عاجل

موكب المومياوات الملكية| تفاصيل إسهامات الحضارة المصرية في العلوم الإنسانية

 د.أسامة عبدالوارث
د.أسامة عبدالوارث

فى جولة بصحبة د.أسامة عبدالوارث عضو اللجنة العلمية لسيناريو العرض المتحفي ، للتعرف على معروضات القاعة المركزية منذ عصور ما قبل التاريخ، وحتى العصور المتأخرة، عشت رحلة مبهرة وحكايات وقصصاً ممتعة وشيقة عبر الحقب والأزمنة، وقطعاً أثرية تنطق بالجمال شاهدة على عظمة دولة تمتلك 7 حضارات، وليست حضارة واحدة، من خلال عرض تاريخى بارع، يعكس إسهامات الحضارة المصرية فى العلوم الإنسانية.


يقول د.أسامة عبدالوارث: الصرح الحضارى الذى يضىء سماء مصر الآن، نتاج سنوات طويلة مضت من العمل، ويجسد التسلسل التاريخى للحضارة المصرية، وإبراز موضوعات حضارية تظهر إسهامات الحضارة المصرية فى العلوم الإنسانية، هذا المفهوم وضعته اللجنة العلمية نصب أعينها، وتضم متخصصين فى المجالات المختلفة، برئاسة د.محمود مبروك، وأنجزنا هذا العمل كفريق واحد يكمل بعضنا الآخر.


وبناء على ذلك قمنا بتقسيم المعروضات إلى موضوعات مختلفة، كل منها يتحدث عن حقبة تاريخية، وبدأنا بعصر ما قبل التاريخ، ونحن لا نتحدث هنا عن تاريخ، وإنما عن بداية ظهور الإنسان الأول فى مصر، واستخداماته الأولية للأحجار التى صنع منها أدوات الحياة، ونعرض تلك الأدوات بالإضافة إلى هيكل عظمى لشاب مصرى عمره 35 ألف سنة عثر عليه فى نزلة خاطر، كما نتحدث عن بدايات الحضارة المصرية، من خلال الحضارات المتفرقة فى مصر، نقادة والمعادى والبدارى ومرمدة بنى سلام، وإسهاماته فى الإيمان والعقيدة.


وننتقل بعدها إلى بداية الاستقرار فى مصر، حين عرف المصرى القديم الزراعة، واستخدم مياه النيل، وعرف مواعيد الفيضان والأماكن الصالحة للزراعة، وهى بداية مرحلة استقرار المجموعات التى شكلت نواة لإقامة الدولة المصرية، وبالتالى أصبح هناك نظام إدارى فى الدولة، وشخصية على رأس هذا النظام تحكم من خلال سلطة دينية وتنفيذية، ومن هنا ظهرت مملكتان قبل التوحيد، مملكة الشمال ومملكة الجنوب، والتاج الأبيض والتاج الأحمر، ممثلان داخل فتارين العرض، وعلامات ورموز ملكية، عنخ، والمذبة، والعمود الذى يمثل استقرار الحكم والعلاقة بين الأرض والسماء.


وبعد ذلك بدأت حياة الأسرة، ونعرض نموذجاً لمنازل قديمة، وأهم ما يوجد فى المنزل حتى يومنا هذا «الخبز» أو «لقمة العيش»، والتى تمثل العلاقات بين الإنسان والمكان، وتربط علاقات البشر، وتظهر البدايات الأولى لعملية طحن الغلال وعملية الخَبز والصوامع وأدوات الزراعة، ولدينا نماذج من أرغفة خبز من عصور قديمة، وأنواعها تشبه الأنواع الموجودة حتى اليوم.


وننتقل إلى العمارة، وكيف بدأ المصرى القديم بناء المنازل، واستخدم الهندسة فى العمارة والأدوات المستخدمة، وأول مهندس حول الطين إلى أحجار وبنى بها «هرم زوسر»، ونعرض تمثالاً للمهندس العبقرى «إيمحتب» ليعبر عن العمارة فى مصر القديمة، ثم ننتقل إلى علاقة المصرى بالآلهة، ممثلة فى أشكال طائر العقاب، وثعبان الكوبرا، والبقرة التى كانت نموذجاً للخصوبة والأمومة، وتحولت إلى حتحور.


ولا يمكن أن يحقق المصرى كل ذلك دون أن تكون هناك وسيلة للتخاطب مع الآخرين، وبالتالى اخترع الكتابة، وكوَّن لنفسه حروفاً، وأصبحت هناك لغة رسمية للدولة «الهيروغليفية»،  ولغة شعبية «الهيروطيقية»، وكتابات مختصرة للخطابات، وهذا يشير إلى وجود «الكاتب المصرى»، وهناك كتبة معروفون، ولهم مكانة عظيمة فى مصر القديمة، ومنهم أدباء ومؤلفون، ونعرض نصوصاً لهم على البرديات والحجارة، بالهيروغليفية والديموطيقية، وبدايات الكتابات، ونصوصاً من كتاب الموتى، وقصة «سنوحي» على الحجر، وكذلك الخيمة الملكية «الجنائزية»، وبها تابوت كامل، وأدوات التحنيط، و«الأوانى الكانوبية»، والصناديق التى تحتوى على أغراض المتوفى.


كما نخصص فاترينة لعرض صناعة النسيج والأزياء فى مصر، تضم نموذجاً متكاملاً من الدولة القديمة لورشة صناعة وصباغة نسيج الكتان، الذى عرفت به مصر، واشتهرت بجماله وشفافيته، وتصدره للعالم القديم، ونعرض مجموعة لوحات وتماثيل لأزياء وأردية مختلفة، تظهر كيف عرف المصريون الموضة فى الأزياء، كما نعرض كرسى الملكة «حتب حرس» كنموذج للكراسى الملكية، وصناعة النجارة والأخشاب، وكذلك صناعة المراكب سواء لغرض دينى أو دنيوى، لأن مصر عرفت ركوب البحر، واستخدمت المراكب فى التجارة والصيد. ومن أجمل المعروضات المجموعة الكاملة لأحد كبار رجال الدولة، «سنجم» وزوجاته وأولاده وأحفاده، عثر عليها فى مقبرة بالأقصر، بها التوابيت وكل الأدوات المستخدمة فى الحياة اليومية والألعاب التى كانت معروفة فى ذلك الوقت.


وفي الدولة الحديثة توسعت الإمبراطورية المصرية، وعرفت العجلة الحربية، السلاح الأقوى الذى مكَّن مصر من صد العدوان واقتحام حصون الأعداء، ونعرض صدرية متكاملة لعجلة حربية من عصر الفرعون «أمنحتب الثالث»، يقف الملك وراءها وتجرها الخيول، ووضعنا نماذج طينية لمجموعة الأسرى، كما نعرض مجموعة الساعات التى كانت تستخدم فى عصر الملك «أمنحتب الثالث»،  تعكس أهمية الوقت عند المصرى القديم، ساعة «النهار» عبارة عن سلالم تتحرك كل ساعة مع الشمس، من الشروق ولمدة 6 ساعات، ومن الظهيرة للغروب 6 ساعات أخرى، ثم الساعة «المائية»، وتبدأ من الغروب حتى الشروق.

وكذلك مجموعة من الموازين والمكاييل، تظهر الدقة فى التعامل التجارى من جرام الذهب إلى أطنان الغلال والبضائع، وكل سلعة لها الميزان الخاص بها، كذلك أدوات القياس واستخدام «الذراع» كوحدة قياس الأراضى الزراعية.


وننتقل للزينة التى اهتمت بها المرأة كثيراً، ولدينا صناديق كاملة لأدوات «المكياج» وأوانى الكحل والزينة والعطور والشعر المستعار على لوحات حجرية، كما تضم القاعة مجموعة من الحلى من عصر الدولة الحديثة، وتيجاناً وعقوداً وأساور من الذهب والأحجار الكريمة. ومن مميزات الديانة المصرية القديمة الاهتمام بالنظافة الشخصية، وضرورة التطهر قبل ممارسة أى طقوس دينية، ونعرض فاترينة كاملة لأوانى التطهر وصب الماء والعطور.


ومثلما كان المصرى مولعاً بالعمل، كان يجد وقتاً للترفيه لذا اهتم بالموسيقى، وكانت هناك أمسيات غنائية، ولدينا نموذج لأسرة تقدم التخت الموسيقى فى المنزل للاستمتاع، ونعرض أدوات موسيقية متنوعة، مثل الهارب والناى والأرغول، ومصفقات من العاج، وطبول وصاجات معدنية. ومن أهم المعروضات فاترينة الطب والجراحة، ونعرض بها أدوات طبية، مثل المشرط والجفت، وقدم تعويضية من الخشب لسيدة استخدمتها فى حياتها ووجدت بجوار المومياء الخاصة بها، ولوحتين للولادة.


ومن العصور المتأخرة، اليونانى الرومانى، تظهر كيف أثرت الديانة والعقائد المصرية فيهم، وتشبهوا بالفراعنة وارتدوا ملابسهم، ونعرض رداء لأحد البطالمة عليه مجموعة رسومات لآلهة مصرية عبدت فى كل الإمبراطورية الرومانية، وتماثيل لسيدات ورجال بالشكل الرومانى، ومجموعة من البرديات التجارية، مثل العقود والكمبيالات باللغة اليونانية، إلى جانب مجموعة عملات حيث بدأ استخدام العملات فى مصر بداية العصر البطلمي.


ومن العصر القبطى نعرض مجموعة من الوجوه على النسيج  القبطى، ومجموعة عملات ذهبية وبرونزية وفضية، وفاترينة خاصة برداء أحد البطاركة، وعصا البطريرك التى لا تزال تستخدم حتى اليوم، وكل ما هو مصرى من صلوات باللغتين القبطية والعربية، وكذلك حامل «التوراة» اليهودى، كان موجوداً فى أحد المعابد اليهودية بمصر.