الاعلام الفرنسي والذكرى الثامنة لثورة ٣٠ يونيو … ملاحظات ورؤية للمستقبل

محمد زيان
محمد زيان

بقلم | محمد زيان

رغم العلاقات القوية التي تجمع بين مصر وفرنسا ، ورغم غزارة التعاون الثنائي في مشروعات اقتصادية وعسكرية ، وفي مجال تبادل الخبرات التقنية والتدريب ، وانسحاب هذا الأمر على قطاعات شتى ، منها السكة الحديد ، صناعات الأسمنت والطائرات و المعدات العسكرية وبناء البنية التحتية التي توجتها هذه العلاقات في ضوء دبلوماسية القمة التي تكررت أكثر من ست مرات بين الرئيسين " السيسي " و " ماكرون "، وبلغت حصيلة اللقاءان منذ عام ٢٠١٤ أكثر من ٢٠ زيارة رفيعة المستوى بسن رئيس ورئيس وزراء ومسئولين رفيعي المستوى ، هذا على  المستوى السياسي في ضوء الشراكة التي تمتد لقرابة القرنين بين مصر والجمهورية الفرنسية

اقرأ أيضاً |«1,6 مليار دولار» حجم التبادل التجاري بين مصر وفرنسا في 2020

أنا المحور الاقتصادي ، وكما أشرت اليه في تقديم المقال ، فقد كان عصب هذه العلاقة للاستفادة من الخبرات الفرنسية في مجالات شتى تحتاج لها مصر في مسيرتها ومشوارها في الاصلاح الاقتصادي الجاري ، وتحديث أنظمتها الاقتصادية وصقل واستجلاب الخبرات في مجالات التدريب والتصدير والاستيراد بين البلدين ، وهو ما سجلت مؤشرات التبادل التجاري بين الحليفين ٢.٤ مليار دولار عام ٢٠١٩ ، وجاءت فرنسا في رقم ١٢ بقائمة الشركاء التجاريين لمصر .  

غير أنني وإذا تكلمت عن الشراكة الاستراتيجية والعسكرية ، وفي مجال مكافحة الإرهاب بين البلدين ، فإن هذا المحور القائم في اتجاهات كثيرة بين مصر وفرنسا يؤكد على قوة ومتانة هذه العلاقات ، وتعدد مجالات الشراكة والتفاهم ترجع لتاريخ العلاقات والتلاقي الحضاري بين الثقافتين المصرية والفرنسية واستمرار تدفق شريان هذه المسيرة التي ان تنتهي بانتهاء جيل أو عدة أجيال . 
من التقدمة السابقة لتعدد مسارات ومجالات وشراكات مصر وفرنسا ، أرى أن هذه العلاقة تمثل قمة النضوج السياسي بين بلدين يقاومان نفس العدو المشترك بأدوات كثيرة ، منها الاقتصادي / كما تعمل فرنسا مع مصر في تنمية وتطوير البنية التحتية وتحديث الصناعات - وهو ما يعرف في استراتيجيات مواجهة الارهاب ب" مقاومة أو محاولة الارهاب بالتنمية " ، وذلك بمكافحة الفقر وتشغيل الشباب ، والتدريب والتثقيف وتوفير بيئة عمل كافية لسحب طاقات الشباب التي تستغلها الجماعات الارهابية . 
وفي مجالات الثقافة أيضاً تعي الدولتين أهمية الثقافة في الحرب على الارهاب والتنمية ، وفك رموز التطرف ووقفه عند حده وتطوير العقول في البيئات النائية في الضواحي والاقاليم لزرع التنوير والتطوير في عقول الشباب لتصبح مغلقة اذا ما حاول الارهاب التسلل اليها ، متسلحة بالعلم والعمل . 
وفي مسيرة هذه العلاقات والتعاون المشترك ، وبالتزامن  مع الذكرى الثامنة لثورة ٣٠ يونيو التي أزاحت حكم الارهاب من مصر - وقطعت ذيل الثعبان ورأسه من مصر - إلى غير ذي رجعة -  تجدر الإشارة إلى أن فرنسا تستلهم هذه التجربة في مواجهة هذا الثعبان الذي تكاثر وأصبح له أبناء ينتمون لهذا التنظيم على التراب الفرنسي ، وبالتالي تحتاج فرنسا على المستويات المختلفة للاستفادة من التجربة المصرية في القضاء على جماعة الاخوان وارهابها الذي ضرب الجمهورية الفرنسية منذ ١٩٨٠ في عمليات خارج الحدود ، ويضربها في الفترة الحالية منذ ٢٠١٥ في أحداث باتاكلان واستاد دو فرانس ، وسان دوني ، وشارع فولتير والشانزليزيه ، وذبح صامويل باتي في ١٦ اكتوبر ٢٠٢٠ ، والاعتداءات المتكررة وقتل ١٢ في حادث شارلي ايبدو بين عامي ٢٠١٢ و٢٠٢٠ ، والاعتداء على كنيسة نيس ، وطعن شرطية فرنسية في "رامبوييه " وغيرها من الحوادث المتكررة والتي لن تنتهي إلا إذا اتبعت فرنسا سياسة قوية وحاسمة مع هذه الجماعات والتنظيمات الارهابية . 
ولكي تنتصر مصر في معركتها مع الارهاب خاضت نوعاً من المواجهة الاعلامية المقاومة لتصد الهجوم الاعلامي الذي تقوده ضدها الدول التي تعطلت مصالحها ، وسقطت مشاريعها ، وانتهت طموحاتها في اقامة الخلافة الاسلامية على الاراضي المصرية ، وواجهت مصر - ولاتزال - منابر اعلامية ممولة عملت خلال الفترات السابقة على تهييج الرأي العام باستغلال الظروف الاقتصادية التي مرت بها مصر تارة ، ومن خلال خطاب ديني متطرف يلعب على مشاعر المصريين تارة آخرى ، وتارة ثالثة بادعاءات ضد مصر ومحاولات لاعادة هذا التنظيم الارهابي مرة آخرى ليجد اه مكاناً بين المصريين ، ولاعادة انتاجه مرة آخرى بعدما قتل وسفك دماء كثير من المصريين . وهذه الحرب الاعلامية التي تقودها مصر ضد الارهاب ، تجيدها فرنسا وتعمل في طريقها لمواجهة الافكار والجماعات المتطرفة بطرق علمية وحديثة في وسائل الاعلام ، وباستخدام منصات اعلامية كبرى تحقق لها أهداف المواجهة الفعالة مع الارهاب على الارض ، خاصة وأن لفرنسا أكثر من ٩٠٠ شاب انضموا للتنظيمات الارهابية ومنها داعش في سوريا والعراق ، وهو ما نعمل عليه للتعريف بخطورة الارهاب . 
الجزء الأخير في مقالي ، والذي استعرض فيه الاعلام في مصر وفرنسا والعدو الواحد الذي يواجهانه ، وفي اطار الشراكة القوية والتعاون المشترك ، يقودني الى الإعلان في هذا الجزء عن سبب كتابتي لهذه السطور .
فمنذ يومين مضيا على الذكرى الثامنة لثورة ٣٠ يونيو التي أسقطت حكم الارهاب في مصر - والذي كان بالضرورة سينتقل لعدة دول في المنطقة وكان في يوم من الأيام سيصل القارة الأوروبية حسب مؤشرات الديموغرافيا ودراسات السكان في القارة - وحسب التنظيمات والجمعيات والجماعات المنتشرة فيها وبخاصة في فرنسا - ومن خلال متابعتي وقراءاتي في الصحف الفرنسية - قدر إجادتي للغة - على مدار اليومين التاليين لذكرى الثورة الشعبية التي خلصت مصر والمنطقة من شياطين البنا ، لم أجد خبر عن هذه الصورة وخروج الشعب والملحمة التي جرت من انحياز الجيش إلى جانب  المصريين لتخليص رقابهم من قطاع الطرق الجدد وطيور الظلام التي تسللت الى الحكم في ظروف سيولة سياسية وشعبية ومعرفية ، خاصة مع تصدير الجماعة الارهابية للشعب المصري وقتذاك الزيت والسكر والمعونات مستغلة الظروف الاقتصادية الصعبة التي حلت بعد أحداث يناير ٢٠١١ م ، وانعكست على كل بيت . 
لم اكتب صحيفة فرنسية تقريراً عما جرى في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ من نزول الشعب وهتافه ضد الارهاب ومكتبه العام في النمسا والمقطم " يسقط يسقط حكم المرشد "، وضد مندوبه في قصر الاتحادية الجاسوس " محمد مرسي " حين هتف اه الشعب " بص شوف … الثورة يا خروف ". 
لم تكتب صحف فرنسا عن ذكرى الثورة في وقت تحتاج ايه ثورة من البرلمان  لاقرار قانون يحظر جماعة الاخوان التي تتخفى وتزرع شياطينها  تحت قوانين الحريات وحقوق الانسان في بلاد الجن والملائكة ، ولم يلقي الضوء الاعلام الفرنسي على الذكرى الثامنة لبسالة الشعب في التوقيت الحرج الذي تحاصر فيه جمعيات الاخوان فرنسا وتطوق عنقها وتقيم مؤتمر التنظيم الدولي في مدينة " لوبورجيه " كل عام ولم تتحرك جهاتها القضائية لاتخاذ قرارات ضد المدارس الجمعيات التي تزرع الارهاب في عقول شباب الضواحي !
لم يكتب الاعلام الفرنسي كلمة عن ثورة مصر ضد حكم الارهاب ، الذي هاجم صحف فرنسا وقتل منها من قتل ، حتى البوليس الفرنسي والمدرسين اعتدى عليهم وقتلهم ، ولم تسلم بيوت الله منهم فاعتدوا أيضاً على الكنائس .
لم تتحرك الالة الفرنسية الاعلامية لمساندة ثورة مصر في ذكراها الثامنة ضد الارهاب ، في وقت تواجه الهوية الفرنسية خطراً حقيقياً على هويتها منذ حوادث الدعس في نيس بالتزامن مع احتفالها بيومها الوطني . 

أخيراً :
من كل ما تقدم ، وجدت أن الاعلام الفرنسي لم يذكر ثورةرمصر الشعبية ضد الارهاب ، بينما لاتزال صفحة الويكيبديا الفرنسية في صدارة محرك البحث جوجل يقول عن صورة مصر انها انقلاب عسكري .
لذا اقترح : أن تفتح مصر وتضيف التعاون الاعلامي مجالاً قادماً للتعاون بينها وبين فرنسا ، من خلال انشاء قناة فضائية مشتركة باللغتين العربية والفرنسية تبث من مصر الى فرنسا لتعريف الرأي العام الفرنسي بحقيقة الاوضاع في مصر ،  ويكون تماول الاعلام الفرنسي للأوضاع التي تجري في مصر محور الحديث بين البلدين لتنوير الرأي العام الفرنسي بالتجربة المصرية في مواجهة الارهاب  ، لأن يد مصر الاعلامية لمصر في فرنسا غير طائلة ، في وقت تجود لوبيات سياسية واعلامية كبيرة للدول المعادية لمصر تتحرك ضدها ، وتسوق دعايتها لها ، وأن يكون التناول الاعلامي لمصر وثورتها وما التطور الحاصل بها وتجربتها في النهوض والتنمية مسار اهتمام الاحاديث المشتركة للرئيسين المصري والفرنسي ووضع مصر على الخارطة الاعلامية الفرنسية بشكل يليق بمكانة وقوة البلدين والعلاقات بينهما .