يوميات الأخبار

.. بل عيدٌ للشهداء والأبطال

د. خالد القاضى
د. خالد القاضى

مصر فى حاجة ملحة وماسة لثورة فكرية وطنية تواجه بها الشائعات وتزييف الوعى والتشكيك فى الثوابت.
 احتفل المصريون فى إبريل/ مايو بأعياد متتالية ومتتابعة ومتزامنة؛ ومنها الأعياد السنوية الاعتيادية كعيد عودة سيناء وعيد العمال وعيد القيامة المجيد وعيد الفطر المبارك، وعيد شم النسيم، وجميعها أعياد تاريخية ودينية ومصرية معتبرة ومقدرة تمامًا ولا شك.

ولكن، أعتقد أنه من الأهمية بمكان - كذلك - التذكير ومدارسة أعياد مصر فى تلك الآونة الدقيقة من بطولات الشخصيات الوطنية الخالدة من الشهداء والأبطال، وذلك تكريسًا لفكرة الولاء والانتماء لهذا الوطن الغالى مصرنا الحبيبة.. والذين كان بعضًا منهم، موضوعًا لعدد من مسلسلات رمضان هذا العام..

فالعيد الحقيقى هو عيد هؤلاء الشهداء والأبطال الذين ضحوا بدمائهم الذكية الطاهرة فداء لوطنهم ؛ ومن ثم يأتى الجزء الثانى - مثلا - من مسلسل الاختيار ليكمل صفحات مشرفة ومشرقة لهؤلاء، وهو يحكى عن بطولات شهداء الشرطة البواسل، بعد الجزء الأول العام الماضى الذى كان حول شهداء القوات المسلحة العظماء.. ومن ملفات المخابرات المصرية يأتى مسلسل "هجمة مرتدة".. ويتناول أحداث مسلسل "القاهرة - كابول" ثلاث قصص مثيرة، حول المؤامرات التى تُحاك ضد المنطقة العربية، وخاصة مصر فى الفترة الأخيرة، مسلطًا الضوء على الأعمال الإرهابية التى تقع فى هذه المنطقة.

ويكفى مثالا على هذا.. المحاضرة الفكرية العبقرية للصديق العزيز - الشهيد العقيد/ محمد مبروك - رحمه الله - لزملائه الضباط، والتى تضمنتها إحدى حلقات مسلسل الاختيار 2، عن كتابات سيد قطب، وعن أفكاره التى تعتبر مرجعًا لكل الجماعات التكفيرية، فهو بحسب اعتقاده (أى سيد قطب) يُكّفِّر كل من يخالفه، ولن تصبح مسلمًا إلا بإيمانك بمعتقده التكفيري.

ولكن، وبكل أسف، نجد كتائب تكفيرية منتشرة فى مجتمعاتنا وبين أبنائنا، مهمتها الأساسية نشر الشائعات وتزييف الوعى والتشكيك فى الثوابت، لهؤلاء الأبطال وتلك الملاحم الوطنية، وهو ما أدعو إلى تكثيف برامج تجديد (الفكر) الدينى والوطنى وليس فقط (الخطاب).

ومن ثم أقترح إعداد مدونات مبسطة (مرئية ومقروءة) تنشر على المنصات الإلكترونية، لموجز هذه الأعمال الدرامية الوطنية الخالدة، تتدارسها الأجيال الجديدة، لمواجهة الأفكار الهدامة، وتصويب المغلوط منها، ووضعها فى سياقاتها الوطنية الحقيقية، تخليدًا لذكرى الشهداء الأبطال فى مختلف المجالات، وعلى كافة الجبهات القتالية والفكرية كذلك، ولا يكفى فى هذا الصدد وضع أكاليل الزهور على قبورهم فقط، بل لا بد من تضمين بطولاتهم المناهج الدراسية فى مختلف المراحل التعليمية، وتكثيف المنتج الثقافى ليشمل محطات مضيئة من حياتهم، والاحتفال بها سنويًا، وذلك على غرار "يوم الشهيد" مثلا، والذى تحتفل به مصر فى التاسع من مارس كل عام، والذى يوافق ذكرى استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض عام 1969 وهو وسط جنوده البواسل على جبهة قناة السويس أثناء حرب الاستنزاف.

فمصر فى حاجة ملحة وماسة لثورة فكرية وطنية تواجه بها الشائعات وتزييف الوعى والتشكيك فى الثوابت.

فضيلة الإمام الأكبر: احترامى وتقديرى

تشرفتُ بمعرفة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر الشريف، منذ قرابة عشرين عامًا، حين صدر فى 10 مارس 2002 قرار جمهورى بتعيين فضيلته مفتيًا لجمهورية مصر العربية، وكنتُ حينها منتدبًا من القضاء لوزارة العدل بقطاع التشريع وأذكر أننى أرسلتُ لفضيلته فى يوليو 2002 نسخة من مؤلفى "من روائع الأدب القضائى - بأجزائه" والصادر عن هيئة الكتاب، وظننتُ أنه أمر بوضعها فى مكتبة دار الإفتاء أو ما شاكل ذلك من صنوف التصرف فى الكتب مع هؤلاء الكبار.. ومقدرًا ولا شك ارتباطاتهم وجداول أعمالهم المتخمة.
ولكننى فوجئت برسالة شخصية من فضيلته فى يوم 15 ديسمبر 2002 - وهو اليوم السابق لميلادى - أعتبرها (بدون مبالغة) وثيقة مهمة فى العلم والثقافة والأدب؛ ابتدرها بعبارة "تلقيتُ بفرحة غامرة كتابكم.........".. ثم قرر أنه قرأ الكتاب (نعم قرأه يا سادة).. بل وأسترسل قائلا: "استمعتُ كثيرا بهذا اللون من الأدب النادر فى مكتبتنا المصرية وثقافتنا العربية على وجه العموم ".. يا إلهى ما هذا؟؟.. فضيلة مفتى الديار المصرية، ورغم أعبائه المتزاحمة والمتتابعة ليل نهار يقرأ كتابًا لشاب صغير تجاوز الثلاثين من عمره بقليل.. والمدهش فى الأمر ثنائه على هذا الكتاب، فى جمل بديعة ومعانى إنسانية رفيعة، حين قال :" وإنى إذ أُبدى إعجابى بهذا المنحى فى كتب الأدب والثقافة، فإنى أشكر لكم هذا المجهود الكبير.. وأقّدر - كثيرا - صبركم وحسن اختياركم وحرصكم على أن تقدموا للقارئ زادًا أدبيًا رائعاً، وثقافة جادة متميزة طالما انتظرها القراء.. ورنوا إليها بعقولهم وقلوبهم قبل أبصارهم".

فما كان منى سوى الهرولة مسرعًا إلى مكتبه شاكرًا ممتناً.. تتملكنى رهبة لقاء هذا الرمز العلمى والدينى الرفيع.. ثم كان أن انتقل إلى رئاسة جامعة الأزهر فى 28 سبتمبر 2003.. حتى قدّر الله له تولى أرفع منصب دينى فى مصر وبل والعالم الإسلامى بأسره شيخًا للأزهر الشريف فى 19 من مارس سنة 2010م.

واستمرت أفضاله المتعددة، وومضاته الرائعة.. ممتدة عبر تلك السنين الطويلة حتى الآن.. فما من دعوة لمؤتمر أو فعالية مصرية أو عربية إلا وقد استجاب لها.. وأرسل مبعوثه الشخصى ليلقى كلمته البروتوكولية أو الورقة العلمية التخصصية.. فى متابعة دقيقة من فضيلته شخصيًا.. ثم أفاجئ كذلك برسائل شخصية من فضيلته زاخرة بعباراته العبقرية، وممهورة بتوقيعه الكريم.

أتذاكر هذا الرصيد الممتد حتى الآن.. بمناسبة تلك الحملة الممنهجة التى يشنها بعض المغرضين لمحاولة النيل من مكانة الأزهر الشريف فى صناعة الوعى الجمعى الإسلامى بل والعالمى، وشيخه الجليل.

فضيلة الإمام الأكبر..أرجو تقبل احترامى وتقديرى.. فأنتم كنتم ولازلتم وستظلون؛ أستاذًا عالمًا.. فقيهًا مبرزًا.. رائدًا فى أعماله.. صادقًافى أقواله.. شيخًا للأزهر الشريف ورئيسًا لمجلس حكماء المسلمين.. حفظكم الله وأدام عطاؤكم.

عشر معايدات.. وعشر أمنيات

- معايدة لمسيحيى العالم بعيد القيامة المجيد..

وأمنية بترسم خطا المسيح عليه السلام فى الفداء والتسامح.

- معايدة لمسلمى العالم بعيد الفطر المبارك..

وأمنية بأن يترك صيامهم أثره فى سلوكهم.

- معايدة للأسرة المصرية بكل الأعياد الوطنية والتاريخية والدينية..

وأمنية أن نسترد عاداتنا وتقاليدنا المفقودة فى (العيدية).. فما أجملها !!

- معايدة لضباط وجنود الجيش والشرطة الرابضين خلف مدافعهم وثكناتهم، ونحن ننعم بالهدوء والأمن والسكينة..

وأمنية بأن يؤجرهم الله جزاء ما صنعوا.. صحة وسعادة واستمرار العطاء.. اللهم آمين.

- معايدة لأم وأب الشهيد والبطل، الذى ضحى بدمائه الطاهرة لنعيش نحن..

وأمنية أن نزورهم ونخفف عنهم آلامهم.. ونعتبر كلا منا أخا أو ابنا أو ابنة لهؤلاء الأمهات والآباء.

- معايدة للأطقم الطبية فى المستشفيات والمراكز الطبية الذين يواجهون الموت بوباء الكورونا فى كل لحظة..

وأمنية بتكريمهم آناء الليل وأطراف النهار.. فلولاهم لانتشر الوباء اللعين وطغى وتجبر علينا جميعًا.

- معايدة لصُناع مسلسل (جُحا المصرى) الذى عُرِض لأول مرة عام 2002، وهو دراما اجتماعية شعبية تناقش بأسلوب "الفنتازيا" علاقة الإنسان البسيط بالسلطة فى فترة المماليك..

وأمنية أن يسترد قطاع الإنتاج المصرى عافيته ويُنتج لنا أعمالاً هادفة (للبيت المصرى) وليس (للسوق التجاري)!!

- معايدة لمؤسسة بتانة الثقافية التى أصدرت كتابين من أهم ما كُتب فى فنون اللغة العربية والصياغات السليمة؛ وهما الأخطاء اللغوية الشائعة، وعزيزى المحرر..

وأمنية أن نسترد لغتنا العربية الرصينة، فى زمن أصبحت اللغة العربية غريبة فى ديارها!!

- معايدة للروائية الواعدة أسماء علاء الدين وهى عضو اتحاد الكتاب، عن روايتها (الجريئة).. "عاشق البنفسج"..

وأمنية بترشيحها لجائزة دولية كأصغر من يحصل عليها من الأدباء الشبان.

- معايدة لآخر العنقود بنتى الجميلة "هنا خالد القاضى" لاستعدادها لامتحان الشهادة الإعدادية..

وأمنية برفع الوباء والبلاء عن مدارس مصر وجامعاتها لتعود الحياة الدراسية لها من جديد.

ويبقى القانون..

تنص إحدى فقرات ديباجة الدستور المصرى على أن: "وجاهدنا - نحن المصريين - للحاق بركب التقدم، وقدمنا الشهداء والتضحيات، فى العديد من الهبّات والانتفاضات والثورات".
 قاض مصرى