الكاتب الكبير محمد سلماوى فى أول حوارصحفى بعد حصوله على «النيل»:

نعيش مرحلة بناء متلاحقة.. والقيادة السياسية تعوض السنوات العجاف

محمد سلماوى خلال حواره مع «الأخبار»
محمد سلماوى خلال حواره مع «الأخبار»

حوار:عبد الصبور بدر

مصر قادرة على صياغة مفهوم عصرى للقومية العربية.. وغزة أثبتت ذلك

ينتمى الكاتب الكبير ذو السمعة الدولية محمد سلماوى إلى بهوات زمان ، المواعيد لديه مقدسة ، حذرنى من التأخير دقيقة واحدة.. كان الموعد المتفق عليه فى السادسة من مساء الأربعاء الماضي ، ولكنى تصرفت بطريقة عكسية ، ذهبت إليه قبلها بساعة كاملة ، طلبته على الهاتف لأخبره أننى موجود أسفل منزله ، وطلب منى مهلة ربع ساعة فقط حتى يكون جاهزا ، بعدها سمح لى بالصعود إلى منزله بالدور الرابع الذى يطل على مجموعة من الأشجار المعمرة المزهرة فى ذلك الشارع الهادئ بالمعادي.. الأنوار الخافتة فى بيته ، وكمية التماثيل والأنتيكات جعلتنى أشعر أننى داخل متحف ، فلم أسمح لنفسى بالجلوس وأنا أتفحص القطع النادرة ، قبل أن يدخل الأستاذ وهو يحمل بنفسه صينية صغيرة عليها كوبان من الليمون ، ويرحب بنا بنبرة صوت هادئة ووقورة وقوية ، كأنها لأحد المذيعين الكبار فى الماضي.. السيرة الذاتية للكاتب الكبير تكتظ بالجوائز والتكريمات المصرية والعربية والدولية ، إضافة إلى المناصب التى تقلدها فى الصحافة ، واتحاد الكتاب ، ومشروعه الأدبى الضخم ، فضلا عن علاقته بالأديب العالمى نجيب محفوظ وقربه منه لدرجة اختياره ممثلا شخصيا له فى احتفالات جائزة نوبل حيث قرأ خطابه بهذه المناسبة.

 كان السؤال الأول عن «النيل».. قلت له: هل كنت تنتظر الجائزة؟
وقال سلماوي: فلنقل كنت أتطلع إليها ، لأسباب عديدة أهمها أننى حصلت على تكريمات كثيرة خارج بلادي ، وأوسمة كبيرة من فرنسا وإيطاليا ، وبلجيكا ، وفلسطين ، والسنغال ، أما من مصر فقد حازت أعمالى على عدة جوائز ، ولكنى لم أحصل إلا على الجائزة التقديرية عام 2012 ،
 وما السبب؟
أنا لم أكن على وفاق مع الأنظمة الحاكمة قبل الثورة ، اختلفت كثيرا ، سواء مع السادات ، أو مبارك ، وتعرضت للفصل من عملي ، والاعتقال ، وبالتالى لم يكن هناك مجال لتكريمى وأنا فى خندق المعارضة ، ما جعل أول جائزة أحصل عليها بعد الثورة ، هى جائزة الدولة التقديرية فى 2012.
 وبماذا تمثل جائزة النيل بالنسبة لك؟
هى تتويج لكل ما حصلت أنا ، أو حصلت عليه أعمالى الأدبية من جوائز سواء هنا أو فى الخارج.
 هناك عبارة مشهورة لسلماوى تقول «إن الفرح حمل ثقيل تماما ، مثل الحزن ، إن لم يجد الإنسان من يشاركه فيه انفطر قلبه من شدة العاطفة».. سألته هل وجدت من يشاركك الفرحة؟
أجاب: كثيرون جدا ، الأسهل أن أخبرك بمن لم يشاركنى الفرحة ، لأن كمية ما تلقيته من تهنئة والتفاف حولى وتعبير عن السعادة بفوزى فاق توقعاتي ، هاتفى لم يتوقف عن الرنين ، وإيميلى لم يكف عن تلقى الرسائل ، وبالتالى لم أشعر بهذا العبء لأن الناس شاركتنى فيه وكانت فرحانة وكأنها هى من حصلت على الجائزة.
طفولة مختلفة
ولد محمد سلماوى وفى فمه ملعقة ذهب ، سليل عائلة ميسورة الحال ، ليس لديه تلك القصة التى يحكيها أغلب الأدباء عن رحلة الكفاح وأيام الشقاء ، يمتلك حكاية مختلفة لطفولته حيث نشأ فى مدارس أجنبية ، وكان يستمع فى بيته إلى الموسيقى الكلاسيكية ، ويشاهد اللوحات الفنية التى ترسمها والدته بيدها أمامه.
يعترف أنه مدين لأسرته بالعديد من الأشياء كانت حاسمة فى حياته ، أولها حب الثقافة والاطلاع ، نتيجة وجود مكتبة كبيرة فى البيت ، كان يمضى فيها وقتا طويلا ، وكثيرا ما كان يتعلل بأنه يذاكر بينما هو داخل حجرة المكتب يستمتع باستكشاف الكتب وما تحتوى عليه من موضوعات مختلفة ، والتى قد لا تمت بصلة إلى دراسته.
هل كنت طفلا لا يحب المدرسة؟
نعم.. كنت أشعر أنها قيد ، وكنت أريد أن أقرأ خارج مواد المدرسة التى لابد أن ألتزم بها حتى أنجح ، ، وكانت اهتماماتى أكبر من زملائي ، هم منهمكون فى كرة القدم والرياضة ، وأنا مشغول بالقراءة وبالموسيقى الكلاسيك.
 ماذا تعلمت من والدتك؟
حب الجمال ، كانت فنانة تشكيلية ، هاوية ، لم تحترف الفن ، أو تقيم معرضا ، لكن لوحاتها كانت وسيلة لإيقاظ إحساسى بالجمال ، فلا يمر أمامى مرور الكرام ، لا بد أن ألاحظه ، عندما أشاهد شجرة بأزهار ملونة تلفت نظري ، فى حين يتعجب زميلى الذى يسير معى ويسألني: إنت بتتفرج على أيه؟
 والأب؟
تعلمت منه الانتماء ، لقد كان رجل أعمال ، وكثير السفر ، وكل هدفه أن الجديد الذى يراه فى الخارج يسعى لتطبيقه فى مصر ، وهو أول شخص أدخل عملية رش القطن عن طريق الجو ، كان يمتلك أسطولا من طائرات الهليكوبتر لرش المبيدات. والإحساس بالجمال والانتماء هما العنصران اللذان تحكما دائما فى مسار حياتى كلها.
 كيف؟
كنت معيدا فى كلية الآداب أقوم بتدريس الأدب الإنجليزي ، وتركت الجامعة وذهبت إلى الصحافة لأنها تتيح التعبير عن انتمائى بقضايا المجتمع أكثر من تدريس شكسبير فى بلد لديه من القضايا ما هو أهم من الأدب الشكسبيري.
تجربة الاعتقال
 قادك الدفاع عن قضايا المجتمع إلى الاعتقال.. ألم يكن السجن صدمة كبيرة بالنسبة لشخص مثلك تعود على أن يأكل بالشوكة والسكينة؟
كانت صدمة بلا شك ، وعانيت منها ، لكنها أكدت لى مفاهيمى ورسخت معتقداته ، فالقسوة شىء ، ومسألة رضاك عن نفسك وإيمانك بما تعتقده شىء آخر ، أى مؤمن بقضية سيكون مستعدا للمعاناة.
 ألم تندم؟
لأ.. ولم أغير أفكارى طوال الوقت ، أنتمى لجيل شكلت مفاهيمه ثورة يوليو ، جيل يؤمن بالقومية العربية والعدالة الاجتماعية ، والاستقلال الوطنى وغيرها من مبادئ الثورة.
 ولكن الثورة حرمتك من أملاك الأسرة ؟
ومنحتنى ما هو أكبر ، أن أشعر بالانتماء للقضية ، أن أكون مؤمنا بالوحدة العربية وأراها أمامى وأعمل من أجلها ، ولن أنسى إجابة نجيب محفوظ حين سألته عن الوحدة العربية؟
 ماذ قال لك؟
قال لى عن أى وحدة تتحدث؟ ، إن كنت تتحدث عن الوحدة السياسية فدونها الأهوال ، وإن كنت تتحدث عن الوحدة الاقتصادية فتتطلب إعدادا كبيرا كما فعل الاتحاد الأوروبي ، أما إن كنت تتحدث عن الوحدة الثقافية فهى قائمة بالفعل ، فالهوية العربية واحدة والوجدان واحد. الكتاب الذى ينشر فى مصر يقرأ فى العراق والمغرب والسودان ، وفيروز فى لبنان يسمعها من فى الجزائر والأردن ، ومصر ، وما زلت أؤمن أن حل كل المشاكل التى يعانى منها الوطن العربى الآن من فوضى وانقسام وتجزئة واقتتال يكمن فى القومية وفى الوحدة العربية.
 هل ترى أن مصر الآن قادرة على تحقيق الوحدة العربية؟
نعم.. بدليل ما حدث أخيرا فى غزة ، دول الوطن العربى كلها موجودة لكن الدولة الوحيدة المؤثرة كانت مصر سواء على مستوى التعمير وإعادة البناء ، أو على المستوى السياسى والقدرة على مخاطبة الفرقاء الفلسطينيين ، والاجتماع فى القاهرة وهذا دور لا تستطيع دولة عربية أخرى أن تقوم به ، ومصر هى الدولة المؤهلة بقدرات أبنائها لصياغة مفهوم عصرى للقومية العربية قادر على التعامل مع الوضع الحالى بطريقة فعالة
 كيف يقرأ محمد سلماوى المشهد الآن فى مصر؟
مصر الآن فى مرحلة بناء سريعة ومتلاحقة ، وكأن القيادة السياسية الحالية تريد أن تعوض كل السنوات الماضية التى لم يحدث فيها تقدم أو إعادة بناء ، تريد أن تعوضها وبسرعة ، حتى تلحق بالزمن وبالعالم الذى يتقدم من حولنا ، ونلهث خلفه ، وما يعانى منع البعض الآن هو نتيجة تلك السرعة ، ولكنها ستكون سببا فى أن يتمتع الأبناء بهذه الجهود وليس الأحفاد ، إنها مرحلة صعبة ، لكنها تملأ المواطن بالأمل ، وتؤكد له إننا على الطريق الصحيح ، كل يوم يتم فيه تحقيق إنجازات ، مصر استعادت دورها العربي ، والإقليمي ، واستعادت احترامها الدولى ، وسط بحر متلاطم من الفوضى على حدودنا الـ4 ، أصبح هناك اهتمام بقضايا المواطن الصحية والاقتصادية والاجتماعية ، اهتمام غير مسبوق بالتعليم وما يجرى فيه.
من المسرح إلى الرواية
 بدأت بكتابة المسرح ثم اتجهت إلى الرواية بجانب الكتابة الصحفية.. لماذا؟
بدأت بالمسرح ، لأنه كان عشقى الأول ، وسبب اتجاهى للرواية جاء بعد أن تعثر المسرح بشكل كبير ، فلم يعد موجودا مثلما كان فى الستينيات مثلا ، فما الفائدة أن تكتب نصوصا مسرحية يتم ركنها على رفوف المكتبة ، فنحن الآن نعيش عصر الرواية سواء فى مصر أو فى الخارج ، ورغم انتعاش المسرح هناك ، فإن الرواية تأتى فى المقام الأول ، ولكن تظل كل هذه وسائل تعبير فنى مختلفة متاحة أمام الأديب الذى يعبر من خلالها عن وجهة نظره فى الحياة ، وهو ليس دائما حر فى الاختيار.
 هل تقصد فى اختيار القالب؟
نعم.. فالفكرة عادة ما تأتى بقالبها ، لأنه جزء من الموضوع ، وإذا غيرت فى القالب تغير المعنى ، والإنسان فى مراحل مختلفة من حياته يجد نفسه منساقا لقالب معين ، وبعض الكتاب ينساقون لوسائل تعبير غير تخصصهم مثل الرسم أو الموسيقى ولدى لوحات تشكيلية بعض الأسماء المعروفة من خارج المجال التشكيلى مثل الروائى إدوار الخراط ، وكامل زهيري ، وصلاح جاهين ، وأحمد مظهر ، ومعالى زايد ، والمخرج محمد أبو سيف ، والشاعر الفرنسى جان كوكتو.
 من الأشهر.. سلماوى المسرحى أم الروائي؟
إنجازى فى المسرح أكبر ، لكن انتشارى فى الرواية والقصة القصيرة أوسع لأن الرواية يعاد طبعها ، أما المسرحية فمحدودة بفترة عرضها ، والقارئ إذا أراد أن يطلع على سلماوى المسرحى فلابد أن تكون أعماله معروضة على الخشبة.
هل أثرت الصحافة على كتاباتك الأدبية بالسلب أم الإيجاب؟
الكتابة الصحفية تتناقض تماما مع نظيرتها الأدبية ، فهى مباشرة ، وآنية ، ومهمومة بالحدث الحال ، بينما الأدب بطبيعته تأملي ، ينظر إلى الماضى والمستقبل والحاضر معا ، فإذا شبهنا ذلك بغابة من الأشجار ، فإن الصحفى ينظر إلى الشجرة التى أمامه ولا تعنيه تلك التى خلفه ولا يراها أحد.. أما الأديب فيرى الغابة فى مجملها ، وقد ساهمت الصحافة فى أن تضع يدى على نبض الجماهير ، وبالتالى جعلت الأدب الذى أكتبه نابعا من الواقع وقضاياه ، ليجد فيه المتلقى ما يعبر عن همومه ، لأن خطرا من الأخطار التى تحدق بالكاتب هو أن ينعزل فى برجه العاجي ، أما الأدب فقد ساهم فى ترقية أسلوبى الصحفي.
 توليت منصب رئاسة التحرير.. فهل كنت محمود المليجى المنفعل فى فيلم «يوم من عمري»؟
لم أشاهد الفيلم الذى تتحدث عنه ، ولكن من خلال عملى فى الأهرام شاركت فى تأسيس «الأهرام ويكيلي» ، و»الأهرام إبدو» مع أسرة التحرير ، وفى الحالتين أفرزت التجربة نماذج وقدرات ومواهب صحفية موجودة الآن فى عدد كبير من الصحف القائمة على الساحة ، وخلال هذه الرحلة قد تنفعل فى بعض الأحيان وقد تكون هادئا فى أحيان أخرى.
أنت محظوظ لأنك اقتربت من عمالقة فى الأدب والفكر مثل نجيب محفوظ ، وتوفيق الحكيم ، ويوسف إدريس ولويس عوض وصلاح طاهر وزكى نجيب محمود وحسين فوزى وغيرهم.. حيث كانت مكاتبهم جميعا فى الدور السادس بجريدة الأهرام العريقة.. بما تفسر اجتماع كل هؤلاء فى مؤسسة واحدة فى وقت واحد؟
بعض الناس تجمع طوابع البريد والبعض الآخر يجمع الأنتيكات.. أما الأستاذ محمد حسنين هيكل فكان لديه هواية جمع عقول مصر حوله ، لقد ظل يطارد نجيب محفوظ لسنوات حتى أتى به فى النهاية ؟
 وكيف استفاد هيكل من محفوظ قبل الالتحاق بالأهرام؟
تعاقد معه على نشر أعماله لصالح المؤسسة حتى ينتقل إليها ، وحين انتقل إليها وجد مكتبه جاهزا لاستقباله ، وتشاء الظروف أن أترك الأهرام أثناء حكم الإخوان ، وبعد سقوطهم فوجئت برئيس تحرير الجريدة الزميل محمد عبد الهادى علام ، يطلب منى العودة ، وهو يقول لي: مكتبك موجود فى الدور السادس ، ويدخلنى مكتب نجيب محفوظ نفسه ، ولا تتخيل الحالة النفسية والوجدانية التى كنت فيها ، وأنا فى مكتب الأستاذ الذى ظل فيه سنوات طويلة قبل أن ينتقل إلى غرفة توفيق الحكيم بعد حصوله على نوبل ، ومن وقتها ومكتب محفوظ هو مكتبي.
ما الفرق بين أبطال الدور السادس؟
كل منهم عالم قائم بذاته ، بتوجهاته وأسلوبه الأدبي ، وأفكاره ، وشخصيته ، وطريقة تعامله ، عالم من الثراء يجعلك لو تعرفت على واحد فقط منهم فى حياتك فسوف تكون محظوظا.
هل كان بينهم صراعات؟
بل خلافات فكرية عميقة فى بعض الأحيان ، لكنها لم تصل أبدا إلى مرحلة الصراعات ، فكر توفيق الحكيم يختلف تماما عن فكر لطفى الخولي ، ويوسف إدريس يختلف تماما عن فكر بنت الشاطئ.
وهل كانوا يجتمعون فى مكان واحد؟
المكان المفضل لهم كان غرفة توفيق الحكيم ، لأنه الأكبر ، ولأنه شيخهم ، وكنت أحضر بعض هذه الجلسات والتى للأسف لم يتم تدوينها.
 ومن كان يحاسب على المشاريب؟
يقال إن توفيق الحكيم كان يدعوهم فى مكتبه حتى يدفعوا الحساب..وحين يأتى عامل البوفيه ينظر الحكيم الناحية الأخرى فيقوم أحدهم بالمهمة.
هذه قصتى مع نجيب محفوظ
 كيف جاءت بداية قصتك مع نجيب محفوظ؟
تعرفت عليه فى مكتب توفيق الحكيم ، فقد كنت أعمل فى القسم الخارجى بالدور الرابع ، وأنجح دائما فى التزويغ ، والصعود إلى الأستاذ الحكيم فى السادس لأجلس معه ، لأن غرفته كانت عبارة عن منتدى مفتوح ، وكنت مشروع أديب شاب ، وتوطدت العلاقة بينى وبين نجيب محفوظ حتى وثق بى وأرسلنى إلى استوكهولم لأمثله فى مناسبة تسليم نوبل.
 ولماذا اختارك أنت؟
زميلنا محمد الشاذلى فى المصور أجرى حوارا مع نجيب محفوظ وسأله عن سبب اختياري ، وذكر الأستاذ ثلاثة أسباب قال: أردت ان أمد يدى بالجائزة لجيل الشباب ، فلم أختر أحدا من جيلي ، ومن ناحية أخرى أردت أن أقول للعالم أن مصر ليست نجيب محفوظ فقط ، وهناك أجيال تكتب خلفه فانتقيت مثالا مشرفا ، والسبب الثالث هو الأشياء التى تتعلق بقدراتى الشخصية والتى لن أخوض فيها.
نجيب محفوظ
 كنت الأقرب إلى الأستاذ نجيب محفوظ وأجريت معه حوارات مطولة ، هل هناك شىء لم يذكر بعد؟
لمدة 12 عاما ، عقب تعرضه للحادثة الشهيرة ، كنت أجلس معه ساعة أسبوعيا نتحدث فى موضوعات مختلفة ، ثم أختار موضوعا يصلح للنشر قد لا تزيد مدته عن ربع ساعة من مجمل الحديث ، وأعرضه عليه ، وقد يقوم بالتعديل عليه وأنشره يوم الخميس ، ولكن تظل لدى هذه التسجيلات كاملة ، ما يعنى أن ساعة إلا ربع من كل شريط لم تنشر ، ولكن بعض هذه الموضوعات غير قابلة للنشر كان يتحدث فيها على سجيته ، لكن هناك أيضا الكثير القابل للنشر.
ولماذا لم ترجع إلى تدوينه ونشره؟
كلما كنت أحاول الرجوع إلى هذه الشرائط بهدف تفريغها ، واختيار ما يكون صالحا للنشر وأسمع صوته ، لا أستطيع أن أستكمل المهمة ، ومنذ خمس سنوات لم أمس شريطا منهم.
 وهل تستطيع الآن القيام بها؟
ربما أنا الآن أكثر قدرة على نشر تلك الأحاديث والآراء.. لا أعرف.
 وهل من الممكن أن يضمهم كتاب جديد؟
ربنا يقدرنى قبل ما أتوفى أن أستخرج هذه الأشياء ، ولكن إلى الآن لم أفتح هذا الصندوق الأبيض الذى يحوى كلمات وآراء نجيب محفوظ بصوته.
يتدخل زميلى المصور عصام مناع حين يشاهد التأثر باديا فى عينى سلماوى ويسأله عن ذلك فيقول له: إن نجيب محفوظ شخصية مؤثرة وكان على درجة غير عادية من الانسانية ، فكيف لا أتأثر لاسترجاع سيرته؟!.
وأغير مجرى الحديث وأنا أسأل الأستاذ سلماوي.. ما هى هواياتك بجانب القراءة؟
الموسيقى.. كنت أعزف بيانو فى الصغر ، وأهوى جمع التحف والأنيكات لأنها تحمل عبق التاريخ وكل قطعة فنية تقتنيها من بلد ما هى كبسولة تحتوى على خصائص الحضارة التى أنتجتها.
لا يستغرق سلماوى وقتا فى الإجابة على الأسئلة الكبيرة ، لكنه يفكر كثيرا قبل أن يرد على الأسئلة الصغيرة ، ما جعله يرجع إلى الخلف ، ويأخذ نفسا عميقا قبل أن يخبرنى عن لونه المفضل ويقول إنه الأزرق.. لون البحر والسماء ، لأن فى كل منهما الامتداد اللا نهائي.
الوقت المفضل الذى تكتب فيه؟
فى كل وقت ، وقد أستيقظ من نومى فى منتصف الليل لأنى وجدت الجملة التى أبحث عنها ، فأقوم لأجلس على المكتب.
وهل هناك طقوس معينة؟
لا أؤمن بمسألة الطقوس ، مثل احتساء القهوة أوشرب السجائر ، كل ما أتطلبه وجود الهدوء ، حيث لا دوشة على الإطلاق بما فى ذلك المزيكا ، ولا أستطيع الكتابة والمكتب فى حالة فوضى لابد أن يكون مرتبا ، والغرفة منظمة بالكامل.
هل تكتب على الورق أم الكيبورد؟
فى مرحلة ما كنت أكتب مقالاتى على الكمبيوتر والأدب على الورق ، ولكنى الآن أكتب كل شىء عل الكيبورد.
من خليفة سلماوى فى الكتابة؟
الأدباء والفنانون ليس لهم خلفاء ، وإذا ادعى البعض أنهم خلفاء فهم ليسوا راشدين ، فكل أديب عالم قائم بذاته ، له خصوصيته التى لا يمكن تقليدها ، وإذا قلده أحد فهو لا قيمة له لأن لدينا الأصل.