أفكار متقاطعة

الفيروس السجان

سليمان قناوى
سليمان قناوى

حدد فيروس كورونا إقامتنا.أصبحت حدود حريتنا هى المسافة بين أبعد نقطة فى البيت وبابه الرئيسى. وهى حرية نسبية ومحدودة بالتأكيد. أفواهنا وأنوفنا غدت أسيرة الكمامة، بل حتى عيوننا التى( تغشلق) فيها عدسات النظارات بفعل بخار الماء الصاعد من كتمة الانفاس. ولم تكن أيدينا أفضل حالا، فهى إما تغطيها القفازات المطاط أو (تهريها) فقاعات الصابون والماء او الكحول وجل التعقيم.أصبح الامل الوحيد هو الخروج إلى البلكونة وحتى هذه لم تعد آمنة، فربما نشر جارك ملاءات الاسرة والملابس المعبأة بالفيروس المتطاير ليلبس فى حلقك. المصيبة الاكبر اذا طرق باب الشقة بواب العمارة او محصل الكهرباء اوالغاز اوالمياه أو أى كائن غريب ضرب الجرس بطريق الخطأ، فالاقتراب من الباب أصبح مخاطرة غير مأمونة العواقب وعليك أن تسرع بارتداء الكمامة وقفازات اليد وواقى الوجه لتخرج لكل هؤلاء كما لو كنت كائنا هبط من زحل. وكله يهون حتى لا يدركك الفيروس ولو كنت فى بروج مشيدة،فلم نعد آمنين حتى فى بيوتنا وأصبح الانسان يشك فى كل شيء حوله حتى أطراف أصابعه. حرمنا من أحضان ابنائنا وأحفادنا والمسح على شعورهم ولمس جباههم والرجوع لأيام الطفولة لمجاراتهم فى لعبة( خلاويص...لسه). أصبح اكتئابنا بنيويا يترسخ بين ثنايا الضلوع وفى أوردة القلب وداخل شرايين المخ حين نسمع عن فقد قريب أو حبيب او زميل فى ظل العجز التام عن مراوحة المكان للمشاركة فى الصلاة على أرواحهم وتشييع جنازاتهم. لعل الامل يكون فى لقاح بدأ التطعيم به بالفعل لكل من يتطلعون لحرية الخروج من الحبس الاحتياطى بالمنازل وكسر أصفاد الكورونا وتحقيق التنقل بحرية وامتطاء صهوة الطائرات لتكحيل العين برؤية الكعبة وقبر رسولنا الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) والصلاة فى روضته الشريفة. فهل أقبل اليوم الذى نودع فيه أستار الكمامة لغير رجعة، وليعد الكحول والمعقمات والقفازات إلى غياهب النسيان وتعود الطمأنينة والجسارة على الخروج دون خوف من عدوى أو شك فى لمس اى شىء وكل شيء، وفتح الرئتين لاستنشاق هواء عليل لا يحمل فى ذراته أى كوفيد 19 او غيره، مستجدا كان او قديما. ليت يأتى رمضان وتعود موائد الرحمن والتئام شمل الأسر فى إفطار جماعى دون خوف يغادرون بعده لصلاة التراويح. ويسلسل فيه فيروس كورونا كما تسلسل الشياطين. يارب.