«فرعون موسى».. تهمة باطلة في حق ملوك عظام

إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى

لم‭ ‬تتوقف‭ ‬محاولات‭ ‬السطو‭ ‬على‭ ‬كبار‭ ‬حكام‭ ‬مصر‭ ‬القديمة.. ‬حاول‭ ‬كل‭ ‬عابث‭ ‬بحضارتنا‭ ‬إثبات‭ ‬أن‭ ‬أحدهم‭ ‬هو‭ ‬الطاغية‭ ‬‮«‬فرعون‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬طارد‭ ‬بنى‭ ‬إسرائيل.‭

تعددت‭ ‬الادعاءات‭ ‬دون‭ ‬دليل‭ ‬تاريخى‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬منطقي‭، ‬ ونظرا‭ ‬لعدم‭ ‬توافر‭ ‬نصوص‭ ‬أثرية‭ ‬تُثبت‭ ‬القصص‭ ‬الدينية،‭ ‬رجّح‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬أن‭ ‬خروج‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬احتلال‭ ‬الهكسوس،‭ ‬لأنها‭ ‬فترة‭ ‬غامضة،‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬وثائق‭ ‬تاريخية‭ ‬ترصد‭ ‬أحداثها،‭ ‬وهكذا‭ ‬اعتبر‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬فرعون‭ ‬حاكما‭ ‬ينتمى‭ ‬للهكسوس‭. ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬مؤرخا‭ ‬يهوديا‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الأول‭ ‬الميلادى‭ ‬اسمه‭ ‬يوسفيوس،‭ ‬زعم‭ ‬أن‭ ‬الهكسوس‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل،‭ ‬الذين‭ ‬طاردهم‭ ‬أحمس‭ ‬وأخرجهم‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬وهو‭ ‬ادعاء‭ ‬لا‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬المعلومات‭ ‬التاريخية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يمنح‭ ‬بنى‭ ‬إسرائيل‭ ‬حجما‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حجمهم‭ ‬الذي‭ ‬ذكرته‭ ‬القصة‭ ‬الدينية،‭ ‬ويجعلهم‭ ‬حُكاما‭ ‬وليسوا‭ ‬قوما‭ ‬مُستضعفين‭.‬

قام آخرون بتطوير الفكرة، فافترض أحد الباحثين أن أحمس هو من بدأ التنكيل ببنى إسرائيل منذ تولي الحكم فى 1580 قبل الميلاد، واعتبر ذلك منطقيا لأنهم كانوا موالين للهكسوس، وهكذا أخذ أحمس يذبح أبناءهم كي لا تتزايد أعدادهم ويصبحوا قوة تهدم إنجازه فى معركة التحرير. لكن احتياجه لهم فى بناء المدن جعله يحرص على ألا تكون إبادتهم شاملة، ومن هنا ظهرتْ فكرة قتل الأطفال فى عام وترك من وُلدوا فى السنة التالية على قيد الحياة.

ووفقا لهذه القصة الخيالية وُلد النبي موسى فى تلك الفترة، لكن أحمس لم يكن هو فرعون الخروج، ولا حتى خليفته أمنحتب الأول، بل تم لصْق التهمة بتحتمس الأول ثالث حاكم بهذه السلسلة! وفى كتابه "موسى وهارون" يعترض د. رشدى البدراوى على هذه الفرضية، لأسباب لا مجال لذكرها، غير أن من بينها أنه لم يثبت أن تحتمس الأول مات فجأة، والغريب أن البدراوى لم يضع السبب نفسه فى اعتباره، فى سياق ترجيحه أن رمسيس الثانى هو فرعون الخروج.

اعتمد كثيرون على التواريخ التي ذكرتها التوراة، كى تساعدهم فى رحلة بحثهم عن فرعون، لكنهم اختلفوا فى تحليلها، مما تسبب فى تنوّع المزاعم. هناك من افترض أنه تحتمس الثاني، ومنهم ج دى ميسلي، الذى ذكر أن المومياء عليها وصف لأورام جلدية، وكان ذلك ذا دلالة بالنسبة له، لأن تفشى الطفح الجلدى كان إحدى العقوبات التى أنزلها الله على المصريين قبل الخروج. هنا يعود اسم موريس بوكاى للظهور.

تحدثنا عنه قبل أسابيع، عند تحليل منشور قال إنه اعتنق الإسلام بسبب رمسيس الثاني.

رأى بوكاى أن فرضية تحتمس الثانى تظل أعجب الفرضيات فى هذا المجال، لأنها تُغفل أحداثا أساسية ذكرتها التوراة، حيث تتجاهل ما ذكره العهد القديم عن تسخير بنى إسرائيل فى بناء مدينة بر رعمسيس، وهو ما يعنى أن قصة الخروج لابد أن تكون فى عهد رمسيس الثانى الذى أنشأ هذه المدينة أو خلفائه.

ووفقا لما ورد فى التوراة عن تاريخ حكم النبى سليمان، أجرى البعض حساباتهم التى رجحت أن فرعون هو تحتمس الثالث، وقد سبق أن تحدثنا عن هذا الادعاء فى الحلقة الماضية بتفصيل أكبر، واستعرضنا مزاعم هؤلاء بأن حتشبسوت التقطتْ موسى من الماء فى فترة حكم زوجها تحتمس الثاني، ثم تولى ابنه الحكم وبدأ رحلة الانتقام من زوجة أبيه، ففر موسى من مصر لأنه كان من المحسوبين عليها!!

ستظل القصة جاذبة للاهتمام، غير أن الحذر مطلوب عند قراءة هذه المزاعم، حتى لا نشارك بأيدينا فى تشويه حضارتنا.