الثقافة ومسارحها الصيانة الدورية مما يؤدى إلى تآكل البنية التحتية للمسارح وبالتالى تعانى من فقر التجهيزات الفنية وتطويرها على مستوى أجهزة الصوت والإضاءة».


وأشار النجار إلى أن العنصر البشري، وتحديدا الممثلين هو عنصر غير ثابت ومتغير وبالتالى تتباين الخبرات وتتباين الموهبة وذلك نظرا لعدم نظامية الفرق المسرحية فعلى سبيل المثال فرق الفنون الشعبية أكثر ثباتا وتميزاً لوجود هيكل مالى وإدارى مستمر طول العام يحفظ كيان الفرق من التغيير المستمر كفرق المسرح، وتسعى وزارة الثقافة عن طريق مشروع ابدأ حلمك إلى زيادة وعى وثقافة الشباب وصقل مواهبهم لتغذية الفرق المسرحية فى الأقاليم المصرية.


وتقول مهندسة الديكور آلاء غايث إن عرض «قلب الجبل» تدور أحداثه فى أحد نجوع الصعيد وفى منطقة جبلية مهجورة يسكنها الأشباح وتتخدها المشعوذات والغجر مكانًا آمنا لهم وتدور الأحداث بين أهل النجع والغجر حول نيل الثأر لذا كانت رؤيتى التشكيلية تعتمد على تجسيد هذه الحالة وقمت بتشكيل الديكور الذى يتمثل فى بيوت مشوهة يملؤها كثير من الشقوق وسط منظر جبلي.
تامر حسن قام بدور حربى المتطلع والذى يسعى لأن يكون كبير الغجر وكبير البلد فى الوقت ذاته والمحرك الخفى لكل خيوط الشر فى النجع فهو لم يتوان عن قتل أخيه ورسم المؤامرات بخسة ونذالة وتتسم «شخصية» حربى بأنها مركبة تحمل صفات عديدة.
أما مى مكاوى البنت الغجرية أم عابر، الباحث عن ثأر أبيه، فهى أم طيبة حنونة، خائفة على ولدها ملتزمة بالعهد المقطوع بين النجع والغجر وتحاول إثناء ابنها عن طلب الدم بالدم الذى يسيل الدم تباعا فى غالب الأحيان، مى قالت إن «قلب الجبل» هى أولى تجاربها فى التمثيل، والذى اكتشفنى هو مخرج العرض.

 


لينا ملاك، تؤدى شخصية حسنة بنت حمدان كبير النجع الذى مات ثم تتزوج أمى من كبير الغجر سرا ويقتلها فارس أخى ظنا منه أنها وقعت فى الخطيئة، ومن ثم يحاصرنى الصراع النفسى بين البكاء على الأم المقتولة، والبحث عن الأخ آخر ما تبقى من العائلة لإبراء ساحة الأم من الخطأ والخطيئة.


إسلام أيمن، هو عابر الشاب الغجرى ابن فواز كبير الغجر والمصمم على أخذ ثأر أبيه من قاتله فارس، ومع تتابع الأحداث يكتشف أن من نقض العهد هو الأب وأن فارس ليس قاتل أبيه، ولم يقتل الأب إلا الأخ فيعانى عابر  خلال أحداث العرض من خيانة العم ونقض الأب للعهد.


فارس الجزار يقوم بشخصية فارس الشاب الذى مات أبوه وتزوجت أمه سرا دون علمه فيمتلئ بالغضب، وعندما فوجئ بها مع رجل غريب يقتلها ظنا أنه عشيقها وبعد ذلك يهرول وراءه ويبحث عنه بكل مكان لقتله وليثأر لشرفه وتكشف الأحداث أن الأم كانت متزوجة سرًا من فواز كبير الغجر والذى يقتل أيضا فتتصاعد الصراعات النفسية لرسم خريطة أخرى للنجع قوامها الثأر والرعونة.
ياسر هجرس مصمم الاستعراضات يقول: «قلب الجبل» تجربة مرهقة ذهنيا، وقد حاولت قراءة التراث بشكل مغاير حركيا ورسم استعراضات تحافظ على جو الطقوس الشعبية من ناحية والدلالات من ناحية أخرى مع مخرج متمرد وواع يقدم ثراثنا العظيم، ويطرح للجمهور قضايا تعبر عن هويته وثقافته، ويسعى لتقديم تجربة مختلفة ومميزة.


قال الملحن محمد ناجى لقد واجهت فى تقديم الألحان والتوزيع لعرض قلب الجبل صعوبات عديدة أهمها محاولة إعادة صياغة الألحان الشعبية بشكل حداثى مع استخدام آلات قادرة على نقل بيئة جنوبنا حيث الصعيد المصرى وهو مكان تقديم الأحداث، ولكن بشكل مختلف أشبه بالطقوس الموسيقية المميزة للبيئات المحلية وعاوننا بلا شك قوة وبساطة الأشعار والأغانى التى كتبت للعرض مما أثرى الألحان بشكل نتمنى أن يصل للجمهور فى تميز وتنوع.


العرض المسرحى قلب الجبل من تمثيل: تامر حسن، لينا ملاك، زيكو الفخراني، محمد إمام، إسلام أيمن، فارس الجزار، مى مكاوي، محمد سعيد، كريم سكرية، حسام الفخراني، محمود فهمي، محمد بكار، هبة فتحي، مريم يوسف، كريم على، إسماعيل خالد، خالد يوسف، محمد أحمد، محمد طارق، عبدالحليم عاطف، ناهد تامر، حنان سعيد، كريم بدر، شريف السيد، محمد حسن، منة تامر، ديكور وملابس آلاء غايث، استايلست حسام عبد الحميد، تصميم استعراضات ياسر هجرس، ألحان وتوزيع محمد ناجي، غناء سما سعد، ومحمود عقل، مساعدا إخراج كريم على، محمد بكار، مخرج مساعد شريف السيد، مخرج منفذ محمد سعيد (بامبو)، تصميم إضاءة محمد حسن.