نهاية التعامل النقدي

يوسف القعيد
يوسف القعيد

والذي حدث أن وزارة المالية أبلغت الجهات الحكومية بوقف التعامل النقدى أو لنَقُل بلغة الناس التعامل "بالكاش"، والالتزام بالدفع غير النقدي، وحددت لذلك تاريخاً لبدء التعامل ابتداء من 7 مارس القادم.

ومن باب الشرح والتحليل قيل إن تفعيل القانون رقم 18 لسنة 2019 تطلب إصدار قانون تنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدى وتعرض المخالفين لهذه التعليمات للغرامات الخاضعة لأحكام المادتينا الثالثة والخامسة بقانون وسائل الدفع غير النقدى.

هكذا ومن "الباب للطاق" وجدنا أنفسنا فى هذا المربع الصعب، لا أكتب عن نفسى. أكتب عن الذين يحتاجون للتعامل المالى مع الجهات الحكومية، وانتهاء التعامل النقدى تماماً. واللجوء إلى وسائل أخرى قد لا يعرفها ويجيد التعامل بها إلا عددا من المصريين.

من ناحيتى وهذا مجرد مثال، فأنا أتعامل مع الجهات الحكومية بالتعامل النقدى. ولا أعرف هل التعامل غير النقدى يتطلب أن يحمل كل مصرى دفتر شيكات معه ليدون المبالغ المطلوب منه دفعها للجهات الحكومية؟ أو ما هو البديل؟ الغريب أن إقدام المواطن على الدفع النقدى يعاقب بغرامة تبدأ من 2% وتصل إلى 10%.

هل تناسى من سعوا إلى هذا وأصدروا القرارات حجم الأمية الموجود فى مصر؟ والأمى − برغم كل عيوب الأمية وآلامها − يمكنه أن يتعامل نقدياً، ولكن التعامل غير النقدى مستحيل بالنسبة له، بل إن ما هو منشور ومتداول عن هذا الموضوع يحدد السابع من مارس القادم لبدء تنفيذ هذه القرارات الجديدة. أى بعد أيام.

أنا لا أكتب رافضاً القرار، وأيضاً لا أفرض على غيرى قبوله. لكن معرفة ظروفنا وأحوالنا مسألة مهمة قبل صدور مثل هذا القرار الذى يستند لقانون عمره الآن ثلاث سنوات فى بر مصر، أعود مرة أخرى لموضوع الأمية، وأنا لا أعرف عدد الأميين. وإن كنت أتمنى من كل أعماق قلبى أن يكونوا أقل من القليل، ومهما كان رقمهم بسيطاً فلا بد من وضعهم فى الاعتبار عندما يتقرر مثل هذا الأمر.

فالجهات الحكومية لا يمكن أن تُفرِّق عندما تتعامل مع المواطنين بين من يقرأ ويكتب ومن لا يجيد القراءة والكتابة. فالمواطن بالنسبة لها هو متعامل معها. وبموجب هذه التعليمات ليس أمامه من حل سوى ألا يذهب إلى أى جهة حكومية كانت ومعه أموال نقدية. والمعروف فى حدود علمى وإدراكى أن البديل هو الشيكات. فكم مصرى تسمح له إمكانياته الإدراكية أن يتعامل بالأموال على أساس غير نقدى؟.

تمنيت أن يكون الخبر غير دقيق. أو أن التاريخ المحدد لبدء التنفيذ فيه خطأ ما. لأن الرأفة والرحمة مطلوبتان قبل التنفيذ. ومن أهم متطلبات العدل الإنسانى مراعاة ظروف الناس الذين نصدر لهم هذه التعليمات لتنفيذها. الغريب أن هناك منشورا أصدرته وزارة المالية عن التوقف الفورى عند تحصيل أى مصروفات إدارية من الذين يتلقون الخدمات من الجهات المخاطبة بأحكام القانون.

فهل الذين أصدروا هذه التعليمات لا يعرفون الشعب الذى يتعاملون معه؟ وهذا الكلام واجب النفاذ والتنفيذ فى حالة عدم وجود أمى واحد فى بر مصر. أنا أقصد الأمية الأبجدية. أليس هناك حل آخر؟!.