الدكتور عماد خليل: تحولت من عالم البنوك إلى الآثار الغارقة ..حوار

 عالم الآثار البحرية خلال فحص بعض الآثار
عالم الآثار البحرية خلال فحص بعض الآثار

الهواية والصدفة وتتبع الشغف هى من قادته إلى عالم الآثار الغارقة المثير الممتلئ بالفرص والعجائب لكشف خبايا التاريخ والآثار، ليبدأ بعدها مسيرة عملية وعلمية مميزة وحافلة.. تحول خلالها من هاوٍ للغوص وموظف بنكى إلى باحث أكاديمى فى الآثار الغارقة وصاحب بصمة دولية مميزة ليشارك فى رفع اسم مصر عاليا فى مجال التراث البحرى الغارق..هو د. عماد خليل، أستاذ الآثار البحرية بجامعة الإسكندرية الذى يكشف فى حواره مع «الأخبار» قصة نجاحه كرئيس لأول كرسى جامعى لليونسكو فى مجال التراث الثقافى المغمور بالشرق الأوسط .

 نجاحك فى عالم الآثار البحرية .. كيف غير مسار حياتك وأعدته من البداية ووصلت لهذا النجاح ؟


 نعم هذا ماحدث..ففى شبابى كنت أمارس رياضة الغطس كهواية، ولم أكن أنوى التخصص فى الآثار الغارقة، ولم أكن أعى بوجود هذا العلم من الأساس.. فدرست فى كلية التجارة قسم العلوم السياسية وخلال السنة الدراسية النهائية توليت قسم التدريب بأحد مراكز الغوص بمنطقة المنتزه بالإسكندرية ـــ وكان ذلك فى أوائل التسعينيات ـــ وأذكر أنه جاء فجأة أحد الصيادين وأخبرنا عن مشاهدة لحطام ومجموعة أخشاب فى قاع البحر فى منطقة المعمورة فقمت وزملائى بالمركز والقبطان محسن جوهرى باستكشافها ووجدناها مركبا غارقا.


ووضعت حينها رسما كروكيا للموقع ومحتوياته بدون دراسة كان الهدف مجرد استرشادى، وقدمته للجهات المسئولة كالأمن ووزارة الآثار،وكان ذلك أول مركب أساهم فى استكشافه، وذهبت بعدها إلى كلية الآداب للبحث عن قصة المركب وسألت عدة أساتذة ولكنى لم أصل لإجابة وافية.. وتبين لاحقًا أنه كان مركب روماني من القرن الثالث كان قادما من اليونان ويحمل أوانى فخارية بها نبيذ.. ومر الوقت وتخرجت بكلية التجارة واتجهت للعمل فى مجال البنوك وانتظمت به عامين تقريبا.. وفى أحد الأيام قررت حضور ندوة بالمركز الثقافى الأمريكى يقدمها مؤسسو معهد «الآثار البحرية فى تكساس» عن علم الآثار البحرية، وكان هذا المعهد هو الأول من نوعه فى السبعينيات وكان يسعى مؤسسوه لفتح فرع له فى مصر. وشدنى هذا العلم الجديد الذى اكتشفته..وتحدثت مع مؤسسيه وعرضوا على العمل معهم ولم يكن لدى مانع من تغيير مسارى الوظيفى فاستقلت من البنك وعملت معهم من منتصف التسعينيات وحتى 2001.
مركب غارق


 يمكننا إذن اعتبار أن الصدفة هى من قادتك لتغيير عالمك..فانتقلت من الهواية إلى الاحتراف فى مجال جديد دقيق؟


 بالضبط هذا ما حدث، فى الحقيقة أنى تعلمت الكثير من المعهد الأمريكى وأصبحت نائب مدير البعثة لمدة ٨ سنوات..وكنت وخلال تلك الفترة اكتشفت مركب «سعدنة» بالبحر الأحمر الذى يعود تاريخه للقرن 18 وقمنا بعدة حفائر هناك استمرت عدة سنوات حتى 1998، وهى تعد أول حفائر فى مصر على مركب غارق،وسنذهب قريبا له مرة أخرى لمتابعة العمل هناك.


وقررت إصقال شغفى الجديد بالدراسة فعدت طالبًا والتحقت بقسم الآثار بكلية الآداب 4 سنوات وكنت الأول على الدفعة فعينت معيدا ثم سافرت إلى إنجلترا سنة 2001 وحصلت من هناك على درجتى الماجستير ثم الدكتوراه من جامعة ساوثهامبتون ــ المملكة عام ٢٠٠٥فى تخصص الآثار البحرية .. ثم أستاذا فى جامعة الإسكندرية.


ننتقل من الماضى إلى الحاضر لتناول أحدث الإنجازات وهى تولى أول كرسى اليونسكو فى الشرق الأوسط فى مجال التراث الثقافى المغمور بالمياه.. فكيف تحقق هذا النجاح لمصر وخطوات هذا المشروع من البداية؟


 بدأ العمل على هذه الفكرة منذ مارس 2020 وتوليت مسئولية كتابة المشروع، ثم تم التقدم بمقترح لها عن طريق اللجنة الوطنية لليونسكو بالقاهرة التابعة لوزارة التعليم العالى، ثم فحصته اليونيسكو وجاء الرد بالموافقة من خلال مندوب مصر الدائم لليونيسكو..وكان مجهودا جماعيا فقد لعب كثيرون أدوارًا مهمة وأخص بشكرى د. عصام الكردى رئيس جامعة الاسكندرية السابق،ود.غادة عبد البارى رئيس اللجنة الوطنية لليونسكو وكذلك السفير إيهاب بدوى والمستشار عمرو عبد الله المسئول عن ملف اليونسكو ·


الآثار البحرية


 وما مدة سريان اتفاقية كرسى اليونسكو؟


 تسرى مدة الاتفاقية لـ 4 سنوات ويمكن تجديدها بناء على الإنجازات التى سوف تتم خلال تلك الفترة، ففى كل عام نقدم تقريرا بعملنا ونأمل فى استمراره..فكرسى اليونسكو بالاسكندرية هو الثانى على مستوى العالم فى تخصص الآثار البحرية، فلا يوجد له مثيل إلا فى فرنسا..وبهذا أصبح فى مصر 4 كراسى لليونسكو ثلاثة منها فى مجالات أخرى فى جامعات القاهرة وعين شمس جامعة النيل.


 ما هى المشروعات التى تعمل على تحقيقها من خلال كرسى اليونسكو؟


تعد مصر بيت الخبرة فى تخصص الآثار الغارقة فى المنطقة العربية ولذلك دورها محورى فى نشر الخبرة والتوعية، وخاصة مع ضعف الاهتمام العربى بهذا المجال،فلا توجد أى جامعة عربية غير الاسكندرية لديها تخصص الآثار البحرية،وهناك دول عربية أيضًا لايوجد بها تدريبات للمتخصصين،ولذلك هدفنا الأول هو التعاون مع مكتب اليونسكو الإقليمى بالقاهرة لوضع برامج توعوية وتدريبية خاصة بالدولة العربية وتقديم الاستشارة العلمية والفنية لمختلف الجهات المعنية بالتراث الثقافى الغارق، بما فى ذلك البحث، والتوثيق، والحفظ والعرض العام، والسعى نحو إدخال هذا التخصص ضمن المقررات الجامعية فى المنطقة.


 من واقع خبرتك العلمية والعملية ما تقييمك لوضع التراث المغمور تحت المياه فى مصر؟وما هى رؤيتك فى كيفية تطويره واستغلاله عالميًا وسياحيًا؟


 أعتقد أنه لدينا تحديان رئيسيان  يجب العمل على حلهما أولهما أن معظم العمل الأثرى البحرى متركز فى الإسكندرية،وقليلا ما يتم خارجها وغالبا ما يكون ذلك فى البحر الأحمر،وبالتالى فتلقائيا يتم توجيه معظم أنظار العالم والنشر والوثائقيات إلى الإسكندرية وتجاهل المواقع الأخرى، ولذا نحتاج لتوجيه الأنظار فى العمل الأثرى خارج الإسكندرية لإتاحة الفرصة لاكتشاف باقى تاريخ مصر البحرى الغنى.


متحف متخصص


 وما التحدى الثانى ؟


 عدم وجود متحف متخصص للتراث البحرى وهذا غير طبيعى بالمرة لدولة مثل مصر التى تعد أول دولة فى الكون أنشأت مراكب وسفنا ونزلت النيل وسافرت البحر الأحمر وهنا لا أتحدث عن مجرد متحف يوضع فيه الآثار المنتشلة من أسفل المياه،لأنها بمجرد خروجها من بيئتها أصبحت لا علاقة لها بالبحر وتفقد جزء من قيمتها.. وهذا هو الاتجاه الذى تتبناه منظمة اليونسكو والدولة الموقعة عليه مثل مصر وهو الإبقاء على التراث المغمور بالمياه فى مكانه ولا يتم انتشاله إلا لضرورة واضحة مثل التهديد والسرقة أو فى حالة وجود إمكانية لترميمها وصيانتها وعرضها..أما انتشال المعروضات ووضعها فى المخازن فهذا أمر غير مقبول.


 ولكن كان هناك عدة مشروعات لإنشاء متحف لعرض الآثار الغارقة بالإسكندرية من خلال الأنفاق؟


 كل ما يقال عن أنفاق تحت المياه والمتاحف المغمورة أصبح كلاما باليا لا قيمة له.. وعالميًا هناك عدة طرق لعرض التراث المائى إما رؤيتها مباشرة عن طريق الغوص،لكن هذا صعب لعامة الناس،أو على البر بتوظيف أدوات تكنولوجية حديثة تساهم فى عرض التراث البحرى مثل الواقع الافتراضى والهولوجرام والفيديوهات والصور 360 درجة ووضع نماذج لسفن وقوارب وبضائع فى إطار سيناريو العرض المتحفى، وكان من الممكن استغلال الساحات الواسعة والمتعددة لقلعة قايتباى بالإسكندرية فى ذلك بدلا من كونها مكاتب.. ولذا أكرر مطالبتى بإنشاء متحف متخصص يعرض تاريخًا وافيًا وهو ما يتطلب مجهودا من الجهات الرسمية والبحثية .

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي