بعد نجاحه فى القضاء على الطب البديل

روكفلر.. صانع الألم ومالك «المسكنات»

روكفلر
روكفلر

كتبت: دينا توفيق

فى عالم المال والأعمال ليس هناك مجال للإنسانية، المصالح تحكم وتتحكم.. جنى الثروة هدف والأرباح الطائلة نهم.. ويعد جون روكفلر قطب النفط وأول ملياردير أمريكى فى العصر الحديث، الذى حقق ثروة هائلة من خلال السيطرة على منابع البترول.. استغل الموارد لآخر قطرة ممكنة حتى مهَّد الطريق لاستبدال العلاجات الطبيعية بأخرى كيميائية التى نعرفها الآن.. استطاع تكوين إمبراطورية «Big pharma» الضخمة للطب الحديث وتحت مظلتها شركات أدوية كبرى ووكالات حكومية وتحالفات فى مجال الأدوية واللقاحات، حتى بات صانع الألم ومالك تسكينه.
تعد عائلة روكفلر واحدة من أغنى وأقوى العائلات فى تاريخ الولايات المتحدة. لأكثر من 100 عام، قاموا بتشكيل وتوجيه السياسة الاقتصادية والمالية والسياسة العامة للبلاد. يرتبط اسم روكفلر بـ«النفط» و«الرأسمالية». وفى الواقع، فإن عائلة روكفلر عازمة على السيطرة على كل مؤسسة رئيسية فى أمريكا وخارجها، باستخدام العمل الخيرى - من خلال مؤسسة روكفلر- كوسيلة لزيادة تأثيرهم فى المسرح العالمى خلف ستار الدفاع عن القضايا الاجتماعية المختلفة؛ معارضتهم الشديدة صناعة الوقود الأحفورى التى جعلت من روكفلر أول ملياردير أمريكى تظهر أن العائلة ليس لديها أيديولوجية سياسية. وبدلاً من ذلك، فهم مجرد أصحاب مصالح يدعمون أجندات سياسية لتعزيز نفوذهم فى الساحة العالمية.
ومع تفشى جائحة «كوفيد-19»، أعلنت مؤسسة روكفلر تبرعها بمبلغ 35 مليون دولار لضمان وصول اختبارات ولقاحات كورونا إلى العديد من دول أفريقيا، بالإضافة لمكافحة أزمة الغذاء المتصاعدة؛ وتوسيع نطاق الوصول للطاقة المتجددة فى القارة السمراء. وبالتعاون مع 24 منظمة وشركات ووكالات حكومية، ستركز هذه الجهود على 10 بلدان هى بوركينا فاسو وإثيوبيا وغانا وكينيا ونيجيريا ورواندا وجنوب أفريقيا وتنزانيا وأوغندا وزامبيا.
ويأتى هذا الإعلان مع التزام المؤسسة بمبلغ مليار دولار على مدى ثلاث سنوات للمساعدة فى إنهاء الجائحة وتحسين قدرة القارة على منع تفشى الأمراض واكتشافها والاستجابة لها. وأعلن المدير العام ورئيس المكتب الإقليمى للمؤسسة فى أفريقيا، ويليام أسيكو، أن جزءاً كبيراً من هذا التمويل سيفيد جهود مركز مكافحة الأمراض فى القارة لتسريع الاختبارات وستسمح هذه الجهود للحكومات باتخاذ قرارات سياسية مستنيرة بشأن رفع القيود المفروضة على الحركة، ومن ثم إعادة فتح النشاط الاقتصادي.
وجنباً إلى جنب مع مؤسس شركة مايكروسوفت «بيل جيتس»، تقوم مؤسسة روكفلر أيضاً بتنسيق الجهود فى اتجاه السيطرة الاجتماعية من خلال تنفيذ إجراءات تتبع وتعقب صارمة التى من الواضح أنها ستصبح دائمة. فى 21 أبريل 2020، أصدرت المؤسسة كتاباً بعنوان «خطة عمل وطنية لاختبارات كوفيد-19.. الخطوات الاستراتيجية لإعادة فتح أماكن العمل ومجتمعاتنا»، تدعو الخطة إلى اختبار وتعقب مليون أمريكى أسبوعياً، وزيادة عددهم تدريجياً إلى 3 ملايين ثم 30 مليون أسبوعياً («خطة 1-3-30») على مدار ستة أشهر تم إجراء الاختبارات لعدد كبير من السكان، وتم بعد ذلك جمع نتائج الاختبار على منصة رقمية قادرة على تتبع جميع الأفراد الذين تم اختبارهم بحيث يمكن إجراء تتبع الاتصال عندما يكون اختبار الشخص إيجابياً.
ووفقاً للطبيب الأمريكي، جوزيف ميركولا، يبدو أن هذه الخطة لمراقبة الأمريكيين حتى يمكن تعقبهم بسهولة للحصول على التطعيم الإلزامى بمجرد توفر اللقاحات، كما أنه ينشئ البنية التحتية اللازمة لتتبع التطعيم فى جميع الأمراض التى يمكن أن تظهر لاحقاً. ونظام التتبع الذى تعمل به مؤسسة روكفلر يشبه نظيره المستخدم فى الصين، حيث يسجل السكان فى سجل الحالة الصحية، ويحصلون على رمز QR شخصى أو «رقم تعريف المريض»، والذى يلزم إدخاله للوصول إلى محلات البقالة والمرافق الأخرى. وهذا ما دعا له جيتس وحققه بشهادة اللقاح، الذى بدأ التخطيط له منذ عام 1999، حينما تبرعت مؤسسة «بيل وميليندا جيتس» بـ750 مليون دولار لإنشاء التحالف الدولى للقاحات «جافي». وموَّلت المؤسسة أيضاً مختبر GSMA Inclusive  التكنولوجى عام 2019، الذى يستهدف تعزيز الوصول لخدمات وأنظمة الهوية الرقمية والبيومترية. ومن ثم، جرى تصميم ID2020 للاستفادة من التحصين كفرصة لإنشاء هوية رقمية. 
ومثل أى استثمارات تأتى التجارة فى اللقاحات والأدوية، هناك تحالفات كبيرة بين شركات الأدوية الكبرى والوكالات الحكومية والمعاهد البحثية والجامعات، تماماً مثل ما يحدث فى الولايات المتحدة؛ خلف ستار مواجهة الوباء والأعمال الخيرية من خلال تمويل البحث العلمي، حصلت جامعة روكفلر، يناير الماضي، على الضوء الأخضر من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية «FDA»، للبدء فى إجراء التجارب البشرية على عقار من الأجسام المضادة أحادية النسيلة، المستخدم فى محاربة السرطان، كعلاج محتمل لـ»كوفيد-19». وحصلت اثنتان من هذه العلاجات، التى طورتها شركتا الأدوية Eli Lilly وRegeneron، على ترخيص استخدام الطوارئ منذ نوفمبر الماضي. وقام الفريق برئاسة أستاذ الأبحاث المناعية، مارينا كاسكي، باختبار نحو 150 شخصاً تعافوا من الفيروس خلال الموجة الأولى بولاية نيويورك فى أبريل، لتحديد الأجسام المضادة الأنسب للتطوير العلاجي. وستعمل المرحلة الأولى من التجربة السريرية التى بدأت فى مستشفى جامعة روكفلر على تقييم سلامة العلاج فى مجموعة صغيرة من المتطوعين الأصحاء. وإذا نجحت الدراسة، فقد تؤدى لتجارب أكبر لتحديد فعالية العلاج، وفقاً لموقع الجامعة روكفلر.
وُلدت المؤسسة فى فجر ما يسميه الكثيرون الطب الحديث، هناك مشروعاً ظاهرياً يدعم تحقيق العدالة الصحية العالمية، ولكن فى باطنه تحقيق الأرباح حتى إن كان على حساب البشر. كان يعتقد أن ما فعله روكفلر والسيطرة على منابع النفط هو الأسوأ، ولكن ما فعلته شركة Big Pharma، التى بدأ تأسيسها، من تدمير الأدوية الطبيعية كانت هى الجريمة التى تعانى منها البشرية حتى الآن. بعد أن قوضت عائلة روكفلر المجتمع الحديث بطرق لا تعد ولا تحصى، من أجل تأسيس شركات أدوية كبرى وكسب أموال طائلة. مثل أى شيء آخر، كان هناك الكثير من السياسة والمال وراء النظام الطبى الحديث.

شركات الأودية التى استحوذ عليها روكفلر القرن الماضى
وبحلول مطلع القرن العشرين، كان روكفلر يسيطر على 90% من جميع مصافى النفط فى الولايات المتحدة من خلال شركته النفطية، ستاندرد أويل، والتى تم تفكيكها لاحقاً لتصبح إكسون وموبيل وشيفرون. وفى عام 1900، اكتشف العلماء البتروكيماويات (المواد الكيميائية المستخرجة من النفط)، حيث تم صنع أول بلاستيك - يسمى الباكليت- من الزيت عام 1907.. وبحسب موقع «mass central» الأمريكي، اكتشف العلماء فيتامينات عديدة وتوصلوا لإمكانية صنع العديد من الأدوية الصيدلانية من الزيت. كانت هذه فرصة اغتنمها روكفلر حيث رأى القدرة على احتكار الصناعات النفطية والكيميائية والطبية فى نفس الوقت، ومن خلال البتروكيماويات تمكن من تسجيل براءة الاختراع وبيع كل شيء لتحقيق أرباح عالية. ولكن كانت هناك مشكلة واحدة فى خطة روكفلر للصناعة الطبية وهى الأدوية الطبيعية أو العشبية التى كانت شائعة وقتذاك. كان ما يقرب من نصف الأطباء والكليات الطبية فى أمريكا يمارسون الطب الشامل، بالاعتماد على عناصر من أوروبا والأمريكيين الأصليين. لذا كان عليه إيجاد طريقة للتخلص من أكبر منافسيه، لذا استخدم الاستراتيجية الكلاسيكية «صناعة الأزمة ورد الفعل وإيجاد الحل»؛ وهذا يعني، خلق مشكلة وإخافة الناس، ثم تقديم الحل (مخطط مسبقاً). وذهب إلى صديقه رجل الأعمال الأمريكي، أندرو كارنيجي، الذى جمع ثروته من احتكار صناعة الصلب، والذى ابتكر معه المخطط. ومن مؤسسة كارنيجي، أرسلوا رجلًا كان مهتماً بالتعليم الطبى يدعى أبراهام فليكسنر، للسفر وتقديم تقرير لتقييم حالة الكليات الطبية والمستشفيات فى جميع أنحاء البلاد.. أدى ذلك إلى تقرير فليكسنر عام 1910 الذى أنتج عنه الطب الحديث كما نعرفه ليقضى على الطب البديل، حيث اعتبر التقرير أن طرق التداوى هذه بعيدة عن معايير البحث العلمى وتحتاج المؤسسات الطبية إلى تجديد، وبناءً على ذلك تم إغلاق أكثر من نصف كليات الطب تقريباً، بموافقة الحكومة الأمريكية، وسُحب منها الدعم المالي، ما أثر بالتأكيد فى استمرارية وجودها، بل وتم التقليل من أهمية الأدوية الطبيعية وتشويه سمعتها؛ ووصل الأمر إلى سجن الأطباء. وللمساعدة فى التحضير للمرحلة الجديدة وتغيير أذهان الأطباء والعلماء، قدم روكفلر أكثر من 100 مليون دولار للكليات والمستشفيات وأسس مجموعة أمامية خيرية تسمى «مجلس التعليم العام «(GEB)  وفى وقت قصير، كان الطب يدور حول استخدام الأدوية الحاصلة على براءة اختراع، وإن كان قد استمر فى بلدان أخرى طرق العلاج الطبيعية أو ما تسمى «البديلة»، ذاع صيت «الهوميوباثى» فى بريطانيا والهند كطريقة تداوٍ معترف بها، حتى إن كان يقاوم شركات الأدوية الكبرى حتى الآن.. وتلقى العلماء منحاً ضخمة لدراسة كيف يتم استخدام النباتات فى علاج الأمراض، لكن هدفهم كان أولاً تحديد المواد الكيميائية الموجودة فى النبات التى كانت فعالة ثم إعادة تركيبها من مادة كيميائية مماثلة، ولكن ليست متطابقة ولها آثار جانبية على الجسد، حتى يمكن تسجيلها والحصول على براءة اختراع.
وتنفق الولايات المتحدة 15% من ناتجها المحلى الإجمالى على الرعاية الصحية، ولا يوجد حتى الآن علاجات للسكرى أو التوحد أو الربو أو الأنفلونزا معلن عنها، والسرطان المستشرى فى أجساد البشر لا يوجد حتى الآن حال واضح له، والذى اهتم به روكفلر؛ مع تأسيسه جمعية السرطان الأمريكية عام 1913، والذى ينتج ويصنِّع جميع علاجاته من علاج كيمياوى وإشعاعى وحتى فحوصاته من الأشعة. 
وهناك مستفيدون من وراء هذه الأمراض، وهم النخبة وليس الأطباء، فهو نظام أسسه الأوليجاركية. وإذا كانت قصة روكفلر تخبرنا بأى شيء، هو أنه ما لم ندرك ما تم فعله، فسنُخدع مراراً وتكراراً، لأن لعبة الأوليجاركية لم تنتهِ بعد.