رحلة الكسوة الشريفة من مصر المحروسة لبلاد الحجاز المباركة

رحلة الكسوة الشريفة من مصر المحروسة لبلاد الحجاز المباركة
رحلة الكسوة الشريفة من مصر المحروسة لبلاد الحجاز المباركة

كتب‭: ‬حسين‭ ‬الطيب

تشرفت‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخها‭ ‬بصناعة‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة‭ ‬وخروج‭ ‬المحمل‭ ‬الشريف‭ ‬إلى‭ ‬الأراضى‭ ‬المقدسة،‭ ‬فى‭ ‬أجواء‭ ‬احتفالية‭ ‬عظيمة‭ ‬يحضرها‭ ‬كبار‭ ‬رجال‭ ‬الدولة‭ ‬لينطلق‭ ‬المحمل‭ ‬حاملًا‭ ‬الكسوة‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الحرمين‭ ‬ويرافقها‭ ‬حجاج‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬اليوم‭ ‬البعثة‭ ‬الرسمية‭ ‬للحج‭.‬

وهو‭ ‬الجمل‭ ‬أو‭ ‬الجمال‭ ‬التى‭ ‬تحمل‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة،‭ ‬ويضم‭ ‬المحمل‭ ‬مع‭ ‬قافلة‭ ‬الحجاج‭ ‬زركب‭ ‬الحجاجس‭ ‬أى‭ ‬الركب‭ ‬السلطانى‭ ‬الذى‭ ‬تصحبه‭ ‬الكسوة‭ ‬الشريفة‭ ‬للحرمين،‭ ‬وكان‭ ‬المحمل‭ ‬أول‭ ‬الأمر‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬حمولة‭ ‬جمل‭ ‬تتضمن‭ ‬هدايا‭ ‬وكسوة‭ ‬الكعبة،‭ ‬ثم‭ ‬نما‭ ‬المحمل‭ ‬نمواً‭ ‬عظيماً،‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬ثقله‭ ‬قناطير‭ ‬مقنطرة‭ ‬وكان‭ ‬الموكب‭ ‬كان‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬حاملاً‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة‭ ‬إلى‭ ‬الأراضى‭ ‬الحجازية،‭ ‬ويعتقد‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬ان‭ ‬المحمل‭ ‬كان‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬شجر‭ ‬الدر‭ ‬والمماليك‭ ‬حتى‭ ‬بداية‭ ‬منتصف‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬الميلادي‭. ‬ولكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬علاقة‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بدايتها‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬شجر‭ ‬الدر‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬ترجع‭ ‬لعصر‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين،‭ ‬ففى‭ ‬عهد‭ ‬ثانى‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يوصى‭ ‬بكِسوة‭ ‬الكعبة‭ ‬بالقماش‭ ‬المصرى‭ ‬المعروف‭ ‬بالقباطى‭ ‬الذى‭ ‬اشتهرت‭ ‬الفيوم‭ ‬بتصنيعه‭.‬

والقباطى‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬قبط‭ ‬مصر،‭ ‬وكان‭ ‬المصريون‭ ‬ماهرين‭ ‬فى‭ ‬نسج‭ ‬أفضل‭ ‬وأفخر‭ ‬أنواع‭ ‬الثياب‭ ‬والأقمشة‭. ‬فيذكر‭ ‬المؤرخ‭ ‬زأبو‭ ‬الوليد‭ ‬الأزرقيس‭ ‬أن‭ ‬الخليفة‭ ‬الراشدى‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬كسا‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة‭ ‬بالقباطى‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬المال،‭ ‬وكان‭ ‬يكتب‭ ‬إلى‭ ‬والى‭ ‬مصر‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬لطلبه‭.‬

مكان‭ ‬الصنع‭ ‬والتاريخ

ويذكر‭ ‬المقريزي،‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬مؤرخى‭ ‬مكة‭ ‬وهو‭ ‬زالفاكهيس،‭ ‬رأى‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة‭ ‬من‭ ‬القباطى‭ ‬المصري،‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬عليها‭ ‬أنها‭ ‬صنعت‭ ‬بأمر‭ ‬الخليفة‭ ‬المهدى‭ ‬فى‭ ‬ورش‭ ‬تنيس‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬والى‭ ‬مصر،‭ ‬ورأى‭ ‬نفس‭ ‬الرجل‭ ‬كسوة‭ ‬من‭ ‬القباطى‭ ‬صنعت‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬بأمر‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسى‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد،‭ ‬فى‭ ‬ورش‭ ‬مدينة‭ ‬تونة‭ ‬بمصر‭.‬

حيث‭ ‬كانت‭ ‬الكتابات‭ ‬المسجلة‭ ‬على‭ ‬الكسوة‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬توضح‭ ‬مكان‭ ‬الصنع‭ ‬والتاريخ‭ ‬وذلك‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬العباسى‭ ‬أما‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬شجر‭ ‬الدر،‭ ‬حيث‭ ‬خرج‭ ‬أول‭ ‬محمل‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬المماليك‭ (‬بعض‭ ‬المؤرخين‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬شجر‭ ‬الدر‭ ‬أول‭ ‬سلاطين‭ ‬المماليك،‭ ‬بينما‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬أنها‭ ‬آخر‭ ‬ملوك‭ ‬البيت‭ ‬الأيوبى‭ ‬فى‭ ‬مصرلتوليها‭ ‬الحكم‭ ‬عقب‭ ‬وفاة‭ ‬ابن‭ ‬زوجها‭ ‬توران‭ ‬شاة‭ ‬ذ‭ ‬80‭ ‬يوما‭ ‬ذ‭ ‬حتى‭ ‬زواجها‭ ‬من‭ ‬السلطان‭ ‬المُعز‭ ‬عِز‭ ‬الدين‭ ‬ايبك‭ )‬،‭ ‬والمحمل‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬هودج‭ ‬فارغ‭ ‬يقال‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬هودج‭ ‬شجر‭ ‬الدر‭. ‬فى‭ ‬العصر‭ ‬المملوكى‭ ‬برز‭ ‬الاهتمام‭ ‬بقافلة‭ ‬المحمل‭ ‬المصري،‭ ‬وتأكد‭ ‬برعاية‭ ‬قافلة‭ ‬الحج‭ ‬والقيام‭ ‬بشؤونها،خصوصاً‭ ‬وأنها‭ ‬تحمل‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة،‭ ‬رمز‭ ‬الزعامة‭ ‬والسيادة،‭ ‬ولعبت‭ ‬قافلة‭ ‬الحج،‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬فى‭ ‬الحركة‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬حيث‭ ‬تتولى‭ ‬نقل‭ ‬سلع‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬التى‭ ‬تنقل‭ ‬منها‭ ‬لبلاد‭ ‬المشرق،‭ ‬المختلفة،‭ ‬وتجلب‭ ‬من‭ ‬مكة‭ ‬سلع‭ ‬الشرق‭ ‬لتوزع‭ ‬فى‭ ‬بلاد‭ ‬الغرب،

ويبلغ‭ ‬ارتفاع‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة‭ ‬14‭ ‬مترا،‭ ‬ويحليها‭ ‬فى‭ ‬الثلث‭ ‬الأعلى‭ ‬منها‭ ‬حزام‭ ‬يعرف‭ ‬بحزام‭ ‬الكعبة‭ ‬المطرز‭ ‬بالأسلاك‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬الفضة‭ ‬المحلاة‭ ‬بالذهب‭ ‬ونقش‭ ‬عليها،‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬والله‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭ ‬وسبحان‭ ‬الله‭ ‬وبحمده‭ ‬سبحان‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭ ‬ويا‭ ‬حنان‭ ‬يا‭ ‬منان،‭ ‬وتحتها‭ ‬مباشرة‭ ‬سورة‭ ‬الإخلاص‭. ‬وتم‭ ‬حفظ‭ ‬آخر‭ ‬كسوة‭ ‬صنعت‭ ‬للكعبة‭ ‬داخلها،‭ ‬وظلت‭ ‬تعمل‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1962م‭. ‬السلطان‭ ‬الظاهر‭ ‬بيبرس‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬أرسى‭ ‬الاحتفال‭ ‬بسفر‭ ‬المحمل‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬مكة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يعرض‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة‭ ‬فى‭ ‬احتفالات‭ ‬شعبية‭ ‬فى‭ ‬شوارع‭ ‬القاهرة‭ ‬قبل‭ ‬سفرها‭ ‬بيوم،‭ ‬بعدها‭ ‬أصبح‭ ‬المحمل‭ ‬والاحتفال‭ ‬به‭ ‬تقليداً‭ ‬يحرص‭ ‬عليه‭ ‬ملوك‭ ‬مصر‭ ‬وشعبها‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬خروجه‭ ‬لمكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الاحتفال‭ ‬بعودته‭ ‬منها،واستعمل‭ ‬لنقلها‭ ‬عشرون‭ ‬جملاً،‭ ‬وصار‭ ‬انتقال‭ ‬المحمل‭ ‬مع‭ ‬قافلة‭ ‬الحاج‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬انتقال‭ ‬مجتمع‭ ‬بأكمله،‭ ‬معه‭ ‬السبيل‭ ‬المسبل‭ ‬للفقراء‭ ‬والضعفاء‭ ‬والمنقطعين‭ ‬بالماء‭ ‬والزاد‭ ‬والأشربة‭ ‬والأدوية‭ ‬والعقاقير‭ ‬والأطباء‭ ‬والكحالين‭ ‬والمجبرين‭ ‬والأدلاء‭ ‬والأئمة‭ ‬والمؤذنين‭ ‬والأمراء‭ ‬والجند‭ ‬والقاضي‭.‬

والشهود‭ ‬والدواوين،‭ ‬والأمناء،‭ ‬ومغسل‭ ‬الموتى،‭ ‬فى‭ ‬أكمل‭ ‬زى‭ ‬وأتم‭ ‬أبهة‭. ‬وكان‭ ‬المماليك‭ ‬يحتفلون‭ ‬به‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬فى‭ ‬رجب‭ ‬ورمضان‭ ‬وشوال‭ ‬ويطوفون‭ ‬به‭ ‬ومن‭ ‬معه‭ ‬مصر‭ ‬والقاهرة‭ ‬فعند‭ ‬ذلك‭ ‬تهيج‭ ‬العزمات‭ ‬وتنبعث‭ ‬الأشواق‭ ‬وتتحرك‭ ‬البواعث‭ ‬ويلقى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬العزيمة‭ ‬على‭ ‬الحج‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬من‭ ‬يشاء‭ ‬من‭ ‬عباده‭ ‬فيأخذون‭ ‬فى‭ ‬التأهب‭ ‬والاستعداد‭ ‬للخروج‭ ‬للحج‭ ‬صحبة‭ ‬المحمل‭ ‬فى‭ ‬شوال‭ ‬بعدما‭ ‬يشق‭ ‬القاهرة‭ ‬ومصر،‭ ‬حتى‭ ‬يراه‭ ‬الناس‭ ‬ويتبركون‭ ‬به‭ ‬وأمامه‭ ‬الأفيال‭ ‬والطبول‭ ‬والزمور،‭ ‬ثم‭ ‬يخرج‭ ‬بعدها‭ ‬المحمل‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬القلعة‭ ‬إلى‭ ‬باب‭ ‬النصر،‭ ‬ومنه‭ ‬للريدانية‭ ‬صحبة‭ ‬القافلة‭. ‬أما‭ ‬عن‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة‭ ‬التى‭ ‬جهزت‭ ‬القافلة‭ ‬لحملها‭ ‬فقد‭ ‬حظيت‭ ‬بعناية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬سلاطين‭ ‬المماليك،‭ ‬واحتفلوا‭ ‬لأجلها‭ ‬وكان‭ ‬السلطان‭ ‬يجلس‭ ‬بنفسه‭ ‬لتعرض‭ ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬شوال‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬انتهاء‭ ‬نسجها،‭ ‬ومشاهدة‭ ‬الحمالين‭ ‬وهم‭ ‬يحملونها‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم‭ ‬ويشقون‭ ‬بها‭ ‬القاهرة‭ ‬ذهاباً‭ ‬وإياباً‭ ‬ويذكر‭ ‬أوليا‭ ‬جلبي،‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الحمالين‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬المغاربة‭ ‬واعتادوا‭ ‬حمل‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبةولم‭ ‬يزل‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أوقف‭ ‬عليها‭ ‬الصالح‭ ‬إسماعيل‭ ‬بن‭ ‬الناصر‭ ‬محمد‭ ‬سنة‭ ‬743‭ ‬هـ‭ ‬قرية‭ ‬من‭ ‬نواحى‭ ‬القاهرة‭ ‬يقال‭ ‬لها‭ ‬بيسوس،‭ ‬وبذلك‭ ‬أصبحت‭ ‬نفقة‭ ‬صناعة‭ ‬الكسوة‭ ‬منذ‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬عهد‭ ‬المماليك‭ ‬تتحصل‭ ‬من‭ ‬ريع‭ ‬الوقف‭ ‬المذكور،‭ ‬ولضمان‭ ‬العناية‭ ‬بوقف‭ ‬الكسوة‭. ‬

حفل‭ ‬رسمى

وكان‭ ‬يقام‭ ‬حفل‭ ‬رسمي،‭ ‬ثم‭ ‬تخرج‭ ‬الكسوة‭ ‬فى‭ ‬احتفال‭ ‬بهيج‭ ‬وتخرج‭ ‬وراءها‭ ‬الجموع‭ ‬إلى‭ ‬ميدان‭ ‬الرميلة‭ ‬قرب‭ ‬القلعة،‭ ‬وكان‭ ‬مكان‭ ‬هذا‭ ‬المشغل‭ ‬ورشة‭ ‬خميس‭ ‬العدس،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أنشأها‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬باشا‭ ‬لعمل‭ ‬آلات‭ ‬أصولية‭ ‬مثل‭ ‬السندانات‭ ‬والمخارط‭ ‬الحديد‭ ‬والقواديم‭ ‬والمناشير‭ ‬وأدوات‭ ‬الأنوال‭ ‬لصناعة‭ ‬غزل‭ ‬ونسيج‭ ‬الحرير‭ ‬والقطن‭. ‬واعتاد‭ ‬المصريون‭ ‬أن‭ ‬يدوروا‭ ‬بالمحمل‭ ‬فى‭ ‬ربوع‭ ‬مصر‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬رجل‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬أسرة‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬باشا،‭ ‬وذلك‭ ‬لكى‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬يرغب‭ ‬بالحج‭ ‬لكى‭ ‬يستعد‭ ‬لهذه‭ ‬الرحلة‭ ‬المباركة‭ ‬بمرافقة‭ ‬المحمل‭. ‬وكانت‭ ‬نظارة‭ (‬وزارة‭) ‬الداخلية‭ ‬ترسل‭ ‬إلى‭ ‬نظارة‭ ‬المالية‭: ‬إشعاراً‭ ‬بتعيين‭ ‬أمير‭ ‬الحج‭ ‬وأمين‭ ‬الصرة‭.‬

ثم‭ ‬ترسل‭ ‬المالية‭ ‬إلى‭ ‬كليهما‭ ‬خطاباً‭ ‬محددة‭ ‬فيه‭ ‬واجباتهما،‭ ‬وكشفا‭ ‬بعدد‭ ‬الموظفين‭ ‬والأطباء‭ ‬والمشاعلية‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬والجنود‭ ‬والخدم‭ ‬وعدد‭ ‬الخيام‭ ‬والجمال‭ ‬وسائر‭ ‬المستلزمات‭. ‬و‭ ‬كتقليد‭ ‬متبع‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬فى‭ ‬شهر‭ ‬ذى‭ ‬القعدة،‭ ‬كانت‭ ‬نظارة‭ ‬الداخلية‭ ‬ونظارة‭ ‬المالية‭ ‬يتفقان‭ ‬على‭ ‬اليوم‭ ‬المحدد‭ ‬النقل‭ ‬الكسوة‭ ‬من‭ ‬دار‭ ‬الكسوة‭ ‬الشريفة‭ (‬مصلحة‭ ‬الكسوة‭/ ‬ورشة‭ ‬الخرنفش‭) ‬التى‭ ‬أمر‭ ‬ببنائها‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬باشا‭ ‬عام‭ ‬1232‭ ‬هـ،‭ ‬إلى‭ ‬مسجد‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين،‭ ‬ويصدق‭ ‬الخديوى‭ ‬على‭ ‬تعيين‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،

رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النشطاء

ويصدر‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النظار‭ ‬بتعطيل‭ ‬الدواوين‭ ‬والمصالح‭ ‬الحكومية،‭ ‬وينشر‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬الجريدة‭ ‬الرسمية،‭ ‬وتخطر‭ ‬نظارة‭ ‬الداخلية‭ ‬نظارة‭ ‬الحربية‭ ‬ومحافظة‭ ‬العاصمة‭ ‬ليكون‭ ‬الجميع‭ ‬ضباطا‭ ‬وجنودا‭ ‬على‭ ‬أهبة‭ ‬الاستعداد،‭ ‬كما‭ ‬تقوم‭ ‬المحافظة‭ ‬بإرسال‭ ‬الدعوات‭ ‬إلى‭ ‬العلماء‭ ‬وكبار‭ ‬رجال‭ ‬الدولة‭ ‬لحضور‭ ‬الاحتفال‭.‬

وهذا‭ ‬الموكب‭ ‬كانت‭ ‬تصحبه‭ ‬الدفوف‭ ‬والاحتفالات‭ ‬والأناشيد،‭ ‬ويسلم‭ ‬الحاكم‭ ‬أمير‭ ‬الحج‭ ‬وقواته‭ ‬سرة‭ ‬الأموال‭ ‬المليئة‭ ‬بالجنيهات‭ ‬الذهبية‭ ‬المصرية،‭ ‬ويعطى‭ ‬إشارة‭ ‬بدء‭ ‬الحركة‭ ‬والتوجه‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬زأم‭ ‬القرىس‭. ‬وعقب‭ ‬إذن‭ ‬الحاكم‭ ‬بالتوجه‭ ‬إلى‭ ‬مكة،‭ ‬يتوجه‭ ‬المحمل‭ ‬إلى‭ ‬العباسية،‭ ‬وهناك‭ ‬يبات‭ ‬ليلته‭ ‬بالجمال،‭ ‬ثم‭ ‬يتحرك‭ ‬تجاه‭ ‬القلزم‭ ‬بالسويس،‭ ‬وهناك‭ ‬يستقل‭ ‬البواخر،‭ ‬ويظل‭ ‬محفوفًا‭ ‬بالاحتفالات‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬فى‭ ‬آخر‭ ‬شهر‭ ‬ذى‭ ‬القعدة‭. ‬وبعد‭ ‬الحج‭ ‬يعود‭ ‬المحمل‭ ‬حاملا‭ ‬الكسوة‭ ‬القديمة‭ ‬للكعبة‭ ‬بعد‭ ‬إبدالها‭ ‬بالجديدة‭ ‬وتقطع‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬وتوزع‭ ‬على‭ ‬النبلاء‭ ‬والأمراء،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬هذه‭ ‬القطع‭ ‬موجودة‭ ‬فى‭ ‬متحف‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة،وبعضها‭ ‬فى‭ ‬قبور‭ ‬العائلة‭ ‬الملكية‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬حيث‭ ‬زينوا‭ ‬بها‭ ‬أضرحتهم‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬التبرك‭. ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬المحمل‭ ‬المصرى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الوحيد‭ ‬الذى‭ ‬يخرج‭ ‬للحج‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬المحمل‭ ‬الشامي،‭ ‬والعراقى‭ ‬واليمني،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يميز‭ ‬المصرى‭ ‬هو‭ ‬خروج‭ ‬الكسوة‭ ‬معه‭. ‬وظلت‭ ‬الكسوة‭ ‬تُرسل‭ ‬بانتظام‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬بصورة‭ ‬سنوية‭ ‬يحملها‭ ‬أمير‭ ‬الحج‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬قافلة‭ ‬الحج،‭ ‬حتى‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬وعاد‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الأراضى‭ ‬السعودية‭ ‬بسبب‭ ‬خلافات‭ ‬سياسية‭ ‬آنذاك،‭ ‬لتبدأ‭ ‬المملكة‭ ‬صناعة‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬أم‭ ‬الجود،‭ ‬ثم‭ ‬نقلت‭ ‬الصناعة‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬أجياد،‭ ‬وهناك‭ ‬تستمر‭ ‬صناعتها‭ ‬للآن‭.‬

المصدر : اللواء الإسلامي