نقاد منسيون.. المحب وليم هازلت فى عيون المترجم نظمى خليل

نقاد منسيون.. المحب وليم هازلت فى عيون المترجم نظمى خليل
نقاد منسيون.. المحب وليم هازلت فى عيون المترجم نظمى خليل

فى‭ ‬عددها‭ ‬الصادر‭ ‬بتاريخ‭ ‬سبتمبر‭ ‬1934‭ ‬قدمت‭ ‬لنا‭ ‬مجلة‭ ‬أبولو‭ ‬الأدبية،‭ ‬وهى‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬جمعية‭ ‬أبولو‭ ‬للشعراء‭ ‬الرومانتيكيين،‭ ‬مقالة‭ ‬عن‭ ‬الناقد‭ ‬الإنجليزى‭ ‬وليم‭ ‬هازلت‭ ‬المولود‭ ‬عام‭ ‬1778‭ ‬والمتوفى‭ ‬سنة‭ ‬1830م‭ ‬بقلم‭ ‬الشاعر‭ ‬نظمى‭ ‬خليل‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬رواد‭ ‬مدرسة‭ ‬أبولو‭ ‬الرومانسية‭ ‬وقد‭ ‬تخصص‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬الإنجليزي،‭ ‬وفيها‭ ‬يصفه‭ ‬بأنه‭ ‬أحد‭ ‬أفذاذ‭ ‬الإنجليز‭ ‬الذين‭ ‬ظهروا‭ ‬فى‭ ‬الثلث‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬والذين‭ ‬لعبوا‭ ‬دورًا‭ ‬هامًا‭ ‬فى‭ ‬تهذيب‭ ‬الأدب‭ ‬الإنجليزى‭ ‬والسموِّ‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬قلَّما‭ ‬نجد‭ ‬لها‭ ‬مثيلاً‭ ‬فى‭ ‬سائر‭ ‬عصور‭ ‬الأدب‭ ‬الإنجليزي‭.‬

ونعرف‭ ‬من‭ ‬الشاعر‭ ‬نظمى‭ ‬خليل‭ ‬أن‭ ‬وليم‭ ‬هازلت‭ ‬كان‭ ‬فنانًا‭ ‬نابغًا‭ ‬وناقدًا‭ ‬نافذ‭ ‬البصيرة‭ ‬فى‭ ‬وقتٍ‭ ‬واحد،‭ ‬وهنا‭ ‬لفتة‭ ‬لابد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭ ‬عليها،‭ ‬فالنقد‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الفن،‭ ‬غير‭ ‬إن‭ ‬الشائع‭ ‬عند‭ ‬أهل‭ ‬الثقافة‭ ‬أن‭ ‬يجعلوهما‭ ‬نِدَّيْن،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬خطأ،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قبوله‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬الصواب،‭ ‬ففى‭ ‬الأمر‭ ‬تفصيلٌ‭ ‬وشرح،‭ ‬وذلك‭ ‬أن‭ ‬الناقد‭ ‬ينقد‭ ‬الفنان،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬أحسن‭ ‬النقد‭ ‬وكتبه‭ ‬بأسلوبٍ‭ ‬ممتعٍ‭ ‬جذاب‭ ‬فيه‭ ‬شمول‭ ‬وعمق‭ ‬وجمال؛‭ ‬فهو‭ ‬بهذا‭ ‬يكتب‭ ‬إبداعًا‭ ‬موازيًا،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬وليم‭ ‬هازلت‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬أيضًا‭ ‬كما‭ ‬يراه‭ ‬نظمى‭ ‬خليل‭ ‬كاتبًا‭ ‬من‭ ‬أرقى‭ ‬طراز،‭ ‬وصحافيًّا‭ ‬لا‭ ‬يُشَقُّ‭ ‬له‭ ‬غبار‭.‬

كما‭ ‬يصفه‭ ‬بالوطنية‭ ‬المتحمسة،‭ ‬والصدق‭ ‬فى‭ ‬الإصلاح،‭ ‬والتشبع‭ ‬بمبادئ‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬لقد‭ ‬امتزجت‭ ‬الحرية‭ ‬بدمه‭ ‬فعبد‭ ‬جان‭ ‬جاك‭ ‬روسو‭ ‬وقدَّس‭ ‬نابليون‭ ‬بونابرت‭ ‬وهو‭ ‬بالجملة‭ ‬شخصية‭ ‬عظيمة‭ ‬متشعبة‭ ‬النواحي‭.‬

ويلاحظ‭ ‬خليل‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬وقوف‭ ‬هازلت‭ ‬بملكته‭ ‬القوية‭ ‬الفعالة‭ ‬على‭ ‬أسرار‭ ‬الفن‭ ‬العميقة‭ ‬والتى‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬فهمه‭ ‬لأنواع‭ ‬الجمال‭ ‬وإحاطته‭ ‬بها،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬مثل‭ ‬سائر‭ ‬الكُتَّاب‭ ‬الرومانتيكيين‭ ‬قد‭ ‬اهتم‭ ‬قليلاً‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬يهتم‭ ‬مطلقًا‭ ‬بالتفسير‭ ‬الفلسفى‭ ‬للفنون،‭ ‬والذى‭ ‬نراه‭ ‬بوضوح‭ ‬فيما‭ ‬كتب‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬أمينًا‭ ‬مع‭ ‬نفسه،‭ ‬ولم‭ ‬تنقصه‭ ‬الشجاعة‭ ‬ليعبر‭ ‬بصدق‭ ‬عن‭ ‬رؤاه‭ ‬ومشاعره‭.‬

ويوضح‭ ‬خليل‭ ‬أن‭ ‬هازلت‭ ‬لم‭ ‬يتعدَّ‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬تجاربه‭ ‬الشعورية‭ ‬الخاصة،‭ ‬فقد‭ ‬تحدث‭ ‬عمَّا‭ ‬أحبه‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬الجمال،‭ ‬لا‭ ‬لأنه‭ ‬رآها‭ ‬فى‭ ‬معرض‭ ‬الجمال،‭ ‬بل‭ ‬لأنه‭ ‬أحبها،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يكتب‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬ويشعر‭ ‬به‭ ‬فحسب،‭ ‬وقد‭ ‬عشق‭ ‬المسرح‭ ‬فنسمعه‭ ‬يقول‭ ‬عنه‭: ‬انحن‭ ‬نحب‭ ‬المسرح‭ ‬لأننا‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا،‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نحب‭ ‬شخصًا‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬الروايات‭ ‬التمثيلية‭.‬

وقد‭ ‬خالف‭ ‬النقاد‭ ‬الذين‭ ‬أتوا‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬هازلت‭ ‬مسلكه؛‭ ‬إذ‭ ‬جاءوا‭ ‬بنظرياتٍ‭ ‬ثابتة‭ ‬فى‭ ‬النقد‭ ‬متأثرين‭ ‬بالفلسفة‭ ‬التجريبية‭ ‬ونظريات‭ ‬التطور‭ ‬العلمى‭ ‬الحديث‭ ‬التى‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬العلوم‭ ‬حتى‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬كالاجتماع‭ ‬والتأريخ‭ ‬وعلم‭ ‬النفس،‭ ‬ولم‭ ‬تترك‭ ‬الأدب‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يصيبه‭ ‬بعضٌ‭ ‬من‭ ‬شررها،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬تأير‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬اهتم‭ ‬النقاد‭ ‬بتحديد‭ ‬البيئة‭ ‬وإظهار‭ ‬مدى‭ ‬تأثيرها‭ ‬فى‭ ‬الشاعر‭ ‬أو‭ ‬الكاتب،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هازلت‭ ‬لم‭ ‬يعدم‭ ‬حاسة‭ ‬التمييز‭ ‬الدقيقة‭ ‬وهو‭ ‬فيها‭ ‬وبها‭ ‬يتفوق‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬قبله،‭ ‬وبعض‭ ‬من‭ ‬أتوا‭ ‬بعده،‭ ‬وهى‭ ‬سمة‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬أولى‭ ‬صفات‭ ‬الناقد‭ ‬الحاذق‭.‬

وميزة‭ ‬هازلت‭ ‬الكبرى‭ ‬وفق‭ ‬خليل‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يحب‭ ‬الشعراء‭ ‬والأدباء‭ ‬حبًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬وعميقًا،‭ ‬وانكبَّ‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬مؤلفاتهم‭ ‬حتى‭ ‬أضحت‭ ‬عباراتهم‭ ‬مألوفةً‭ ‬لديه،‭ ‬فهى‭ ‬تجرى‭ ‬على‭ ‬لسانه‭ ‬كما‭ ‬تجرى‭ ‬آيات‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الواعظ،‭ ‬هكذا‭ ‬يصفه‭ ‬خليل،‭ ‬ثم‭ ‬يضيف‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يؤخذ‭ ‬عليه‭ ‬إسرافه‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭ ‬الذى‭ ‬ربما‭ ‬أبعده‭ ‬قليلاً‭ ‬عن‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬نقائص‭ ‬الشاعر‭ ‬أو‭ ‬الكاتب‭ ‬المنقود‭.‬

ومن‭ ‬غير‭ ‬اليسير‭ ‬أن‭ ‬نفصل‭ ‬ذات‭ ‬الناقد‭ ‬هازلت‭ ‬عمَّا‭ ‬يكتبه،‭ ‬ففى‭ ‬كل‭ ‬نقد‭ ‬له‭ ‬يخبرنا‭ ‬عن‭ ‬حبه‭ ‬لهذا‭ ‬الشاعر‭ ‬وكراهيته‭ ‬لذاك،‭ ‬وهو‭ ‬يوقفنا‭ ‬على‭ ‬إعجابه‭ ‬الشخصى‭ ‬بالشاعر‭ ‬الذى‭ ‬يحبه‭ ‬سواءً‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بطريق‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭.‬

ثم‭ ‬يعرض‭ ‬لنا‭ ‬خليل‭ ‬محاضرة‭ ‬كان‭ ‬هازلت‭ ‬قد‭ ‬ألقاها‭ ‬عن‭ ‬الشعر،‭ ‬معناه‭ ‬وماهيته،‭ ‬وهى‭ ‬ضمينة‭ ‬بأن‭ ‬تقف‭ ‬بنا‭ ‬على‭ ‬رأى‭ ‬هازلت‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬حياته،‭ ‬وقد‭ ‬أفاض‭ ‬فى‭ ‬موضوع‭ ‬اماهية‭ ‬الشعرب‭ ‬وكان‭ ‬الذين‭ ‬تكلموا‭ ‬عنه‭ ‬قبله‭ ‬لم‭ ‬يحيطوا‭ ‬به‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬خليل‭ ‬ولأن‭ ‬هازلت‭ ‬كان‭ ‬رجلاً‭ ‬شاعريًّا‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يرض‭ ‬أبدًا‭ ‬أن‭ ‬يخضع‭ ‬الشعر‭ ‬لقوانين‭ ‬العلم‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬العلماء‭ ‬عن‭ ‬صور‭ ‬الكلام،‭ ‬فالشعر‭ ‬إبداع‭ ‬وعاطفة‭ ‬وخيال،‭ ‬والعلم‭ ‬لا‭ ‬يتقابل‭ ‬معه‭ ‬ولا‭ ‬يختلط‭ ‬به‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مجالٌ‭ ‬آخر‭.‬

ويوضح‭ ‬نظمى‭ ‬خليل‭ ‬أن‭ ‬محاضرة‭ ‬الشعر‭ ‬لهازلت‭ ‬ليست‭ ‬تأريخًا‭ ‬لهذا‭ ‬الفن؛‭ ‬ولكنها‭ ‬تحليل‭ ‬لعناصره‭ ‬الجوهرية،‭ ‬ومحاولة‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬أسراره‭ ‬الخفية،‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬روعةٍ‭ ‬وجمال،‭ ‬فهى‭ ‬محاضرة‭ ‬تعالج‭ ‬عنصرًا‭ ‬هامًّا‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬وجودنا،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬عناصر‭ ‬وجودنا،‭ ‬فوجودنا‭ ‬شاعر‭ ‬وحياتنا‭ ‬شاعرة‭.‬

والقارئ‭ ‬لمحاضرة‭ ‬هازلت‭ ‬قد‭ ‬يخفى‭ ‬عليه‭ ‬المعنى‭ ‬فى‭ ‬كلماتها‭ ‬أحياناً،‭ ‬وقد‭ ‬يلمس‭ ‬دقة‭ ‬التعبير‭ ‬إلى‭ ‬حدٍ‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬العادي،‭ ‬وهذا‭ ‬راجعٌ‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬إلى‭ ‬سمو‭ ‬الفكرة،‭ ‬فكلما‭ ‬اتسعت‭ ‬الرؤية‭ ‬ضاقت‭ ‬العبارة،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬هازلت‭ ‬أورد‭ ‬تعبيرات‭ ‬واستخدم‭ ‬تشبيهات‭ ‬يألفها‭ ‬القارئ‭ ‬الإنجليزى‭ ‬ولم‭ ‬يتعود‭ ‬عليها‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭.‬

وفى‭ ‬محاضرته‭ ‬يعرف‭ ‬لنا‭ ‬وليم‭ ‬هازلت‭ ‬الشعر‭ ‬فيقول‭: ‬إن‭ ‬أصدق‭ ‬تعريف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أُعَرِّف‭ ‬به‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬الصورة‭ ‬الطبيعية‭ ‬لأى‭ ‬غرض‭ ‬أو‭ ‬حادثة،‭ ‬فإن‭ ‬قوته‭ ‬تُوَلِّد‭ ‬فى‭ ‬الخيال‭ ‬والعاطفة‭ ‬حركة‭ ‬غير‭ ‬إرادية‭ ‬وتبعث‭ ‬رخامة‭ ‬فى‭ ‬الأصوات‭ ‬المُعَبِّرة‭ ‬عنها‭.. ‬وفى‭ ‬معالجة‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬االشعرب‭ ‬سأتكلم‭ ‬عن‭ ‬موضوعه‭ ‬أولاً،‭ ‬وعن‭ ‬صور‭ ‬الإفصاح‭ ‬التى‭ ‬يبعثها‭ ‬ثانيًا،‭ ‬وعن‭ ‬ارتباطه‭ ‬بموسيقى‭ ‬الصوت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭: ‬فالشعر‭ ‬لغة‭ ‬الخيال‭ ‬والعواطف،‭ ‬فهو‭ ‬يتصل‭ ‬بكل‭ ‬شيءٍ‭ ‬يبعث‭ ‬لذّةً‭ ‬أو‭ ‬ألمًا‭ ‬فى‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهو‭ ‬يستقر‭ ‬فى‭ ‬صدور‭ ‬الناس‭ ‬وأعمالهم؛‭ ‬لأنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬يستقر‭ ‬فيها‭ ‬فى‭ ‬أعم‭ ‬وأوضح‭ ‬صورة‭ ‬إلا‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬موضوعًا‭ ‬للشعر،‭ ‬والشعر‭ ‬هو‭ ‬اللغة‭ ‬العالمية‭ ‬التى‭ ‬تصل‭ ‬القلب‭ ‬بالطبيعة‭.‬

ثم‭ ‬يهاجم‭ ‬وليم‭ ‬هازلت‭ ‬أولئك‭ (‬الحمقى‭) ‬الذين‭ ‬يحتقرون‭ ‬الشعر؛‭ ‬فالذى‭ ‬يحط‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يُقَدِّر‭ ‬نفسه‭ ‬ولا‭ ‬يحترم‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬الأساس؛‭ ‬لأن‭ ‬الشعر‭ ‬ليس‭ ‬عملاً‭ ‬تافهًا‭ ‬أو‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬التسلية‭ ‬الزهيدة‭ ‬لبعض‭ ‬القراء‭ ‬الخاملين‭ ‬فى‭ ‬ساعات‭ ‬الفراغ،‭ ‬ولكنه‭ ‬دراسة‭ ‬للإنسان‭ ‬وبهجته‭ ‬فى‭ ‬سائر‭ ‬العصور‭.‬

ويصحح‭ ‬هازلت‭ ‬لمعظم‭ ‬الناس‭ ‬مفاهيمهم‭ ‬عن‭ ‬الشعر؛‭ ‬فهم‭ ‬يظنون‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬فى‭ ‬الكتب‭ ‬فقط،‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬السطور‭ ‬الموزونة‭ ‬المُقَفَّاة،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬حيثما‭ ‬توجد‭ ‬حاسة‭ ‬الجمال‭ ‬أو‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬الموسيقى،‭ ‬كما‭ ‬فى‭ ‬حركة‭ ‬موج‭ ‬البحر‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬نمو‭ ‬الزهرة‭ ‬التى‭ ‬تنشر‭ ‬أوراقها‭ ‬العطرية‭ ‬فى‭ ‬الهواء‭ ‬وتكرِّس‭ ‬جمالها‭ ‬للشمس،‭ ‬يوجد‭ ‬الشعر‭. ‬فالشعر‭ ‬ليس‭ ‬فرعاً‭ ‬من‭ ‬فروع‭ ‬التأليف‭ ‬ولكنه‭ ‬المادة‭ ‬التى‭ ‬تكونت‭ ‬فيها‭ ‬حياتنا،‭ ‬وما‭ ‬سوى‭ ‬الشعر‭ ‬خطابٌ‭ ‬مدفون‭ ‬وشيءٌ‭ ‬منسي؛‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬يسمو‭ ‬بمقدار‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬شعر‭. ‬الخوف‭ ‬شعر،‭ ‬والأمل‭ ‬شعر،‭ ‬والحب‭ ‬شعر،‭ ‬والكراهية‭ ‬شعر،‭ ‬الإرادة‭/‬الحقد‭/‬تأنيب‭ ‬الضمير‭/‬الإعجاب‭/‬الجلال‭/‬الرحمة‭/‬اليأس‭/‬الجنون،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬محله‭ ‬الشعر،‭ ‬فالشعر‭ ‬هو‭ ‬أدق‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬أجزائنا‭ ‬الداخلية،‭ ‬وهو‭ ‬الذى‭ ‬يوسع‭ ‬وجداننا‭ ‬ويرققه‭ ‬ويهذبه‭ ‬ويسمو‭ ‬به‭.‬

وبدون‭ ‬الشعر‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬تَعِسة‭ ‬كحياة‭ ‬الحيوان‭ ‬الأعجم‭. ‬وليم‭ ‬هازلت‭ ‬يقول‭ ‬لكم‭: ‬الإنسان‭ ‬حيوان‭ ‬شاعر،‭ ‬وحتى‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يفقهون‭ ‬قواعد‭ ‬الشعر‭ ‬ونظرياته‭ ‬نراهم‭ ‬يسيرون‭ ‬عليها‭ ‬فى‭ ‬جميع‭ ‬شئون‭ ‬حياتهم،‭ ‬والطفل‭ ‬شاعر‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬عندما‭ ‬يبدأ‭ ‬فى‭ ‬لعبة‭ ‬الاختفاء‭ ‬والبحث‭ ‬االاستغمايةب‭ ‬أو‭ ‬يستعيد‭ ‬قصة‭ ‬أمنا‭ ‬الغولة ‬والراعى‭ ‬شاعر‭ ‬عندما‭ ‬يشرع‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬تتويج‭ ‬محبوبته‭ ‬بإكليل‭ ‬الزهور،‭ ‬والفلاح‭ ‬عندما‭ ‬يشاهد‭ ‬قوس‭ ‬قزح،‭ ‬والحرفى‭ ‬الكادح‭ ‬عندما‭ ‬يتأمل‭ ‬فى‭ ‬الثرى‭ ‬العظيم،‭ ‬حتى‭ ‬البخيل‭ ‬عندما‭ ‬يحضن‭ ‬أمواله،‭ ‬والوثنى‭ ‬الذى‭ ‬يلطخ‭ ‬معبوده‭ ‬بدم‭ ‬الأضحية،‭ ‬والمعجب‭ ‬بنفسه‭ ‬والمتكبر‭ ‬والطموح،‭ ‬وذاك‭ ‬الذى‭ ‬يغضب‭ ‬سريعًا،‭ ‬البطل‭ ‬والجبان،‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬شعراء‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬لأنهم‭ ‬يعيشون‭ ‬فى‭ ‬دنيا‭ ‬من‭ ‬تصوراتهم‭ ‬وخيالاتهم،‭ ‬والشاعر‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬عمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يفصح‭ ‬عن‭ ‬أفكار‭ ‬الآخرين‭ ‬وأعمالهم،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬الشعر‭ ‬حلمًا‭ ‬لكانت‭ ‬الحياة‭ ‬أكبر‭ ‬حلم،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬خيالاً‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬رغباتنا،‭ ‬فلا‭ ‬توجد‭ ‬هناك‭ ‬حقيقة‭ ‬أفضل‭ ‬وأصدق‭ ‬منه‭.‬