رجل غامض أخفى الحاكم الهارب فى بيته.. وسعى لتنصيب شقيقه

السلطان المعزول يعود للحُكم ويكافىء المُتآمر عليه!

  ابن غراب كاد يُخرّب مصر المملوكية
ابن غراب كاد يُخرّب مصر المملوكية

هرب السلطان المذعور فرج بن برقوق من القلعة، وقضى اليوم مُتخفّيا مع أحد أتباعه، وعندما أقبل الليل اتجه إلى بيت كبير معاونيه سعد الدين بن غراب، لكن الأخير كان بالخارج، يحضر تنصيب سلطان طفل، ويبدأ مع شركائه توزيع الكعكة، بوصفه من أقنع فرج بالفرار وأسهم فى نجاح المؤامرة.

مضتْ أسابيع اختفى خلالها السلطان المعزول فى مكان مجهول، وأصبح ابن غراب حاكماً بأمره، بعد أن هيمن على عدة مناصب مُهمة، وظل الحاكم الطفل عبد العزيز مجرد واجهة، يتخفّى وراءها الطامعون فى المنصب.. وفى أجواء كهذه تشتد الصراعات، وبالفعل اشتد النزاع بين ابن غراب وقائد الجيش الأمير بيبرس، أخذت التكتلات تتشكّل، ويبدو أن ابن غراب استشعر الخطر، بعد أن تراجعت قوته مقارنة بالمُعسكر المُنافس، خاصة أنه لم يكن واحدا من طائفة المماليك. هنا تفجّرت مفاجأة من العيار الثقيل.

اتجه ابن غراب إلى منزل أحد كبار الأمراء المتنازعين، وبدأ الأمير يشبك يشكو من ممارسات قائد الجيش، وباح بكل همومه فطمأنه ابن غراب، واعترف له بأن السلطان الهارب يختبىء فى بيته. شعر يشبك بسعادة غامرة وقام بتقبيل رأسه، ودبّر الاثنان مؤامرة جديدة، تُعيد السلطان فرج إلى الحكم. وهو ما تحقق بعد أيام، ورجع إلى القلعة وتم استدعاء الخليفة وفقهاء المذاهب الأربعة، فقاموا كالعادة بتنفيذ الأوامر، وخلعوا السلطان الطفل وأعادوا شقيقه فرج إلى الحكم!


لعب الرجل الغامض على الحبْلين، ونجح فى إقناع الطرفين بأنه شريك قوى يُعتمد عليه. أخفى سلطانا فى منزله وساعد فى تنصيب آخر، وغالبا أقنع المخلوع أنه يحصد المناصب كى يساعده فى العودة للحُكم، بدليل أن الحاكم العائد للسلطنة كافأه رغم أنه يُعد واحدا من أهم المتآمرين ضده! ليحصد ابن غراب الكثير من المناصب مرة أخرى، وجعلته مناصبه الجديدة يلبس ملابس الأمراء ويتقلد السيف، وذكر المؤرخ ابن إياس أنه تخلّى عن زى الكُتّاب وخلع العمامة، لكن القدر وقف عائقا أمام طموحاته اللا نهائية، فسرعان ما مرض بعد أيام، وتوُفى قبل أن يُكمل الثلاثين من عمره.. عاصر المؤرخ المقريزى ابن غراب، ورصد فى كتاباته رحلة صعوده الغريبة والسريعة. وحكى عن مشاركته فى كثير من مؤامرات المماليك مع أنه لم يكن منهم، وتحدث بوضوح أكبر عن مؤامرته ضد الناصر فرج بن برقوق، فبمجرد أن قام بتعيينه فى منصب كبير بدأ فى التحريض على السلطان حتى ثارت الدولة كلها عليه، وقام بتنصيب شقيقه، وبعد سبعين يوما أعاد الناصر، وكان ابن غراب يشعر بقوته ويتفاخر بأنه:» أقام دولة وأزال دولة، ثم أزال ما أقام وأقام ما أزال»!! ويبدو المقريزى مُندهشا من ذلك، لأنه يرى أن كل ما فعله الرجل كان بلا ضرورة تدعوه لذلك.


مات ابن غراب فى رمضان، وغالبا اعتبر أعداؤه ذلك من بركات الشهر الكريم، فقد امتد أذاه للكثيرين، واتهمه المقريزى بتخريب مصر، حيث غلت الأسعار وساءت أحوال الناس وكادت ممارساته تخرب البلاد، ويذكر أنه كان غدّارا لكنه متدين ومُتعفف وكثير الصدقات!! إنه التناقض الذى امتد إلى جنازته نفسها، لأنها شهدت حشدا غير مسبوق رغم عداواته الكثيرة. حتى اعتبرها المقريزى أحد الأمور العجيبة التى مرتْ بمصر:» لكثرة من شهدها من الأمراء والأعيان وسائر أرباب الوظائف»، لدرجة أن الناس استأجروا أسقف المنازل والمحلات فى مسارها كى يتابعوها، ونزل السلطان فرج بن برقوق للصلاة عليه!