أمهات على الرصيف فى عيد الأم.. «ارحموا عزيز قومٍ ذل»

أمهات على الرصيف فى عيد الأم.
أمهات على الرصيف فى عيد الأم.

 

حكايات مؤلمة من الواقع.. دموع وأوجاع ومش لاقيين العيش الحاف


ابنة بائعة المناديل «جحود ونكران»: روحى اشحتى بعيد مش ناقصين فضايح


كتبت : رشا حسن


يوميًا، تأتي أم عادل من بهتيم إلى ميدان الإسعاف، بمنطقة وسط البلد بالقاهرة، في السادسة صباحًا، تفترش الرصيف لتبيع المناديل، وتتحصل من جلستها التي تتجاوز نصف اليوم على مبلغ بسيط يساعدها في علاج ابنها، الذي يمكث حاليًا في مصحة نفسية للعلاج.


 الأم التي تجاوزت الـ65 سنة جلست تأكل خبزًا مغموسًا بالملح فقط، لتوفر ما يمكنها أن تعالج ابنها به، فهي تصر على تحمل مسئولية ابنها الشاب وعدم التخلي عنه رغم ظروفها الصعبة، ورغم تخلي ابنها الأكبر عنهما، بحجة ظروف معيشته الصعبة التي تمنعه من الوقوف بجوارهما.


أم عادل التي تشي قسماتها -رغم الكبر والتعب ومرض السكر-، بأنها «عزيز قومِ ذل».. تحكي، وهي تسابق دموعها، أنها كانت تسكن شقة فضفاضة مع زوجها وابنيها قبل وفاة الزوج من عشرين سنة، وطردها صاحب البيت منها لتنتقل إلى غرفة متواضعة بمنطقة بهتيم بالقليوبية في مقابل 400 جنيه شهريًا-، لا تطلب سوى علاج ابنها على نفقة الدولة، ولا تطلب شيئا لنفسها، مكتفية بالجلوس بالشارع، في صقيع الشتاء، متكئة على إفريز سور الرصيف، أمام صف من المناديل، قائلة: «أنا مستعدة إني لا آكل ولا أشرب، بس ابني يخف ويقوم لي بالسلامة».


وبجوار إحدى محطات المترو، بالقرب من وسط القاهرة أيضًا، اختارت سبعينية تدعى أم المحمدي، جانبًا في الشارع، لتبيع نفس السلعة، المناديل، فقد اضطرت لترك ميدان الحصري بمدينة 6 أكتوبر، بناءً على أوامر ابنة تخجل من أمها «البياعة»، وزجرتها قائلة: «مش عايزين فضايح، روحي اشحتي في مكان محدش يعرفك فيه».


وبينما تمد يدها، في إصرار، بمناديل مقابل مساعدة يتعطف بها سائر كريم عطفًا عليها، تقول السيدة العجوز إن ابنها تنصل من مسئوليته تجاهها، بل واستولى على المعاش الذي تأخذه من الدولة، بعدما خدعها وأخذ توكيلًا منها باستلامه، لينفق على تسعة أبناء أنجبهم وأخذهم إلى بورسعيد، ليعيش بعيدًا عنها وعن تبعاتها، ومع ذلك سامحته، وتدعو له كلما ذكرته.


وبشفاهٍ مرتعشة بالمرض وتجاعيد تجمع بين العمر والشقاء، تحكي بائعة المناديل، باكية، أن زوجها الذي توفى تاركًا ثلاثة أطفال في رقبتها، بأنها اعتادت تحمل المسئولية من قبل وفاته، حين تزوج عليها وتفرغ لـ»الثانية»، حتى كبر الثلاثة وتزوج الولد والبنتان، حيث تعيش حاليا مع ابنتها الصغرى بـ»6 أكتوبر»، وهي زوجة لـ»أرزقي» يعمل باليومية ولا يستطيع تحمل مسئولية الإنفاق على حماته، كما أن أشقاءها، وهم أربعة ذكور وخمسة بنات، لا يسألون عنها، بل يعتبرونها عبئًا ويكرهون زيارتها لهم، فقررت النزول بالمناديل، لتستطيع العيش، حتى تنتقل من الشقاء، إلى رحمة الله وجواره.


أمراض عديدة، على رأسها الضغط والسكر وتليف الكبد، لا تترك أم المحمدي، في مواجهة آلام لقمة العيش، لكن تعاطف المحيطين بها، على الرصيف، يقويها أمام الحياة الصعبة، فالبعض يجود عليها بالطعام وآخرون بالشاي والمياه، حتى أن بعض العاملين بمشروع مترو الأنفاق، يحفظون لها جرعات الأنسولين في ثلاجاتهم. تشتري الأم المتعبة «أرجل الدواجن» لتطهيها لها ابنتها، فتأكلها مع رغيف وحيد، وهي تحمد الله على نعمه وتدعوه بدوام الرغيف اليومي، والقدرة على المشوار اليومي الذي يبدأ في الرابعة فجرًا، ويمتد أكثر من ثلاثين كيلو مترًا، من «أكتوبر» إلى وسط القاهرة.
وعلى مسافة من ميدان الجيزة، تجلس بائعة ليمون، تدعى أم محمد، في ربع متر، استحوذت عليه من بين بائعي الحلويات و»الساكسونيا»، فتبيع القليل، ويكمل الأسخياء من العابرين وزملائها «البياعين»، باقي مصروف قوت يومها مع أطفالها الأربعة. 
تعيش تلك السيدة، وهي متوسطة العمر لكنها «تجر قدميها» بصعوبة، في غرفة بقرية كرداسة بأرياف الجيزة، وتوفى زوجها منذ عشر سنوات، لتصير المسئول الأول والأخير عن أبنائها، لم تمل أم محمد من تعب المشوار الذي تقطعه يوميا إلى الجيزة لتعود مع زوال ضوء الشمس، في سبيل القليل من المساعدات التي تستطيع بها البقاء مع أبنائها في هذه الحياة الوعرة، فجميعهم في المدارس، وتصر على تعليمهم، رغم ظروفها المعيشية والصحية، بينما يتجاهل الأشقاء والأقارب حالتها، وهم يعلمون جيدًا أن بيع الليمون لا يكفي طعامها بمفردها، فضلًا عن أبنائها.


أم محمد تتمنى أن تساعدها الدولة أو الجمعيات التنموية، في إقامة مشروع صغير، تسترزق منه هي وأبناؤها، في المنطقة التي تقطن بها، ليكونوا تحت نظرها، بدلًا من أن تتركهم يوميًا في رعاية جاراتها.