محمد سلماوي بعد جائزة النيل

الثقافة الضامن لبقاء مشروعات التنمية ( البستان)

محمد سماوي بعد جائزة النيل
محمد سماوي بعد جائزة النيل

كتب"ياسر‭ ‬عبدالحافظ

بعد‭ ‬فوزه‭ ‬بجائزة‭ ‬النيل‭ ‬فى‭ ‬الآداب،‭ ‬ولمناسبة‭ ‬إجراء‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬مذكرات‭ ‬الأديب‭ ‬والكاتب‭ ‬محمد‭ ‬سلماوى‭ ‬التى‭ ‬صدر‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬منها‭ ‬2017‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬يوما‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬يوم‮»‬‭ ‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬استمتعت‭ ‬بقراءتها‭ ‬فى‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬لما‭ ‬تكشف‭ ‬عنه‭ ‬فى‭ ‬المجالات‭ ‬المختلفة‭ ‬التى‭ ‬تنقل‭ ‬بينها‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬تضفير‭ ‬الشخصى‭ ‬بالعام،‭ ‬فإنى‭ ‬فى‭ ‬القراءة‭ ‬الثانية‭ ‬انتبهت‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الصوت‭ ‬الخفى‭ ‬الذى‭ ‬تحاول‭ ‬المذكرات‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إليه،‭ ‬ما‭ ‬عاشه‭ ‬واتصل‭ ‬به‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬موجودا،‭ ‬فى‭ ‬معرض‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬وتسجيل‭ ‬أغانيها‭ ‬يقول‭  ‬‮«‬من‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬صوت‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬بأذنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حفلاتها‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬صوتها‭ ‬الحقيقي‮»‬،‭ ‬ساعتها‭ ‬أغلقت‭ ‬كتابه‭ ‬وعدت‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬أغانيها‭ ‬استمع‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المعجزة‭ ‬الربانية‭ ‬الخالصة‭ ‬واسأل‭ ‬نفسى‭ ‬بحسرة‭ ‬من‭ ‬يتخيل‭ ‬جمالا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭: ‬فماذا‭ ‬كان‭ ‬صوتها‭ ‬الحقيقى‭ ‬إذا‭!‬

بهذا‭ ‬الإحساس‭ ‬التقيت‭ ‬سلماوى‭ ‬لتهنئته‭ ‬بالجائزة،‭ ‬ولأبحث‭ ‬عنده‭ ‬عن‭ ‬مذاق‭ ‬بعض‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬ضاع‭ ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬استرداده،‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬نقرأه‭ ‬فى‭ ‬الكتب‭ ‬ونراه‭ ‬فى‭ ‬الأفلام‭ ‬ونستمع‭ ‬له‭ ‬عبر‭ ‬التسجيلات،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬أزعم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬يقدم‭ ‬صورة‭ ‬أكثر‭ ‬شمولا‭ ‬لسلماوى‭ ‬والذى‭ ‬تتوزع‭ ‬موهبته‭ ‬بثراء‭ ‬وامتداد‭ ‬مدهشين‭ ‬فى‭ ‬مجالات‭ ‬متعددة‭ ‬ومتناقضة‭ ‬أحيانا‭.‬

ـ‭ ‬نبدأ‭ ‬من‭ ‬جائزة‭ ‬النيل‭ ‬التى‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬منافسة‭ ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬عناني‭. ‬وقد‭ ‬ذكرت‭ ‬مسألة‭ ‬التنافس‭ ‬هنا‭ ‬لأنها‭ ‬أصبحت‭ ‬مسألة‭ ‬مثارة‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية‭.. ‬جدل‭ ‬حول‭ ‬من‭ ‬فاز‭ ‬ومن‭ ‬لم‭ ‬يفز‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنها‭ ‬باتت‭ ‬تصرف‭ ‬أنظار‭ ‬القراء‭ ‬عن‭ ‬ضرورات‭ ‬الجائزة‭ ‬وما‭ ‬هى‭ ‬موضوعة‭ ‬لأجله‭ ‬من‭ ‬التشجيع‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬والثقافة‭..‬

أولا‭ ‬أنا‭ ‬سعيد‭ ‬باستخدامك‭ ‬لكلمة‭ ‬منافسة،‭ ‬ففوز‭ ‬واحد‭ ‬بجائزة‭ ‬لا‭ ‬يعنى‭ ‬أنه‭ ‬انتصر‭ ‬على‭ ‬المرشحين‭ ‬الآخرين،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬أفضل‭ ‬منهم‭ ‬بالضرورة،‭ ‬وفى‭ ‬حالة‭ ‬د‭.‬عنانى‭ ‬مثلا‭ ‬فهو‭ ‬قامة‭ ‬ثقافية‭ ‬وفكرية‭ ‬كبير،‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬أفضل‭ ‬مترجم‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬الآن،‭ ‬ومنذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬من‭ ‬الإنجليزية‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬ترجماته‭ ‬لشكسبير،‭ ‬وبسبب‭ ‬ولعى‭ ‬بشكسبير‭ ‬فقد‭ ‬قرأت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الترجمات‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬ترجمات‭ ‬الدكتور‭ ‬عناني،‭ ‬التى‭ ‬مزج‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬البلاغية‭ ‬وما‭ ‬يقترب‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬الدارجة،‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬فى‭ ‬النص‭ ‬الشكسبيري،‭ ‬تعتبر‭ ‬بلا‭ ‬جدال‭ ‬أفضل‭ ‬ترجمة‭ ‬عربية‭ ‬لشكسبير،‭ ‬وكم‭ ‬كنت‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬الدكتور‭ ‬عنانى‭ ‬من‭ ‬ترجمة‭ ‬كامل‭ ‬أعمال‭ ‬شكسبير‭. ‬لأن‭ ‬أحدا‭ ‬لم‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬المستوى‭ ‬الذى‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬فى‭ ‬ترجماته‭.‬

وبالطبع‭ ‬له‭ ‬ترجمات‭ ‬أخرى‭ ‬مهمة‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬الإنجليزي،‭ ‬فهو‭ ‬أستاذ‭ ‬كبير‭ ‬ويستحق‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬جائزة‭ ‬النيل‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬كمثله‭ ‬أحد‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬تخصصه‭ ‬الذى‭ ‬شرحته،‭ ‬ولكن‭ ‬الفوز‭ ‬فى‭ ‬سنة‭ ‬معينة‭ ‬لمرشح‭ ‬من‭ ‬المرشحين‭ ‬لا‭ ‬يعنى‭ ‬أنه‭ ‬وحده‭ ‬الذى‭ ‬يستحق‭ ‬الجائزة،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬إلا‭ ‬جائزة‭ ‬واحدة‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬ومن‭ ‬لم‭ ‬يفز‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفوز‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬التالي،‭ ‬وأنا‭ ‬نفسى‭ ‬مررت‭ ‬بهذه‭ ‬التجربة‭ ‬لأنى‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬يجرى‭ ‬ترشيحى‭ ‬لجائزة‭ ‬النيل،‭ ‬وإيمانا‭ ‬بهذه‭ ‬القاعدة‭ ‬التى‭ ‬شرحتها‭ ‬لك‭ ‬امتنعت‭ ‬عن‭ ‬الترشح‭ ‬فى‭ ‬أحد‭ ‬الأعوام‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حدثنى‭ ‬صديق‭ ‬عزيز،‭ ‬وهو‭ ‬قامة‭ ‬ثقافية‭ ‬كبيرة،‭ ‬بأنه‭ ‬يريد‭ ‬الترشح‭ ‬للجائزة،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬فاتحتنى‭ ‬فى‭ ‬أمر‭ ‬الترشح‭ ‬بأن‭ ‬ترشحه‭ ‬هو‭ ‬بدلا‭ ‬منى‭ ‬وقد‭ ‬كان،‭ ‬وها‭ ‬أنا‭ ‬فى‭ ‬السنة‭ ‬الرابعة‭ ‬أفوز‭ ‬بها‭ ‬وهذه‭ ‬هى‭ ‬الترجمة‭ ‬لكلمة‭ ‬منافسة‭ ‬التى‭ ‬تفضلت‭ ‬بها،‭ ‬إنما‭ ‬للأسف‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬منافسة‭ ‬طبيعية‭ ‬إنما‭ ‬تظنها‭ ‬تفضيل‭ ‬شخص‭ ‬على‭ ‬آخرين‭ ‬جديرين‭ ‬ربما‭ ‬بالقدر‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬بالجائزة،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الجوائز‭ ‬كلها‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬جوائز‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وإنما‭ ‬حتى‭ ‬الجوائز‭ ‬العالمية‭.. ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬يتساءل‭ ‬كيف‭ ‬لم‭ ‬يفز‭ ‬أديب‭ ‬وروائى‭ ‬إنجليزى‭ ‬كبير‭ ‬مثل‭ ‬جراهام‭ ‬جرين،‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يختلف‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬قيمته،‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭! ‬وكيف‭ ‬لم‭ ‬يفز‭ ‬فلان‭ ‬بالجونكور‭! ‬وكيف‭ ‬لم‭ ‬يفز‭ ‬علان‭! ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬طبيعة‭ ‬الجوائز‭ ‬وعلينا‭ ‬رؤيتها‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭.‬

ـ‭ ‬مؤخرا‭ ‬صدر‭ ‬كتابك‭ ‬‮«‬العفريتة‮»‬‭ ‬سلسلة‭ ‬مقالات‭ ‬سبق‭ ‬نشرها‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬قبل‭ ‬2011‭ ‬ويتضمن‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬يضمه‭ ‬من‭ ‬أوضاع‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬نعانى‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭. ‬فى‭ ‬تقديرك‭ ‬من‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬الذى‭ ‬تغير‭ ‬وما‭ ‬الذى‭ ‬بقى‭ ‬على‭ ‬حاله؟

لا‭ ‬شك‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬تمر‭ ‬حاليا‭ ‬بمرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬كبرى،‭ ‬لسنا‭ ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬قبل‭ ‬2011‭ ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لم‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬المجتمع‭ ‬الذى‭ ‬نتطلع‭ ‬إليه‭ ‬جميعا،‭ ‬سياسيا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬وثقافيا،‭ ‬والمرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬بطبيعتها‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬الجديد‭ ‬ولكن‭ ‬فيها‭ ‬أيضا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القديم‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬نتخطاه‭ ‬بعد‭.‬

فلا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإرهاب‭ ‬التى‭ ‬عانينا‭ ‬منها‭ ‬طويلا‭ ‬تراجعت‭ ‬وكادت‭ ‬تختفى‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬الأطراف‭ ‬البعيدة،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬البلد‭ ‬من‭ ‬التجزئة‭ ‬والفوضى‭ ‬الأمنية‭ ‬وغيرها‭ ‬مما‭ ‬تعانى‭ ‬منه‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة،‭ ‬وفى‭ ‬رأيى‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬الجديد‭ ‬أو‭ ‬المتغيرات‭ ‬التى‭ ‬حدثت‭ ‬بعد‭ ‬2011‭ ‬أن‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬أصبح‭ ‬له‭ ‬وزن‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬كمية‭ ‬مهملة،‭ ‬وكلمة‭ ‬‮«‬خليهم‭ ‬يتسلوا‮»‬‭ ‬هى‭ ‬مثال‭ ‬حى‭ ‬يوضح‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬للرأى‭ ‬الآخر،‭ ‬فأى‭ ‬معارض‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المعترضين‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يجرى‭ ‬لا‭ ‬نعيرهم‭ ‬اهتماما،‭ ‬لكن‭ ‬الذى‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬ولدوا‭ ‬الانفجار‭ ‬الشعبى‭ ‬فى‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭. ‬الوضع‭ ‬الآن‭ ‬اختلف‭ ‬كثيرا،‭ ‬وربما‭ ‬يصلح‭ ‬كمثال‭ ‬ما‭ ‬نشر‭ ‬أخيرا‭ ‬فى‭ ‬الصحف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الحكومة،‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فى‭ ‬السابق‭ ‬تعبأ‭ ‬بالرأى‭ ‬العام،‭ ‬سحبت‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬عدة‭ ‬مشاريع‭ ‬لقوانين‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تقدمت‭ ‬بها‭ ‬للمجلس،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬رفض‭ ‬النواب‭ ‬الذين‭ ‬يمثلون‭ ‬الشعب‭ ‬لها،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬عين‭ ‬القاهرة‮»‬‭ ‬فى‭ ‬الزمالك‭ ‬والذى‭ ‬رفضه‭ ‬الناس‭ ‬وشنوا‭ ‬حملة‭ ‬واسعة‭ ‬ضده‭ ‬فتم‭ ‬سحبه‭.‬

هذه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتكرر‭ ‬كثيرا‭ ‬فى‭ ‬السابق‭ ‬وتدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الآن‭ ‬تراعى‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬الناس‭ ‬لسياستها‭. ‬لاحظت‭ ‬فى‭ ‬متابعتى‭ ‬مناقشة‭ ‬قانون‭ ‬التعليم‭ ‬داخل‭ ‬المجلس‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬الذين‭ ‬تحدثوا‭ ‬عنه‭ ‬قالوا‭ ‬أن‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬لا‭ ‬يقبلون‭ ‬النقاط‭ ‬كذا‭ ‬وكذا،‭ ‬المرجع‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬هو‭ ‬أولياء‭ ‬أمور‭ ‬الطلبة‭ ‬الذين‭ ‬سيغير‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬من‭ ‬طريقة‭ ‬تعليمهم‭ ‬بشكل‭ ‬جذري،‭ ‬ورغم‭ ‬أنى‭ ‬مؤمن‭ ‬بأن‭ ‬القانون‭ ‬كان‭ ‬جيدا‭ ‬وكنت‭ ‬أتمنى‭ ‬ان‭ ‬يمر‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬طفرة‭ ‬وتغيرا‭ ‬نوعيا‭ ‬فى‭ ‬أسلوب‭ ‬التعليم‭ ‬عندنا‭ ‬لكنى‭ ‬توقفت‭ ‬أكثر‭ ‬عند‭ ‬نزول‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬رأى‭ ‬الشعب‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الموضع‭.‬

لكن‭ ‬بجانب‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬هناك‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬النظام‭ ‬البيروقراطي،‭ ‬الجاثم‭ ‬على‭ ‬صدورنا‭ ‬والذى‭ ‬يعطل‭ ‬من‭ ‬الانطلاق‭ ‬الى‭ ‬التقدم‭ ‬المنشود‭ ‬مازال‭ ‬ضاغطا‭ ‬وحتى‭ ‬أنه‭ ‬يتسبب‭ ‬فى‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬التقدم‭ ‬السريع،‭ ‬يعنى‭ ‬الانطباع‭ ‬الذى‭ ‬تأخذه‭ ‬حاليا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬محاولات‭ ‬حثيثة‭ ‬لإعادة‭ ‬البناء‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭ ‬ومتلاحق‭ ‬إنما‭ ‬البيروقراطية‭ ‬تسحب‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭. ‬أيضا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬لم‭ ‬يواكبه‭ ‬انفتاح‭ ‬سياسى‭ ‬بالقدر‭ ‬نفسه،‭ ‬فمازالت‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬تعانى‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الأحزاب‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬قائمة‭ ‬ولدينا‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬100‭ ‬حزب‭ ‬معارض‭ ‬لكنك‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تشعر‭ ‬بوجودها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬التى‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭. ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تنشيط‭ ‬وإلى‭ ‬تشجيع‭ ‬الآراء‭ ‬الأخرى‭ ‬وهنا‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬فتح‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬ودعوة‭ ‬هذه‭ ‬التشكيلات‭ ‬المعارضة‭ ‬كى‭ ‬تشارك‭ ‬فى‭ ‬الحوار‭ ‬العام‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يجرى‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬الداخل‭ ‬أو‭ ‬الخارج‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬أننا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نحقق‭ ‬قدر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬

ـ‭ ‬هل‭ ‬تتابع‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا؟

إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭. ‬أطرح‭ ‬على‭ ‬الفيس‭ ‬بوك‭ ‬أو‭ ‬تويتر‭ ‬بعض‭ ‬آرائى‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬وأتفاعل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭.‬

‭ ‬لأنك‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬قانون‭ ‬التعليم‭ ‬وأن‭ ‬الحكومة‭ ‬استجابت‭ ‬للرأى‭ ‬العام‭ ‬بشأنه‭. ‬نحن‭ ‬فى‭ ‬اللحظة‭ ‬الحاضرة‭ ‬لما‭ ‬بنتكلم‭ ‬على‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬نقصد‭ ‬بالتحديد‭ ‬جمهور‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا،‭ ‬وسيلة‭ ‬التعبير‭ ‬التى‭ ‬تلتفت‭ ‬لها‭ ‬الحكومة‭ ‬المصرية‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬حكومات‭ ‬العالم‭. ‬فهل‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬صنع‭ ‬التوازن‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬عملية‭ ‬التغيير،‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬فى‭ ‬الاعتبار‭ ‬العوامل‭ ‬التى‭ ‬تشكله‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬وتعليم‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مصالح‭ ‬شخصية؟

أتفق‭ ‬معك‭ ‬أن‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬ليس‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬فقط‭ ‬تحت‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان،‭ ‬لكن‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬أيضا‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬نجده‭ ‬على‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭. ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬النواب‭ ‬فى‭ ‬البرلمان،‭ ‬وما‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬المواطن‭ ‬العادى‭ ‬الذى‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭. ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬متنوع‭ ‬الجهات،‭ ‬ولكن‭ ‬الحكومة‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬أنها‭ ‬تتفاعل‭ ‬كثيرا‭ ‬مع‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬الخاص‭ ‬بالسوشيال‭ ‬ميديا،‭ ‬هى‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬الرسمى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البرلمان‭ ‬وحين‭ ‬سحبت‭ ‬مشاريع‭ ‬القوانين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بسبب‭ ‬معارضة‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬البرلمان،‭ ‬وربما‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬أن‭ ‬تنفتح‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬قطاعات‭ ‬الرأى‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭.‬

هناك‭ ‬بعض‭ ‬الأمثلة‭ ‬التى‭ ‬تدل‭ ‬أيضا‭ ‬علي‭ ‬مراعاة‭ ‬الحكومة‭ ‬للرأى‭ ‬العام‭ ‬خارج‭ ‬البرلمان‭ ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬الشائعات‭ ‬التى‭ ‬تسارع‭ ‬إلى‭ ‬نفيها‭ ‬وهى‭ ‬تنظر‭ ‬لها‭ ‬نظرة‭ ‬سياسية‭ ‬بحتة‭ ‬لأنها‭ ‬تعتبر،‭ ‬وهى‭ ‬محقة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الإشاعات‭ ‬تطلقه‭ ‬جماعات‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬لتنال‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬تحرك‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الحكومة‭ ‬لهذا‭ ‬تتعامل‭ ‬معها‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬حق‭ ‬المواطن‭ ‬فى‭ ‬معرفة‭ ‬الحقيقة‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬معركة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬فإذا‭ ‬طرحت‭ ‬الشائعة‭ ‬فواجبها‭ ‬التصدى‭ ‬لها‭ ‬وتفنيدها‭.‬

على‭ ‬أنى‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬المفتاح‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬قيام‭ ‬الأحزاب‭ ‬بدورها‭ ‬لأنها‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬ستجمع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القطاعات‭ ‬من‭ ‬الرأى‭ ‬العام،‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬ستضم‭ ‬النواب‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬للحزب‭ ‬بآرائهم،‭ ‬وهى‭ ‬التى‭ ‬ستعبر‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬الشارع،‭ ‬وهى‭ ‬التى‭ ‬ستكون‭ ‬مدركة‭ ‬لما‭ ‬يطرح‭ ‬فى‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬من‭ ‬آراء‭ ‬وتبلور‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬فى‭ ‬موقف‭ ‬حزبى‭ ‬واضح‭ ‬تطرحه‭ ‬بشكل‭ ‬مؤسسى‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تتعامل‭ ‬الحكومة‭ ‬معه‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭.‬

ـ‭ ‬هل‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬فرضية‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬هى‭ ‬الملف‭ ‬الوحيد‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يتحرك‭ ‬من‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬ازدادت‭ ‬جمودا‭ ‬وفقدت‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬سواء‭ ‬برحيل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المثقفين،‭ ‬وبعجز‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬بكل‭ ‬هيئاتها‭ ‬عن‭ ‬طرح‭ ‬مشروع‭ ‬يناسب‭ ‬المرحلة؟

دعنا‭ ‬نبدأ‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬فنقول‭ ‬إن‭ ‬الحكومات‭ ‬المتتالية‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬ثورة‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭ ‬أيضا‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬غير‭ ‬مدركة‭ ‬لأهمية‭ ‬الثقافة‭ ‬والدور‭ ‬المحورى‭ ‬والحيوى‭ ‬الذى‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬التنمية‭ ‬وفى‭ ‬الانفتاح‭ ‬السياسى‭ ‬وفى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تعلن‭ ‬الحكومة‭ ‬أنها‭ ‬بصدد‭ ‬تحقيقه‭. ‬بدون‭ ‬الجهد‭ ‬الثقافى‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬كلها‭ ‬لا‭ ‬تتجذر‭ ‬فى‭ ‬الأرض‭ ‬ولا‭ ‬يصبح‭ ‬هناك‭ ‬ضامن‭ ‬لبقائها،‭ ‬أنت‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تنشئ‭ ‬السد‭ ‬العالى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يصاحب‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬العملاق‭ ‬عملية‭ ‬ثقافية‭ ‬توازى‭ ‬فى‭ ‬بنائها‭ ‬وأبعادها‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬العظيم‭ ‬بالأغنية‭ ‬وبالمثال‭ ‬وبعشرات‭ ‬اللوحات‭ ‬الفنية‭ ‬التى‭ ‬رسمها‭ ‬كبار‭ ‬فنانى‭ ‬العصر‭ ‬من‭ ‬عبد‭ ‬الهادى‭ ‬الجزار‭ ‬وحامد‭ ‬عويس‭ ‬إلى‭ ‬تحية‭ ‬حليم،‭ ‬وبالطرح‭ ‬الذكى‭ ‬الذى‭ ‬حول‭ ‬مشروع‭ ‬السد‭ ‬إلى‭ ‬رمز‭ ‬لتحرر‭ ‬الإرادة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهكذا‭ ‬يصبح‭ ‬الوعى‭ ‬الشعبى‭ ‬بالسد‭ ‬هو‭ ‬الحامى‭ ‬له‭ ‬والضامن‭ ‬لبقائه‭.‬

إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حوالى‭ ‬‮٧‬‭ ‬وزراء‭ ‬تقلبوا‭ ‬على‭ ‬الوزارة‭ ‬بعد‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬وبعضهم‭ ‬لم‭ ‬يكمل‭ ‬العام‭ ‬فى‭ ‬منصبه،‭ ‬هذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬نظرة‭ ‬الاستخفاف‭ ‬تجاه‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭. ‬وقد‭ ‬راعنى‭ ‬حين‭ ‬دخلت‭ ‬لجنة‭ ‬الدستور‭ ‬وبدأت‭ ‬عملى‭ ‬بالاطلاع‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬دساتير‭ ‬مصر‭ ‬السابقة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬منذ‭ ‬دستور‭ ‬23‭ ‬وإنما‭ ‬منذ‭ ‬وثيقة‭ ‬الخديو‭ ‬إسماعيل‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬الإرهاصة‭ ‬الأولى‭ ‬لما‭ ‬يشبه‭ ‬الدستور‭ ‬حين‭ ‬أنشأ‭ ‬البرلمان‭ ‬فى‭ ‬عهده،‭ ‬وعندما‭ ‬راجعت‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الوثائق‭ ‬اهتماما‭ ‬يذكر‭ ‬بالثقافة،‭ ‬ومصر‭ ‬هى‭ ‬دولة‭ ‬ثقافة‭ ‬فى‭ ‬الأساس،‭ ‬القوى‭ ‬الناعمة‭ ‬التى‭ ‬حققت‭ ‬لها‭ ‬مجدها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬الفراعنة‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬ليس‭ ‬بالجيوش‭ ‬الغازية‭ ‬وليس‭ ‬بالأموال‭ ‬وإنما‭ ‬هذا‭ ‬المجد‭ ‬الذى‭ ‬بهر‭ ‬العالم‭ ‬كان‭ ‬بالمعمار‭ ‬وبالفكر‭ ‬وبالفن‭ ‬وبالأدب،‭ ‬هذه‭ ‬قيمة‭ ‬مصر‭ ‬وقوتها‭ ‬التى‭ ‬استمرت‭ ‬معها‭ ‬منذ‭ ‬أخناتون‭ ‬ورمسيس‭ ‬إلى‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬فى‭ ‬الستينيات‭ ‬عندما‭ ‬دخلت‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬عهده‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬بالأغنية‭ ‬والفيلم‭ ‬والقصيدة‭ ‬والكتاب‭ ‬واللوحة‭ ‬التشكيلية،‭ ‬عندما‭ ‬تراجع‭ ‬دساتير‭ ‬مصر‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬ذكرا‭ ‬لهذا‭ ‬الرصيد‭ ‬ولهذه‭ ‬القوة،‭ ‬لذا‭ ‬قد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬دواعى‭ ‬فخرى‭ ‬ومما‭ ‬أعتز‭ ‬به‭ ‬أننى‭ ‬أدخلت‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬فى‭ ‬الدستور‭ ‬المصرى‭ ‬بابا‭ ‬مستقلا‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬المقومات‭ ‬الثقافية‮»‬‭ ‬وذلك‭ ‬أسوة‭ ‬بالمقومات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬الموجودة‭ ‬فى‭ ‬الدستور،‭ ‬وينص‭ ‬أول‭ ‬بند‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬حق‭ ‬للمواطن‭ ‬وأن‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تكفل‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬لجميع‭ ‬المواطنين‭ ‬بلا‭ ‬تمييز‭ ‬سواء‭ ‬بسبب‭ ‬البعد‭ ‬الجغرافى‭ ‬أو‭ ‬القدرة‭ ‬المالية،‭ ‬يعنى‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬اليوم‭ ‬دستوريا‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬سعر‭ ‬الكتاب‭ ‬حائلا‭ ‬دون‭ ‬وصول‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة‭ ‬الثقافية‭ ‬للقارئ‭ ‬العادي،‭ ‬أصبح‭ ‬لزاما‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬الدستور‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬ان‭ ‬تضمن‭ ‬وصول‭ ‬الكتاب‭ ‬للقارئ‭.. ‬كيف؟‭ ‬ربما‭ ‬بدعم‭ ‬الكتاب،‭ ‬أو‭ ‬برفع‭ ‬الضرائب‭ ‬عن‭ ‬مستلزمات‭ ‬صناعته،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬بطرق‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬أعرفها،‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حكومة‭ ‬وفق‭ ‬سياستها‭ ‬وتوجهاتها‭ ‬أن‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الوسائل‭ ‬التى‭ ‬تطبق‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬التى‭ ‬تضمن‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سعر‭ ‬الكتاب‭ ‬أوثمن‭ ‬تذكرة‭ ‬الأبرا‭ ‬أو‭ ‬أى‭ ‬خدمة‭ ‬ثقافية‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬متناول‭ ‬جميع‭ ‬المواطنين‭ ‬بلا‭ ‬تمييز‭ ‬بسبب‭ ‬قدرتهم‭ ‬المالية‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬البعد‭ ‬الجغرافي،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬دستوريا‭ ‬ألا‭ ‬تصل‭ ‬الخدمة‭ ‬الثقافية‭ ‬إلى‭ ‬المواطن‭ ‬المصرى‭ ‬لأنه‭ ‬يقطن‭ ‬فى‭ ‬العريش‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬سيوة‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬الصعيد،‭ ‬المادة‭ ‬الدستورية‭ ‬ملزمة‭ ‬للحكومة‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬الخدمة‭ ‬الثقافية‭ ‬الموجودة‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬لكل‭ ‬المواطنين‭ ‬بلا‭ ‬تمييز‭. ‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬مواد‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬مادة‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬جواز‭ ‬إصدار‭ ‬أحكام‭ ‬سالبة‭ ‬للحريات‭ ‬فى‭ ‬قضايا‭ ‬التعبير‭ ‬سواء‭ ‬بالنشر‭ ‬الصحفى‭ ‬أو‭ ‬الأدبى‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬المهمة‭ ‬التى‭ ‬دخلت‭ ‬فى‭ ‬الدستور‭ ‬والذى‭ ‬كنت‭ ‬أتوقع‭ ‬أنه‭ ‬بصدوره‭ ‬يتغير‭ ‬النشاط‭ ‬الثقافى‭ ‬تماما‭ ‬ونصل‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬نسميه‭ ‬العدالة‭ ‬الثقافية‭ ‬لكن‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬خارج‭ ‬العاصمة‭ ‬محروما‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬الثقافي،‭ ‬مازال‭ ‬المواطن‭ ‬العادى‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬كتاب‭ ‬لارتفاع‭ ‬سعره‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬التجاوزات‭ ‬التى‭ ‬هى‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬غير‭ ‬دستورية‭.‬

وأحد‭ ‬أسباب‭ ‬عدم‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬القوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬لهذه‭ ‬لها‭ ‬لم‭ ‬يصدرها‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬وكنت‭ ‬أدعو‭ ‬أثناء‭ ‬مناقشات‭ ‬لجنة‭ ‬الخمسين‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬غرفتين‭ ‬للبرلمان،‭ ‬غرفة‭ ‬عليا‭ ‬تضع‭ ‬الاستراتيجيات،‭ ‬والغرفة‭ ‬الأخرى‭ ‬تعنى‭ ‬بالمشاكل‭ ‬اليومية‭ ‬للناس،‭ ‬وكنت‭ ‬اتصور‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مهمة‭ ‬الغرفة‭ ‬العليا‭ ‬أن‭ ‬تعكف‭ ‬أولا‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬القوانين‭ ‬المطبقة‭ ‬لهذا‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭ ‬الذى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬المستحدثة‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬الأربعين‭ ‬مادة،‭ ‬لم‭ ‬ترد‭ ‬فى‭ ‬دساتير‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬والغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬منها‭ ‬تتعلق‭ ‬بالحريات‭ ‬وبحقوق‭ ‬المواطن،‭ ‬وهى‭ ‬كفيلة‭ ‬بتغيير‭ ‬وجه‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تصدر‭ ‬القوانين‭ ‬المطبقة‭ ‬لهذه‭ ‬المواد‭ ‬تظل‭ ‬مواد‭ ‬منوصا‭ ‬عليها‭ ‬فى‭ ‬الدستور‭ ‬كمبدأ‭ ‬دستورى‭ ‬بينما‭ ‬القاضى‭ ‬يحكم‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬بالقانون‭ ‬الذى‭ ‬أمامه‭.‬

ـ‭ ‬المقصود‭ ‬إذا‭  ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬مقيدة‭.. ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬استنتاج‭ ‬صحيح؟

‭ ‬الوزارة‭ ‬بكل‭ ‬هيئاتها،‭ ‬قصور‭ ‬الثقافة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المراكز‭ ‬والقرى،‭ ‬هيئة‭ ‬الكتب‭ ‬تصدر‭ ‬كتبا‭ ‬مخفضة،‭ ‬المكتبات‭ ‬العامة‭ ‬موجودة‭.. ‬هناك‭ ‬حلقة‭ ‬مفقودة،‭ ‬يعنى‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الإيجابية‭ ‬مؤخرا‭ ‬انحسار‭ ‬سطوة‭ ‬التيارات‭ ‬الدينية‭ ‬وتوقف‭ ‬لعبة‭ ‬الشد‭ ‬والجذب‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والثقافة،‭ ‬وكان‭ ‬البديهى‭ ‬مع‭ ‬انحسار‭ ‬التيار‭ ‬الدينى‭ ‬المتشدد‭ ‬عودة‭ ‬الثقافة‭ ‬لدورها‭ ‬الطبيعى‭ ‬وتملأ‭ ‬الفراغ،‭ ‬لكن‭ ‬العكس‭ ‬يحدث،‭ ‬نشهد‭ ‬انحسارا‭ ‬للدور‭ ‬الثقافى‭ ‬المصري‭.. ‬هنا‭ ‬أنت‭ ‬تكلمت‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الدولة،‭ ‬وما‭ ‬أراه‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬لديها‭ ‬إمكانيات‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬استخدامها‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬السبب‭.. ‬وبجانب‭ ‬هذا‭ ‬هناك‭ ‬المثقفون‭ ‬المصريون‭ ‬الذين‭ ‬خفت‭ ‬صوتهم‭ ‬وتأثيرهم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭.. ‬هل‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬هذا؟

ألاحظ‭ ‬هذا،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إدراك‭ ‬أن‭ ‬تأثير‭ ‬المثقفين‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بوجود‭ ‬المنابر‭ ‬التى‭ ‬تطرح‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إسهاماتهم،‭ ‬لا‭ ‬يكفى‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬عندنا‭ ‬نصوصا‭ ‬مسرحية‭ ‬ونتساءل‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تنتشر‭ ‬بين‭ ‬الناس‭! ‬هى‭ ‬لا‭ ‬تنتشر‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬خشبة‭ ‬مسرحية‭ ‬تقدم‭ ‬عليها‭ ‬هذه‭ ‬النصوص،‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمثقفين‭.. ‬لماذا‭ ‬خفت‭ ‬دورهم؟‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬المنبر‭ ‬الموازى‭ ‬للخشبة‭ ‬المسرحية‭ ‬والذى‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬يصل‭ ‬المنتج‭ ‬الثقافي‭. ‬كيف‭ ‬تحدثنى‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬المثقفين‭ ‬والتليفزيون‭ ‬الرسمى‭ ‬للدولة،‭ ‬ولا‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬التليفزيون‭ ‬التجارى‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬كثيرا‭ ‬بالثقافة،‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الجرعة‭ ‬الثقافية‭ ‬المطلوبة‭ ‬لتكوين‭ ‬عقل‭ ‬ثقافى‭ ‬مستنير؟‭ ‬ظللنا‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬نحشو‭ ‬هذا‭ ‬العقل‭ ‬بالمواد‭ ‬الدينية،‭ ‬ولا‭ ‬أتحدث‭ ‬عما‭ ‬فعله‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمون‭ ‬إنما‭ ‬عن‭ ‬الحكومة‭ ‬وتليفزيونها‭ ‬الذى‭ ‬حول‭ ‬الشيوخ‭ ‬إلى‭ ‬نجوم‭ ‬البرامج‭ ‬التفزيونية‭ ‬وبالتالى‭ ‬أصبح‭ ‬ما‭ ‬يشغل‭ ‬العقل‭ ‬المصرى‭ ‬هو‭ ‬بأى‭ ‬قدم‭ ‬ندخل‭ ‬الحمام‭ ‬باليمين‭ ‬أم‭ ‬اليسار،‭ ‬هل‭ ‬اليد‭ ‬اليسرى‭ ‬نجسة؟‭ ‬وأهمية‭ ‬الحجاب‭ ‬والنقاب‭ ‬فى‭ ‬حياتنا،‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬الرداء‭ ‬الإسلامي‭.. ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬العبث؟‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الشعب‭ ‬ثائرا‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬الإخوان‭ ‬ويسقط‭ ‬حكمهم‭ ‬فى‭ ‬واقعة‭ ‬تاريخية‭ ‬عظيمة‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬التليفزيون‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬فلا‭ ‬نكاد‭ ‬نجد‭ ‬انعكاسا‭ ‬لذلك‭. ‬حين‭ ‬تشاهد‭ ‬برامج‭ ‬التليفزيون‭ ‬الأجنبية‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬برنامج‭ ‬بجرعة‭ ‬ثقافية‭ ‬ومعرفية‭ ‬جديدة‭ ‬وكبيرة‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬البرنامج‭ ‬الذى‭ ‬تشاهده‭ ‬ثقافى‭ ‬أم‭ ‬سياسيا،‭ ‬اجتماعيا،‭ ‬اقتصاديا‭. ‬من‭ ‬أين‭ ‬تريد‭ ‬للمثقف‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬للشعب‭ ‬والجمهور؟‭ ‬من‭ ‬أين؟‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬باب‭ ‬وعبر‭ ‬أى‭ ‬طريق؟‭ ‬هل‭ ‬يمشى‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬ينادى‭ ‬بما‭ ‬يعتقده‭ ‬كالمجنون؟‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬خطة‭ ‬مركزية‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬الثقافى‭ ‬المطلوب‭ ‬فلن‭ ‬يعود‭ ‬للمثقفين‭ ‬صوت‭.. ‬لا‭ ‬يكفى‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬قصر‭ ‬ثقافة‭ ‬ما‭ ‬ندوة‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬ما‭ ‬ليكون‭ ‬قد‭ ‬أوصل‭ ‬صوت‭ ‬المثقفين‭ ‬إلى‭ ‬الناس،‭ ‬هى‭ ‬رؤية‭ ‬ثقافية‭ ‬متكاملة‭ ‬تتغلغل‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الأنشطة‭ ‬المجتمعية‭.‬

ـ‭ ‬ومن‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬وعلى‭ ‬الحكومة‭ ‬ويتولى‭ ‬إقناعها‭ ‬بتنفيذها،‭ ‬يعنى‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬لن‭ ‬تقتنع‭ ‬بمفردها‭ ‬أن‭ ‬للثقافة‭ ‬دورا‭ ‬حيويا‭ ‬وخلافه‭. ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬المطالبات‭ ‬متكررة‭ ‬وعبر‭ ‬سنوات‭ ‬ولا‭ ‬تصل‭..‬

صحيح،‭ ‬لا‭ ‬تصل،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬لعيب‭ ‬فى‭ ‬المثقفين،‭ ‬فأنا‭ ‬ما‭ ‬قلته‭ ‬لك‭ ‬الآن‭ ‬ليس‭ ‬جديدا‭ ‬فقد‭ ‬نادينا‭ ‬به‭ ‬جميعا‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نملكه‭ ‬كمثقفين‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نطرح‭ ‬تصوراتنا‭ ‬وأن‭ ‬نحذر‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نلتفت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬ستتفاقم‭ ‬الأمور‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يتمناه‭ ‬أحد،‭ ‬وقد‭ ‬حذرنا‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أحاديث‭ ‬وندوات‭ ‬ومؤلفات‭ ‬وأعمال‭ ‬فنية،‭ ‬ألم‭ ‬أحذر‭ ‬فى‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬الجنزير‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1995‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تفاقم‭ ‬الاتجاه‭ ‬الدينى‭ ‬وعدم‭ ‬التصدى‭ ‬له‭ ‬فكريا‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬أمنيا‭ ‬سيوقع‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬رهينة‭ ‬فى‭ ‬يد‭ ‬الاتجاه‭ ‬الإسلامى،‭ ‬صورت‭ ‬فى‭ ‬المسرحية‭ ‬عائلة‭ ‬مصرية‭ ‬وقعت‭ ‬رهينة‭ ‬فى‭ ‬يد‭ ‬إحدى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجماعات،‭ ‬وحدث‭ ‬بالفعل‭ ‬فى‭ ‬2012‭ ‬أن‭ ‬وقعت‭ ‬مصر‭ ‬كلها‭ ‬رهينة‭ ‬فى‭ ‬يد‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭. ‬ماذا‭ ‬يملك‭ ‬المثقفون‭ ‬غير‭ ‬التبصير‭ ‬والدعوة‭ ‬والتحذير‭!‬

ـ‭ ‬إذا‭ ‬اتفقنا‭ ‬على‭ ‬تراجع‭ ‬دور‭ ‬التيارات‭ ‬الدينية‭ ‬حاليا،‭ ‬وأنت‭ ‬تكلمت‭ ‬عن‭ ‬العقل‭ ‬المصري،‭ ‬فى‭ ‬تقديرك‭ ‬ما‭ ‬الذى‭ ‬يملأ‭ ‬هذا‭ ‬العقل‭ ‬الآن‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الثقافة‭ ‬حاضرة‭ ‬وقوية؟

أتفق‭ ‬معك‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الأشياء‭ ‬التى‭ ‬تغيرت‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬بعد‭ ‬2011‭ ‬هو‭ ‬تراجع‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية‭ ‬وتراجع‭ ‬قوة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسى‭ ‬وممارساته،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تنس‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬السبعينيات‭ ‬وحتى‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭ ‬والعقل‭ ‬الجمعى‭ ‬المصرى‭ ‬يتم‭ ‬حشوه‭ ‬بالفكر‭ ‬الدينى‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬للدين‭ ‬بصلة‭ ‬وإنما‭ ‬يعنى‭ ‬بقشور‭ ‬بعيدة‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬وقيمة‭ ‬وعمق‭ ‬العقيدة‭. ‬

عندما‭ ‬تسألنى‭ ‬ما‭ ‬الذى‭ ‬يملأ‭ ‬العقل‭ ‬الجمعى‭ ‬المصرى‭ ‬اليوم‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬إنه‭ ‬الفكر‭ ‬الدينى‭ ‬المسطح‭. ‬أدعوك‭ ‬لأن‭ ‬تطلع‭ ‬على‭ ‬الفتاوى‭ ‬التى‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬دار‭ ‬الافتاء‭ ‬لكى‭ ‬تراجع‭ ‬نوعية‭ ‬الفتاوى‭ ‬المطلوبة‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يعتبرون‭ ‬الدين‭ ‬المرجع‭ ‬الأوحد‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬أمور‭ ‬حياتهم‭ ‬حتى‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بالدين،‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬ترسل‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬الافتاء‭ ‬تسأل‭: ‬شقيق‭ ‬زوجى‭ ‬حضر‭ ‬إلينا‭ ‬فى‭ ‬المنزل‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬زوجى‭ ‬موجودا‭ ‬ففتحت‭ ‬له‭ ‬الباب‭ ‬فهل‭ ‬ارتكبت‭ ‬بذلك‭ ‬إثما؟‭ ‬فيرد‭ ‬عليها‭ ‬الشيخ‭ ‬الجليل‭: ‬إذا‭ ‬كنتِ‭ ‬تركتِ‭ ‬باب‭ ‬الشقة‭ ‬مفتوحا‭ ‬أثناء‭ ‬وجوده‭ ‬فأنك‭ ‬لم‭ ‬ترتكبِي‭ ‬خطأ‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬أغلقتِ‭ ‬الباب‭.. ‬إلخ‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يشغل‭ ‬العقل‭ ‬المصرى‭ ‬الآن‭ ‬وسيظل‭ ‬هكذا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توضع‭ ‬خطة‭ ‬مركزية‭ ‬كى‭ ‬تملأه‭ ‬بالبديل‭..‬

ـ‭ ‬لكن‭ ‬اسمح‭ ‬لي‭.. ‬نحن‭ ‬فى‭ ‬المقابل‭ ‬نرى‭ ‬صورة‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬قنوات‭ ‬أخرى‭ ‬تظهر‭ ‬جرأة‭ ‬أكبر‭ ‬فى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الدين،‭ ‬فى‭ ‬الخروج‭ ‬عليه‭ ‬أحيانا‭ ‬وإعلان‭ ‬رفضه‭ ‬إعمالا‭ ‬بمبدأ‭ ‬الحرية‭ ‬التى‭ ‬منحها‭ ‬الله‭ ‬للناس‭ ‬فى‭ ‬الاختيار،‭ ‬رفض‭ ‬واسع‭ ‬ومناقشات‭ ‬بحرية‭ ‬لم‭ ‬نرها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ضد‭ ‬كلام‭ ‬أحد‭ ‬الشيوخ‭ ‬عن‭ ‬جسد‭ ‬المرأة‭ ‬وحق‭ ‬الزوج،‭ ‬ونرى‭ ‬دعوات‭ ‬لتحرير‭ ‬جسد‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬الظلامية‭. ‬هذا‭ ‬يشير‭ ‬لتغير،‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬فى‭ ‬المقابل‭ ‬قطاعات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تمارس‭ ‬تكفير‭ ‬مثقفين‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬نوال‭ ‬السعداوى‭ ‬بعد‭ ‬موتها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يدعو‭ ‬لعدم‭ ‬تهنئة‭ ‬المسيحين‭ ‬بأعيادهم‭ ‬لكن‭ ‬تتصدى‭ ‬لها‭ ‬أصوات‭ ‬شجاعة‭ ‬ترفض‭ ‬والمساحة‭ ‬تتسع‭ ‬لها‭.‬

بالتأكيد‭ ‬هناك‭ ‬تغير‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬يأتي؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬لتغير‭ ‬السياسة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬بأن‭ ‬تفتح‭ ‬المجال‭ ‬ليدخل‭ ‬النور‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدهاليز‭ ‬المظلمة‭ ‬التى‭ ‬تولدت‭ ‬خلال‭ ‬الأربعين‭ ‬عاما‭ ‬الماضية‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬اجتهادات‭ ‬فردية‭ ‬ومبادرات‭ ‬شخصية‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬أنفسهم؟‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ذكرته‭ ‬لى‭ ‬آت‭ ‬من‭ ‬أفراد‭: ‬إسلام‭ ‬البحيري،‭ ‬خالد‭ ‬منتصر،‭ ‬سعد‭ ‬الدين‭ ‬الهلالي،‭ ‬وغيرهم،‭ ‬هذا‭ ‬شىء‭ ‬جيد‭ ‬وتطور‭ ‬محمود‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬نجوما‭ ‬فى‭ ‬عصر‭ ‬السادات‭ ‬فى‭ ‬التليفزيون‭ ‬استبدلوا‭ ‬بأسماء‭ ‬مستنيرة‭ ‬بدأت‭ ‬تأخذ‭ ‬حظها‭ ‬فى‭ ‬النجومية،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أطالب‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬الرسمية‭ ‬للدولة‭ ‬فى‭ ‬التصدى‭ ‬للنشاط‭ ‬الإرهابي،‭ ‬كما‭ ‬تستخدم‭ ‬الدولة‭ ‬الشرطة‭ ‬أو‭ ‬الجيش‭ ‬ككتيبة‭ ‬تتصدى‭ ‬للنشاط‭ ‬الإرهابي،‭ ‬فأيضا‭ ‬هناك‭ ‬كتيبة‭ ‬المثقفين‭ ‬المستنيرين‭. ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬حياد‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬كذلك،‭ ‬وينبغى‭ ‬ألا‭ ‬تكون،‭ ‬ولا‭ ‬أقلل‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬المبادرة‭ ‬الفردية‭ ‬لكنى‭ ‬أطالب‭ ‬بمأسسة‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬حتى‭ ‬يتأصل‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬وحتى‭ ‬نضمن‭ ‬أنه‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تحديث‭ ‬التعليم‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬سياسة‭ ‬التنوير‭ ‬العامة‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬ينشأ‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬يختلف‭ ‬فى‭ ‬اهتمامه‭ ‬الدينى‭ ‬بالشكليات‭ ‬والتفاهات‭ ‬ليلتزم‭ ‬بحقيقة‭ ‬العقيدة‭ ‬وينظر‭ ‬للحياة‭ ‬نظرة‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬العصر‭ ‬الذى‭ ‬نعيشه‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬تقدم‭.‬

ـ‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬نتحدث‭ ‬عنه‭ ‬لفت‭ ‬انتباهى‭ ‬عنوان‭ ‬المذكرات‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬‮«‬يوما‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬يوم‮»‬‭ ‬والثانى‭ ‬الذى‭ ‬يصدر‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬المقبلة‭ ‬‮«‬العصف‭ ‬والريحان‮»‬‭ ‬الاستخدام‭ ‬للنص‭ ‬للقرآنى‭ ‬بدلالاته‭ ‬الواسعة‭.. ‬ماذا‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬ذهنك‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الاستعانة‭ ‬بنص‭ ‬روحانى‭ ‬عنوانا‭ ‬لمذكرات‭ ‬واقعية؟

أولا‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬انفصالا‭ ‬بين‭ ‬التنوير‭ ‬وبين‭ ‬الدين‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬مثل‭ ‬بقية‭ ‬الأديان‭ ‬السماوية‭ ‬حين‭ ‬جاء‭ ‬كان‭ ‬حركة‭ ‬تنويرية،‭ ‬وأنا‭ ‬كمثقف‭ ‬علمانى‭ ‬مستنير‭ ‬عندى‭ ‬مكان‭ ‬أثير‭ ‬فى‭ ‬نفسى‭ ‬لعقيدته،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة،‭ ‬أبلغ‭ ‬الكتب‭ ‬الأدبية‭ ‬قاطبة،‭ ‬فى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ولا‭ ‬أقصد‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬مقدسا،‭ ‬لا،‭ ‬إنما‭ ‬الناحية‭ ‬الأدبية‭ ‬فى‭ ‬القرآن‭ ‬هى‭ ‬أعلى‭ ‬صور‭ ‬البلاغة‭ ‬فى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أنا‭ ‬كأديب‭ ‬أتأثر‭ ‬بالقرآن‭ ‬ومفرداته‭ ‬وصياغاته‭ ‬ومعانيه‭ ‬وقد‭ ‬وجدت‭ ‬فيه‭ ‬بغيتى‭ ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬أكتب‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬مذكراتى‭ ‬والتزمت‭ ‬فيها‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬التزمت‭ ‬به‭ ‬بالتواضع‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يستفزنى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يكتب‭ ‬مذكراته‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬كمثله‭ ‬أحد،‭ ‬وأنه‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬استمعوا‭ ‬اليه‭ ‬لما‭ ‬حدثت‭ ‬النكسة‭ ‬وأشياء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭ ‬التى‭ ‬سئمناها‭ ‬وينبغى‭ ‬ألا‭ ‬نأخذها‭ ‬مأخذ‭ ‬الجد،‭ ‬أنت‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬فرد‭ ‬فى‭ ‬مجتمع‭ ‬به‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬بل‭ ‬به‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬لأن‭ ‬جمهورك‭ ‬هو‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬كله،‭ ‬وأنت‭ ‬فرد‭ ‬وراءك‭ ‬امتداد‭ ‬تاريخ‭ ‬عمره‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬السنين‭. ‬فقليل‭ ‬من‭ ‬التواضع‭. ‬

أنا‭ ‬أقدم‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المذكرات‭ ‬تجربتي،‭ ‬لكنها‭ ‬تجربة‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬التجارب‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يعجب‭ ‬الناس‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك،‭ ‬فالتزمت‭ ‬بقيمة‭ ‬التواضع‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أسلوبى‭ ‬فى‭ ‬كتابتها‭ ‬كان‭ ‬يميل‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬السخرية‭ ‬من‭ ‬الذات،‭ ‬أنتقد‭ ‬نفسى‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أننى‭ ‬ممتليء‭ ‬فخرا‭ ‬بما‭ ‬صنعت،‭ ‬ووجدت‭ ‬فى‭ ‬العنوان‭ ‬الذى‭ ‬يأتى‭ ‬فى‭ ‬سورة‭ ‬المؤمنون‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬التواضع‭.. ‬فحياتى‭ ‬التى‭ ‬أصورها‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬والتى‭ ‬دامت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬سنة‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬إلا‭ ‬يوم‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬يوم‭.‬

أيضا‭ ‬الجزء‭ ‬الثانى‭ ‬من‭ ‬المذكرات‭ ‬‮«‬العصف‭ ‬والريحان‮»‬‭ ‬العصف‭ ‬هو‭ ‬القشور‭ ‬التى‭ ‬تطير‭ ‬فى‭ ‬الهواء‭ ‬ويبقى‭ ‬الحب،‭ ‬والريحان‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ذو‭ ‬قيمة‭ ‬ورائحة‭ ‬زكية‭. ‬فوجدت‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬رمزا‭ ‬لحياتنا‭ ‬وما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الغث‭ ‬والثمين‭.‬

ـ‭ ‬هى‭ ‬تمتد‭ ‬كما‭ ‬أعرف‭ ‬من‭ ‬1982‭ ‬إلى‭.. ‬

مع يسرا

من‭ ‬فترة‭ ‬مبارك‭ ‬إلى‭ ‬2015‭ ‬وقت‭ ‬صدور‭ ‬الدستور،‭ ‬وطبعا‭ ‬كالعادة‭ ‬أمزج‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬الشخصى‭ ‬والعام،‭ ‬وقد‭ ‬قسمتها‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬فترات،‭ ‬فترة‭ ‬رئاسة‭ ‬مبارك،‭ ‬ثم‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬تقلبات‭ ‬أثناء‭ ‬الثورة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نأتى‭ ‬إلى‭ ‬السنة‭ ‬التى‭ ‬قضتها‭ ‬مصر‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬الإخوان‭ ‬ثم‭ ‬سقوط‭ ‬حكمهم‭ ‬ثم‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭ ‬وإقراره‭ ‬فى‭ ‬2014‭. ‬وذلك‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفاعلى‭ ‬الشخصى‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬الثورة،‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬لجنة‭ ‬الخمسين‭ ‬وما‭ ‬قمت‭ ‬به‭ ‬كمتحدث‭ ‬رسمى‭ ‬لها،‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬المجلس‭ ‬الاستشارى‭ ‬الذى‭ ‬كونه‭ ‬المجلس‭ ‬العسكرى‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬واستقالتى‭ ‬منه‭ ‬والتى‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬قد‭ ‬ذكرت‭ ‬أسبابها‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬كما‭ ‬أرصد‭ ‬دور‭ ‬المثقفين‭ ‬ودور‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬وما‭ ‬قمنا‭ ‬به‭ ‬فى‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬وما‭ ‬قمنا‭ ‬به‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬مثل‭ ‬عقدنا‭ ‬لجمعية‭ ‬عمومية‭ ‬طارئة‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬الأدباء‭ ‬جميعا‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأطياف‭ ‬والاتجاهات‭ ‬أعلنا‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬كتاب‭ ‬مصر‭ ‬يسحبون‭ ‬الثقة‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الإخوانى‭ ‬فى‭ ‬واقعة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬وغير‭ ‬ملحوقة،‭ ‬فلم‭ ‬يحدث‭ ‬أنه‭ ‬أثناء‭ ‬حكم‭ ‬رئيس‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬نقابة‭ ‬من‭ ‬نقابات‭ ‬الرأى‭ ‬بسحب‭ ‬الثقة‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬كما‭ ‬فعلنا‭. ‬أيضا‭ ‬تضم‭ ‬المذكرات‭ ‬المعارك‭ ‬التى‭ ‬خضتها‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مواقفى‭ ‬السياسية‭ ‬المختلفة‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مسرحياتى‭ ‬التى‭ ‬دارت‭ ‬حولها‭ ‬معارك‭ ‬مع‭ ‬الرقابة‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬كنت‭ ‬تحدثنى‭ ‬الآن‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الجنزير‮»‬‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تحذر‭ ‬من‭ ‬الإرهاب‭ ‬وتطالب‭ ‬بالتصدى‭ ‬له‭ ‬وكنت‭ ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬تدعم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬من‭ ‬مثقف‭ ‬أو‭ ‬كاتب‭ ‬مسرحى‭ ‬لكن‭ ‬الذى‭ ‬حدث‭ ‬تتعجب‭ ‬حين‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬مسارح‭ ‬الدولة‭ ‬ظلت‭ ‬لسنوات‭ ‬ثلاث‭ ‬ترفض‭ ‬تقديم‭ ‬هذه‭ ‬المسرحية‭..‬

ـ‭ ‬لماذا؟

لأن‭ ‬الحكومة‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬التصدى‭ ‬للإرهاب‭ ‬حكر‭ ‬عليها‭ ‬فقط‭ ‬وعلى‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬بالتحديد،‭ ‬وأنها‭ ‬ليست‭ ‬معركة‭ ‬المثقفين‭ ‬أو‭ ‬المجتمع‭ ‬ككل‭..‬

ـ‭ ‬أنت‭ ‬عملت‭ ‬فى‭ ‬الجامعة‭ ‬والصحافة‭ ‬ولك‭ ‬اتصال‭ ‬قوى‭ ‬بالمسرح،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أنك‭ ‬رصدت‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترات‭ ‬علامات‭ ‬ومؤشرات‭ ‬الانهيار‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬فيه‭ ‬الآن،‭ ‬كل‭ ‬مجال‭ ‬فيها‭ ‬كان‭ ‬قويا‭ ‬للغاية،‭ ‬ومذكراتك‭ ‬فى‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬منها‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬التنوع‭ ‬والتسامح‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يسود‭.. ‬أين‭ ‬ذهب‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬فى‭ ‬تقديرك؟

لا‭ ‬شك‭ ‬أنه‭ ‬حدث‭ ‬انهيار‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬فى‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬المختلفة،‭ ‬وهذا‭ ‬باعتراف‭ ‬الجميع،‭ ‬حتى‭ ‬باعتراف‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬ذاتها‭ ‬التى‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬تسلمها‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬منهارة‭. ‬لكن‭ ‬علينا‭ ‬تذكر‭ ‬أن‭ ‬الانهيار‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬المؤسسات‭ ‬وبنسبة‭ ‬أقل‭ ‬كثيرا‭ ‬فى‭ ‬الوجدان‭ ‬المصري،‭ ‬والهوية‭ ‬المصرية‭ ‬التى‭ ‬قاومت‭ ‬هذه‭ ‬الانهيارات‭ ‬والتى‭ ‬نجحت‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬فى‭ ‬الثورة‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬السائدة‭ ‬فى‭ ‬2011‭ ‬ثم‭ ‬فى‭ ‬2013‭..‬

ـ‭ ‬ماذا‭ ‬تقصد؟

أعنى‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬انهيار‭ ‬المؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬والصحفية‭ ‬وخلافه‭ ‬فإن‭ ‬الجذوة‭ ‬الإنسانية‭ ‬داخل‭ ‬الإنسان‭ ‬المصرى‭ ‬بقيت،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬التراجع‭ ‬الذى‭ ‬حدث‭ ‬بقى‭ ‬الإنسان‭ ‬المصري،‭ ‬ولولاه‭ ‬لما‭ ‬حدثت‭ ‬25‭ ‬يناير‭..‬

ـ‭ ‬عذرا،‭ ‬ألا‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬الجذوة‭ ‬داخل‭ ‬الإنسان‭ ‬المصرى‭ ‬تعبير‭ ‬بلاغى‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬انهيارات؟‭ ‬أى‭ ‬جذوة‭ ‬نتحدث‭ ‬عنها‭ ‬وسط‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬التفكك‭ ‬والتداعى‭ ‬فى‭ ‬مختلف‭ ‬المؤسسات‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬المجتمع؟‭ ‬

أنا‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬الشباب‭. ‬ألم‭ ‬يخرج‭ ‬شباب‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬2011‭ ‬ويطالبوا‭ ‬بإسقاط‭ ‬النظام،‭ ‬ألم‭ ‬يزحف‭ ‬المثقفون‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬واعتصموا‭ ‬بها‭ ‬للمطالبة‭ ‬بإقالة‭ ‬الوزير‭ ‬الإخواني؟‭ ‬ألم‭ ‬ينزل‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى‭ ‬كله‭ ‬بشيوخه‭ ‬ونسائه‭ ‬وأطفاله‭ ‬فقراء‭ ‬وأغنياء‭ ‬إلى‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬يطالبون‭ ‬بوضع‭ ‬أفضل‭ ‬ويرفضون‭ ‬هذه‭ ‬الانهيارات‭ ‬التى‭ ‬تجرى‭ ‬من‭ ‬حولهم؟‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬ظاهرة‭ ‬صحية‭ ‬وليست‭ ‬ظاهرة‭ ‬انهيار‭ ‬للإنسان‭ ‬المصرى‭. ‬الثورة‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬الشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬انهار‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وهو‭ ‬الإنسان‭ ‬المصرى‭ ‬الذى‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الانهيارات‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ثار‭ ‬عليها،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬للقضاء‭ ‬عليه‭ ‬ورغم‭ ‬الخطط‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭.‬

حين‭ ‬نستعيد‭ ‬سويا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬فى‭ ‬السبعينيات‭ ‬وتجد‭ ‬مسألة‭ ‬هوية‭ ‬الوطنية‭ ‬ذاتها‭ ‬محل‭ ‬تساؤل‭ ‬وناس‭ ‬تطلع‭ ‬تقول‭ ‬لك‭ ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬عربا‭ ‬ونعمل‭ ‬اتفاقية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬ونقول‭ ‬أنهم‭ ‬أصدقاؤنا،‭ ‬وندير‭ ‬ظهرنا‭ ‬للعالم‭ ‬الثالث‭ ‬الذى‭ ‬كنا‭ ‬أحد‭ ‬قاداته،‭ ‬ونقول‭ ‬أن‭ ‬امريكا‭ ‬هى‭ ‬من‭ ‬عندها‭ ‬99‭ ‬فى‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬اللعبة،‭ ‬ويخرج‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬أننا‭ ‬فراعنة،‭ ‬ويتحدث‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬المثقفين‭ ‬عن‭ ‬التزاوج‭ ‬بين‭ ‬العبقرية‭ ‬اليهودية‭ ‬المتمثلة‭ ‬فى‭ ‬إسرائيل‭ ‬والسوق‭ ‬العربية‭. ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقضى‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى‭ ‬تماما‭ ‬وعلى‭ ‬هويته‭ ‬وعلى‭ ‬شخصيته‭ ‬ويزعزع‭ ‬ثقته‭ ‬فى‭ ‬نفسه‭ ‬وفى‭ ‬كل‭ ‬معتقداته،‭ ‬ولولا‭ ‬قوة‭ ‬هذه‭ ‬الجذوة‭ ‬داخل‭ ‬المصرى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬رفض‭ ‬هذا‭ ‬وثار‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التراكمات‭ ‬التى‭ ‬تفجرت‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬فى‭ ‬2011‭.‬

ـ‭ ‬إذاً‭ ‬بداية‭ ‬الانهيار‭ ‬لو‭ ‬أنى‭ ‬فهمت‭ ‬جيدا‭ ‬هي‭..‬

بداية‭ ‬السبعينيات‭.‬

ـ‭ ‬الانفتاح؟‭ ‬أم‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد؟

كلها‭ ‬أعراض‭ ‬مختلفة‭ ‬لسياسة‭ ‬واحدة‭. ‬تسألنى‭ ‬لماذا‭ ‬انهارت‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات؟‭ ‬أجيبك‭ ‬بأنها‭ ‬تنتعش‭ ‬وتؤدى‭ ‬دورها‭ ‬حين‭ ‬تتحكم‭ ‬فيها‭ ‬منظومة‭ ‬مركزية‭ ‬محددة‭ ‬المعالم‭ ‬والأهداف‭ ‬والهوية‭. ‬فى‭ ‬الخمسينيات‭ ‬والستينيات‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬فكرة‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والوحدة‭ ‬العربية‭ ‬والاستقلال‭ ‬الوطنى‭ ‬وعدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬هذه‭ ‬كانت‭ ‬منظومة‭ ‬فكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬متكاملة،‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬يحدث‭ ‬التقدم‭ ‬والتحديث‭ ‬والارتقاء‭ ‬بالتعليم‭ ‬والوعي،‭ ‬لهذا‭ ‬مع‭ ‬ريادة‭ ‬مصر‭ ‬للعالم‭ ‬الثالث‭ ‬كنت‭ ‬تجد‭ ‬انتعاشا‭ ‬فى‭ ‬المسرح،‭ ‬فكل‭ ‬الأشياء‭ ‬مترابطة،‭ ‬وهذه‭ ‬المنظومة‭ ‬السياسية‭ ‬هى‭ ‬الخيط‭ ‬الذى‭ ‬كانت‭ ‬تنتظم‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحبات،‭ ‬وحين‭ ‬قطعت‭ ‬هذا‭ ‬الخيط‭ ‬انقطعت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحبات‭ ‬وذهب‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬فى‭ ‬اتجاه،‭ ‬ويبحث‭ ‬المواطن‭ ‬وقتها‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬فلا‭ ‬يعرف‭ ‬أين‭ ‬هي،‭ ‬هل‭ ‬هى‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الحبة‭ ‬فى‭ ‬اليمين‭ ‬أم‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الحبة‭ ‬فى‭ ‬اليسار‭.‬

فى‭ ‬السبعينيات‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لويس‭ ‬عوض‭ ‬فصل‭ ‬من‭ ‬الأهرام‭ ‬ومكرم‭ ‬محمد‭ ‬أحمد‭ ‬أخذه‭ ‬دار‭ ‬الهلال‭.. ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬معقول؟‭ ‬هو‭ ‬مثال‭ ‬للانهيار‭ ‬الذى‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬الصحافة‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تدرك‭ ‬القيمة‭ ‬الثقافية‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬السابق‭. ‬لما‭ ‬تقارن‭ ‬هذا‭ ‬بالمحاولات‭ ‬الحثيثة‭ ‬التى‭ ‬بذلها‭ ‬الأستاذ‭ ‬هيكل‭ ‬فى‭ ‬الستينيات‭ ‬لكى‭ ‬يجلب‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬إلى‭ ‬الأهرام‭ ‬وأرسل‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬حمدى‭ ‬الجمال‭ ‬فرد‭ ‬عليه‭: ‬أخاف‭ ‬أترك‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬وأنا‭ ‬فيها‭ ‬مستشار‭ ‬للوزير‭ ‬ثروت‭ ‬عكاشة‭ ‬وهو‭ ‬صديقى‭ ‬فأغضبه،‭ ‬فيرد‭ ‬عليه‭ ‬هيكل‭ ‬بأن‭: ‬مكتبك‭ ‬محجوز‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تحال‭ ‬على‭ ‬المعاش،‭ ‬ووقع‭ ‬معه‭ ‬عقدا‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬هذا‭ ‬الموعد‭ ‬يقضى‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬أعماله‭ ‬تنشر‭ ‬فى‭ ‬الأهرام‭ ‬سنويا،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ترك‭ ‬ثروت‭ ‬عكاشة‭ ‬الوزارة‭ ‬فأرسل‭ ‬إليه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬يطلبه‭ ‬للحضور‭ ‬فوجد‭ ‬محفوظ‭ ‬مكتبه‭ ‬جاهزا‭ ‬حسب‭ ‬الوعد‭.‬

ـ‭ ‬إذاً‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬عودة‭ ‬الدور‭ ‬المصرى‭ ‬إلى‭ ‬غزة،‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار،‭ ‬عودة‭ ‬الدور‭ ‬إلى‭ ‬أفريقيا،‭ ‬كيف‭ ‬نقرأه‭.. ‬هل‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬جديد‭ ‬أم‭ ‬استعادة‭ ‬لمشروع‭ ‬قديم‭ ‬انفصلنا‭ ‬عنه؟

قلت‭ ‬إننا‭ ‬فى‭ ‬مرحلة‭ ‬إعادة‭ ‬البناء‭ ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬والمدن‭ ‬الحديثة‭ ‬والكباري،‭ ‬وإنما‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬أيضا‭ ‬للدور‭ ‬المصرى‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عانينا‭ ‬طويلا‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬سواء‭ ‬عربيا‭ ‬أو‭ ‬أفريقيا‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭. ‬

مصر‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬الأموال‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬فى‭ ‬غزة‭ ‬وإنما‭ ‬قامت‭ ‬بدور‭ ‬سياسى‭ ‬أصيل‭ ‬بمحاولة‭ ‬جمع‭ ‬الفرقاء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ثم‭ ‬استخدام‭ ‬نفوذها‭ ‬فى‭ ‬دعوتهم‭ ‬للحضور‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬للخروج‭ ‬بموقف‭ ‬واحد‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬ترتيبات‭ ‬سيتم‭ ‬القيام‭ ‬بها‭. ‬هذا‭ ‬دور‭ ‬مصر‭ ‬العربى‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬والذى‭ ‬غاب‭ ‬عنها‭ ‬طويلا‭. ‬فى‭ ‬أفريقيا‭ ‬أيضا‭ ‬هناك‭ ‬تحركات‭ ‬أرى‭ ‬أنها‭ ‬سيتم‭ ‬دعمها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬جدا‭ ‬لو‭ ‬أننا‭ ‬استخدمنا‭ ‬فيها‭ ‬الكتيبة‭ ‬الثقافية،‭ ‬لأن‭ ‬النفوذ‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬سياسيا‭ ‬فقط،‭ ‬نحن‭ ‬للأسف‭ ‬فى‭ ‬الستينيات‭ ‬اقتربنا‭ ‬من‭ ‬أفريقيا‭ ‬سياسيا‭ ‬فقط،‭ ‬ولذلك‭ ‬حين‭ ‬تغيرت‭ ‬السياسة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬شىء‭ ‬باق‭ ‬لنا‭ ‬هناك‭. ‬خلاص‭ ‬خرجنا‭ ‬من‭ ‬أفريقيا‭ ‬بقرار‭ ‬منا‭ ‬ودخلت‭ ‬أطراف‭ ‬أخرى‭ ‬معادية‭ ‬لنا‭ ‬وملأت‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ،‭ ‬مثل‭ ‬إسرائيل‭ ‬وغيرها‭. ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬رصيد‭ ‬ثقافى‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭ ‬مثلا‭ ‬لكان‭ ‬الوضع‭ ‬مختلفا،‭ ‬نحن‭ ‬لم‭ ‬نفقد‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭ ‬أبدا‭ ‬مهما‭ ‬حصل‭ ‬من‭ ‬خلافات‭ ‬سياسية‭ ‬بين‭ ‬الحكام‭ ‬لأن‭ ‬عندنا‭ ‬رصيدا‭ ‬ثقافيا‭ ‬هناك،‭ ‬مازالوا‭ ‬يحبون‭ ‬أم‭ ‬كلثوم،‭ ‬ويعتزون‭ ‬بشهاداتهم‭ ‬الجامعية‭ ‬التى‭ ‬حصلوا‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬المصرية،‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يقرأون‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬وطه‭ ‬حسين‭ ‬وغيرهما‭. ‬الثقافة‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬تعبد‭ ‬الطريق‭ ‬للسياسة‭ ‬بل‭ ‬وللمصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أيضا،‭ ‬نحن‭ ‬نظل‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬وثيقة‭ ‬بمن‭ ‬نقرأ‭ ‬رواياتهم‭ ‬ومن‭ ‬نستمع‭ ‬لموسيقاهم‭ ‬ومن‭ ‬نشاهد‭ ‬أفلامهم،‭ ‬وليس‭ ‬باللقاءات‭ ‬السياسية‭ ‬وحدها‭. ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أساس‭ ‬ثقافى‭ ‬تقوم‭ ‬عليه‭ ‬العلاقات،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬كنموذج،‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬النشطة‭ ‬فى‭ ‬استخدم‭ ‬الثقل‭ ‬الثقافى‭ ‬فى‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدولية،‭ ‬يعنى‭ ‬لا‭ ‬أنسى‭ ‬مرة‭ ‬سفيرا‭ ‬ألمانيا‭ ‬سابقا‭ ‬كان‭ ‬يمثل‭ ‬شركة‭ ‬ألمانية‭ ‬تقدمت‭ ‬لعمل‭ ‬مشروع‭ ‬التليفون‭ ‬المحمول‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وقال‭ ‬لى‭ ‬لما‭ ‬رسا‭ ‬العطاء‭ ‬على‭ ‬فرنسا‭: ‬إن‭ ‬فرنسا‭ ‬تتحدث‭ ‬معكم‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬وتبعت‭ ‬لكم‭ ‬الكوميدى‭ ‬فرانسيز‭ ‬تمثل‭ ‬فى‭ ‬الأوبرا‭ ‬ثم‭ ‬ينتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بأن‭ ‬يأخذوا‭ ‬عقد‭ ‬المحمول‭. ‬هذه‭ ‬هى‭ ‬السياسة‭ ‬الحقة‭ ‬ونحن‭ ‬لدينا‭ ‬هذا‭ ‬السلاح‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬نستخدمه‭ ‬بالقدر‭ ‬الكافى‭ ‬فى‭ ‬علاقاتنا‭ ‬الدولية‭.‬

ـ‭ ‬فيما‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالتنوع‭ ‬والعلاقة‭ ‬مع‭ ‬الأفارقة‭ ‬والعرب‭ ‬وغيره،‭ ‬أنت‭ ‬تذكر‭ ‬أن‭ ‬أصول‭ ‬عائلتك‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الحجاز‭ ‬قبيلة‭ ‬سلمى‭.. ‬الفاصل‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬هذا‭ ‬13‭ ‬قرنا‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬أنت‭ ‬تورده‭ ‬كتوثيق،‭ ‬أمر‭ ‬تعتز‭ ‬به‭ ‬ضمن‭ ‬مكوناتك‭ ‬المصرية‭ ‬لكن‭ ‬حاليا‭ ‬نحن‭ ‬نتابع‭ ‬مناقشات‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الحدة‭ ‬والاستقطاب‭ ‬حول‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬غزوا‭ ‬أم‭ ‬فتحا‭ ‬عربيا،‭ ‬وآراء‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬مصر‭ ‬هى‭ ‬الفرعونية‭ ‬الخالصة‭ ‬بلا‭ ‬مكونات‭ ‬أخرى‭.. ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المناقشات‭ ‬هل‭ ‬تراها‭ ‬امتدادا‭ ‬لما‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬مذكراتك‭ ‬عن‭ ‬دعوة‭ ‬موسى‭ ‬صبرى‭ ‬‮«‬لا‭ ‬فلسطين‭ ‬بعد‭ ‬اليوم‮»‬؟

لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نفرق‭ ‬بين‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المقولات‭ ‬الصارخة،‭ ‬التى‭ ‬تطلق‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬ضمن‭ ‬سياسة‭ ‬معينة‭ ‬تطبقها‭ ‬الحكومة‭ ‬كالمثال‭ ‬الذى‭ ‬طرحته‭ ‬عندما‭ ‬يقول‭ ‬موسى‭ ‬صبرى‭ ‬‮«‬لا‭ ‬فلسطين‭ ‬بعد‭ ‬اليوم‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬يخدم‭ ‬سياسة‭ ‬السادات‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬بينما‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬كلما‭ ‬تحدثوا‭ ‬معه‭ ‬عن‭ ‬الأراضى‭ ‬المحتلة‭ ‬قال‭ ‬القدس‭ ‬قبل‭ ‬سيناء،‭ ‬فى‭ ‬محاولة‭ ‬لتأكيد‭ ‬أهمية‭ ‬القدس‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمصر‭ ‬وأن‭ ‬القضية‭ ‬العربية‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تتجزأ‭. ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التفرقة‭ ‬بين‭ ‬المقولات‭ ‬التى‭ ‬لها‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬صدى‭ ‬عند‭ ‬الناس‭ ‬بالشكل‭ ‬المراد‭ ‬لأن‭ ‬التعاطف‭ ‬الموجود‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينة‭ ‬بعد‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬لا‭ ‬فلسطين‭ ‬بعد‭ ‬اليوم‮»‬‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬العصف‭ ‬وطارت‭ ‬فى‭ ‬الهواء،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نفرق‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬وبين‭ ‬المناقشات‭ ‬الحقيقية‭ ‬التى‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الصحوة‭ ‬موجودة‭ ‬الآن،‭ ‬ونوع‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬الجاد‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬نال‭ ‬هذه‭ ‬الهوية‭ ‬من‭ ‬ضربات‭ ‬أفقدتها‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬توازنها،‭ ‬وجعلت‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬يتشككون‭ ‬فيها،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬عرضا‭ ‬صحيا‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬طرح‭ ‬الأشياء‭ ‬المسلم‭ ‬بها‭ ‬للنقاش‭ ‬ونعيد‭ ‬تأكيدها‭ ‬فتصمد‭ ‬بشكل‭ ‬أقوى‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬تسقط‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مناسبة‭ ‬للعصر‭.‬

لكن‭ ‬علينا‭ ‬أيضا‭ ‬ألا‭ ‬ننساق‭ ‬لأشياء‭ ‬سقطت‭ ‬من‭ ‬الحسبان‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬الفكر‭ ‬الدولى‭ ‬كله‭ ‬كأن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬الفرعونية‭ ‬الخالصة،‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬كله‭ ‬تداخل‭ ‬وامتزج‭ ‬مع‭ ‬محيطها‭. ‬لقد‭ ‬ثبت‭ ‬علميا‭ ‬وعالميا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬دولة‭ ‬خالصة،هذا‭ ‬غير‭ ‬موجود،‭ ‬وسقطت‭ ‬الفكرة‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬هتلر‭ ‬الذى‭ ‬آمن‭ ‬بالجنس‭ ‬الآرى‭ ‬وثبت‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬مخلوق‭ ‬واحد‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬عنصر‭ ‬واحد،‭ ‬كلنا‭ ‬اختلطت‭ ‬دماؤنا،‭ ‬والنظرة‭ ‬القومية‭ ‬الحقيقية‭ ‬حين‭ ‬تتمعن‭ ‬فيها‭ ‬تدلك‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬تناقض‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬بين‭ ‬المكون‭ ‬العام‭ ‬للوطن‭ ‬العربي،‭ ‬التى‭ ‬تجعل‭ ‬المواطن‭ ‬العربى‭ ‬فى‭ ‬لبنان‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬فى‭ ‬تصرفاته‭ ‬وهويته‭ ‬ونظرته‭ ‬للحياة‭ ‬عن‭ ‬المواطن‭ ‬فى‭ ‬المغرب‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬السودان‭ ‬وسوريا،‭ ‬وهذا‭ ‬يحدث‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭.‬

فمنطقة‭ ‬الصعيد‭ ‬فى‭ ‬مصرلها‭ ‬خصائص‭ ‬بالنسبة‭ ‬لسكانها‭ ‬ولهجتها‭ ‬وعادتها‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬وجه‭ ‬بحرى‭ ‬وبدو‭ ‬سيناء‭ ‬قد‭ ‬يختلفون‭ ‬هم‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬سكان‭ ‬وادى‭ ‬النيل‭ ‬إنما‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬يشكك‭ ‬فى‭ ‬انتماء‭ ‬الصعيد‭ ‬لمصر‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬هويتها‭ ‬المصرية،‭ ‬بنفس‭ ‬القدر‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬الصفات‭ ‬التى‭ ‬تختص‭ ‬بها‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬أو‭ ‬لبنان‭ ‬أو‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬الجزائر‭ ‬لا‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬الهوية‭ ‬العربية‭ ‬الشاملة‭ ‬التى‭ ‬تجمع‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭. ‬

ـ‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬وهو‭ ‬سؤال‭ ‬مزعج‭ ‬لأنه‭ ‬كيان‭ ‬غير‭ ‬مفهوم‭. ‬أنت‭ ‬توليت‭ ‬رئاسته‭..‬

10‭ ‬سنوات‭..‬

ما‭ ‬الغامض‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬يجعله‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬نائيا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬وغير‭ ‬معبر‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬المصريين‭ ‬أو‭ ‬قطاع‭ ‬عريض‭ ‬منهم،‭ ‬اتحادات‭ ‬كتاب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لها‭ ‬أدوار‭ ‬فى‭ ‬رعاية‭ ‬الكتاب‭ ‬وصيانة‭ ‬حقوقهم‭ ‬ومطالبهم‭ ‬وغيره‭.. ‬ما‭ ‬مشكلة‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬المصري؟

الاتحاد‭ ‬هو‭ ‬مثل‭ ‬أى‭ ‬نقابة‭ ‬من‭ ‬نقابات‭ ‬الرأى‭ ‬هى‭ ‬ما‭ ‬تصنعه‭ ‬بها،‭ ‬إن‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬النقابة‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬أعضائها‭ ‬ستكون‭ ‬كذلك‭ ‬وإذا‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬فهى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭. ‬وحين‭ ‬كنت‭ ‬مسئولا‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬وانتخبت‭ ‬بأعلى‭ ‬أصوات‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬انتخابات‭ ‬خضتها‭ ‬كان‭ ‬لزاما‭ ‬علىّ‭ ‬أن‭ ‬أعبر‭ ‬وأبلور‭ ‬موقف‭ ‬الكتاب‭ ‬أعضاء‭ ‬الاتحاد‭ ‬الذين‭ ‬انتخبونى‭ ‬وأن‭ ‬أقوم‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالحهم،‭ ‬وأن‭ ‬أعمل‭ ‬مع‭ ‬زملائى‭ ‬فى‭ ‬الاتحاد‭ ‬على‭ ‬بلورة‭ ‬مواقفهم‭ ‬والتعبير‭ ‬عنها،‭ ‬وقد‭ ‬ذكرت‭ ‬لك‭ ‬مثلا‭ ‬حين‭ ‬عقدنا‭ ‬جمعية‭ ‬عمومية‭ ‬وسحبنا‭ ‬الثقة‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإخوانى‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬به‭ ‬أى‭ ‬نقابة‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬مصر‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬عملنا‭ ‬مرصدا‭ ‬للحريات‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭ ‬ليصدر‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬اجتماع‭ ‬يتم‭ ‬للمكتب‭ ‬الدائم‭ ‬تقريرا‭ ‬كل‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الحريات‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬نرصد‭ ‬فيه‭ ‬التجاوزات‭ ‬التى‭ ‬تحدث‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬ضد‭ ‬الأدباء‭ ‬والمثقفين،‭ ‬وطالبنا‭ ‬كل‭ ‬اتحاد‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬يرسل‭ ‬لنا‭ ‬بتقرير‭ ‬من‭ ‬عنده‭ ‬لتضمينه‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬التقرير،‭ ‬وكنا‭ ‬نصدر‭ ‬التقرير‭ ‬بثلاث‭ ‬لغات‭ ‬الفرنسية‭ ‬والعربية‭ ‬والانجليزية،‭ ‬وتحول‭ ‬هذا‭ ‬التقرير،‭ ‬وأنا‭ ‬ناشر‭ ‬بعض‭ ‬أجزاء‭ ‬منه‭ ‬فى‭ ‬الجزء‭ ‬الثانى‭ ‬من‭ ‬المذكرات،‭ ‬إلى‭ ‬مرجع‭ ‬لمن‭ ‬يتابعون‭ ‬مسألة‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭ ‬بعدما‭ ‬كان‭ ‬مصدرهم‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬المنظمات‭ ‬الأجنبية‭.‬

اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬جهة‭ ‬تقدم‭ ‬بلاغا‭ ‬للنائب‭ ‬العام‭ ‬للتحقيق‭ ‬فى‭ ‬المحرقة‭ ‬التى‭ ‬حدثت‭ ‬فى‭ ‬قصر‭ ‬الثقافة‭ ‬ببنى‭ ‬سويف،‭ ‬موقف‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أنه‭ ‬معبر‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬وليس‭ ‬عن‭ ‬الحكومة‭.‬

لما‭ ‬توليت‭ ‬رئاسة‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬وجدته‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬معونة‭ ‬يأخذها‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬قلت‭ ‬بهذا‭ ‬يكون‭ ‬الاتحاد‭ ‬تابعا‭ ‬للوزارة‭ ‬فأول‭ ‬حاجة‭ ‬ضاعفت‭ ‬المبلغ‭ ‬الذى‭ ‬نأخذه‭ ‬من‭ ‬الوزارة‭ ‬ليصبح‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬جنيه‭ ‬سنويا،‭ ‬ثم‭ ‬قمت‭ ‬بتنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل‭ ‬للاتحاد‭ ‬وفتحت‭ ‬باب‭ ‬التبرعات‭ ‬فحصدت‭ ‬الملايين‭ ‬مما‭ ‬مكننا‭ ‬من‭ ‬ترميم‭ ‬مبنى‭ ‬القلعة‭ ‬الذى‭ ‬أخذته‭ ‬ليكون‭ ‬مقرا‭ ‬للمؤتمرات‭ ‬وتكلف‭ ‬2‭ ‬مليون‭ ‬جنيه‭ ‬لم‭ ‬يدفع‭ ‬فيها‭ ‬الاتحاد‭ ‬مليما‭ ‬من‭ ‬ميزانيته‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تبرعات‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬مختلفة‭ ‬فى‭ ‬البلد‭ ‬فأصبحت‭ ‬حر‭ ‬التحرك‭ ‬مما‭ ‬سمح‭ ‬لى‭ ‬بالتقدم‭ ‬بذلك‭ ‬البلاغ‭ ‬بالتحقيق‭ ‬فى‭ ‬المحرقة‭.‬

ـ‭ ‬لك‭ ‬تواجد‭ ‬ونشاط‭ ‬فاعل‭ ‬فى‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة‭.. ‬الصحافة‭ ‬والمسرح‭ ‬والسياسة‭ ‬كيف‭ ‬يمكنك‭ ‬الفصل‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬بعضها‭ ‬بطبيعته‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ضد‭ ‬الإبداع‭ ‬فكما‭ ‬يقول‭ ‬كثيرون‭.. ‬الصحافة‭ ‬تفسد‭ ‬الأديب‭ ‬فمال‭ ‬البال‭ ‬وقد‭ ‬أضفت‭ ‬إليها‭ ‬الوظيفة‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات،‭ ‬وأضفت‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬المجال‭ ‬السياسي؟

شوف‭ ‬فيه‭ ‬ناس‭ ‬تكون‭ ‬بطبيعتها‭ ‬متعددة‭ ‬الأنشطة‭ ‬وأيضا‭ ‬متعددة‭ ‬المعارف‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬هذا‭ ‬مثقف‭ ‬موسوعي،‭ ‬وهناك‭ ‬ناس‭ ‬تكتفى‭ ‬بالتخصص،‭ ‬مثل‭ ‬جراح‭ ‬عبقرى‭ ‬فى‭ ‬عمله‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬لماذا‭ ‬هناك‭ ‬كورال‭ ‬فى‭ ‬الحركة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬السيمفوينية‭ ‬التاسعة‭ ‬لبتهوفن،‭ ‬وهذا‭ ‬مقبول‭ ‬لأنى‭ ‬أذهب‭ ‬إليه‭ ‬كجراح‭ ‬وحبه‭ ‬لبتهوفن‭ ‬أو‭ ‬عدمه‭ ‬لن‭ ‬يؤثر‭ ‬فى‭ ‬العملية‭ ‬التى‭ ‬سيجريها‭ ‬لي‭.‬

إنما‭ ‬المثقف‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬يشتبك‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬ككل،‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬مناحى‭ ‬الحياة‭ ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬مبدعا‭ ‬روائيا‭ ‬أو‭ ‬مسرحيا،‭ ‬الأدب‭ ‬يصور‭ ‬الحياة‭ ‬ككل،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المتصور‭ ‬ألا‭ ‬يفهم‭ ‬الأديب‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬البلاغة،‭ ‬من‭ ‬الضرورى‭ ‬أن‭ ‬يتصل‭ ‬بالموسيقى‭ ‬والسياسة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬لأنه‭ ‬يصور‭ ‬فى‭ ‬أعماله‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬وكلما‭ ‬تعددت‭ ‬معارفه‭ ‬وأنشطته‭ ‬ازداد‭ ‬ثراء‭ ‬عمله‭ ‬الأدبى‭ ‬لأن‭ ‬دائرة‭ ‬تعبيره‭ ‬تصبح‭ ‬أوسع‭. ‬وأنا‭ ‬بطبيعتى‭ ‬من‭ ‬صغرى‭ ‬يقيدنى‭ ‬الالتزام‭ ‬بنشاط‭ ‬واحد‭ ‬فقط،‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أنطلق‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬وتعدد‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬يعمل‭ ‬لى‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬فى‭ ‬حياتي‭. ‬والتعارض‭ ‬بالطبع‭ ‬قد‭ ‬يقع‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة‭ ‬والتعارض‭ ‬الأكبر‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬ناحيتين‭.. ‬المواقع‭ ‬الرسمية‭ ‬التى‭ ‬تقلدتها‭ ‬وحريتى‭ ‬الشخصية‭ ‬كمثقف،‭ ‬مثلما‭ ‬كنت‭ ‬وكيلا‭ ‬لوزارة‭ ‬الثقافة،‭ ‬ومثلما‭ ‬اختارنى‭ ‬الدكتور‭ ‬ممدوح‭ ‬البلتاجى‭ ‬معاونا‭ ‬لوزير‭ ‬الإعلام‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬القصيرة‭ ‬التى‭ ‬قضاها‭ ‬فى‭ ‬الوزارة،‭ ‬وفى‭ ‬الحالتين‭ ‬كنت‭ ‬أضيق‭ ‬بهذا‭ ‬التناقض‭ ‬وفى‭ ‬الحالتين‭ ‬قدمت‭ ‬استقالتي،‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬سنة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬قليلا‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة،‭ ‬وبعد‭ ‬شهور‭ ‬فقط‭ ‬فى‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬منتهزا‭ ‬فرصة‭ ‬نقل‭ ‬الدكتور‭ ‬البلتاجى‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬فتقدمت‭ ‬للوزير‭ ‬الذى‭ ‬جاء‭ ‬بعده‭ ‬أنس‭ ‬الفقى‭ ‬باستقالتي‭.. ‬والذى‭ ‬رحب‭ ‬بى‭ ‬ترحيبا‭ ‬كبيرا‭ ‬ورحب‭ ‬باستقالتى‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭!‬

التناقض‭ ‬الآخر‭ ‬المهنى‭ ‬كان‭ ‬كما‭ ‬أشرت‭ ‬بين‭ ‬العمل‭ ‬الصحفى‭ ‬والإبداعى‭ ‬لأن‭ ‬العملين‭ ‬متناقضين‭ ‬الأسلوب‭ ‬الصحفى‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬المباشرة‭ ‬وعلى‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الخبر‭ ‬من‭ ‬أقصر‭ ‬طريق‭ ‬وعلى‭ ‬إيصال‭ ‬المعلومة‭ ‬دون‭ ‬التوقف‭ ‬كثيرا‭ ‬عند‭ ‬طرائق‭ ‬التعبير،‭ ‬بينما‭ ‬العمل‭ ‬الإبداعى‭ ‬هو‭ ‬عمل‭ ‬تأملى‭ ‬يجعلك‭ ‬لا‭ ‬تنغمس‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭ ‬المعيش‭ ‬ولكن‭ ‬تنظر‭ ‬للحياة‭ ‬ككل،‭ ‬تنظر‭ ‬للموقف‭ ‬من‭ ‬عل‭ ‬فترى‭ ‬مجمل‭ ‬الأشياء‭ ‬بنظرة‭ ‬تأملية‭ ‬تجعلك‭ ‬لا‭ ‬تنحصر‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭ ‬الحال‭ ‬مثل‭ ‬الصحفى‭ ‬وإنما‭ ‬ترى‭ ‬الماضى‭ ‬والمستقبل‭ ‬فى‭ ‬نظرة‭ ‬واحدة‭.‬

عادة‭ ‬الصحفى‭ ‬لا‭ ‬ينجح‭ ‬كأديب‭ ‬إنما‭ ‬الأديب‭ ‬قد‭ ‬ينجح‭ ‬كصحفى‭ ‬والأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬كثيرة‭ ‬جدا‭.. ‬موسى‭ ‬صبرى‭ ‬ومصطفى‭ ‬أمين‭ ‬كتبا‭ ‬روايات‭ ‬لكن‭ ‬أين‭ ‬هى‭ ‬الآن‭. ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬تجد‭ ‬فتحى‭ ‬غانم‭ ‬وإحسان‭ ‬عبد‭ ‬القدوس‭ ‬كتبا‭ ‬روايات‭ ‬هى‭ ‬علامات‭ ‬أساسية‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭. ‬الإنسان‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬تجربته‭ ‬الأصلية‭ ‬إبداعية‭ ‬يمكنه‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الصحافة،‭ ‬وبالتالى‭ ‬الصحافة‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬موهبته‭ ‬لكن‭ ‬الصحافة‭ ‬لا‭ ‬تخلق‭ ‬الموهبة‭ ‬الأدبية‭. ‬وقد‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬حل‭ ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬أفادت‭ ‬عملى‭ ‬الإبداعى‭ ‬لانها‭ ‬قربتنى‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬وقضاياه‭ ‬بينما‭ ‬الأدب‭ ‬أفادنى‭ ‬فى‭ ‬الارتقاء‭ ‬بأسلوبى‭ ‬فى‭ ‬كتابة‭ ‬المقال‭ ‬الصحفي‭.‬