أطلق عليها الإغريق «هيليوبوليس».. «أون» أهم المناطق الأثرية بـ«عين شمس»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

عرفت مدينة «أون» فى المصرية القديمة التي ذكرت فى «التوراة»، وأطلق عليها الإغريق «هيليوبوليس»، والتى تعد من أهم المناطق الأثرية المصرية القديمة وتعتبر من أقدم العواصم فى العالم القديم، كما أكده مجدي شاكر كبير الأثريين. 

واكتسبت مدينة «أون» عبر تاريخها القديم أهمية كبرى، وذلك لعدة أسباب أولها: دورها المؤثر فى الحياة الروحية لمصر القديمة نتيجة لكونها المركز الرئيسي لعبادة الشمس، بالإضافة إلى كونها المنظم لأقدم ديانة خاصة بنشأة الكون، وهى المحرك الأول لأقدم تقويم شمسي.

أضاف «شاكر»، أن البعثات الأجنبية أهتمت منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي بالعمل فى مركز المدينة حيث المعبد الكبير لأتوم والسور الضخم المحيط به، وكان أول من بدأ العمل مارييت فى عام 1858م بجوار مسلة سنوسرت الأول حيث عثر على بعض أجزاء من المسلات إلى جانب عدد من الآثار الأخرى.

وتابع: تلاه أحمد باشا كمال الذى أقام بالمدينة منذ 1874 – 1907م، وأجرى بها حفائر بمواقع عدة، وعثر على العديد من المكتشفات الأثرية المهمة بجبانتها، وفى نفس الوقت كان سكاباريلى رئيس البعثة الإيطالية التى عملت منذ 1903- 1906م، واكتشف بناية ذات حجرات متعددة فى منطقة تل الحصن، قارنها بقصر التيه «اللبيرنت»، وبها عثر على بقايا مقصورة للملك «زوسر» من الأسرة الثالثة – الدولة القديمة، محفوظة حالياً «بمتحف تورين». 

ومنذ عام 1881 أجرى فلندرز بترى حفائره بها حتى اكتشف الحصن الضخم ذا السورين عام 1912 م، وبوابتيه الحجريتين، وأجرى «ديبونو» حفائر بصحراء هليوبوليس مصر الجديدة حالياً فى عام 1923، واكتشف جبانة من عصر ما قبل الأسرات، ثم استؤنف العمل تحت رئاسة مصطفى عامر وإبراهيم رزقانة.

ومنذ عام 1955 وحتى الآن أصبح العمل بالمنطقة محصوراً فى الجانب المصرى، الذى استطاع نتيجة أعمال حفر الأساسات وبعض أعمال الحفائر النظامية كالتى أجراها مطاوع بلبوش «1962- 1972م» بمنطقة معبد سنوسرت الأول.

واكتشف بها أقدم كسر لمسلة من الدولة القديمة – الأسرة السادسة تحمل اسم الملك «تتى»، فى كشف عارض أثناء إجراءه مجسات حول موقع مسلة سنوسرت الأول، ما زالت محفوظة بالمتحف المفتوح إلى جانب أعمال الحفائر التى قام بها فى منطقة تل الحصن، حيث عثر على عمود مرنبتاح التذكارى، وأجزاء من معبد لرمسيس الثانى وبوابة لكبير كهنة هليوبوليس من عصر الرعامسة.

ويعد معبد «أون» من أكبر المعابد بمصر القديمة، إذ بلغ حجمه ضعف معبد الكرنك بمدينة الأقصر، لكنه تعرض للتدمير خلال العصور اليونانية والرومانية، ونقل العديد من المسلات والتماثيل التى كانت تزينه إلى مدينة الإسكندرية وأوروبا، كما استخدمت أحجاره فى العصور الإسلامية فى بناء القاهرة التاريخية.

كانت أحياء المطرية وعين شمس وما يحيط بهما من مناطق هى المكان الذي كانت تشغله قديما العاصمة المصرية القديمة أون، والتى كانت تنقسم إلى أربعة ضواحي أكبرها الضاحية الشمالية، وكانت معبودتها الرئيسية هى الإلهة «حتحور»، وكان يطلق عليها «سيدة الأعياد»، وكذلك كان يوجد إلى الجنوب ضاحية كبيرة والتى ربما تشغلها الآن منطقة مصر القديمة.

ويمكن تقسيم المدينة إلى منطقتين كبيرتين، هما منطقة المعابد وكانت محاطة بسور ضخم من الطوب اللبن وتشغلها الآن مناطق المسلة وعرب الحصن عرب الطوايلة والخصوص والمنطقة الثانية هى منطقة الجبانة، وكانت تسمى وتشغلها الآن مناطق عين شمس الشرقية وعين شمس الغربية وحلمية الزيتون والنعام ومنشية الصدر وأجزاء من مصر الجديدة ومدينة نصر والروضة.

وأشار مجدي شاكر، إلى أن مدينة «أون» تعد من أقدم المدن المصرية، حيث يرجع تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ ويعتقد أنها كانت عاصمة لمصر فى وحدتها الأولى قبل عصر الأسرات وتقع المدينة فى منطقة رأس الدلتا، وكانت عاصمة للإقليم الثالث عشر من أقاليم مصر السفلى، وكان الإقليم يسمى الحاكم العادل، وورد الإسم في عصر الدولة القديمة ووجد منقوشاً على جدران مقصورة الملك سنوسرت الأول بالكرنك.

وأُطلق على مدينة «أون» العديد من الأسماء خلال مختلف العصور، وهي فى العصر الفرعوني «أون» بمعنى العمود المقدس وفى العصر اليوناني الروماني أطلق عليها إسم هليوبوليس وتعني مدينة هليوس أى مدينة الشمس، وكانت تسمى فى العصر القبطي «أون» وسماها العرب عين شمس.

كانت المدينة مقراً لعبادة الإله أتوم، الإله الأزلى الخالق، ويعني اسمه الكامل، وكان يصور على شكل رجل له لحية ويرتدي فوق رأسه التاج المزدوج، وكانت تعبد معه زوجته وتسمى أيوس عاس، ويعنى اسمها العظيمة آتية، وكانت تصور على شكل سيدة يعلو رأسها جعران وكانت تلقب بسيدة «أون».

وعُبد الإله رع كإله رئيسي للمدينة وهو إله الشمس، وكان يصور فى شكل رجل يعلو رأسه قرص الشمس، وكان يطلق على المكان اسم  مقر الإله رع، وكذلك عبد فى المدينة العديد من الآلهة المصرية القديمة، وأقيم لها مقاصير عبادة ومعابد مثل الإله آمون وآتون وأوزير وجحوتي وغيرهم، وأثرت المدينة الحياة الثقافية والحضارية والدينية فى مصر القديمة، فهي صاحبة أقدم نظرية دينية فى الخلق وسماها العلماء بنظرية التاسوع، لأنها تنسب بداية الخلق إلى تسعة آلهة  كذلك ينسب للمدينة الفضل فى نشأة التقويم الشمسى وتقسيم السنة إلى فصول وشهور.

كان يوجد بالمدينة أقدم جامعة مصرية ربما فى العالم، وجذبت شهرتها العديد من الدارسين للالتحاق بها وكان يدرس فى جامعتها العديد من العلوم مثل الحكمة والفلسفة وعلم الفلك والطب والتاريخ والدين وكان يطلق على كبير كهنتها لقب كبير الرائين، وهو لقب يرتبط بالفلك وكان العديد من الأمراء الصغار بالأسر المالكة المصرية يتلقون تعليمهم فى جامعتها مثل الأمير أمنحوتب الرابع «إخناتون» ابن الملك أمنحوتب الثالث وكذلك كان يدرس بها أبناء النبلاء وكبار رجال الدولة لكى يحصل أولادهم على التعليم الراقي الذى يؤهلهم لشغل الوظائف المهمة فى البلاد والقصر الملكى».

المؤرخ المصرى القديم مانيتون من القرن الثالث قبل الميلاد قد ألف كتابا عن تاريخ مصر، استقى معظم معلوماته من السجلات وأوراق البردى التى كانت محفوظة بأرشيف معابد مدينة أون، والتى كان يطلق عليها اسم برعنخ أى بيت الحياة.

وقد درس وزار مدينة «أون» فى العصر المتأخر والعصر اليونانى الرومانى العديد من الكتاب والفلاسفة والمؤرخين، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر هيرودوت الملقب بأبو التاريخ والفيلسوف بلاتو «أفلاطون» والجغرافى الشهير استرابو، وكذلك بلينى وسولون واثنيس فيثاغورس صاحب النظريات الرياضية، وقد تشرفت المدينة كذلك بزيارة العائلة المقدسة لها أثناء رحلتها إلى مصر وقد ذكر اسمها فى العهد القديم سفر أشعيا، وقد زارها وكتب عنها فى كتبهم العديد من الرحالة والمؤرخين العرب منهم المقريزي ومحمد إبراهيم الجزيري  وزارها المؤرخ العربي عبداللطيف البغدادي عام 1190م.

وكشف عن بعض أطلال المدينة القديمة، والتي تمثل على قلتها صدي، لما كانت عليه المدينة فى العصور القديمة من أهمية ومكانة كبيرة يجب الحفاظ عليها وصيانتها وبذل المزيد من المجهودات للكشف عن مزيد من الآثار، التي ما زالت مطمورة فى باطن أرضها وهى بلا شك كثيرة ومهمة ستتيح إلقاء المزيد من الأضواء على التاريخ المصرى القديم.

ويوجد الآن بالمطرية موقعان مفتوحان للزيارة هما المتحف المفتوح بالمسلة يضم العديد من القطع الأثرية المهمة، والتى تحكي عن جزء من تاريخ المدينة ويوجد بالمتحف المسلة، وهي ترجع إلى عصر الملك سنوسرت الأول «دولة وسطى» وهى منحوتة من كتلة واحدة من حجر الجرانيت الأحمر المقطوع من محاجر أسوان، وهي فى مكانها الأصلي أمام بوابة المعبد المهدم الآن والمدفون تحت الأرض وارتفاع المسلة حوالى 44‚20 م ووزنها حوالى 21 طناً.

وشجرة مريم حيث توجد شجرة عتيقة يقال إنها الشجرة التى جلست تستظل بها العائلة المقدسة أثناء رحلتها إلى مصر، ويوجد بجانب الشجرة بئر مياه ترجع إلى العصر الروماني.

وكشف بمواقع عديدة أجزاء من المدينة القديمة بالمطرية وعين شمس وما يحيطهما من مناطق على أجزاء متفرقة من مبان سواء طينية أو حجرية تمثل أجزاء من معابد أو مناطق سكنية أو أفران لحرق الفخار أو لصناعة الزجاج أو أماكن لصناعة الجعة والعطور أو مقابر ولوحات نذرية وأبواب وهمية أو توابيت سواء حجرية أو فخارية وبعض الأثاث الجنائزى، الذى كان يوضع مع المتوفى ليستخدمه فى العالم الآخر، ومن أهم الآثار التى كشف عنها جزء من السور الضخم المبنى من الطوب اللبن، والذى كان يحيط بالمدينة بعض أجزاء من المعابد من عصر الدولة الحديثة بمنطقة عرب الحصن وموقع سوق الخميس.

وكشف العالم الفرنسي جوتييه عن العديد من المقابر بصحراء عين شمس من أهمها مقبرة شخص يدعى «رع مس» من عصر بسماتيك الأول الأسرة 26، وقد نشرها فى عام 1921 فى حولية مصلحة الآثار.

ومقبرة بانحسي بأرض المحامين بعين شمس الشرقية وهى من الحجر الجيري وكان يشغل منصب كبير كهنة هليوبوليس وحامل أختام الوجه القبلي والبحري من عصر الملك بسمتيك الثاني أسرة 26، وكذلك مقبرة عنخ خنسو المشرف على الجنود وحاكم الحدود الشرقية وحامل ختم الوجه البحري وبجوارها توجد مقبرة شخص يدعى حور يحمل لقب كاهن آمون وكذلك مقبرة واج حور وجميعها من عصر الأسرة 26.

شاهد ايضا :- كيف تروج وزارة السياحة للمناطق الأثرية المصرية في بطولة العالم لكرة اليد؟