يوميات الأخبار

لقاح للفتاوى المضللة !

أحمد غراب
أحمد غراب

الأكثر وأشد خطورة من هذا وذاك على النشء والشباب هو جرأة البعض على تأويل الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية بغير ما تحتمل معانيها ومضامينها

الحكمة من أفضل نعم الله على بنى آدم، لذلك عز من قائل ( يؤتى الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا، وما يذّكر إلا أولو الألباب).

ليس من الحكمة أن نحكم على الناس بظواهرهم، لأن فى ذلك ظلم شديد، وخلل فى العلاقات الإنسانية لذا أراد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن ينبهنا إلى ألا نحكم على الرجال بظاهر أمرهم ولا على الأمور بظواهرها، فذات يوم مر به رجل بادى الفقر والمسكنة، فسأل النبى - عليه الصلاة والسلام - جلساءه من الصحابة رضوان الله عليهم : ما تقولون فى هذا ؟ فيجيبون: ( هو والله خليق إن خطب ألا يزوج، وإن تكلم ألا يصغى له )، ويصمت الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى يمر رجل آخر عليه مخايل النعمة ومظاهر الثراء فيسألهم : ما تقولون فى هذا ؟. فيجيبون: (هو والله حرى إن خطب أن يزوج، وإن تحدث أن يسمع له )، فيقول لهم الرسول عليه الصلاة والسلام : ( والذى نفسى بيده، إن الأول لخير من ملء الأرض من مثل هذا ).

والمسكنة لا تعنى بأى حال من الأحوال الهوان أو العجز لأن الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يقول فى الأدعية المأثورة عنه : ( اللهم أحينى مسكينا، وأمتنى مسكينا، واحشرنى فى زمرة المساكين) فهو عليه أفضل الصلاة والسلام يعلى من شأن الكادحين البسطاء الذين لا يركنون إلى عصبية أو قبلية، ويمنح الأمل للضعفاء، ويرفع من معنوياتهم لأنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع وركن ركين من أركانه لا غنى عنه، بل لا يقوم المجتمع الإسلامى إلا به، حيث يقول المبعوث رحمة للعالمين  صلى الله عليه وسلم : (إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم).

والأفضل من إضاعة خطبة الجمعة فى الحكم على هذا أو ذاك بظواهر الأمور أتمنى أن يتحلى الدعاة الأجلاء بالحكمة ويوفروا جهدهم ووقتهم ووقتنا لما هو أهم وهو التوعية بضرورة إعانة المنكوبين بفيروس كورونا وغيره من الابتلاءات واغاثتهم بدلا من أن ينبرى بعضهم كى يذكرنا مع كل ابتلاء بغضب الله علينا معتبرين أن هذا الابتلاء أو ذاك ليس إلا انتقاما من الله على حد زعمهم !! وكأنهم لا يدركون أن مجتمعاتنا لا تخلو من شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع، وأن الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين.

قليل من الحكمة يا حماة الخطاب الدينى حتى تصيروا دعاة للتبشير والتيسير لا دعاة للإحباط واليأس والتنفير.

 هل يفعلها الوزير ؟

عندما يقترب الإنسان من خالقه فهناك فيوضات ربانية قد ينعم بها الله سبحانه وتعالى على الانسان فى صورة رؤيا حق.

لان الصلاة هى عماد الدين، حرص المسلمون الأوائل على أدائها فى جماعة، رغم انه فى بداية الدعوة الاسلامية لم يكن يرفع الأذان.

وظل الناس يجتمعون للصلاة فى مواقيتها بغير أذان حتى جاء عبدالله بن زيد رضى الله عنه إلى رسول الله فقال: « طاف بى طائف الليلة : مر بى رجل عليه ثوبان اخضران يحمل ناقوسا فى يده، فقلت له يا عبد الله اتبيع هذا الناقوس ؟ فقال وما تصنع به ؟ قلت ندعو به إلى الصلاة، قال : افلا ادلك على خير من ذلك ؟ قلت : وما هو ؟ قال : تقول : الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، اشهد ان لا اله الا الله، اشهد ان لا اله الا الله، اشهد ان محمد رسول الله، اشهد ان محمد رسول الله، حى على الصلاة، حى على الصلاة، حى على الفلاح، حى على الفلاح، الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله.

فلما سمعها الرسول قال : « انها لرؤيا حق ان شاء الله، فقم مع بلال فألقها عليه، فليوذن بها فإنه أندى منك صوتا « ولما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب وهو فى بيته، فخرج إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يجر رداءه، ويقول : يا نبى الله، والذى بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذى رأى، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : « فلله الحمد على ذلك « لكن الشاهد هنا هو رد فعل النبى حينما قال : « فقم مع بلال فألقها عليه، فليؤذن بها فإنه أندى منك صوتا « وفى حكاية أخرى : مر الرسول بصبيين أحدهما يقلد صوت بلال فى الأذان، فرجع إليه مبتسما وقال: ما اسمك ؟ أجاب : أبو محظورة. قال الحبيب المصطفى - عليه الصلاة والسلام - : أنت من اليوم مؤذن مع بلال. الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أعلم منى بالسيرة النبوية، فهل يراعى ذلك فى اختيار المؤذنين ومقيمى الشعائر والخطباء ؟

فضايح الباطنية !!

ليس بعجيب ما يفعله الداعشيون واتباعهم من جرائم تشيب لهولها الولدان فى بلاد العراق، فالتاريخ ملىء بتجارب مماثلة واحداث اشد اجراما ممن هم على شاكلتهم فى كثير من العصور، فهم يتسترون بالدين وما هم من الدين فى شىء، والتدين عندهم مجرد قناع يخفون وراءه كيدهم لأهل الاسلام.

فى عام 297 هجرية سيطر العبيديون الباطنية على القيروان فى بلاد المغرب العربى، وتولى الخلافة عبيد الله المهدى مؤسس الدولة العبيدية، وهو عراقى الأصل حيث ولد فى الكوفة عام 260 هجرية، وما فعله المهدى يؤكد ان التستر بالدين لتحقيق اطماع سلطوية وتفتيت البلاد العربية والاسلامية ليس ظاهرة حديثة او مستغربة.

بث المهدى دعاته يستغوون العامة والجهلة بأفكارهم الشاذة، وتجرأوا على دخول المساجد بخيولهم، ولما انكر عليهم القيم على احد المساجد ذلك قالوا : انها خيول المهدى، وروثها وابوالها طاهرة، وقبضوا على قيم المسجد، وذهبوا به إلى المهدى فقتله. وافتى احد الفقهاء بفتوى لم تعجبهم فى مسجد آخر فكان مصيره هو مصير القيم، ويعقب القتل نوع من الارهاب النفسى للناس، حيث يدار بالمقتول فى اسواق القيروان، وينادى عليه : هذا جزاء من يخالف عبيدالله المهدى.

الاكثر اجراما وسفكا للدماء ان اثنين من دعاة المهدى عام 317 هجرية شهدوا ان مؤذنا لم يقل فى اذانه : « حى على خير العمل «، فكان جزاؤه ان قطعوا لسانه، ووضعوه بين عينيه، وطافوا به فى القيروان، ثم قتل.

وهناك الكثير والكثير مما هو افظع، لا يهمنا تفاصيله بقدر ما يهمنا الانتباه الفكرى للتطرف والارهاب الذى يتستر بالأديان السماوية جميعها، وهذا الانتباه هو الذى دفع عالما كبيرا مثل أبى حامد الغزالى يقدم على عملية، أرى انها استشهادية فى عصره، بتأليفه كتابا عام 487 هجرية بعنوان «فضايح الباطنية» خاصة ان الخلافة العبيدية الباطنية قد اغتالت كثيرا من العلماء والفقهاء والسياسيين المعارضين مثل الوزير نظام الملك. وانتهى الغزالى إلى ان العبيديين الباطنية يتسترون بالتشيع وما هم من الشيعة فى شىء، فهو قناع يخفون وراءه كيدهم لأهل الاسلام.

بغض النظر عن موضوعية المؤرخين، اتمنى ان يتصدى كثيرون من علماء وفقهاء عصرنا للتطرف والارهاب بموضوعية وجرأة لاتخشى فى الله لومة لائم كما فعل الغزالى.

ابتغاء الفتنة !!

قد يغرينى ويغرى كثيرين مثلى بمختلف وسائل الاعلام الاستشهاد بحديث نبوى شريف فى قضية من قضايانا السياسية والاقتصادية لمجرد ان هذا الحديث ورد فى كتاب شهير لمؤلف اشهر، بغض النظر عن ان هذا الكتاب او ذاك ليس من كتب الحديث النبوى الشريف التى تهتم بتخريج الحديث، وتبين مدى صحته،وتميز بين الحديث الحسن والضعيف، والاستشهاد فى هذه الحالة يوقعنا فى المحظور، وهو الاستدلال بحديث ضعيف وعدم الانتباه للضوابط التى وضعها علماء مصطلح الحديث وعلماء اصول الفقه للاستشهاد بالحديث الضعيف الذى لا يؤخذ به الا فى فضائل الأعمال.

الأخطر أثرا فى هذا الاستدلال والاستشهاد العشوائى انه قد يمتد إلى الأحاديث الموضوعة التى تجرأ واضعوها وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عصور الفتن انتصارا للتحزب والتوجهات السياسية والعصبيات القبلية، وحسن النية فى الاستشهاد فى هذه الحالة لا يعفى من المسئولية الشرعية والمجتمعية، لأن مثل هذه الأحاديث تحدث بلبلة وتخلط المفاهيم وتشيع الفرقة والانشقاق وتنشر الفتن فى مجتمعاتنا التى لم تعد تتحمل مزيدا من مظاهر الجهل والتعصب والجنوح للفتاوى المضللة.

الأكثر وأشد خطورة من هذا وذاك على النشء والشباب هو جرأة البعض على تأويل الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية بغير ما تحتمل معانيها ومضامينها ، وانتزاع الآيات والأحاديث من سياقها، ليفتوا بغير علم انتصارا لمعاركهم الكلامية على السوشيال ميديا وابتغاء الفتنة وابتغاء تأويل الوحى المنزل من عند الله سبحانه وتعالى، والعبث بكلام المعصوم صلى الله عليه وسلم، وهو الذى لاينطق عن الهوى كما وصفه المولى عز وجل : « وما ينطق عن الهوى، ان هو الا وحى يوحى، علمه شديد القوى «

فى ظل انظمة تعليمية ضعيفة صار أبناؤنا فى حاجة ماسة للتحصين بالثقافة الاسلامية أكثر من أى وقت مضى كى لا يصبحوا ضحايا المفاهيم المشوشة والأفكار المغلوطة والفتاوى المضللة التى يتم تداولها على مختلف وسائل الاتصال ليل نهار. الحمد لله وجدنا لقاحا لكورونا ليس لدينا متسع من الوقت للبحث عن لقاح للفتاوى المضللة.