٢٥ ينايــر.. ثــورة سرقها ا لإخـــــــــــوان

الأساطير المؤسسة لـ«الجماعة الإرهابية»

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

يخطئ من يتصور أن أثمن ما خسرته جماعة "الإخوان" خلال السنوات العشر الماضية هو الحكم.

 

أخطر ما فقدته الجماعة هو صورتها.. وأفدح خسائرها هو افتضاح تلك الأساطير التى ظلت تنسجها داخل جدران العقل العربى لأكثر من 90 عاما، حتى عششت فيه كخيوط العنكبوت، فإذا بثورة المصريين فى 30 يونيو 2013 تبددها فى ساعات !

 

والأسطورة هى مجموعة من الأفكار والمعتقدات التى انتقلت بين الأجيال، واكتسبت وجودها من تكرارها، وليس من صدقها أو واقعيتها، فهى نتيجة التكرار والانتقال عبر الزمن صارت من الأمور التى لا يجهد أحد ذهنه فى فحص مدى صدقها، أو موافقتها للحقيقة، وإذا كان المفكر الفرنسى المسلم روجيه جارودى قد أسهم بكتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، فى فضح نهج الصهيونية فى خداع العالم، فما أحوجنا اليوم إلى فضح الأساطير المؤسسة لـ"جماعة الإخوان الإرهابية".

 

أسطورة السلمية!!

وقد نجحت الجماعة الإرهابية منذ ميلادها فى صناعة الكثير من الأساطير، التى لا يزال بعضها موجودا إلى اليوم فى عقول "المتأخونين" أو "المتعاطفين" أو "المخدوعين"... وأول تلك الأساطير التى ينبغى التصدى لها، هى ما يتعلق بسلمية الجماعة أو قبولها للديمقراطية، والحقيقة أن تلك الأسطورة باتت من أكثر ما يثير السخرية، فمن يقرأ تاريخ الجماعة، ويتعمق فى أدبياتها يكتشف أنها كانت ولا تزال الحاضنة الأهم فى العصر الحديث للفكر المتطرف والممارسات الإرهابية، فالجماعة التى أسست "التنظيم السرى" مع بداياتها الأولى، كانت قد حسمت موقفها بالاتجاه إلى "شرعنة" القتل والعنف واستخدامه أداة لخدمة أغراضها السياسية ومواجهة خصومها، حتى قبل ظهور "فيلسوف الدم" سيد قطب فى أفق الجماعة، فلم يكن الحوار يوما بين ثوابت تلك الجماعة، إنما كان القتل هو الثابت الأهم والأكثر استمرارية فى تاريخها الدموى.

 

وهناك عشرات الأدلة التى لا تتسع لها المساحة هنا عن عمليات القتل والاغتيال التى نفذتها الجماعة عبر عقودها التسعة، لكن التحول الأخطر كان مع ظهور فكر سيد قطب، وتبنى الجماعة له، وهو ما بات مرجعية لكل فكر متطرف وتنظيم إرهابى عرفته المنطقة العربية على مدى العقود الماضية، ويكفى أن معظم قادة التنظيمات الإرهابية خرجوا من حاضنة "الإخوان" ليس ابتداء بأيمن الظواهرى زعيم تنظيم "القاعدة"، وليس انتهاء بأبى بكر البغدادى مؤسس تنظيم "داعش".

 

"التكفير" عقوبة "التفكير"!

وبينما يحاول "المتأخونون" إيهام الأبرياء بأن "الإخوان" يحترمون الديمقراطية، ويتبنون أدواتها، فإن علينا فقط أن نفحص ببعض التدقيق أساليب إدارة الجماعة التى لم تعرف يوما أية أدوات ديمقراطية، ولم ينشأ عناصرها على الاختيار أو المشاركة فى صناعة القرار، بل كل ما يتم تربيتهم عليه هو "السمع والطاعة".

 

أما من يتجرأ منهم على ممارسة "جريمة" التفكير خارج سرب الجماعة، فيكون مصيره "التكفير" والطرد خارج "جنة مكتب الإرشاد"، وتأملوا ماذا فعلت الجماعة مع بعض قياداتها لمجرد أنهم أبدوا رأيا مختلفا مع مرشدها، مثل د. محمد حبيب، ثروت الخرباوى، مختار نوح، وغيرهم، لتعرفوا مدى "ديمقراطية" الجماعة!!

 

أما إذا انتقلنا إلى السنوات العشر الماضية، فلا أعتقد أن الذاكرة تخلصت من مشاهد العنف والتعدى على المتظاهرين وحرق المنشآت العامة، وحصار المؤسسات، فضلا عن تنفيذ عناصر الجماعة عشرات العمليات الإرهابية وتبنيها، وفتاوى التحريض على إراقة الدماء واستهداف كل من يختلف مع الجماعة، وانضمام العديد من شبابها إلى تنظيمات "داعش" و"جبهة النصرة" و"بيت المقدس"، أو تكوينهم لتنظيمات إرهابية خاصة بهم، لندرك رسوخ ثقافة "الديمقراطية والسلمية" فى عقول أبناء المرشد!!

 

ومن الأساطير التى أسقطتها السنوات العشر الماضية أسطورة أن "الإخوان" جماعة دينية، فرغم الاستخدام الكثيف من جانب الأبواق الإخوانية لخطاب ملتبس يخلط بين الدين والسياسة، وبين الدعوة والسلطة، إلا أن وصول الجماعة إلى الحكم، كان اللحظة الكاشفة لزيف تلك المزاعم، فالازدواجية والكذب وممارسة كل صنوف الخداع والتضليل لا علاقة له بالدين، بل إن تلك المسوح الدينية التى حاولت الجماعة أن ترتديها أمام العامة تبددت أمام اختبار السياسة، فظهر الوجه الحقيقى لجماعة "الكذابين"، وتحول الدين فى أيديهم إلى لعبة وأداة، وهذا أخطر ما فعله "المتأسلمون" بالدين، فقد خلطوا بين الأداء السياسى لتلك الجماعات، وبين تعاليم الإسلام، حتى تتلاشى الحدود الفاصلة بين السلوك البشري، وبين التعاليم الإلهية، وأدى ذلك النهج الملتوى إلى تحميل الإسلام كعقيدة أوزار حركات "التأسلم السياسي" وتحريف معنى الإسلام بتحويله من عقيدة جامعة للأمة إلى أيديولوجيات سياسية تشعل الفتن وتفجر الصراعات وتكرّس الانقسامات فى صفوف المسلمين.

 

سقوط الأقنعة الزائفة

ومن الأساطير الإخوانية التى كشفتها "عشرية" ما يسمى بـ"الربيع العربي"، أسطورة "الاضطهاد"، وهى أسطورة لا تزال تسعى الجماعة إلى تكريسها واستمرار النفخ فيها، رغم كل الجرائم التى ارتكبتها فى الدول التى ابتليت بحكم الجماعة، وانظروا إلى الجرائم التى ارتكبوها فى مصر والجزائر وغزة (عندما سيطروا على القطاع)، وتلك التى لا تزال ترتكبها أذرع الجماعة فى سوريا وليبيا واليمن وتونس، لتدركوا طبيعة "الاضطهاد" المزعوم، والذى لا يعدو كونه عزف على وتر العاطفة لدى المخدوعين من عامة الناس وبسطائهم، لتجد الجماعة فى أوساطهم حاضنة يتوارون خلفها حتى تحين لحظة جديدة للانقضاض.

 

أصعب ما يعانيه "الإخوان" اليوم ليس الضربات الأمنية أو خروجهم من المشهد السياسي، بل سقوط الأقنعة الزائفة عن صورتهم الذهنية التى استثمروا الكثير من الأموال والسنوات فى صناعتها، وهم اليوم ليسوا فقط فى مواجهة مع الحكومات، لكن − وهذا هو الأهم − صاروا فى مواجهة مع الشعوب، التى أدركت أنها لم تكن سوى ضحية فى لعبة خداع وتضليل كبرى، ساهمت فى صناعتها "الأساطير المؤسسة للجماعة الإرهابية"، وفضح تلك الأساطير وتفنيدها هو البداية الحقيقية لاستئصال "الورم" الإخوانى إلى الأبد.