بدون رتوش

هل إسرائيل مركز الكون؟

د. أحمد فؤاد أنور
د. أحمد فؤاد أنور

د. أحمد فؤاد أنور


من يدور في فلك من؟ سؤال كاد يدفع "جاليليو" حياته ثمنا له على يد عدد من المتشددين أصحاب الصوت العالي والنفوذ حين كان الحديث عن: هل الأرض مركز الكون والكواكب هي التي تدور حولها؟ "جاليليو" الذي ارتكز على دراسات (غير منشورة) لعالم الفلك البولندي (نيكولاس كوبرنيكوس) خلصت إلى نفس النتيجة تراجع عن نظريته ووقع إقرارات ممهورة بتوقيعه تفيد قناعته التامة بأن الأرض مركز الكون.. لكنه بعد أن وقّع ضرب الأرض بقدميه وقال همسا: "لكنها تدور". 


وجه الشبه والمقارنة بين واقعة "جاليليو" وبين التهويل من حجم وتأثير إسرائيل تبادر للذهن مرارا من قبل حينما نرى أنه من المحظور على العالم كله إنكار "المحرقة النازية"، حيث يتعرض كل من يسعى لتأريخ مختلف أو مشكك للتنكيل المعنوي والمادي، بل والاقالة والسجن. فهل هذه هي الحقيقة الراسخة والثابتة والوحيدة؟ أم أن تل أبيب تتحكم في القوى العظمى حاليا من خلال اللوبي اليهودي ولذا تفرض الولايات المتحدة على العالم رؤيتها؟ هل للوبي اليهودي في الولايات المتحدة الحكومات الإسرائيلية مثل هذا القدر من التأثير والنفوذ أم أن هذه مصالح ورغبة الولايات المتحدة نفسها؟ 


منذ أيام فشلت إسرائيل في تمرير  ميزانية مثل بقية الدولة العادية، بل ومثل أي شركة كبيرة أو صغيرة تستعين بمحاسبين ذوي خبرة، وعلى هذا سقطت الحكومة الائتلافية وتم حل الكنيست وتوجهت إسرائيل إلى انتخابات هي الرابعة خلال عامين.. وفي المقابل لم يلتفت الكثيرون إلى أنه في ظل هذه الأوضاع غير المستقرة إداريا وتنظيميا ووسط مزايدات وانشقاقات.. فشلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تعيين حتى قائد للشرطة فقد تأججت الخلافات الداخلية وجعلت هذا المنصب حتى كتابة هذه السطور مطلع عام 2021 شاغرا ومن يتولاه يكون قائما بأعمال قائد الشرطة وليس قائدا فعليا لها.  قد تبدو الأزمة هامشية إذا ما كان الأمر يتعلق بجهاز هامشي أو لفترة قصيرة أو محددة لكن اللافت للنظر أن الأزمة التي بدأت في ديسمبر 2018 مستمرة حتى الآن، بل ومن المرجح أن تستمر لفترة وفترات أخرى. وهنا يجب علينا التوضيح أن القائد الفعلي الأخير للشرطة الذي تولى المنصب ارتكب فعلة ربما يتم بسببها معاقبة الجهاز بالكامل! بما يترتب عليه بشكل تلقائي معاقبة المجتمع ذاته.. وهو نفس المجتمع الذي يزعم التطور والتفوق عن محيطه العربي والإقليمي!!


فالقائد الأخير للشرطة الإسرائيلية "روني الشيخ" (من أصل يمني لأبيه ومغربي من والدته) أصر على أن تسير التحقيقات ضد فساد نتنياهو قدما وبالفعل أوصت الشرطة في عهدة باحالة نتنياهو للنيابة وتقديم لائحة اتهام ضده تتضمن خيانة الأمانة وتلقى رشى. وإذا كانت الشرطة الصهيونية منذ تأسيسها من 700 فرد عام 1947 وحتى اليوم  لم يتولى قيادتها قائم بأعمال سوى فترة خمسة أشهر فقط، فإنه منذ 3 ديسمبر 2018 وحتى مطلع 2021 يتولى القيادة قائم بأعمال وليس قائد!! فقد تولى الشرطة بعد "روني"، "موتي كوهين" كقائم بالأعمال من ديسمبر 2018 حتى 31 ديسمبر 2020، ثم تم اختيار "ايلون اسور" كقائم بأعمال أيضا منذ هذا التاريخ -بعد فشل مشاورات تعيينه قائدا فعليا!! رغم أنه تولى منصب نائب قائد الشرطة من منتصف عام 2019 ولديه خبرة ودراسات أكاديمية. مما يزيد من علامات الاستفهام حول السبب الحقيقي في عدم تعيينه وسد الفراغ التنظيمي.


ويجدر بنا هنا ملاحظة أن أنصار الليكود ونتنياهو روجوا إلى الزعم بأن: استمرار هذا الوضع الشاذ هو الصواب لأن في تعيين قائد للشرطة آثار سلبية من بينها استقالة عدد من المتنافسين على المنصب إذا لم يتم اختيارهم لتولي قيادة الشرطة. كما يجدر بنا ملاحظة أن الشرطة بوضعها الحالي تقمع بشكل شبه يومي مظاهرات ضد نتنياهو وتعتقل العشرات. 


الخلاصة هي أن الأسئلة التي تعيد طرح نفسها عديدة: من الذي يحكم كيان بدون ميزانية وبدون كنيست وبدون حكومة وبدون قائد للشرطة لأكثر من عامين؟ وهل من المستساغ والمقبول على العقل أن يتحكم كيان بدون بنية تنظيمية في أقوى دولة في العالم.. الولايات المتحدة؟ وهل رغم الضغوط والابتزاز ينتظر إسرائيل -بأطماعها التوسعية وسياساتها العنصرية- مصير الممالك الصليبية في الشرق التي سقطت أخرها 1292بعد قرنين من الزمان من تأسيسها؟ وكما سقطت محاكم التفتيش في القرن التاسع عشر وسقط معها دعاة التشدد الديني أعداء "جاليليو" الذين اجبروه على إنكار نظرياته العلمية وصادروا مؤلفاته لقرون؟

أم تعدل إسرائيل من سلوكها العدواني وجرائمها المستمرة وتبحث عن هبوط آمن وتكف عن اعتبار نفسها.. مركزا للكون؟