كتب :مصطفى محرم
لم يكن مصطفى محرم مجرد سيناريست، فقد كان، كما ذكرت، يتميز بثقافته الأدبية ودرايته الكبيرة باللغة الانجليزية التى أهلته لترجمة عدد من كتب السينما
ان مصطفى محرم أول سينمائى ألتقى به فى حياتى فى طفولتى وصباى بحى السيدة زينب، كنت أراه أحيانا على سور الكتب الذى كان يتوسط الميدان، فى محل موقف السيارات القائم الآن هناك. كان يأتى للمرور على السور لشراء بعض الكتب، وقضاء بعض الوقت فى الحديث مع أصدقاءه من باعة وزبائن، حين تعرفت عليه لأول مرة، وأنا فى الصف الثالث الاعدادى أو الأول الثانوي، على ما أذكر. كان مصطفى محرم انجماب من أبناء الحى العريق، مثل نور الشريف الذى كان يأتى أحيانا لزيارة أهله، وكنا نتباهى باسميهما كما نتباهى بنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويحيى حقى ويوسف السباعى وسيد مكاوى وغيرهم من أهل الفن والثقافة الذين ولدوا وعاشوا فى الشوارع والحوارى التى ولدنا ونعيش فيها.
عصام زكريا
فى أحد أجزاء كتابه اأنا والسينما، وفى كتابه ايوسف شاهين أفلام السيرة الذاتية، يروى مصطفى محرم أنه كان يسكن فى بيت يطل على سينما االهلالب الصيفي، وكان يشاهد الأفلام من الشرفة. أعرف هذه التجربة جيدا، فقد كان لى صديق يسكن فى أحد البيوت المطلة على سينما االهلالب وكنت أشاهد الأفلام معه من الشرفة أيضا.
كانت السيدة زينب جنة لعشاق السينما آنذاك، تضم بين شوارعها أكثر من عشر دور عرض، ولو خرجت من السيدة شمالا نحو العباسية فسوف تمر بعدد آخر من دور عرض الدرجة الثانية والثالثة، ولو اتجهت جنوبا نحو حى المنيل فسوف تجد عددا آخر منها، ولو اتجهت غربا إلى باب اللوق ووسط البلد فسوف تلتقى بعدد كبيرجدا من دور عرض الدرجة الثانية والأولى. أستطيع أن أحصى أكثر من خمس وعشرين دار عرض كان يمكننى أن أذهب إليها سيرا على الأقدام فى طفولتى وصباى، قبل أن تنهار معظم هذه الدور وتبدأ فى الانقراض مع حلول الثمانينيات. الآن لم يعد فى حى السيدة زينب ومحيطه دار عرض سينمائى واحدة!
فى هذا المناخ المفعم بالأفلام والكتب والمجلات عاش الصبى مصطفى محرم، فكان من الطبيعى أن يعشق السينما والأدب، ويتوج ذلك بدراسة الأدب الانجليزى فى كلية الآداب، فتصبح السينما والدراما والكتابة مهنته وحياته.
على مدار حياته المديدة (6يونيو 1939- 22 إبريل٢٠٢١( كتب محرم سيناريوهات ما يربو عن مئة فيلم ومسلسل تليفزيونى وإذاعى، كان أولها 1966 وآخرها 2016، يعنى نصف قرن تقريبا. بعض هذه الأعمال من كلاسيكيات السينما والتليفزيون، منها اأغنية على الممرب، اليل وقضبانب، االباطنيةب، اأهل القمةب، االمجهولب، احتى لا يطير الدخانب، االجوعب، االحب فوق هضبة الهرمب، ايا عزيزى كلنا لصوصب، وغيرها. ويجدر هنا التوقف عند عدد من الملاحظات:
معظم هذه الأعمال، إن لم يكن كلها، مقتبس عن نصوص أدبية لكبار الأدباء، وهو أفضل من نقل أعمال نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وإسماعيل ولى الدين إلى السينما، على كثرة ما نقل من أعمال الثلاثة إلى السينما.
بالرغم من أن مصطفى محرم كتب عددا كبيرا من السيناريوهات مباشرة للسينما، لكن موهبته الحقيقية تتجلى فى الأعمال المأخوذة عن نص أدبي، ولعل ذلك يعود إلى ولعه بالأدب والقراءة والترجمة، وفى مقابل حوالى عشرين عملا كتبهم مباشرة للسينما هناك ما يقرب من خمسين عملا مقتبسا عن قصص آخرين.
فى مقابل الأعمال الجيدة العديدة التى كتبها مصطفى محرم هناك أيضا عدد كبير من الأعمال المتوسطة والضعيفة، وهو أمر غريب خاصة حين نتأمل ثقافته الواسعة وعقليته النقدية الحادة تجاه أعمال الآخرين. ربما لا يوجد ما يبرر هذا التناقض سوى إصرار محرم على العمل المستمر حتى فى مقابل الانصياع لرغبات السوق والجمهور. ولكن هذه الأعمال أساءت إلى اسمه، وربما تكون ساهمت فى اعتباره كاتبا اتجارياب، لا يرقى لمصاف وحيد حامد أو أسامة أنور عكاشة أو محسن زايد، مثلا.
لقد تعامل مصطفى محرم مع كتابة السيناريو كحرفة اأكل عيشب لها أصولها وقواعدها، وفى هذا المضمار ربما لا يضاهيه أحد، سوى عبد الحى أديب، وكلاهما كتب أعمالا رائعة وأخرى متواضعة. وكلاهما أيضا لم ينتم لفكر سياسى، أو قضية اجتماعية بعينها، مقارنة برأفت الميهى أو وحيد حامد مثلا، ولم يكن لديه اتجاه أو أسلوب فنى مختلف، مقارنة بماهر عواد مثلا، ولم يتجاوز طموحهما سقف صناعة السينما المصرية، بالرغم من براعتهما الكبيرة فى رسم الحبكة والشخصيات والمشاهد السينمائية.
إذا أمكن أن نتحدث عن نظرية أو نظرة مصطفى محرم للفن، من خلال أعماله والترجمات التى قام بها والكتب التى أشار لها فى كتاباته، يمكن القول أنه ينتمى للمدرسة الكلاسيكية فى الدراما، التى تحترم البناء الدرامى والحبكة الخطية المباشرة والشخصيات الواضحة القوية المتصارعة فيما بينها. هذه المدرسة التى انقلبت رأسا على عقب منذ خمسينيات القرن الماضى والثورات الفنية المتوالية التى حدثت فى فن السينما. وإذا تناولنا مضمون هذه الأعمال يمكن القول إنها تحمل نظرة تقليدية محافظة، تتجلى فى نظرته للرجل والمرأة كما نجد فى مسلسل اعائلة الحاج متولىب مثلا.
لم يكتف مصطفى محرم بالكتابة، ولكنه جرب الإخراج أيضا، وربما لا يعلم الكثيرون أنه قام بإخراج حوالى عشرين فيلما وثائقيا وروائيا قصيرا، من بينها أفلام عن امولدب السيدة زينب، وحديقة الحيوان والسيرك، وفيلمان عن محمود تيمور ونجيب محفوظ.
وفى مجال الكتابة لم يكن مصطفى محرم مجرد سيناريست، فقد كان، كما ذكرت، يتميز بثقافته الأدبية ودرايته الكبيرة باللغة الانجليزية التى أهلته لترجمة عدد من كتب السينما الهامة مثل االأسس العلمية لكتابة السيناريوب تأليف لويس هرمان واتشريح الفيلمب تأليف برنارد ف.ديك، و امدخل إلى النقد السينمائىب الذى يضم مجموعة منتقاة من الدراسات والآراء حول النقد.
مصطفى محرم هو أيضا كاتب السيناريو الوحيد الذى كتب ما يزيد عن عشرين كتابا بين تأليف وترجمة منهاا حياتى فى السينماب فى ستة أجزاء احياتى فى التليفزيونب، اعندما شاهدت الأفلامب، االواقعية فى الفلسفة والأدب والفنب، االفكر السينمائى نحو نظرية سينمائيةا ،االسيناريو والحوار فى السينما المصريةب، االسينما والفنونب، وفى مجال الترجمة الأسس العلمية لكتابة السيناريو تأليف لويس هرمان، و اتشريح الفيلم تأليف برنارد ف.ديك، وغيرها، بجانب مجموعة قصصية بعنوان بلا عنوان واسينرواية( أى رواية مكتوبة كسيناريو للقراءة) عنوانها احتى النفس الأخيرب، ومن كتبه فى النقد التطبيقى ايوسف شاهين أفلام السيرة الذاتيةب، وهناك أيضا كتابه عن أحمد زكى الذى أثار جدلا كبيرا عندما بدأ بنشره كمقالات فى صحيفة االقاهرة.
بعيدا عن السيناريوهات والترجمة كانت كتابات مصطفى محرم، خاصة مقالاته وكتبه التى تروى بعضا من سيرته وذكرياته مع صناع الأفلام، تثير جدلا كبيرا بسبب صراحتها الشديدة الجارحة أحيانا، و اغرورب كاتبها الذى لا يكف عن الحديث عن نفسه وتمجيدها.
فى الحقيقة كان مصطفى محرم إنسانا بسيطا وطيبا، فطر على الصدق وعلى قول كل ما يفكر فيه حتى لو تسبب له فى المشاكل، وحتى اللحظات الأخيرة من حياته لم يكن يخجل من مهاجمة الأوضاع الفنية المتردية وانتقاد أعمال زملائه التى يرى أنها سيئة.