جمال الشناوي يكتب: 18 مليون حق وأيزنهاور الشرق

الكاتب الصحفي جمال الشناوي
الكاتب الصحفي جمال الشناوي

ربما كان الريف المصري مصدراً لرفاهية الأغنياء فقط.. سرايا للباشا، أو عزبه يملكها مليونيراً من خدم السلطة.. مرت عقود طويلة ورحل الملك ورجاله، وتحررت القرية المصرية من قيود الرق المسموح والعبودية الممتعة للكبار، وأقصى ما قدمه أهل السياسة هو مكافحة الحفاء شراء لأصواتهم في الانتخابات.


تعاملت الحكومات المتعاقبة مع الريف على انه مصانع صغيرة لإنتاج الغذاء، مع ضياع حقوق صانعيه، سقط الملايين من الفلاحين صرعى للأمراض والاستغلال، في أجواء ديمقراطية جداً..

ونهضت ثورة يوليو بالفلاح، وتم توزيع الأراضي عليهم ولأول مرة بات الفلاح مالكاً.. وتم إنشاء المستشفيات والوحدات الصحية والمدارس في جانب من القرى.. ولكن مرت مصر بمغامرات غير محسوبة، عطلت كل خطط التنمية، وتعاقبت عقود طويلة دون تدخل محسوس من الدولة ولا المجتمع المدني للمشاركة في تخفيف آثار الإهمال والجمود. غابت عن الدولة ومجتمعها المدني أي محاولات جديه لتنمية قرابة خمسه آلاف قرية في جنوب البلاد وشمالها.
كانت الدولة في حالة جمود إرادي، وتركت القرى نهباً لتجار السياسة والدين، كثيراً ما تباكينا على حال أهلنا في الريف ، تدهور مستوى التعليم، انتشار الأمراض المستوطنة، حتى ضرب الفيروس أكبادهم بفعل ماء ملوث، ولم يفعل السياسيون والمنظمات سوى التجارة بآلام الفلاحين، لكسب أصواتهم في انتخابات أو ابتزاز الدولة لتحقيق مكاسب لهم 

بعد ٢٠١١ بأسابيع كنا في رحلة تدريبية على الصحافة الجديدة في عاصمة إحدى الدول الشمال الأوروبي، التي باتت تستخدم فقط كواجهة أمامية لتدخلات قوى أكبر.. وقف الرجل وبيده أوراق وبيانات عن المجتمع المصري من الداخل، ١٢ مليون مصاب بفيروس سي، ملايين أخرى بأمراض سارية، أعداد هائلة ثالثه عن التسرب من التعليم، ودراسة رابعة –مدفوعة الأجر أعدتها منظمة مجتمع مدنى عن انهيار التعليم.. ظل الرجل يتحدث عن حقوق هؤلاء ولماذا الدولة غائبة.. محاضرة ذكرتنى بخطب كثير من رجال الأحزاب في مصر عن الفقر والجهل والمرض لإظهار فشل الحكومة حتى ينال مطالبه  الخاص "بالطبع لا أقصد الجميع".

للتذكير فقط.. في إحدى جولات التسكين المعتادة، جمع رئيس مصري سابق رؤساء الأحزاب في اجتماع بمقر الرئاسة، وحضر الجميع تقريباً، كل منهم كان يحمل بين يديه أوراق بها مطالبات خاصة بالحزب وأعضائه.. إلا واحداً تأخير عن بداية الاجتماع، وبعد دخوله داعب الرئيس "والله جاى في الأتوبيس يافندم.. وبسم الله ماشاء الله العربيات كتير قوى برة" ورد الرئيس الأسبق "خلاص هترجع بعربية، وعاد الرجل إلى حزبه بسيارة "ريجاتا".

هكذا كانت أزمات المصريين سبيلاً للتجارة والتربح للنخب، وهلاكاً للبسطاء الذين يتعرضون كثيراً لغسيل مخ في للسير في ركاب الكبار من أصحاب المصالح.

سافرت بعد يناير ٢٠١١ إلى عدد من دول العالم مدعواً بتذاكر سفر وإقامه في فنادق خمس نجوم وبدل سفر مغرى، فقط كل ما سمعته وشاركت فيه كان دراسات معمقه عن المجتمع المصري من الداخل، ولكن فهمت بعد حين أنهم ليسوا ممن لا ينامون الليل حزناً على ضيق الحال في القرى المصرية، ولكنه في علم سيكولوجيه الجماهير، التحكم في مفاتيح تسخين المناطق المختلفة، ومعرفة قضية وأزمة كل قرية في مصر، التي قدمتها أبحاث مدفوعة لمنظمات بعينها، طبعا لست ممن يطلقون الاتهامات على الجميع، لكنى ممن يؤمنون أن مصر خضعت لعملية تشريح كبرى في زمن الفهلوة والمحسوبية، حتى بات ممكنا التحكم في ردود أفعال الشعب عن بعد بريموت كنترول.

هل تصدق أن دولاً صديقه تابعت بعمق تحاليل معينه لدماء المصريين لمعرفة بعض صفاتهم الجينية، تأثيراتها على الشخصية؟ للأسف هذا حدث وموثق لدى الدولة.

بعد وقت قصير من ثورة الشعب الحقيقة على عصابات الإخوان، كان لدينا تحديات هائلة، فالدولة متآكلة تقريباً، وتحتاج كل صباح إلى طعام فقط بملايين الدولارات، الشخصية المصرية طرأ عليها تغيرات بفعل سنوات من العبث بسيكولوجيه الجماهير .

لكن الخطوة الأعظم في تاريخ مصر الحديث هو القرار الشجاع باقتحام أزمة ١٢ مليون مصري يحملون في أجسادهم أكباد ممزقه بالفيروس – وأنا شخصياً فقدت أثنين من أسرتي بفعل الفيروس- 

قراراً لا يقدر عليه إلا الرجال الذى تسلموا مقاليد الأمور بأمر الشعب، ولو لم يقدم السيسي شيئاً سوى القضاء على فيروس سي وابراء أكباد الملايين من المرض، لكفى كي يجلس مرتاح الضمير.

ولكنى شعرت بكثير الامتنان وكل الرضا، وأنا أتابع بيان الرئاسة الأكثر شجاعة في تاريخ مصر، لم أصدق نفسى وأنا أعاود قراءة البيان الذى نشره السفير بسام راضى المتحدث باسم الرئاسة.. نصف تريلون جنيه ستذهب فورا إلى ١٨ مليون مصري من البسطاء والفقراء من أهلنا في الريف، قراية ٣٥٪ من القرى المصري سيتم نقلها إلى التحضر.. تطوير شامل لم أصدق نفسى، مشروعات ضخمه سيتم تنفيذها في توقيت متزامن في ١٥٠٠ قرية مصرية، مشروعات  توفر للإنسان حقه الأساسي في الحياة، وحقه في الحماية من الأمراض.. والتعليم، مشروعات صغيرة منتجه.. إعادة تأهيل شامل لثلث الريف المصري بقرار شجاع من رئيس لايتوقف عن العمل ليل نهار.. وفى شتى المجالات.

قرار سيغير وجه الريف المصرى القديم، سيخفف آلام الأهل ويمنحهم حياة أكثر كرما من أي وقت مضى.

انتهى اليوم الثاني ولم أتابع أي رد فعل من منظمات مجتمع ذات المسحة الغربية، على ما صدر من الرئيس شخصيا وإداراته، رغم أن أغلب تلك المنظمات أعدت عشرات التقارير المكتوبة بمداد المال السايب عن الحق في السكن والحق في الدواء والحق في الصحة.

لكن سقطت ورقة التوت فهي لم تكن تبالى كثيرا بأزمات المجتمع، إلا بهدف تسخين مناطقى، حتى يحين موعد الموجه الثانية من فيروس الفوضى.
الغريب أن الموجه الثانية من فيروس الفوضى، باتت ملامحها من بعد آلاف الأميال، وسيكون على الحكومة والدولة إعداد الخطط لإطلاق أكبر عملية تحصين للشعب من الفيروس.


وأخيرا سأختتم مقال بجزء من بيان المتحدث الرئاسي السفير بسام راضى

"وجه الرئيس بتوسيع نطاق المرحلة الأولى من مشروع «حياة كريمة» لتطوير قرى الريف المصري لتشمل ١٥٠٠ قرية في نطاق ٥٠ مركز مدينة داخل مختلف محافظات الجمهورية يسكنها ١٨ مليون مواطن، وبتكلفة ٥٠٠ مليار جنيه، ذلك بالإضافة إلى عدد ٤٠٠ قرية سبق وأن تم تطويرها تحت مظلة ذات المشروع «حياة كريمة» في إطار مخطط الدولة لتطوير جميع قرى مصر خلال ٣ سنوات وعلي عدة محاور تستهدف النهوض بمستوى معيشة المواطنين وتطوير البنية التحتية والخدمات الأساسية، خاصةً المياه والكهرباء والصرف الصحي وتبطين الترع وتطوير الوحدات الصحية والمنشآت التعليمية."

شكرا للرجل المخلص الأمين الرئيس عبد الفتاح السيسي.. الذي يذكرني دائما بالقائد الأمريكي المنتصر في الحرب العالمية الثانية الجنرال أيزنهاور.