مهرجان كتابة وسرد البحر المتوسط فى دورته التاسعة:العودة إلى ضفاف الفلسفة

لينا عطاالله ومى التلمسانى وإسماعيل فايد ومارتن لوجرو وصفاء فتحى وجون كلود
لينا عطاالله ومى التلمسانى وإسماعيل فايد ومارتن لوجرو وصفاء فتحى وجون كلود

إسراء‭ ‬النمر

فى‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬٧‭ ‬لـ‭ ‬٩‭ ‬يونيو،‭ ‬نظم‭ ‬المعهد‭ ‬الفرنسى‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬ساحة‭ ‬شلتر‭ ‬للفنون،‭ ‬وبدعم‭ ‬من‭ ‬المقاطعة‭ ‬الجنوبية‭ ‬فى‭ ‬فرنسا،‭ ‬مهرجان‭ ‬كتابة‭ ‬وسرد‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬فى‭ ‬دورته‭ ‬التاسعة،‭ ‬بمدينة‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬االتى‭ ‬تبدو‭ ‬كمدينة‭ ‬أحلام‭ ‬أرسطو‭ ‬ونقطة‭ ‬التقاء‭ ‬بين‭ ‬مياه‭ ‬النيل‭ ‬والبحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬فهى‭ ‬تعد‭ ‬ملتقى‭ ‬بين‭ ‬حكمة‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬والمكان‭ ‬المثالى‭ ‬لإعادة‭ ‬تضافر‭ ‬الخيوط‭ ‬المنقطعة‭ ‬للتأمل‭ ‬والتفكر‭ ‬الفلسفى‭ ‬فى‭ ‬العالمب‭. ‬إذ‭ ‬جمع‭ ‬المهرجان‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والكتاب‭ ‬والفنانين،‭ ‬الفرنسيين‭ ‬والمصريين،‭ ‬ليقدموا‭ ‬أفكارهم‭ ‬حول‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المحاور‭ ‬التى‭ ‬تشغل‭ ‬بال‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭.‬

وقد‭ ‬شهد‭ ‬المهرجان‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الجلسات‭ ‬النقاشية‭ ‬والحفلات‭ ‬الموسيقية‭ ‬حضورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الجمهور،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬التعطش‭ ‬إلى‭ ‬الفلسفة،‭ ‬والرغبة‭ ‬فى‭ ‬هزيمة‭ ‬وباء‭ ‬كورونا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نبهنا‭ ‬إليه‭ ‬د‭. ‬عزيز‭ ‬هلال‭ ‬المفكر‭ ‬الفرنسى‭ ‬المغربى‭ ‬المقيم‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬وأحد‭ ‬المدعوين،‭ ‬أن‭ ‬الوباء‭ ‬هدم‭ ‬فلسفة‭ ‬جان‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭ (‬١٩٠٥‭- ‬١٩٨٠‭) ‬التى‭ ‬تتلخص‭ ‬فى‭ ‬االآخر‭ ‬هو‭ ‬الجحيمب،‭ ‬والدليل‭ ‬أن‭ ‬الشوارع‭ ‬والمطاعم‭ ‬والمقاهى‭ ‬ازدحمت‭ ‬بالناس‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬البلدان‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬مدة‭ ‬الحظر،‭ ‬ما‭ ‬يعنى‭ ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬دومًا‭ ‬إلى‭ ‬االعودة‭ ‬إلى‭ ‬ضفاف‭ ‬الفلسفةب،‭ ‬لكى‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نفسر‭ ‬ونفهم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نمر‭ ‬به‭.‬

ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬كان‭ ‬ميشيل‭ ‬فوكو‭ (‬١٩٢٦‭-‬١٩٨٤‭)‬،‭ ‬لا‭ ‬سارتر،‭ ‬أكثر‭ ‬الفلاسفة‭ ‬حضورًا‭ ‬فى‭ ‬المهرجان،‭ ‬فهو‭ ‬الفيلسوف‭ ‬المعروف‭ ‬بدراساته‭ ‬الناقدة‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬مثل‭: ‬المصحات‭ ‬النفسية،‭ ‬والمستشفيات،‭ ‬والسجون،‭ ‬وكذلك‭ ‬أعماله‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬تاريخ‭ ‬الجنسانية،‭ ‬إذ‭ ‬عقدت‭ ‬حلقة‭ ‬نقاشية‭ ‬مع‭ ‬الفيلسوف‭ ‬جون‭ ‬كلود‭ ‬مونو‭ ‬الذى‭ ‬تتركز‭ ‬أبحاثه‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والدين‭ ‬والحداثة،‭ ‬وإسماعيل‭ ‬فايد‭ ‬الباحث‭ ‬بقسم‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬بالجامعة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬حول‭ ‬اماذا‭ ‬تعلمنا‭ ‬من‭ ‬فوكو؟ب‭. ‬

السلطة‭.. ‬يد‭ ‬تقمع‭ ‬وأخرى‭ ‬تبنى

يقول‭ ‬جون‭ ‬كلود‭ ‬إن‭ ‬فوكو‭ ‬وضع‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬هامة،‭ ‬وهى‭ ‬أن‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬تحرر‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬السلطة،‭ ‬وأن‭ ‬علينا‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيلها‭ ‬بحيث‭ ‬يحتل‭ ‬العلم‭ ‬فيها‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬كما‭ ‬تحتل‭ ‬السياسة،‭ ‬وقد‭ ‬أجرى‭ ‬فوكو‭ -‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭- ‬أبحاثًا‭ ‬على‭ ‬المرضى‭ ‬النفسيين،‭ ‬واكتشف‭ ‬أن‭ ‬علاجهم‭ ‬بالحبس‭ ‬يعد‭ ‬شكلًا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬القمع،‭ ‬وهذا‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬العلم‭ ‬لم‭ ‬يفد‭ ‬السلطة‭ ‬فى‭ ‬استخدام‭ ‬طرق‭ ‬أخرى‭ ‬للعلاج،‭ ‬كما‭ ‬اكتشف‭ ‬فى‭ ‬دراسته‭ (‬المراقبة‭ ‬والعقاب‭) ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬وهى‭ ‬تقاوم‭ ‬الجريمة‭ ‬لا‭ ‬تساوى‭ ‬فى‭ ‬العقاب،‭ ‬وهذا‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬كثيرين‭ ‬يتعرضون‭ ‬للقمع‭ ‬برغم‭ ‬إدانتهم‭ ‬فى‭ ‬جرائم‭.‬

يضيف‭: ‬ابالنسبة‭ ‬لفوكو،‭ ‬السلطة‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬فقط‭ ‬القمع،‭ ‬ولكنها‭ ‬تعد‭ ‬أحد‭ ‬الروافد‭ ‬التى‭ ‬تنتج‭ ‬المعرفة،‭ ‬لهذا‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬إدانة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يأتى‭ ‬منها،‭ ‬لأنها‭ ‬متشعبة‭ ‬فى‭ ‬المجتمع،‭ ‬والأخطر‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية،‭ ‬هى‭ ‬سلطة‭ ‬رجال‭ ‬الدين،‭ ‬وجميعنا‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬الإصلاح‭ ‬الأوربى‭ ‬حدث‭ ‬نتيجة‭ ‬تفاقم‭ ‬أزمة‭ ‬تسلط‭ ‬القساوسة‭ ‬على‭ ‬المؤمنين‭ ‬وتحكمهم‭ ‬فى‭ ‬حياتهم‭.. ‬مقاومة‭ ‬السلطة‭ ‬إذن‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬بسيطة‭ ‬مثل‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬وانتشار‭ ‬البطالة‭ ‬وغياب‭ ‬العدالة،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الناس‭ ‬يتمردون‭ ‬ويحتجون،‭ ‬لكن‭ ‬فوكو‭  ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الثورات‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬عادة‭ ‬أن‭ ‬تُحدث‭ ‬إصلاحا‭ ‬شاملاً،‭ ‬لكنها‭ ‬تسلب‭ ‬اعترافًا‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬بوجود‭ ‬أزمة،‭ ‬وبالتالى‭ ‬تفرض‭ ‬حتمية‭ ‬حلهاب‭.‬

فوكو،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬جون‭ ‬كلود،‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬الذين‭ ‬غيروا‭ ‬التاريخ،‭ ‬لأن‭ ‬فلسفته‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬اتجاهات‭ ‬مختلفة،‭ ‬وتركز‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينبغى‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬له‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬تقدم،‭ ‬فقد‭ ‬أكد‭ ‬فوكو‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يطور‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬مهاراته،‭ ‬وألا‭ ‬يجعل‭ ‬أى‭ ‬سلطة‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه،‭ ‬سوى‭ ‬سلطة‭ ‬ذاته،‭ ‬لأن‭ ‬السلطة‭ ‬بمفهومها‭ ‬العام‭ ‬تريد‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تضحى‭ ‬وتتنازل‭ ‬طيلة‭ ‬الوقت،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬مفهوم‭ ‬الأخلاق،‭ ‬التى‭ ‬تحتم‭ ‬عليك‭ ‬الاهتمام‭ ‬بذاتك‭ ‬وبالآخرين‭.‬

أما‭ ‬إسماعيل‭ ‬فايد‭ ‬فتحدث‭ ‬عما‭ ‬قدمته‭ ‬لنا‭ ‬فلسفة‭ ‬فوكو‭ ‬كعرب،‭ ‬فهى‭ ‬التى‭ ‬أتاحت‭ ‬لنا‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الحاكم‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬مختلفة،‭ ‬فبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬محمد‭ ‬على،‭ ‬انجد‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بحقه‭ ‬كحاكم‭ ‬بمنح‭ ‬الحياة‭ ‬أو‭ ‬سلبها‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬إنما‭ ‬قدم‭ ‬آليات‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬القوى،‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬ينهض‭ ‬بمصر‭ ‬عسكريًا‭ ‬وتعليميًا‭ ‬وصناعيًا‭ ‬وزراعيًا‭ ‬وتجاريًا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬نظرية‭ ‬فوكو‭ ‬بأن‭ ‬السلطة‭ ‬تقمع‭ ‬وتنتج‭ ‬فى‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬وأن‭ ‬الانعتاق‭ ‬منها‭ -‬كما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭- ‬بات‭ ‬أمرًا‭ ‬صعبًا،‭ ‬ولا‭ ‬يتعارض‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يدعو‭ ‬له‭ ‬فوكو‭ ‬بضرورة‭ ‬مقاومة‭ ‬السلطة،‭ ‬لأن‭ ‬مفهومنا‭ ‬لها‭ ‬يتغير‭ ‬بتغير‭ ‬الزمنب‭. ‬

وأشار‭ ‬إسماعيل‭ ‬فايد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المؤرخ‭ ‬المصرى‭ ‬خالد‭ ‬فهمى‭ ‬استعان‭ ‬بفلسفة‭ ‬فوكو‭ ‬فى‭ ‬قراءة‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬الحديث،‭ ‬ورأى‭ -‬أى‭ ‬خالد‭- ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بتجربة‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى‭ ‬دفع‭ ‬أثمانًا‭ ‬مرعبة،‭ ‬وتابع‭ ‬إسماعيل‭: ‬اليس‭ ‬تشعب‭ ‬السلطة‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬كله‭ ‬سلبيًا،‭ ‬فالسلطة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬تخوض‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬معركة‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬لمنع‭ ‬ختان‭ ‬الإناث،‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬البعض‭ ‬تعديًا‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬خصوصيته‭ ‬الثقافيةب‭.‬

التحرر‭: ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التفكير

لكن‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتحرر‭ ‬من‭ ‬السلطة،‭ ‬خاصة‭ ‬سلطة‭ ‬المجتمع‭ ‬أو‭ ‬الأسرة‭ ‬التى‭ ‬نواجهها‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬والتى‭ ‬تعرقل‭ ‬حياتنا؟‭ ‬سؤال‭ ‬وجهه‭ ‬الفيلسوف‭ ‬مارتن‭ ‬لوجرو‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬الفلسفة‭ ‬بفرنسا،‭ ‬فى‭ ‬حلقة‭ ‬نقاشية‭ ‬حول‭ ‬الفلسفة‭ ‬النقدية‭ ‬والمساهمات‭ ‬والتحديات‭ ‬الجديدة،‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬المخرجة‭ ‬والباحثة‭ ‬صفاء‭ ‬فتحى‭ ‬التى‭ ‬ألفت‭ ‬كتابًا‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬جاك‭ ‬دريدا‭ (‬١٩٣٠‭-‬٢٠٠٤‭) ‬بعنوان‭ ‬اتدوير‭ ‬الكلمات‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬فيلمب،‭ ‬والروائية‭ ‬مى‭ ‬التلمسانى‭ ‬التى‭ ‬تعمل‭ ‬حاليًا‭ ‬أستاذة‭ ‬مساعدة‭ ‬فى‭ ‬السينما‭ ‬والدراسات‭ ‬العربية‭ ‬فى‭ ‬جامعة‭ ‬أوتاوا‭ ‬بكندا،‭ ‬وجان‭ ‬كلود‭ ‬مونو‭  ‬وإسماعيل‭ ‬فايد‭ ‬أيضًا‭. ‬

وقد‭ ‬أجاب‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬تجربته،‭ ‬فصفاء‭ ‬فتحى‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬يقتل‭ ‬النساء‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيرها،‭ ‬وكان‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تتحرر‭ ‬منه‭ ‬لتكون‭ ‬ما‭ ‬عليه‭ ‬الآن،‭ ‬اوالتحرر‭ ‬ليس‭ ‬بالابتعاد‭ ‬عن‭ ‬البيئة‭ ‬التى‭ ‬نشأت‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬بقطع‭ ‬الأوصال،‭ ‬وليس‭ ‬أن‭ ‬أتعالى‭ ‬وأقول‭ ‬ما‭ ‬هذه‭ ‬البربرية؟‭ ‬التحرر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أفتح‭ ‬آفاقا‭ ‬جديدة‭ ‬لنفسى‭ ‬كل‭ ‬لحظة،‭ ‬فقد‭ ‬قرأت‭ ‬فى‭ ‬سن‭ ‬مبكرة‭ ‬نيتشه‭ ‬وطه‭ ‬حسين‭ ‬ونوال‭ ‬السعداوى‭ ‬وبريخت‭ ‬وماركس،‭ ‬ومازلت‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬أسأل‭ ‬كيف‭ ‬يمكننى‭ ‬أن‭ ‬أتحرر،‭ ‬وما‭ ‬بإمكانى‭ ‬أن‭ ‬أفعله‭ ‬الآن‭ ‬معكم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أتحرر‭ ‬من‭ ‬لغتى‭ ‬العربية‭ ‬وأتحدث‭ ‬بالفرنسية،‭ ‬فاللغة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬قيدًا‭ ‬وتجعلنا‭ ‬نعجز‭ ‬عن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬أنفسناب‭.‬

مى‭ ‬التلمسانى‭ ‬أيضًا‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أسيرة‭ ‬لغة‭ ‬واحدة،‭ ‬فهى‭ ‬تعيش‭ ‬فى‭ ‬كندا‭ ‬وتلقى‭ ‬محاضراتها‭ ‬هناك‭ ‬باللغة‭ ‬الانجليزية،‭ ‬واضطرت‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬مراحل‭ ‬حياتها‭ ‬لتعلم‭ ‬الفرنسية‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬فى‭ ‬مقاطعة‭ ‬يتحدث‭ ‬كل‭ ‬مواطنيها‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬تكتب‭ ‬كل‭ ‬رواياتها‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬تقول‭: ‬الا‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬التعددية‭ ‬لديّ‭ ‬فى‭ ‬اللغة،‭ ‬كأنها‭ ‬عذاب،‭ ‬أو‭ ‬تمزق،‭ ‬لأننى‭ ‬أردت‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أرض‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬عليّ،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬أرض‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬الأرض‭ ‬بمفهومها‭ ‬القومى،‭ ‬فعائلتى‭ ‬أصولها‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬وقد‭ ‬ولدت‭ ‬بمصر،‭ ‬وهاجرت‭ ‬إلى‭ ‬كندا‭ ‬منذ‭ ‬٢٣‭ ‬عامًا،‭ ‬فالحركة‭ ‬أو‭ ‬التعددية‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬تحكمنى،‭ ‬أنا‭ ‬مثلًا‭ ‬أصنف‭ ‬كأديبة‭ ‬ومترجمة‭ ‬وناقدة‭ ‬وأستاذة‭ ‬جامعية،‭ ‬وقبل‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬كامرأة‭ ‬وأمب‭.‬

بينما‭ ‬يرى‭ ‬جون‭ ‬كلود‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تحدد‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مستقلًا‭ ‬أو‭ ‬متحررًا،‭ ‬لأن‭ ‬المجتمع‭ ‬يفرض‭ ‬عليك‭ ‬أشياء‭ ‬بطريقة‭ ‬تدغدغ‭ ‬مشاعرك،‭ ‬لكن‭ ‬عليك‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬محاولاتك‭ ‬فى‭ ‬التحرر‭ ‬وألا‭ ‬تخجل‭ ‬من‭ ‬نفسك‭ ‬لأنك‭ ‬تفكر‭ ‬فى‭ ‬ذلك،‭ ‬مضيفًا‭: ‬اكنت‭ ‬محظوظًا‭ ‬لأن‭ ‬والدى‭ ‬كان‭ ‬عالمًا‭ ‬فى‭ ‬الأنثروبولوجيا،‭ ‬وساعدنى‭ ‬فى‭ ‬فهم‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة،‭ ‬أهمها‭ ‬كيفية‭ ‬التحرر‭ ‬وألا‭ ‬أقع‭ ‬فى‭ ‬فخ‭ ‬التمحور‭ ‬حول‭ ‬الذات‭ ‬والادعاء‭ ‬بأننى‭ ‬تحررت‭ ‬كلية،‭ ‬بل‭ ‬وأننى‭ ‬أساعد‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬التحررب‭.‬

ويعرف‭ ‬إسماعيل‭ ‬فايد‭ ‬التحرر‭ ‬بأنه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التفكير،‭ ‬اففى‭ ‬مصر‭ ‬نتلقى‭ ‬مفاهيم‭ ‬مغلوطة‭ ‬وتتقيد‭ ‬تصرفاتنا‭ ‬وتحركاتنا‭ ‬بالعادات‭ ‬والتقاليد،‭ ‬حتى‭ ‬صرنا‭ ‬نشبه‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬ودائمًا‭ ‬ما‭ ‬نواجه‭ ‬مأزق‭ ‬تقديم‭ ‬إجابات‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬عادية‭ ‬ومشروعة،‭ ‬وتصدمنا‭ ‬ردود‭ ‬من‭ ‬نوعية‭ ‬الا‭ ‬تفكر‭ ‬كثيرًاب،‭ ‬لهذا‭ ‬أجد‭ ‬أن‭ ‬التحرر‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرارات،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تحمل‭ ‬مسئولية‭ ‬هذا‭ ‬التفكير‭ ‬وهذه‭ ‬القرارات،‭ ‬فعدم‭ ‬إتاحة‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬ينتقص‭ ‬من‭ ‬آدمية‭ ‬المرءب‭.‬

الحدث‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬فلسفية

ومن‭ ‬محور‭ ‬التحرر‭ ‬إلى‭ ‬محور‭ ‬الحياة‭ ‬الطيبة،‭ ‬دارت‭ ‬جلسة‭ ‬نقاشية‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬الشئون‭ ‬الجارية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬فلسفية،‭ ‬بين‭ ‬مارتن‭ ‬لوجرو‭ ‬ولينا‭ ‬عطاالله‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬موقع‭ ‬امدى‭ ‬مصرب،‭ ‬التى‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬تجربتها‭ ‬فى‭ ‬الصحافة‭ ‬المستقلة‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬٢٥‭ ‬يناير‭ ‬وكيفية‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬الحدث‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬هيمنته،‭ ‬تقول‭: ‬امدى‭ ‬مصر‭ ‬موقع‭ ‬وليد‭ ‬الأزمة،‭ ‬فكنا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬الذين‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬فجأة‭ ‬فى‭ ‬صفوف‭ ‬العاطلين‭ ‬بعد‭ ‬توقف‭ ‬الصحيفة‭ ‬التى‭ ‬نعمل‭ ‬فيها،‭ ‬وقررنا‭ ‬أن‭ ‬نؤسس‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬عام‭ ‬٢٠١٣،‭ ‬لرغبتنا‭ ‬فى‭ ‬المشاركة‭ ‬فى‭ ‬التحول‭ ‬الكبير‭ ‬الذى‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬مصر،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬انتهت‭ ‬مهمتنا‭ ‬بعدها،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬مهمتنا‭ ‬لم‭ ‬تنتهب‭.‬

وتابعت‭: ‬ااخترنا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الموقع‭ ‬معنيًا‭ ‬بالأخبار‭ ‬وليس‭ ‬بالمحتوى‭ ‬الفكرى‭ ‬المطول‭ ‬العميق،‭ ‬وأن‭ ‬يتحول‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬سجل‭ ‬أو‭ ‬أرشيف،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬الحدث‭ ‬يبدأ‭ ‬الفكر‭ ‬والتحليل،‭ ‬وكان‭ ‬ضروريًا‭ ‬لفعل‭ ‬ذلك‭ ‬خرق‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬المعلومة‭ ‬والمتلقى،‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬السياسة‭ ‬أو‭ ‬التحول‭ ‬الاجتماعى‭ ‬أو‭ ‬النشاط‭ ‬الثقافى،‭ ‬ورغم‭ ‬علمنا‭ ‬بأن‭ ‬مدى‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬لحظة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬السلبى‭ ‬يجعلنا‭ ‬شغوفين‭ ‬أكثر‭ ‬بالحدث‭ ‬وضرورة‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬وسعنا‭ ‬من‭ ‬أجلهب‭.‬

تجربة‭ ‬مجلة‭ ‬الفلسفة‭ ‬بفرنسا‭ ‬على‭ ‬النقيض،‭ ‬فهى‭ ‬لم‭ ‬تتأسس‭ -‬وفق‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬رئيس‭ ‬تحريرها‭ ‬مارتن‭ ‬لوجرو‭- ‬فى‭ ‬أجواء‭ ‬متوترة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬شهادات‭ ‬على‭ ‬الأحداث،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬رأوا‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬فلسفية،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬شغلت‭ ‬كارثة‭ ‬فوكوشيما‭ ‬النووية‭ ‬التى‭ ‬وقعت‭ ‬عام‭ ‬٢٠١١‭ ‬باليابان‭ ‬تفكير‭ ‬الفلاسفة،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬تداعيات‭ ‬التسونامى‭ ‬الذى‭ ‬اجتاح‭ ‬المناطق‭ ‬الساحلية‭ ‬باليابان،‭ ‬تضرر‭ ‬المفاعل‭ ‬النووى‭ ‬فى‭ ‬فوكوشيما‭ ‬الذى‭ ‬وقعت‭ ‬فيه‭ ‬انفجارات،‭ ‬مما‭ ‬أحدث‭ ‬أضرارا‭ ‬بالغة،‭ ‬أهمها‭ ‬انبعاث‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬المشعة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الفلاسفة‭ ‬يتحدثون‭ ‬طيلة‭ ‬الوقت‭ ‬عن‭ ‬الطبيعة‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬الإنسان،‭ ‬لكنهم‭ ‬اكتشفوا‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬واستمرارها‭. ‬

وأكد‭ ‬مارتن‭ ‬لوجرو‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬الفلسفى‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يتم‭ ‬فى‭ ‬الغرف‭ ‬المغلقة،‭ ‬وأنه‭ ‬بات‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬الساحة‭ ‬العامة،‭ ‬مضيفًا‭: ‬ايجب‭ ‬علينا‭ ‬كفلاسفة،‭ ‬وصحفيين،‭ ‬وأناس‭ ‬عاديين،‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬حدث‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬بسيطًا‭ ‬وعابرًا،‭ ‬إن‭ ‬توقفنا‭ ‬مثلًا‭ ‬عند‭ ‬حادث‭ ‬صفع‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسى‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬أيام،‭ ‬سنجد‭ ‬أن‭ ‬الصفعة‭ ‬هنا‭ ‬موجهة‭ ‬للسلطة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وليس‭ ‬لشخص‭ ‬ماكرون،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬يمثل‭ ‬السلطة‭ ‬تلقى‭ ‬الصفعة‭ ‬وحدهب‭.‬

السعادة‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الحادى‭ ‬والعشرين

كان‭ ‬أصعب‭ ‬الأسئلة‭ ‬التى‭ ‬تم‭ ‬توجيهها‭: ‬ما‭ ‬السعادة؟‭ ‬وهل‭ ‬توجد‭ ‬سعادة‭ ‬حقًا‭ ‬فى‭ ‬قرننا‭ ‬الحادى‭ ‬والعشرين‭ ‬الذى‭ ‬عشنا‭ ‬فيه‭ ‬سنوات‭ ‬مضطربة؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نحيا‭ ‬حياة‭ ‬طيبة؟‭ ‬الروائى‭ ‬والشاعر‭ ‬علاء‭ ‬خالد،‭ ‬صاحب‭ ‬مجلة‭ ‬اأمكنةب‭ ‬المعنية‭ ‬بثقافة‭ ‬المكان،‭ ‬قال‭ ‬إننا‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬بمختلف‭ ‬أعمارنا‭ ‬تعرضنا‭ ‬خلال‭ ‬العشر‭ ‬سنوات‭ ‬الماضية‭ ‬لهزات‭ ‬عنيفة،‭ ‬بسبب‭ ‬الصدام‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬والبيت،‭ ‬فالسلطة‭ ‬كثقافة‭ ‬أو‭ ‬ممارسة‭ ‬عائق،‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الغليان‭ ‬يستمر‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬متقطعة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تغيب‭ ‬فكرة‭ ‬الحياة‭ ‬الطيبة‭ ‬أو‭ ‬الهادئة‭.‬

يواصل‭ ‬علاء‭ ‬خالد‭: ‬اجزء‭ ‬من‭ ‬نشاط‭ ‬أمكنة‭ ‬محاورة‭ ‬الشباب‭ ‬حول‭ ‬القضايا‭ ‬التى‭ ‬تشغلهم،‭ ‬فكنا‭ ‬نعقد‭ ‬جلسات‭ ‬نقاشية‭ ‬فى‭ ‬مركز‭ ‬الجيزويت‭ ‬الثقافى،‭ ‬ووجدنا‭ ‬أن‭ ‬أغلبهم‭ ‬يسيطر‭ ‬عليه‭ ‬إحساس‭ ‬بعدم‭ ‬وجود‭ ‬فرصة‭ ‬يستطيع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تحقيق‭ ‬كيانه‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الشعور‭ ‬بالسعادة،‭ ‬أذكر‭ ‬مثلًا‭ ‬تعريف‭ ‬أحدهم‭ ‬للسعادة،‭ ‬أنها‭ ‬التصالح‭ ‬والتعادل‭ ‬مع‭ ‬الذات،‭ ‬وقد‭ ‬ساعده‭ ‬فى‭ ‬الوصول‭ ‬لهذا‭ ‬التعريف‭ ‬طبيبه‭ ‬النفسى،‭ ‬الذى‭ ‬صار‭ ‬يمثل‭ ‬له‭ -‬مع‭ ‬الوقت‭- ‬المجتمع‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬احتوائه،‭ ‬وآخر‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬السعادة‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬الزورباوية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فاقد‭ ‬الإحساس‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تشعر‭ ‬بالمتعة‭ ‬والسعادة‭.. ‬ووجدنا‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬سلطة‭ ‬جديدة‭ ‬أعنف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬السلطات‭ ‬تعرقل‭ ‬حياتهم،‭ ‬وهى‭ ‬سلطة‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬التى‭ ‬تزيف‭ ‬لهم‭ ‬الواقع‭ ‬وتقدم‭ ‬حياة‭ ‬وهمية،‭ ‬مما‭ ‬يعمق‭ ‬شعورهم‭ ‬بالتعاسة‭ ‬والاغترابب‭.‬

الروائية‭ ‬والمفكرة‭ ‬مايليس‭ ‬دو‭ ‬كرنجال‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬الآن‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬الأخلاق‭ ‬وليس‭ ‬السعادة،‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬رغبة‭ ‬حقيقية‭ ‬فى‭ ‬الوصول‭ ‬لحياة‭ ‬طيبة،‭ ‬ارغم‭ ‬أننى‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬المفاهيم‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬بعضها،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اهتمامى‭ ‬بشئون‭ ‬الجاليات،‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬الطيبة‭ ‬تتحقق‭ ‬عبر‭ ‬التناغم‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحيط‭ ‬بنا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬المهاجرون‭ ‬ببساطة،‭ ‬لأنهم‭ ‬يعلمون‭ ‬أنهم‭ ‬بدون‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬لن‭ ‬يستطيعوا‭ ‬العيش‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.. ‬لهذا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬الطيبة‭ ‬تتحقق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أنماط‭ ‬مختلفة‭ ‬للحياةب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكد‭ ‬عليه‭ ‬تييرى‭ ‬فابر،‭ ‬مؤسس‭ ‬القاءات‭ ‬ابن‭ ‬رشدب‭ ‬التى‭ ‬تقام‭ ‬سنويًا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭  ‬١٩٩٤‭ ‬فى‭ ‬مارسيليا،‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬السعادة‭ ‬فكرة‭ ‬حديثة‭ ‬فى‭ ‬أوروبا،‭ ‬وإن‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬وصفة‭ ‬محددة‭ ‬لها،‭ ‬لكنها‭ ‬من‭ ‬ممكن‭ ‬أن‭ ‬تتحق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الذات،‭ ‬ولن‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬وجود‭ ‬مؤسسات‭ ‬عادلة‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬حياة‭ ‬طيبة‭ ‬أو‭ ‬جيدة‭ ‬للناس،‭ ‬فسؤال‭ ‬السعادة‭ ‬سؤال‭ ‬سياسى‭ ‬وليس‭ ‬شخصياً‭ ‬كما‭ ‬نظن‭.‬

أما‭ ‬جون‭ ‬كلود‭ ‬فأراد‭ ‬أن‭ ‬يفسر‭ ‬لماذا‭ ‬السعادة‭ ‬فكرة‭ ‬حديثة‭ ‬فى‭ ‬أوروبا،‭ ‬ففى‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬نشطت‭ ‬عبر‭ ‬فوكو‭ ‬أفكار‭ ‬أفلاطون‭ ‬وسقراط‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الفلاسفة‭ ‬اليونانيين‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالذات‭ ‬ومعرفتها،‭ ‬فظل‭ ‬الناس‭ ‬يعتقدون‭ ‬لقرون‭ ‬طويلة‭ ‬أن‭ ‬السعادة‭ ‬فكرة‭ ‬وثنية،‭ ‬وأننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نخجل‭ ‬من‭ ‬أنفسنا‭ ‬إذا‭ ‬اهتممنا‭ ‬بذواتنا،‭ ‬لكن‭ ‬اليوم‭ ‬هناك‭ ‬دعوات‭ ‬صريحة‭ ‬من‭ ‬الفلاسفة‭ ‬للاهتمام‭ ‬بذواتنا،‭ ‬والتى‭ ‬لها‭ ‬بعد‭ ‬وجودى،‭ ‬بأن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬ونعيشها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نموت،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬نيابة‭ ‬عنا‭.‬

وحدد‭ ‬جون‭ ‬كلود‭ ‬اتجاهين‭ ‬لتحقيق‭ ‬السعادة،‭ ‬وهما‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تتخلص‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خارجى‭ ‬وتقطع‭ ‬الأوصال‭ ‬وتعيش‭ ‬وحيدًا،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تندمج‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬وتقيم‭ ‬علاقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬سوية‭ ‬تحقق‭ ‬لك‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الاتزان،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬الاتجاهين‭ ‬دافع‭ ‬عنه‭ ‬الفلاسفة،‭ ‬لكنه‭ ‬بشكل‭ ‬شخصى‭ ‬يميل‭ ‬لتعريف‭ ‬كانط‭ ‬بأن‭ ‬السعادة‭ ‬نموذج‭ ‬من‭ ‬الخيال،‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬سعداء‭ ‬هو‭ ‬أشياء‭ ‬بسيطة،‭ ‬ممارسة‭ ‬الفن‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تجعلنا‭ ‬سعداء،‭ ‬وأيضًا‭ ‬التجول،‭ ‬والحب،‭ ‬والإيمان‭. ‬