الأرض كروية

رفعت رشاد
رفعت رشاد

أضحكنا كثيرا الفنان فؤاد المهندس في إحدى مسرحياته عندما كان يمثل شخصية مدرس " كحيان " لكنه كفء ونزيه. كان يدرٍس للتلاميذ مادة الجغرافيا ويكرر لهم أن " الأرض كروية " .. وقد حدث حوار كوميدي بينه وبين أحد أولياء الأمور _ الفنان جمال إسماعيل _ بسبب رفض جمال إسماعيل _ المعلم _ مقولة أن الأرض كروية .. وتساءل ببلاهة : يعني أنا أكون واقف هنا .. الصبح ألاقي نفسي هناك ؟ ولا أتذكر المنطقة التي أشار إليها . علاقة هذا الحوار بالموضوع الأساسي للمقال تتلخص في كروية الأرض التي لم يكن العالم يراها كروية قبل عدة قرون , لكن ثبت أنها كروية وأنها تدور حول الشمس وحول نفسها . حال البشر والدنيا يشبه حال الأرض .. دوارة . 


يعتقد بعض البشر أن الدنيا دائمة وأن الأرض لا تدور ولا تذهب بعيدا عن مسارها الذي وُجدوا هم عليه , لذلك يتعاملوا مع الأمور وكأنهم دائمين في أماكنهم.

هذا الاعتقاد الخاطئ يجعل المتجبرين يزدادوا في تجبرهم لأنهم واثقين أن أماكنهم أبدية ولا يتذكرون أنهم وصلوا إلى هذه الأماكن بعدما غادرها آخرون .

وكما يطلع على الأرض نهار كل يوم وتسطع أشعة الشمس كل يوم وتجري المياه في الأنهار كل يوم , فإن أحوال البشر تتغير كل يوم كما أن مواقعهم تتبدل كل يوم , من كان في الأعلى يصبح في الأسفل ومن كان في الأسفل يصعد إلى مكانة أخرى . تقول المأثورة : لو دامت لغيرك ما وصلت إليك , لكن النسيان والتجاهل من طبائع البشر , لا يدركون أن الأرض كروية إلا بعد أن تدور بهم وتلقي بهم في منطقة جغرافية أخرى . اليوم هو في مكانة ومقام وسلطة ونفوذ وغدا هو بعيد عن كل ذلك وربما يتسول الحب والاحترام ويتمنى أن يسأل عنه الناس . بعضهم يرفض فكرة إقصائه فيحاول إعادة عجلة الزمن في داخله فيتصرف على أساس أن شيئا لم يتغير وهذا يعتبر اضطرابا نفسيا , وآخرون قد ينزووا بعيدا يهجرون الحياة بمعناها الحقيقي وقد يتعالمون مع الناس أو يذهبون إلى أماكن لكن بداخلهم يكنوا وحيدين غرباء عن الآخرين شاعرين بالرفض للعالم الخارجي منشئين عالم خاص بهم في داخلهم .


كروية الأرض صارت مسألة يعرفها كل طفل صغير بعدما شهدت صراعات في القرون الوسطى بين العلماء بعضهم البعض وبين العلماء والكنيسة في أوروبا حتى أيقن الجميع بحقيقية كروية الأرض , لكن لم يصل بعض المتنفذين وعاشقي السلطة إلى هذا اليقين متمسكين بأن الدنيا دائمة وأن مكانتهم وأوضاعهم أبدية وهو ما يطيح بعقولهم إذا ما ابتعدوا عن هذه المكانة وهذا النفوذ وهذه السلطة والجبروت.