مريضات بطانة الرحم المهاجرة.. أمهات «قيد الانتظار»

بطانة الرحم المهاجرة.. آلام مزمنة خادعة ينسبها التشخيص الطبي للدورة الشهرية
بطانة الرحم المهاجرة.. آلام مزمنة خادعة ينسبها التشخيص الطبي للدورة الشهرية

◄ آلام مزمنة خادعة ينسبها التشخيص الطبي للدورة الشهرية
◄ السعي وراء الحقن المجهري  والاحتضان آخر حلول المريضات

 
 
ما بين أدوية وتحاليل وعمليات وأشعة سونار تعيش مريضات متلازمة بطانة الرحم المهاجرة، تبحثن عن أمومة قيد الانتظار، ينظرن إلى المواليد الجدد في اشتياق أن يكتب لهن الله النصيب حتى ولو مرة واحدة في العمر.


 
العادات والتقاليد الموروثة عن آلام السيدات خلال الدورة الشهرية تسببت في تشخيص خاطئ لحالتهن الصحية، فألقى ذلك بأثره على ما في بطونهن من تأخر أو عدم إنجاب.


 
وفي رحلة بحث كلا منهن عن حل لسماع صَخْب وبكاء طفل في بيوتهن، خضعن لكثير من الآلام والعمليات والأدوية، متعلقات بأمل الامتثال في الشفاء، أو الوصول لِنهاية رحلاتهن بالاحتضان «الكفالة».


 
«بوابة أخبار اليوم» ترصد قصص معاناة سيدات وفتيات لتحقيق حلم الأمومة  :
 
 
الاحتضان حل سارة للأمومة
في الليلة الأولى لنزول الطمث عام 2013 عانت «سارة» من آلام شديدة بمنطقة الحوض، وانتفاخات في المعدة لا تحتمل لمدة 4 أيام حتى انتهى ذلك الوجع مع انتهاء فترة الطمث، ولكن عدم انتظام المواعيد الشهرية لها أثار القلق لدى والدتها، فلجأت إلى طبيب أمراض نساء وتوليد لمعرفة سبب الألم وعدم انتظام الدورة الشهرية، وبعد فحصها أخبرها الطبيب بأنها سليمة ولا تعاني من مشاكل في الرحم.


 
اعتادت سارة على هذه الآلام مع الموعد المنتظر حاولت التأقلم عليه بالمسكنات وعدم الحركة إلا في الضرورة القصوى تهجر خلالها الحياة، إلا أنها بعد 4 سنوات عانت من آلام شديدة في جانبيها الأيمن والأيسر في أواخر عام 2018، مما دفع والدتها لتغيير الطبيب بآخر، حيث أجرى لها بعض الأشعة على الرحم و خضعت لتحاليل الهرمونات، ليلاحظ أن لديها تكيسات المبيض تشبه «أكياس شوكولاتة»، بما يؤكد إصابتها بمتلازمة بطانة الرحم المهاجرة.


 
لم يبالي الطبيب بالوجع والآلام الشديدة التي تتعرض لها  «سارة»، حيث أشار عليها بأخذ حبوب منع حمل كعلاج لحالتها حتى تذوب تلك الأكياس، ناصحاً إياها بعدم الخضوع إلى أي عملية كونها «فتاة» حتى الآن، ومن الممكن أن تؤثر تلك النوعية من العمليات على معدل الخصوبة والإنجاب.


 
ظلت «سارة» قرابة 3 سنوات تعاني من التشخيص الخاطيء، واتهامها بالتوهم وبأن الآلام المصاحبة للطمث أمر طبيعي، حتى زادت حجم تكيسات المبيض، إلى 7 سم ووصولها للحجاب الحاجز والمثانة وتسببت في التصاقات بين القولون والمبيض الأيمن، لِتخضع لإجراء عملية لإزالة 3 أكياس من بطانة الرحم المهاجرة في شهر يوليو 2021.سارة


 
فكرة الاحتضان وحلم الأمومة لم يفارق بال «سارة» حتى هذه اللحظة، واحتمالية الإنجاب ضئيلة، وعدم وجود علاج جذري للمرض، جعلها غير مؤهلة نفسياً، وترفض خوض أي علاقة عاطفية والابتعاد عن الارتباط.


 
تقول سارة إسماعيل «22 عاما» لـ بوابة أخبار اليوم: «الوجع الذي أشعر به يجعلني أتراجع عن الزواج، دائما عندي هواجس أني ممكن أورث متلازمة بطانة الرحم المهاجرة لابنتي، لذا أفكر في الامتناع عن الإنجاب تماماً».
 

اقرأ أيضا|«المرض الانتهازى».. يثير الذعر في العالم 

 

حلم الأمومة
 
بعد عامين من القلق والحزن بسبب عدم الإنجاب، اكتشفت سوسن عبد المنعم، 30 عاماً، إصابتها بمتلازمة بطانة الرحم المهاجرة، لتدرك حينها أسباب الآلام الشديدة في البطن والحوض التي كانت تصاحبها أثناء فترة الطمث.


 
عانت «سوسن» طيلة حياتها من آلام شديدة في الظهر والأرجل تجعلها طريحة الفراش لمدة 5 أيام لا تتحرك إلا بحساب شديد، ولكنها لم تأبه فالشائع لدى الفتيات الآلام الشديدة المصاحب لتلك الفترة، حتى تزوجت ومرت الشهور الأولى للزواج دون سماع خبر الإنجاب، ولكن مع انقضاء السنة الأولى للزواج، راودها القلق لتذهب إلى طبيب مختص لتطمئن عن حالتها، ولكن دون تشخيص واضح، فقررت اللجوء إلى أحد الأطباء ذو شهرة، ليتم تشخيصها بمتلازمة بطانة الرحم المهاجرة درجة رابعة وضرورة إجراء عملية لإزالة تكيسات المبيض ليكن هناك فرصة للإنجاب.


 
ارتسمت الفرحة على وجهه (سوسن) وزوجها بعد شهور معدودة من إجراء هذة العملية بالمبيض، وبشرها الطبيب بالحمل المنتظر، لتتلون الحياة ابتهاجاً بالمولد الجديد، وتهدأ المشاكل بينها وبين أب الزوج الذي كان يَسْتَهِينُ بعدم قدرتها على الإنجاب أو الحركة مثل باقي النساء.


 
مرت الأمور بسلام في بداية حمل (سوسن) ولكنه لم يكتمل بعد مرور الشهور الأولى لظروفها الصحية، لتبدأ مرحلة جديدة من العلاج، فأخبرها الطبيب أن متلازمة بطانة الرحم المهاجرة لا شفاء منها وتتكون مرة أخرى.


 
تقول سوسن لـ بوابة أخبار اليوم : المرض علمني عبادة الصبر وإني أفرح لغيري، أحساس الأمومة حلو وبفرح لما أسمع حد قريب منى خلف، وأتمنى أن جميع السيدات لا تدخل عيادات النساء والتوليد إلا للإنجاب فقط.


 
حتى الآن، وبعد مرور 3 سنوات على زواج لم يفارقها حلم الأمومة وتنتظر أن يهبها الله مولود من صلبها، فهي تحاول استبعاد فكرة الاحتضان عن خطتها متمسكة بأمل الامتثال للشفاء.

 

 اقرأ أيضا | جولة بأقسام الطوارئ| استقبال قصر العيني.. لا صوت يعلو على آهات المرضى 


 
42  عاماً من الإجهاض
 
لم تأبه هيام مصطفى بالمغص الشديد المصاحب لفترة الطمث، حتى بدأ يزداد حدة الآلآم شهرياً، فأخبرت والدتها بما تشعر به، لكن نقص المعلومات الطبية حول آلام رحم، وعادات وتقاليد الأرياف جعلت الأم لا تهتم مفسره أن هذا أمر طبيعي لجميع الفتيات اللواتي لم يتزوجن.


 
وفي سن الـ 25 عاماً وبعد تخرجها من كلية الآداب قسم فلسفة تزوجت (هيام) وهي تحلم بانتهاء تلك الآلام المصاحبة لفترة الطمث، لكن زادت حالتها سوءاً، وأصبحت المسكنات طريقها لإسكات هذا التعب.


 
أكثر من 17 عاماً تحاول (هيام) البحث عن حلم الأمومة لكن دون فائدة، ففي كل مرة تزور طبيب النساء يخبرها أن تأخر الحمل طبيعياً، حتى لجأت لطبيب أخر أخبرها أن لديها تكيسات على المبيض يمنعها من الحمل ويجب أتباع بعض الأدوية دون تشخيص صحيح.


 
زواج (هيام) في بيت عائلة جعلها تعرضت لكثير من التنمر من قبل زوجات أشقاء الزوج لعدم قدرتها على الإنجاب، بجانب ضغط أهل الزوج للزواج بأخرى تنجب له طفلاً يحمل اسم العائلة، حتى اعتادت على تلك النوعية من المشاكل ورضخت لرغباتهم في الزواج بالزوجة الثانية مقابل عدم الطلاق.


 
تروي هيام (42 عاماً) لـ بوابة أخبار اليوم : بسبب عدم التشخيص الصحيح، حاولت الحقن المجهري 4 مرات لكن دون جدوى، وأجهضت 5 مرات دون معرفة السبب الحقيقي، فالبعض أعتقد أنه مس أو سحر السبب في عدم إنجابي.


 
مضيفة : أسكن بمنطقة نكلا بالقناطر الخيرية، ولكن حلم الأمومة جعلني ألف مستشفيات مصر كلها من أجل البحث عن الأمومة، فأستيقظ في 4 فجراً أذهب لمستشفى الحسين تارة ومستشفى الهرم تارة أخرى.


 
عبر محرك البحث جوجل وجدت (هيام) ما يسمى بمتلازمة بطانة الرحم المهاجرة.. وعلاقاتها الوطيدة بين عدم الإنجاب والآلام الشديدة المصاحبة لفترة الطمث، لتستعين بطبيب آخر وبعد فحصها وطلب الأشعة والتحاليل تم تشخيصها بـ متلازمة بطانة الرحم المهاجرة.


وجود (هيام) في منطقة ريفية بسيطة تجعل فكرة (الاحتضان) صعبة للغاية، فلا أحد يعترف بمثل هذه الأشياء، فالابن فقط هو من يأتي من أحشاء والدته، مما يجعل حلم الأمومة مستحيلاً، وبرغم من إتمامها سن 42 عاماً تفكر (هيام) بشكل جدي عمل حقن مجهري للمرة الخامسة لعل الله يبشرها بما تريد.

 

اقرا أيضا| وصفات «التيك توك» العلاجية.. أقرب طريق للمرض

 

خطأ التشخيص يصعب المرض
 
الدكتور عمرو حسن استشاري النساء والتوليد، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة مصر للصحة والتنمية المستدامة، يوضح أن غالباً ما يتم تجاهل أعراض متلازمة بطانة الرحم المهاجرة وكأنها آلام الدورة الشهرية (الطمث) مما يجعل من الصعب على العديد من النساء الحصول على الاهتمام والعلاج الذي يحتاجونه لتحمل الألم الشهري، وتتراوح أعراض متلازمة بطانة الرحم المهاجرة من الألم الشديدة إلى الألم الغير محتملة، مشيراً أن لا تظهر أعراض على البعض ولكن يعاني المعظم من آلام الحوض المزمنة، وكلما زاد عدد هذه الأعراض زادت احتمالية الإصابة، لذا تُصنف المتلازمة بالنوع الخفيف أو المتوسط أو الشديد، ولكن لا يرتبط هذا دائما بشدة الأعراض.


 
وتابع حسن، أن عادة ما يتم تشخيص النساء بالمدن في سن متأخر مما يسبب صعوبة بالغة في الإنجاب، مقارنة بالنساء في الأرياف فعادة ما يتزوجن في سن مبكر ويحملن سريعاً ما يجعل الأعراض تظهر متأخرة، موضحاً أن من الممكن أن تكون السيدة مصابة بمتلازمة بطانة الرحم المهاجرة وتنجب فوراً وذلك لأن عملية الإنجاب تعمل على قطع (الطمث) لفترة 9 أشهر وبالتالي تمنع تكوين تكيسات على المبيض.


 
وينوه استشاري النساء والتوليد، في بعض الحالات لا تظهر بطانة الرحم المهاجرة عن طريق الأشعة أو التحاليل، لذا من المهم عمل (سونار) على قناتي فالوب، والمبيضين حتى يتم التشخيص في أسرع وقت، ومعالجة تلك الأكياس الدموية قبل أن تكبر في الحجم.


 
وتبعاً لمكتبة الصحة الإنجابية RHL التابعة لمنظمة الصحة العالمية WHO يصيب متلازمة بِطانة الرحم الهاجرة، ما يقارب 10% وهو ما يقرب من 176 مليون امرأة في العالم وهو يؤثر على النساء من جميع الأعمار.


 
وتتمثل الأعراض الأساسية في العُقم أو صعوبة حدوث الحَمل، و آلام الحوض التي عادة ما تكون مزمنة وحادة وتستمر طوال فترة الطمث وبعدها، وأيضا في مواعيد الطمث الغير منتظمة، وصعوبة في الحمل بسبب تلف الأنسجة الندبية أو التصاقات أو تلف قناتي فالوب أو أكياس المبيض، بجانب تكيسات المبيض (أكياس الشوكولاتة) التي تحتوي على أنسجة بطانة الرحم. وتوضح مكتبة الصحة الإنجابية، أن الإصابة بمتلازمة بطانة الرحم المهاجرة مجهول السبب، ويعد حالة نسائية شائعة تنمو فيها أنسجة مشابهة بالشكل والوظيفة للأنسجة التي تشكل بِطانة الرحم عند المرأة، ولكن خارج جوف الرحم، خاصة على الأعضاء التناسلية الأنثوية الأخرى ضمن الحوض أو في جوف البطن.


 
ويعد العلاج الجراحي أحد الحلول حيث من ما يقرب من 75% من الأشخاص الذين خضعوا للجراحة يعانون من ألم أقل لمدة لعدة أشهر، ولكنها ليس علاجا للأبد.


 
ووفقاً لمركز UNCLA Health الطبي، 20 إلى 40% من النساء اللاتي تعانين من العُقم لديهن متلازمة بطانة الرحم المهاجرة حيث أنه يشكل واحداً من الأسباب الثلاثة الرئيسية لحدوث العُقم عند النساء.


 
وفي إحدى الدراسات المصرية وُجد أن 29% من النساء اللاتي يشتكون من صعوبة الإنجاب والألم المزمن مُصابات بمتلازمة بطانة الرحم المهاجرة.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا