كتب :أحمد بيومى
للوهلة الأولى قد تسيطر فكرة «التبنى»، وهى الخيط الرئيس للجزء الثاني لمسلسل «ليه لأ» على قلوب المشاهدين، إلا أن المشاهدة المتأنية تلزم إعمالا للعقل الجمعى المصري لتغيير مسلمات باطلة طالما آمن بها الجميع.
اسئلة بالجملة يطرحها الثلاثى، الكاتبة مريم نعوم والمخرجة مريم أبو عوف والنجمة منة شلبي، ربما السؤال الأول كما يبدو من عنوان العمل الدرامي «ليه لأ؟»، يسعى المسلسل فى الأساس إلى رج المسلمات القابعة فى الذهن المصري العام، عادات وتقاليد ترفض التغيير أو التمرد أو حتى إعادة النظر فيها. وهو الأمر الذى نجح الثلاثى فى هدمه خلال الأيام الماضية حول موضوع التبنى وأطفال الشوارع، وبدأ الرأي العام يتحدث عن القضية التى تؤرق مجتمعنا من سنوات طويلة، بلا أي فعل حقيقى أو مناقشة جادة تسعي إلى تبديل الحال أو حتى تعديله.
إلا أن المشاهدة الرصينة تكشف لنا عن المزيد، يتجاوز طرح المسلسل لقضية التبني فقط، فالمسلسل يرسم صورة لشخصيات متباينة كاشفة لعدد من الأمراض التى أصابت المجتمع المصري، «ليه لأ 2» نموذج للفن الهادف إلى التفاعل مع المجتمع وكشف أعراضه فى سبيل دفع المجتمع كله للتخلص من المرض من جذوره.
«ندي – منة شلبي» طبيبة العيون الناجحة، عزباء فى نهاية الثلاثنيات، تجد نفسها فى ورطة، فتاة صغيرة تلقى فى أحضانها بنتها الصغيرة خوفا من انتقام أهلها، فتبدأ رحلة ندي مع الطفلة الصغيرة التى تثير داخلها مشاعر الأمومة وتفتح لها أفق حياة جديدة. وعبر الرحلة التى نخوضها مع ندي وصولا إلى دار لرعاية الأطفال، فتقرر ندى تبنى الطفل «يونس» ليرافقها فى حياتها.
كل شخصيات المسلسل ضحايا. الأب الشاب المنفصل عن زوجته الباحث عن حياة جديدة، الساعى لمحاولة جديدة لعبور الحياة بسلام رفقة أبنته الصغيرة، ضحية. الأخ العائد مع زوجته وأطفاله من الخليج بعد أنتهاء عمله رغما عنه، الباحث عن عمل وبدء مشوار جديد، ضحية. زوجته الباحثة عن الأنفراد بالشقة بإقناع زوجها بالموافقة على تبني أخته لطفل، ضحية. الأطفال فى دار الرعاية، ضحايا. الأب القروى الذى سعى إلى قتل طفلة صغير أنجبتها أبنته من علاقة غير شرعية، ضحية. صديقة «ندى» وزوجها، اللذان فقدها أبنهما فجأة، ولا تستطيع الأم تجاوز الأمر وتعيش وسط صراع داخلى بالندم والحزن وعدم القدرة على التصديق، ضحية. دوائر كثيرة متداخلة ومترابطة حول الشخصية الرئيسة «ندى» الكل فيها ضحية إما للعادات والتقاليد أو الجهل أو ضغوط الحياة أو الأختيارات الخاطئة، الكل ضحية، والجميع يبحث عن حياة جديدة يتمناها أفضل.
مريم نعوم كاتبة أثبتت فى تجاربها المختلفة قدرتها على اقتحام مناطق شائكة، وإدراكها للمشكلات التى تواجه الشخصية المصرية بشكل عام، والمرأة بشكل خاص جدا. ومريم أبو عوف مؤمنة تماما بما تقدم، فتحكى لنا القصة بسلاسة وبساطة وبتفاصيل كثيرة دقيقة بلا تكلف أو صرخات ذاعقة. ومنة شلبي، الممثلة الأهم فى جيلها، بآداء واعى وسيطرة كاملة واختيارات متتالية تدل على مدى النضج الذي وصلت إليه. منة كتلة متحركة من المشاعر لا تملك أمامها إلا الاستسلام الكامل دون شرط وتصديق ملامحها الصديقة سواء فى الفرح أو الحزن أو الصدمة أو الحيرة أو الحلم .. منة بهذا العمل الفنى الجديد، صعدت درجة أخرى فى سلم الصدق الفنى التى عاهدتنا عليه منذ سنوات، وحافظت على العهد.
الثلاثى منة ومريم أبو عوف ومريم نعوم، ثلاثى يستحق كل التحية والتقدير. هن دليل على قدرة هذه الدولة الدائمة على الإبداع والمواجهة وتحريك الراكد وبناء وعى جديد قادر على مواجهة تحديات الزمن الذى نعيشه.