حوار| السفيرة منى عمر: أديس أبابا تخرق القوانين الدولية وحقوق الجيرة

السفيرة منى عمر خلال حوارها مع «الأخبار»«تصوير : حسام المناديلى»
السفيرة منى عمر خلال حوارها مع «الأخبار»«تصوير : حسام المناديلى»

- طريق القاهرة - كيب تاون شهد العديد من الإنجازات

مبادرة السماوات المفتوحة تنتظر التطبيق

قبل عام انتهت فترة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى، بعد شهور من الإنجازات المتواصلة، التى لم تنقطع مع تولى جنوب أفريقيا المسئولية، ثم جاء الدور على الكونغو الديمقراطية لتتسلم المنصب، وسط مشكلات وتحديات متزايدة.

وحرص الرئيس الكونغولى على لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا، لبحث العديد من الملفات الثنائية والأفريقية، ليؤكد دور مصر المحورى على مستوى القارة، واستمرارها فى دعم العمل المشترك.

كل هذه الأمور تجعل لحوار «الأخبار» مع السفيرة منى عمر طابعا خاصا، لما لديها من رؤية ثاقبة، وخبرات ثرية في كل ما يخص القارة السمراء، حيث تولت منصب مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية، وكانت المبعوث الخاص للرئيس السابق عدلى منصور للدول الأفريقية.

كما شغلت منصب سفير مصر فى رواندا فى أصعب الفترات، وهى الحرب الأهلية الرواندية، وكانت لها مقولة شهيرة أن العمل فى البلاد الأفريقية هو التحدى الحقيقى الذى يصقل الخبرات، وإلى نص الحوار:

 كيف تقيّمين المرحلة الحالية من التوجه المصرى نحو أفريقيا؟ خاصة بعد أن بلغت ذروتها فى عام رئاسة الاتحاد؟

- كانت فترة رئاسة مصر للاتحاد شديدة الإيجابية، تضافرت فيها جهود كل أجهزة الدولة، وكان ذلك أمرا لافتا للنظر، خاصة أنها كانت تعمل من أجل هدف واحد، وهو دعم رئاسة مصر للاتحاد الافريقى، مما كان له تأثير قوى ومفيد جدا، وساهم فى تعزيز العلاقات المصرية الافريقية فى مختلف المجالات خلال تلك الفترة ، ولكن الأمور لم تستمر كما كانت بعد الرئاسة، خاصة مع ظهور فيروس كورونا الذى أثر على كل الأنشطة فى مختلف المجالات.

الخطاب الإعلامى

هل ترين أن التواجد القوى للسياسة المصرية فى أفريقيا مدعوم بخطاب إعلامى مناسب أم أن هذا الخطاب لا يتماشى مع الزخم السياسي؟

أعتقد أن الخطاب الإعلامى تحسن كثيرا، وحقق نقلة نوعية فى التغطية الإعلامية لأفريقيا، لكن ما زالت المشكلة أن هذه التغطية مرتبطة بالشأن المصرى وبعيدة عن الأحداث الدائرة فى أفريقيا، مثل نزاعات أفريقيا الوسطى، رغم أنها تدخل فى مجال الأمن القومى المصرى، ويرجع ذلك إلى أن اهتمامات المواطن المصرى تركز على الدول المحيطة مثل ليبيا والسودان، وقد اهتممنا مؤخرا بالكونغو نتيجة زيارة رئيسها لمصر، ولأنها ستتسلم رئاسة الاتحاد الافريقى، ولكن الكثيرين لا يعرفون شيئا عن أوضاعها الداخلية، التى تضع تحديات أمام رئيس الكونغو، فى نفس الوقت الذى يتولى فيه رئاسة الاتحاد.

لعب الرئيس عبد الفتاح السيسي دورا مهما فى استعادة مصر لمكانتها أفريقيَّا.. فهل ترين أن ما تحقق على الصعيد السياسي واكبه إنجاز مماثل فى المجال الاقتصادى؟

لقد حدث تطور فى كل الأمور، لكنه ليس موازيا للجهد السياسى الذى بذلته مصر خلال رئاستها للاتحاد، وتم تأسيس شركات، بجانب الدعوات المستمرة للمستثمرين المصريين بالتوجه لأفريقيا، من خلال غرف الصناعة والتجارة، لكن عند تقييم النتائج الفعلية التى ترتبت على هذه التوجهات، سنجد أن المردود لا يتناسب مع ما يُفترض أن يتحقق.

ما السبب فى ذلك؟

يرجع ذلك إلى أن رجال الأعمال فى مصر لديهم فكرة مغلوطة عن أفريقيا، ولايزال الكثيرون منهم يرون أنها قارة مظلمة مليئة بالأمراض وعدم الأمن، لذا يترددون ويفكرون أكثر من مرة قبل أن يتخذوا القرار بضخ أموالهم فى دول القارة.

لكننا قمنا بتأسيس صندوق لتأمين الاستثمارات فى أفريقيا ضد أى مخاطر؟

بالفعل قدمت الحكومة حوافز كثيرة مثل ضمان الصادرات، وحماية الاستثمارات والتخفيضات على الشحن، بجانب اتفاقيات ثنائية مع الدول الأفريقية، بالإضافة إلى الانضمام لمنظمات أفريقية تمنح تعريفات جمركية مميزة للسلع المصرية. لكن تظل المشكلة أن رجل الأعمال المصرى ليس لديه فكرة حقيقية عن أفريقيا والفرص المتاحة بها، والمميزات التى يمكن أن يحصل عليها، ويلجأ للاستثمار فى دول القارة فقط عندما يشعر أن كل الفرص والأسواق الأخرى أصبحت مغلقة أمامه، كما أن رجال الأعمال يتعاملون مع أفريقيا على أنها دولة، وليست قارة بها 54 دولة لكل منها ظروفها وإمكانياتها وطريقة التعامل معها.

انطلقت منطقة التجارة الحرة الأفريقية رسميا مطلع العام الجاري، فما الفترة الزمنية المتوقعة كى تبدأ شعوب القارة فى الشعور بآثارها الإيجابية؟

لقد انطلقت منطقة التجارة الحرة الأفريقية، واتخذت أكرا فى غانا مقرا لها، وزار سكرتير عام المنطقة مصر منذ فترة قريبة، لكن لم يتم الانتهاء من البروتوكول الخاص بتحديد نسب المنتجات والموارد المحلية، وهو أمر مهم جدا قبل البدء فى التنفيذ، وبالتالى أعتقد أنه لا تزال أمامنا فترة لكى يتم الاستفادة من هذه الاتفاقية.

القواعد والاتفاقيات

صدرت دعوات كثيرة بضرورة تعزيز التعاون بين الكيانات الاقتصادية المختلفة بالقارة، ألا ترين أن هذه الدعوات لا تزال مجرد حبر على ورق؟

بالفعل، من الناحية التنفيذية لازالت حبرا على ورق، ولكن فى واقع الأمر استدعت اتفاقية التجارة الحرة  وجود تنسيق وتعاون بين التجمعات الإقليمية، والقيام بعدد من الخطوات التى تم تنفيذها.. فعلى سبيل المثال تم عقد اجتماعات دائمة بين التجمعات، بهدف الوصول لنوع من التنسيق وتوحيد بعض القواعد والاتفاقيات، مثل قوانين الجمارك التى يجب توحيدها فى القارة كلها. فى المقابل لم يتحقق التبادل التجارى بين التجمعات والاقاليم المختلفة.

يظل النقل عقبة أساسية، خاصة مع عدم وجود طيران مباشر بين دول القارة الأساسية، من هنا تأتى أهمية المشروعات الكبرى مثل "القاهرة - كيب تاون".. لكن ما الإجراءات التى يتم اتخاذها على أرض الواقع لتنفيذ هذا المشروع وغيره؟

- تم تنفيذ جزء كبير من مشروع "القاهرة - كيب تاون"، ولكن هناك مناطق تأخر العمل بها. كما تم الانتهاء من طرق أخرى مثل طريق المغرب العربى شمال أفريقيا.

ويجب أن أشير إلى أن هناك عقبات قد تواجه أى مشروع، مثل حرب أهلية أو عدم وجود تمويل كاف.

وبالفعل لدينا مشكلات فى النقل ومن بينها خطوط الطيران ، فعند السفر من دولة أفريقية لأخرى لابد أن تمر بإثيوبيا أو تضطر للتوجه إلى 3 أو 4 دول حتى تصل للبلد الذى تريده، وقد تقدم بول كاجامى رئيس رواندا بمبادرة السماوات المفتوحة للاتحاد الافريقى فى عام  2018، وتم عمل معرض كبير شاركت فيه شركات الطيران الافريقية، ولا زالت فى حيز التنفيذ، وستساهم بشكل كبير فى ربط دول القارة ببعضها.

 

فى نوفمبر 2019، ذكرت على هامش اجتماع مجلس تصدير الصناعات الهندسية أن لمصر مزايا أكبر بكثير من باقى دول العالم فى أفريقيا بسبب الاتفاقيات التجارية، فهل بدأنا فعليا استثمار هذه المزايا؟

لدينا اتفاقيات مع دول القارة منذ عشرات السنين، بجانب لجنة مشتركة يتم من خلالها التوقيع على العديد من الاتفاقيات منها ما يحمى الاستثمارات ويمنع الازدواج الضريبى، هذا بجانب انضمام مصر للكوميسا الذى أعطاها مميزات تفضيلية كثيرة جدا.

لذا فإن الإطار القانونى الذى يساعد أى دولة على التحرك متواجد، بالإضافة إلى المزايا والحوافز الكثيرة التى قدمتها مصر.. ولكن يظل هناك بعض القصور فى معرفة رجال الأعمال بالفرص المتاحة فى دول القارة.

هل يساهم كتاب الاستثمار فى أفريقيا الذى تعاون فى عمله السفراء الأفارقة بمصر فى تعريف رجال الأعمال بالفرص المتاحة لدى دول القارة؟

- لا بد أن يقوم رجل الأعمال بتخصيص أحد العاملين معه، ومنحه إمكانية التوجه للدول الأفريقية وإجراء دراسات جدوى بالقوى الموجودة وأسعار المنتجات، حتى يستطيع تقييم إمكانية المنافسة، خاصة أن القارة تشهد منافسة كبيرة من كل بقاع العالم.

حقوق الجيرة

كيف تفسرين سياسة المماطلة الإثيوبية التى تتخذها فى حسم جميع القضايا المصيرية المهمة مثل قضية سد النهضة والحدود مع السودان؟

لا يوجد أى مبرر لما تقوم به إثيوبيا، وأرى أنها تخرق كل القوانين الدولية وحقوق الجيرة ، فما فعلته مع السودان من اعتداء على سيادته مرفوض تماما، كما أن ما يحدث مع مصر والسودان فيما يخص المياه يؤكد أنها دولة تسلب جيرانها حقهم فى الحياة، وكان يمكن حل المشكلة منذ البداية إذا تم تناولها بإيجابية، خاصة أن مصر أبدت حسن نواياها أكثر من مرة.

وكلما كنا نقترب من اتفاق تتراجع إثيوبيا فى آخر وقت. حدث ذلك مرارا وتكرارا، وليس فقط بعد وساطة واشنطن، فقد رفضت أديس أبابا العرض المصرى باقتراح مكاتب استشارية دولية، واختارت إثيوبيا مكتبا آخر وافقت عليه مصر، وعندما أصدر المكتب تقريره لم يوافق عليه الإثيوبيون.

هل ترين أن العلاقات المصرية السودانية على المستوى المطلوب وكيف نستطيع تقوية هذه العلاقات؟

العلاقات مع السودان تحتاج إلى الكثير من الجهد، فيجب أن نبدأ على المستوى الشعبى، لأن البشير تسبب خلال فترة حكمه، فى خلق نوع من الجفاء فى العلاقات بين الشعبين، ويلاحظ ذلك على مواقع التواصل الاجتماعى، كما أن السودان خلال الفترة الحالية فى أشد الاحتياج إلى دعم قوى، سيعود بالنفع على مصالح البلدين سواء اقتصاديا أو أمنيا.

تسلمت الكونغو الديمقراطية رئاسة الاتحاد الأفريقى، وقد حرص رئيسها على زيارة مصر ولقاء الرئيس السيسى، للتنسيق والتشاور حول الملفات المهمة، فما أهم الملفات التى تعتقدين أن الكونغو ستمنحها الأولوية خلال عام رئاستها للإتحاد؟

يوجد أكثر من ملف مهم، مثل الاستمرار فى خطوات منطقة التجارة الحرة نظرا لأهميتها لكل دول القارة، لأنها السبيل لتحقيق الوحدة الأفريقية التى بدأنا نسعى إليها منذ سنوات طويلة. بجانب الاستراتيجية الخاصة بالاتحاد 2063، ومبادرة إسكات البنادق، كما أن شعار القمة الحالية يستدعى وجود تعاون فى المجالات الثقافية، ووضع برامج تنفيذية فى القمة الحالية للنهوض بهذا التعاون.

دولة صديقة

هل ترين أن رئاسة الكونغو للاتحاد يمكن أن تشهد خطوات إيجابية على طريق حل مشكلة سد النهضة؟

الكونغو دولة صديقة، وتعد من أقدم الدول التى تجمعنا بها علاقات وطيدة، فهى الدولة الوحيدة التى لم توقع على اتفاق عنتيبى تضامنا مع مصر والسودان، وفى اللقاء الذى حدث بين الرئيس عبد الفتاح السيسى ونظيره الكونغولى، تم استعراض موقف مصر والمبادئ التى تحكمها فيما يخص السد، وهناك تقدير لتمسك مصر بالمنحى السلمى فى حل القضية.

لكن مع كل ذلك أشك فى قدرة أى دولة على حسم الخلاف، طالما استمرت اثيوبيا فى تعنتها، فقد سبق أن فرضت أمريكا عقوبات ومنعت مساعدات، ومع ذلك لم يتم التوصل لاتفاق.

كيف يمكن التصرف إزاء هذا التعنت الأثيوبي؟

لا بد من اللجوء للقوة. ولا أقصد القوة العسكرية، لكننا نحتاج على سبيل المثال للجوء لمجلس الامن، بهدف الخروج بقرارات ضد إثيوبيا، باعتبارها تهدد السلم والأمن فى المنطقة كلها، وما حدث مع السودان مؤخرا يؤكد ذلك، هذا بجانب مشاكلها السابقة مع كينيا والصومال.

ولا بد من حشد رأى عام دولى، يكون له تأثير وانعكاسات اقتصادية وعقوبات يتم فرضها على أديس أبابا.

تنتهى عضوية مصر هذا العام فى الترويكا، ما القنوات الأخرى التى يمكن أن تواصل من خلالها دورها فى خدمة قضايا القارة؟

وجود مصر فى منصب رئيس لجنة بناء السلام فى الأمم المتحدة، الذى حصلت عليه بأعلى أصوات وبالدعم الافريقى منذ أيام، يعد أحد القنوات التى نستطيع من خلالها التواصل مع الاتحاد الافريقى ودول القارة.