حكاوي الحضري.. حتشبسوت انتشلت موسى من الماء

 تحتمس الثالث لم يسلم من محاولات تشويه تاريخه
تحتمس الثالث لم يسلم من محاولات تشويه تاريخه

كانت الملكة حتشبسوت تتنزه على ضفة النيل، حينما لمحتْ سلة صغيرة تطفو على المياه.. طلبتْ من الحاشية انتشالها، وفوجئتْ بأنها تضم رضيعا عمره ساعات.. انتابتْها مشاعر متباينة، حيث فرحتْ بالرضيع، لكنها خافت عليه من بطش زوجها تحتمس الثاني الذى أصدر قرارا بقتل كل طفل يولد، خوفا من نبوءة تقول إنه سيكون سبب نهايته! على الفور ألحّت على تحتمس أن يحتفظا بالطفل، كى يكون» قرّة عين» لهما!


ما سبق مجرد مشهد خيالي.. لم يحدث في الواقع بالتأكيد، لكنى افترضتُه لأتطرق لمغامرة أخرى، طرحها بعض من يحاولون السطو على حضارتنا، وافترضوا أن تحتمس الثاني هو فرعون موسى، وبالتالي يُصبح مُتهما بأنه كان الطاغية الذي تحدثتْ عنه الكتب المُقدسة! وزعم أصحاب هذه القصة أن حتشبسوت هي امرأة فرعون التي التقطت الرضيع من الماء.

على مدار سنوات تابعتُ العديد من التكهنات، التى أشارت بأصابع الاتهام إلى ملوك الفراعنة الكبار، غير أن هذا الافتراض كان الأعجب. تطرّق له الدكتور رشدى البدراوي فى كتابه «موسى وهارون»، الذي يُعد جزءا من سلسلة تربط قصص الأنبياء بالتاريخ.

ورفض البدراوي هذه الفرضية، ضمن استعراضه لما ذكره الباحثون عن فرعون موسي، وأوْرد أمثلة أخرى قبل أن يحاول إثبات وجهة نظره، بأن فرعون هو رمسيس الثاني!


لا يوجد في القصة الحقيقية لحتشبسوت أية أحداث تتشابه مع ما ورد بقصة النبى موسى، فلم تكن شخصيتها مثالية كزوجة فرعون التي احتفتْ بها القصة الدينية.

كان طموح الملكة المصرية عظيما، مما جعلها تطمع في الحكم منفردة، وهو أمر لا يحظى برضا كهنة آمون، لهذا ابتدعتْ قصة ولادة إلهية، وزعمتْ أنها ابنة الإله آمون رع.

صاغتْ أسطورة حاولتْ من خلالها إضفاء الشرعية على حكمها بعد وفاة زوجها تحتمس الثاني، وكان وريثه تحتمس الثالث طفلا، وسعتْ لأن تستمر على العرش بتهميش ابن زوجها، لكنه تمرّد عليها بعد أن أصبح قادرا على تولّى السُلطة. قاد حملة لتدمير آثارها انتقاما من إقصائها له، وأصبح بعد ذلك واحدا من أهم ملوك مصر القديمة، حيث وصلت الإمبراطورية في عهده لأقصى حدودها.


تفاصيل حياة حتشبسوت تختلف إذن تماما عما نعلمه عن زوجة فرعون، لكن الاختلافات ليستْ عقبة في وجه من يُروجون الأوهام، فيزعمون أن موسى تربّى فى بلاط حتشبسوت، وعندما تولى تحتمس الثالث الحكم، استشعر موسى الخطر لأنه يعلم ما بينهما من عداوة، وفر من مصر خوفا من أن يشمله الانتقام، ثم عاد بعد سنوات لتحدث المواجهة الشهيرة، التى أعقبتها المعجزات ثم الخروج، وغرق تحتمس الثانى أثناء مطاردة بني إسرائيل!


حسْب القصة المُختلقة لم يفرّ النبي بعد قتل المصري، بل هرب خوفا من انتقام سياسي. تفصيلة جوهرية أخرى يتم إغفالها عمدا، كي تمضى القصة فى سياقها الوهمي، فضلا عن عدم وجود ما يُثبت أن مصر عانتْ فى فترة حكم تحتمس الثانى من ظواهر فريدة، كتلك التى ذكرتها القصص الدينية كمعجزات قام بها النبى موسى، مثل الأمطار التى لم تشهدها البلاد عبر تاريخها، أو هجمات الضفادع والبعوض والقمل، وأخيرا لا يوجد ما يطرح احتمال أن تحتمس الثالث مات غرقا.


تفاصيل كثيرة لا مجال لذكرها هنا، لكن ينبغى التحذير من الانسياق وراء هذه الخرافات. قد تبدو شيقة عند قراءتها، لكن المشكلة تبدأ عندما يتعامل معها بعضنا بوصفها حقائق، رغم أنها مجرد حكايات كالتى كان الأطفال يسمعونها من جدّاتهم قبل النوم.