رفعت الجلسة| وهل للقانون قلب ؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تناست أن عمرها تجاوز السبعين عاما ..وظلت تدافع عن حقها فى رؤية حفيدتها التى لم تراه منذ خمس سنوات. 

وعندما عجزت ألقت بكلماتها الرنانة التى كسبت تعاطف الجميع داخل قاعة محكمة الأسرة بالزقازيق .


وجهت العجوز رسائلها لمن حرموها من رؤية حفيدتها.. قالت « اعلموا أن القلب لا يحكمه قانون، ولا تقطع صلة رحم بحكم مهما عدل ناطقه، وأدركوا جيدا أننى لست راضية، وسأحاجيكم جميعا أمام الله..

بعدها غادرت  القاعة، وهى تحمل عكازها  بكلتا يديها، وتتحرك ببطء من أعلى درجات سلالم المحكمة خشية أن تسقط،  فلم يعد فى الجسد ما يقوى على حملها بعد أن خسرت قضيتها وتملكها المرض.  
 

  كانت  جلسة عاصفة شهدتها  محكمة الأسرة بالزقازيق فى هذا اليوم ، تلك السيدة  العجوز ، تركت  فى نفوس الجميع ما يعجز عن كتابته كبار جهابذة القانون ..

صرخت بأعلى صوت داخل قاعة المحكمة قائلة « كفى ..  اعلموا  ان القانون يكتبه بشر ، يتأثرون بما يدور فى حياتهم، و يجب أن يعاد صياغته كلما تبدلت الأمور وتغيرت الظروف وظهرت طبيعة البشر على حقيقتها ، ما بين  خيرها وشرها.


وقفت بمفردها أمام القاضى  تدافع عن حقها فى رؤية  حفيدتها وحضانتها، قدمت الادلة والاسانيد التى خلت من الاوراق ، واكتفت بحديث وصور وفيديوهات تجمعها بتلك الصغيرة التى أصبح عمرها الآن خمسة أعوام.


أخبرت القاضى أنها تحترم حكمه مهما كان ، لكن عليه ألا يتجاهل عاطفتها وروح القانون الذى يحكم به  ، شرحت له ، كيف أنه بعد ثلاثة أشهر من إنجاب تلك الحفيدة لم تراها مرة أخرى رغم مرور خمسة أعوام على ولادتها.


 أكدت للقاضى أنها حاولت إصلاح الخلاف بين ابنها وزوجته حتى لا تتضرر حفيدتها، لكن الشيطان كان ينفخ بينهما ليلا ونهارا. تحاملت خلال حديثها على زوجة ابنها، وحملتها مسئولية  الطلاق بعد أن نقلت  مشاكلها مع زوجها من البيت  إلى المحاكم.. كانت السيدة العجوز تلقى بكلمات تحمل حزنا وتعاطفا  عندما تتحدث للقاضى عن حفيدتها ، تحاول أن تثنيه عن حكمه الذى تعلمه مسبقا ، فليس من حق الأجداد ان يروا الاحفاد او يتملكوا حضانتهم ما دام الآباء على قيد الحياة .. هكذا يقول قانون الأحوال الشخصية الذى يخالف عاطفتها ومرادها.
 حاولت الجدة ان تخرج حتى ولو بنصر صغير ، بكت ، صرخت ، توسلت ، عاتبت ، ثم هدأت فجأة، لتسلم أمرها الى الله ، بعد ان أخبرها محاميها فى جلسة الاستراحة ، انه لا فائدة من كل هذا ،  فالقاضى يحكمه قانون ، لكن قلبك يحتاج  الى رأفة وصلة رحم  وهذه الأمور فى يد هذه السيدة التى أصبحت طليقة ابنك.  


 لم تيأس المرأة العجوز، قررت أن تواصل الدفاع عن حقها ، استخدمت لغة الارقام  ، اخبرت القاضى ان هناك آلاف الاجداد مثلها لا يرون احفادهم ، بعضهم مات وهو يتمنى  نظرة واحدة من حفيده ، وآخرون يعيشون فى يأس بعد أن تحول الصراع بين الزوجين الى حرب ليس فيها منتصر ، بل هناك منهزم واحد يموت بحسرته دون ان يرأف بحالة احد .. وهم الأجداد.  


طلبت من القاضى أن يضع نفسه مكانها، سيدة عجوز حرمها الفقر من ابنها الوحيد الذى اختار الغربة للنجاة من تقلبات الدنيا، وحرمتها الحياة من حفيدتها التى رغم أنها تسكن بجوارها إلا أنها لم تستطع على مدار ٥ سنوات لمسها.. قالت «اى قانون هذا سيدى القاضى يحرم عجوزا مثلى من  حضانة حفيدتها، اى قلب هذا الذى يعصى تلك الصغيرة على أصلها ونسبها واهلها ، أليس من حقى أن أطالب بتغيير هذا القانون ، منذ متى و يحكم علاقاتنا الأسرية قانون، تربينا على أن الأبناء فى حوزة الآباء وأسرهم  ..  اليوم تزوجت طليقة  ابني، وأصبحت حفيدتى فى حضانة جدتها من الأم ، أى تمييز هذا، وأى ظلم أعيشه اليوم.


 ورغم  استخدامها لتعبيرات وتوسلات من اجل الفوز حتى ولو بتعاطف القاضى ، إلا انها  أدركت ان حيلتها لم تنجح ، قررت ان تستخدم سلاحا آخر ، تذكرت ابنها الذى قرر ان يعيش بعيدا عنها فى احدى الدول العربية ، قصت للقاضى مأساته وغربته وحرمانه من رؤية ابنته رغم حصوله على حكم رؤية ، وعادت وألقت مأساتها أمام القاضى مرة أخري، اخبرته انها  ستعيش بمفردها لا حفيد ولاولد ، وتساءلت أليس من حقها ان ترى حفيدتها بعد كل هذا؟


 عادت إليها الثقة ، وكلما أوما القاضى برأسه، اعتقدت انه  بدأ يتعاطف معها ،.. فى هذه اللحظة  ذرفت الدموع ، ورمت بكلمات التوسل، ثم  أخذت تتودد لمحامى طليقة  نجلها،  طلبت منه  أن يخبر القاضى انه لا مانع من السماح لها برؤية حفيدتها واستضافتها يوما فى الاسبوع ، لكن سبق السيف العذل ، أصدر القاضى حكمه ، قضى برفض دعوى الرؤية والاستضافة  المقامة من  جدة الصغيرة، نظرا لتواجد الأبوين وعدم تقديم ما يفيد سفر الاب للخارج،  لتسقط بعدها العجوز على المقعد فى  القاعة ، وتردد كلمات الحسبنة على كل من حرمها من رؤية حفيدتها.


 بعد لحظات .. رفع القاضى  الجلسة ، أخذت العجوز نفسا عميقا، ثم تحركت  مستندة الى عكازها  خارج القاعة لتتقابل فى  طريقها بشقيق طليقة ابنها ومحاميه.  


رمقتهم  بنظرة عتاب ، ثم اخبرتهم انها ايام وتغادر الحياة ، بعد أن تملك المرض منها، لكن هناك يوم تحاجيهم فيه أمام الله ، بعد أن حرموها من رؤية الجسد الوحيد الذى يربطها بابنها المسافر الى بلاد الغربة.