من شعر «السنجاب» إلى «السعف».. حكاية أول أدوات رسم في التاريخ

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

«الرسم» هو أحد الفنون الإبداعية التي تعتمد على الحس الفني والمهارة في استخدام أدوات الرسم بشكل مرن، ويُعدُّ من أقدم الفنون وأهمها، وقد اشتهر عبر التاريخ مصورون بارعون، أبدعوا لوحات شهيرة تناولت كل جوانب الحياة.

 

وفي هذا السياق يقول المؤرخ البريطاني إرنست جومبريتش في كتابه «قصة الفن»، إننا لا نعرف كيف بدأ الفن مثلما لا نعرف كيف نشأت اللغة؛ فأقدم الرسوم انحدرت من الماضي السحيق؛ فقد رسم الإنسان الأول في العصر الجليدي قبل الميلاد، ورسم المصريون القدماء بداية من عام 3000 قبل الميلاد.

 

ويقول الفنان التشكيلي السوري دلدار فلمز، في كتابه «تاريخ الرسم»: "كل الحضارات البشرية بلا استثناء قامت على إنتاج نشاط فني خاص؛ ففي أعماق تكويننا البشري ثمة ميل فطري متجذر للتعبير عما يعتمل في النفس من مشاعر، وعلى الرغم من انشغال الحضارات الأولى بحماية أمنها من قوى الطبيعة والحيوانات المفترسة، فإن ذلك لم يمنعها من ممارسة الفن والرسم"، كما اهتم المصورون التشكيليون منذ القدم بتصوير الموضوعات المهمة في مجتمعاتهم.

 

وإذا كان الرسم من أقدم الفنون بهذه الكيفية، فمتى ظهرت أدواته؟، وفي السطور التالية نرصد كيف ظهرت أدوات الرسم وتطورت عبر العصور .

 

فرشاة الرسم

 

يعود استخدام فرشاة الرسم إلى عصور ما قبل التاريخ؛ إذ تُظهر رسومات جدران الكهوف والمعابد القديمة أشكالًا فنية رُسمت باستخدام الفرشاة، وكانت تصنع آنذاك من شعر الحيوانات، وخاصة حيوان السمور الأحمر والسنجاب، وفي مصر القديمة كانت فرشاة الرسم تُصنع من السعف المشقوق.

 

وتعد الحضارة الصينية من أكثر الحضارات التي اعتمدت على الفرشاة بشكل أساسي في رسومها؛ إذ يقول الفنان التشكيلي دلدار فلمز في كتابه «تاريخ الرسم» إن الشخصية الفنية الصينية تكونت بالأساس عن طريق استخدام الفرشاة التي كانت تحتاج إلى مهارة فائقة وتدريب طويل.

 

القلم الرصاص

 

يعود استخدام القلم الرصاص إلى عام 1564، وذلك حين عُثر على تراكمات من الجرافيت في بلدة برودال بإنجلترا، وكان سكان البلدة يستخدمونه من أجل تمييز النعاج الخاصة بهم عبر وضع العلامات عليها، وقتذاك لم يكن معروف كيميائيًّا ماهية تلك المادة، إلا أنها كانت تبدو من الرصاص الداكن، ومن هذا التشابه جاء الخلط وسمي الجرافيت باسم الرصاص الأسود.

 

فيما بعد عُثر على تراكمات هائلة من الجرافيت في الكثير من المناطق حول العالم؛ وفي ألمانيا مُزج الرصاص مع الخشب وولد القلم الرصاص الأول بالعالم في بفاريا، حيث امتهنت عائلة فيبر صناعة الأقلام الرصاص، لتستمر في هذه الصناعة حتى يومنا هذا تحت اسم «فيبر- كاستيل».

 

وفي مجال الرسم؛ يعد القلم الرصاص من أكثر أدوات الرسم صعوبة؛ فهو ما يُحدد إما أن تكون اللوحة غاية في الروعة، وإما تكون سيئة جدًّا، ولذلك فيجب أن يستخدمه الفنانون بحرص، وتختلف درجات القلم الرصاص حسب صلابة الجرافيت، فكلما كان أكثر صلابة كان الخط أدق، وقد كان الرسام الفرنسي جان أوجست إنجرس أحد أشهر أساتذة الرسم بالقلم الرصاص. 

 

ألوان الزيت

 

كما استخدمت الألوان الزيتية لأول مرة في القرن السابع قبل الميلاد؛ حينذاك كان الفنانون يستخرجون زيت الألوان من الجوز والخشخاش من أجل تزيين الكهوف القديمة في باميان بأفغانستان.

 

وفي أوروبا استخدم النفط وسيلة لخلط الألوان بداية من القرن الحادي عشر، ولكن ألوان الزيت بشكلها الحديث ظهرت في القرن السادس عشر في مدينة البندقية، وبحلول نهاية القرن أضحى فنانو البندقية بارعين في استغلال الخصائص الأساسية للرسم الزيتي.

 

وقد كان الرسام الإسباني دييجو فيلاسكيز، أحد أساتذة تقنية الرسم بالألوان الزيتية في القرن السابع عشر وخاصة في فن البورتريه، كما أضاف الفنان الفلمنكي بيتر بول روبنز الكثير إلى طريقة استخدام ألوان الزيت؛ إذ ركز على الرسم بالألوان الفاتحة بشكل مبهم حتى يظهر في اللوحة ظلال شفافة.

 

أما الرسام الهولندي رامبرانت فان راين فهو واحد من أعظم فناني الرسم الزيتي في القرن السابع عشر، والذي كان يعتمد على مزج اللون الأبيض بالألوان الغامقة بشكل شديد التحكم، لنرى لوحاته في النهاية تعطي عمقًا تركيبيًّا كبيرًا. 

 

حامل اللوحات

 

ظهر حامل اللوحات الأول في مصر القديمة ولكن شكله كان مختلفًا عن المعتاد، فقديمًا كان المصري القديم يضع الحامل فوق ركبتيه حتى يتمكن من الكتابة والرسم، وفي القرن الأول الميلادي ذُكر اسم حامل اللوحات لأول مرة رسميًّا في كتابات المؤرخ الروماني بيليني الأكبر، الذي كان يعد واحدًا من أبرع كتاب التاريخ الطبيعي.

 

وقد ظهر حامل اللوحات في الصين خلال القرن الثامن الميلادي، ولم يقتصر استخدام الحامل على الفن والفنانين، ولكن رهبان الكنيسة في القرن الثاني عشر استخدموه حتى يحافظوا على مخطوطاتهم النادرة، ويدونوا المزيد من الكتابات.

 

وقد زادت الحاجة إلى حامل اللوحات خلال القرن الثالث عشر؛ لأن تلك الحقبة الزمنية ارتكزت على اللوحات القماشية مع تراجع الطلب على الجداريات.

 

وبمرور الزمن أصبح الحامل عنصرًا أساسيًّا في مجتمع الفن، ولأن احتياجات الرسامين كانت تنمو وتتغير باستمرار خلال عصر النهضة، عدَّل العديد من الفنانين شكل حامل اللوحات حتى يتناسب مع احتياجاتهم بشكل أفضل.

 

وخلال القرن الخامس عشر اخترع حامل اللوحات المحمول والألوان الزيتية القابلة للتخزين، وهو الأمر الذي أدى لازدهار الأعمال الفنية للأعمال الطبيعية.

 

اقرأ أيضا :

 

بيع لوحة لفنان مصري في بريطانيا بـ 25 مليون جنيه

 

«أجناس بشرية بأربعة أذرع وأجسام ضخمة».. حقيقة القارة المفقودة