حكايات| مجنونة التعليم.. «فوزية» تمحو أميتها عن طريق الراديو

مجنونة التعليم.. «فوزية» تمحو أميتها عن طريق الراديو
مجنونة التعليم.. «فوزية» تمحو أميتها عن طريق الراديو

عندما كان عمرها 10 سنوات، في ثلاثينيات القرن الماضي، طلبت منها أسرتها عدم الخروج من المنزل، كغيرها من بنات جيلها وأقاربها، لكنها لجأت إلى والدها وطلبت منه أن يشتري لها راديو تسمع منه الأخبار وتتعلم أيضًا، بعد أن أصيبت بالملل اليومي، عقب الانتهاء من خدمتها في المنزل، فلبى والدها طلبها، وباع معزة كان يمتلكها مقابل 3 جنيهات ونصف، واشترى لها راديو.

 

بدأت الطفلة فوزية أحمد الصغير ابنة قرية حجازة بقنا، وقتها الاستماع للأخبار، ولكن كانت هوايتها وقتها أن تتعلم، فبدأت أن تسمع يوميًا برنامج تعليمي «أهل بلدي ياللي اتحرمتوا من التعليم من المنزلة لأسوان إذاعتنا ناوية تعلمكم من غير ما تغرموا ولا مليم».

 

من أغنية البرنامج، بدأت الطفلة وقتها أن تهوى التعليم، وتحاول أن تتعلم، بالرغم من العادات والتقاليد، التي تمنع الفتاة من التعليم وقتها أو حتى الخروج من المنزل، فطلبت من والدها أن يشتري لها كراسة وقلم لتبدأ في مرحلة التعليم.

 

اقرأ أيضًا| «كوشة» من الأسماك ومأذون.. زفة مصرية لعروسين في قاع البحر

 

كانت القرية التي تسكن فيها فوزية، لم تصلها الكهرباء في ذلك الوقت، وكانت تعد العدة من العصر، لتجهيز اللمبة الجاز، لتستمع إلى البرنامج ليلًا، لتتعلم القراءة والكتابة، فلقد كان البرنامج التعليمي يخبرها أن حرف الألف يشيبه «كوز الذرة»، فيُخيل إليها وتكتبه، وكان والدها يساعدها وقتها، وهكذا في بقية الحروف حتى تعلمت كتابة جميع الحروف الهجائية.

 

 

هوايتها للتعليم ومساعدة والدها لها، دفعها للتعلم بسرعة الحروف، وأيضًا كتابة الكلمات، وطلب البرنامج، إرسال اسم المشرف واسم الدارس أسبوعيًا، إلا أن والدها رفض بعد كتابتها للتمارين، ولكن والدها رفض وقتها كتابة الاسم والعنوان، ولكنه أرسل التمارين على برنامج محو الأمية الخاص بالإذاعة في ماسبيرو، وكل مرة يرسل والدها التمارين دون كتابة الاسم والعنوان.

 

اتفقت مع والدها وقتها، أن تكتب الحرف الأول من اسمها واسمه، وترسل التمارين للبرنامج وأقنعته في ذلك، ولكن لم تتلق رد من البرنامج، وبدأت في ارسال خطابات لهمسة عتاب وآمال فهمي، وعندما دخل التلفزيون إلى القرية، أرسلت إلى فايزة وافي، وأريد حلًا، حاولت التواصل معهم ولكن دون رد.

 

أرسلت الطفلة خطابًا تقص فيها مشاكلها إلى صفية المهندس، فردت عليها، وبعد أن تزوجت ، قررت أن تعلم أبنائها، الثلاث ولدان وبنت، محمود حصل على دبلوم زراعة، ونجاح حصلت على كلية، واشتغلت بالحصة وقتها وتم تثبيتها في التربية والتعليم، وهاشم حصل على خدمة اجتماعية في أسوان.

 

 

السيدة العجوز، تحدت الجميع، خاصة بعد جنونها بالتعليم، وحصلت على محو الأمية، وربت ثلاثة من أبنائها، وتنصح الجميع بضرورة تعليم الفتيات، للحصول على مؤهل عالي فالعلم نور.

 

وأمام ذلك، سارع الدكتور صبري خالد وكيل وزارة التربية والتعليم بقنا إلى تكريم السيدة العجوز، التي قهرت الأمية بمجهود ذاتي وعزيمة قوية، وتحدت القيود الثقافية، الموضوعة من قبل المجتمع، وبدأت تعليم نفسها اعتمادا على برنامج الإذاعة، كما غرست حب التعليم في أبنائها الثلاثة.