عاجل

فى الصميم

وضعنا العالم أمام مسئولياته.. لكننا نعرف كيف نحمى حقوقنا

جلال عارف
جلال عارف

 كلمة وزير الخارجية سامح شكرى أمام مجلس الأمن أول أمس كانت غاية فى الوضوح والحسم فى التعبير عن موقف مصر المبدئى من قضية السد الإثيوبى. هذا الموقف الذى يعطى للحل السلمى كل الفرص، لكنه لا ولن يتهاون مطلقا فى حماية حقوق مصر بكل الطرق وكل الوسائل المشروعة.. ومنذ البداية كان الهدف من دعوة مجلس الأمن للانعقاد -للمرة الثانية- من أجل بحث الأزمة، يستهدف فى الأساس وضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته، ومنع اثيوبيا من الاستمرار فى عدوانها وتهديدها للأمن المائى لمصر والسودان من أن يفجر الموقف فى منطقة لا تحتمل مطلقا المزيد من الصراعات.
لقد وضعت مصر والسودان القضية مرة أخرى أمام مجلس الأمن، بعد فشل التفاوض العقيم تحت رعاية الاتحاد الإفريقى بسبب التعنت الإثيوبى الذى يستهدف الهيمنة على مياه النيل الأزرق وتحويله إلى بحيرة اثيوبية، وبسبب استمرار اثيوبيا فى الاجراءات الأحادية دون اتفاق مع دولتى المصب رغم الأضرار الجسيمة التى يسببها ذلك، والرفض الاثيوبى لأى اتفاق يحفظ حقوق الجميع بما فيها حق إثيوبيا فى التنمية.. ومنذ البداية لم يكن المطلوب من مجلس الأمن إلا وقف العدوان الاثيوبى، والدفع نحو تفاوض جاد فى إطار دولى يساعد الاتحاد الافريقى على القيام بواجبه، ويؤدى إلى اتفاق قانونى ملزم فى إطار زمنى محدد منعا للتسويف الإثيوبى المعتاد. ولهذا جاءت دعوة مجلس الأمن فى اطار الفصل السادس من الميثاق الأممى، وجاء مشروع القرار الذى تقدمت به تونس فى هذا الإطار المحدد وشديد الاعتدال.
ولتوضيح خطورة  الموقف وضع وزير الخارجية سامح شكرى ووزيرة خارجية السودان الشقيق مريم المهدى أمام أعضاء المجلس والمجتمع الدولى كله صورة الدمار الذى تسببه التصرفات الإثيوبية المنفردة لمصر والسودان. وقال سامح شكرى إن غياب الاتفاق الملزم الذى ينظم قواعد ملء وتشغيل السد يسبب عجزا متراكما للمياه فى مصر يصل إلى ١٢٠ مليار متر مكعب.. وهو ما يعنى دمارا لمئات الآلاف من الأفدنة والإضرار الجسيم بالزراعة، والنقص الفادح فى مياه الشرب.. وهو وضع أكد الوزير أن مصر لا يمكن أن تتحمله، بل إنها بالتأكيد لن تقبله أو تتسامح معه!
وأيا كان القرار الذى يتخذه مجلس الأمن، فإن مصر قد اثبتت احترامها الكامل للنظام الدولى، وتمسكها بالمواثيق والقوانين الدولية، وقدمت كل الأدلة على إعطاء كل الفرص للحل السلمى، واضعة أعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولى أمام مسئولياتهم فى حفظ السلم والأمن فى المنطقة والعالم،  ومطالبة إياهم بالتحرك المسبق لمنع الكارثة ولردع إثيوبيا عن مواصلة العدوان.
إن فشل مجلس الأمن فى اتخاذ القرار الصحيح لردع العدوان الإثيوبى ومنع تحول السد لتهديد وجودى لمصر والسودان، لن يكون إلا خصما من مصداقية النظام الدولى وقدرته على حفظ أمن وسلام العالم. أما مصر فقد حددت موقفها بكل وضوح. تسعى للسلام والتعاون بكل الطرق لكنها لن تتهاون فى حق ولن تتسامح مع أى عدوان، ولن تتخلى عن مطلبها القانونى والعادل من أجل اتفاق ملزم يحفظ حقوق الجميع، ولن تتفاوض بلا نهاية أو هدف، ولن تترك حياة شعبها تحت تهديد إثيوبيا أو من يقفون وراءها!!
بوضوح وحسم وضعت مصر موقفها أمام أعضاء مجلس الأمن: «إذا تضررت حقوق مصر المائية أو تعرض بقاؤها للخطر.. فلا يوجد أمام مصر إلا أن تحمى وتصون حقها الأصيل فى الحياة وفق ما تضمنه لها القوانين والأعراف السائدة بين الأمم».
فى كل الأحوال.. مصر قامت بكل ما يمكن من أجل الحل العادل الذى يضمن حقوق الجميع ويحقق مصالح الشركاء فى النيل الأزرق. ومصر تضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته وهى تدرك جيدا أنها تملك الحق وتعرف كيف تدافع عنه وتحميه.
ويبقى فقط التأكيد على أنه إذا كان ما يحرك بعض القوى الكبرى هو مصالحها الخاصة، فإن هذه المصالح أول من يتضرر بالعجز عن حفظ السلام والأمن فى المنطقة!!.. وإذا كان البعض يتعلل بأنه لا يريد فتح ملف المياه المعقد، فإنه لا يفعل شيئا إلا أن يطلق حروب المياه فى العالم كله فى غياب إرادة دولية قادرة على منع الصدام واستباق الخطر!!
كان ضروريا أن تذهب مصر والسودان لمجلس الأمن. والأكثر ضرورة أن يتحمل كل طرف مسئوليته كاملة، وأن يدرك الجميع أنه لا أمن ولا سلام إلا بالحفاظ على الحقوق والالتزام بالقانون والإقرار بأن التعاون وحده هو الطريق الذى يحقق مصالح الشعوب.. وتبقى الحقيقة الأساسية دائما: مصر تملك الحق، وتعرف كيف تدافع عنه ضد أى عدوان.