«أجناس بشرية بأربعة أذرع وأجسام ضخمة».. حقيقة القارة المفقودة

قصة القارة المفقودة
قصة القارة المفقودة


شاهدنا في السينما الأمريكية أفلامًا تتحدث عن قارة مفقودة قديما، كما تناولتها أيضًا الكثير من الروايات، وأطلقوا على تلك القارة «ليموريا»؛ حتى أن الكاتب الراحل د. أحمد خالد توفيق تحدث في أحد فصول روايته «مثل إيكاروس» عن بطله الخارق الذي يعرف كثيرًا من الغيب والحقائق وصفه بـ«الليموري» نسبة إلى القارة المفقودة التي نتحدث عنها .

لكن هل بالفعل هناك قارة مفقودة أم أن هذه مجرد أساطير نسجها الرواة وجاءت الأفلام الأجنبية لتروجها وتجعل البعض ينشغل بها دون وجود واقعي لها.

في السطور التالية نرصد بعض الحقائق التاريخية حول القارة المفقودة أو ما أطلق عليها «ليموريا» .

أثارت رواية القارة المفقودة جدلًا واسعًا بين العلماء، والتي أدعى البعض أن هناك جنسا خاصا من البشر يسكنها حسب تصور أصحاب النظرية، وكشف العلماء أن الأرض كانت تملك قارات ضخمة "ذابت" قبل مليارات السنين من وجود شكلها الحالي.

ويقال إن ما يسمى "القارات المفقودة" خرجت من البحر قبل أن تدمرها الحرارة المشعة، ولم يبق منها سوى أثر ضئيل، وتشكلت بدايات القارات الحالية قبل نحو مليار عام، وما يزال المشهد الأرضي قبل ذلك قيد البحث، لكن دراسة جديدة، ذكرت أن القشرة القارية، كانت أكثر سمكا بكثير مما يعتقد سابقا، واحتوت جميع الصخور في القشرة القارية قبل نحو 4 مليارات سنة، على نشاط إشعاعي أعلى من النشاط الحالي، وفقا للخبراء في جامعة أديليد بأستراليا.

القارة المفقودة

في منتصف القرن التاسع عشر، قرر عدد  من العلماء بناءً على أدلة قليلة، أنه لا بد من وجود قارة مفقودة في المحيط الهندي وأطلقوا عليها اسم «ليموريا»، في هذه القارة المفقودة، كما يعتقد البعض، عاش جنس من البشر المنقرضين الآن، أُطلق عليهم «الليموريون»، ويدَّعي البعض أنهم كان لديهم أربعة أذرع وأجسام ضخمة على هيئة «الخنثى»؛ إذ يحمل كل منهم الأعضاء الذكرية والأنثوية معًا، ورغم اختلافهم الكبير عن البشر بشكلهم الحالي، فإنهم يُعدون أسلاف البشر المعاصرين، وربما هم أسلاف قرود الليمور أيضًا، بحسب تلك النظرية.


وبقدر ما تبدو تلك النظرية غير قابلة للتصديق، فإن الفكرة قد ازدهرت لبعض الوقت في كل من الثقافة الشعبية، وبعض أركان المجتمع العلمي، لكن العلم قد استقر لفترة طويلة على بطلان فكرة ليموريا تمامًا بعد ذلك

 

وفي عام 2013 حدثت واقعة أعادت للأذهان قصة القارة المفقودة مرة أخرى، بعدما عُثر على «لوح من الجرانيت مُدمج في الصخور البازلتية للقشرة المحيطية»؛ كان هو الاكتشاف الذي أعاد للبعض فكرة التصديق بوجود قارة غارقة أو مفقودة، وقد اكتشف العلماء صخرة من الجرانيت يبلغ ارتفاعها 10 أمتار في أعماق المحيط، مما يُعيد الإشارة إلى احتمال وجود قارة مفقودة، نظرًا لأن الجرانيت يوجد عادةً على الأرض فقط.

 

وفي موريشيوس، وجد الجيولوجيون أيضًا الزركون، وفقًا لدراسة نُشرت عام 2017 في المجلة البريطانية
«Nature Communications» جرى التعرف إلى عينات إضافية من الزركون الصخري البركاني يصل عمرها إلى 3 مليارات سنة؛ مما يوفر أدلة إضافية لدعم اكتشاف وجود قارة غارقة تحت الماء، يبلغ عمر موريشيوس بضعة ملايين من السنين فقط، لكن الزركون هي صخور أقدم بكثير، ويجب أن تنتمي إلى قارة.

لكن العالم الألماني ألفريد فيجنر، والذي اهتم بدراسة فيزياء الأرض والأرصاد الجوية، كان قد أثبت أن القارات لا يمكن أن تغرق بسهولة، وببساطة يمكن تفسير الأمر بأن الجرانيت، الذي يتشكل في باطن الأرض، لديه كثافة كتلة أقل، وسوف «يطفو» على مواد الوشاح الأكثر كثافة، والوشاح هو الجزء الأكثر صلابة من باطن الأرض، ويقع الوشاح بين نواة الأرض شديدة الحرارة والطبقة الخارجية الرقيقة، وهي القشرة.


في القرون الماضية، كانت القارات المفقودة احتمالًا جيولوجيًّا قائمًا، وبالنسبة لفيجنر فسر هذا بفكرة وجود قارة واحدة،  وقد استقر على هذه الفكرة من خلال مراقبة أطلس وملاحظة سواحل أفريقيا وأمريكا الجنوبية.

 وقد جمع فيجنر العديد من الأدلة المنشورة لدعم نظريته؛ عن أن العالم في الأصل كان قارة واحدة، مثل تلك الخطوط العريضة للقارات خاصة الجرف القاري التي تتلاءم معًا، كما أنه يمكن العثور على أحافير الفقاريات الأرضية والنباتات في قارات مختلفة، تفصلها اليوم محيطات كبيرة.

 

لكن عالم الحيوان البريطاني فيليب لوتلي سكلاتير (1829-1913)، والذي كتب مقالًا قصيرًا عام 1864 بعنوان «ثدييات مدغشقر»، اقترح أن قارة «ليموريا» هذه قد لامست النقطة الجنوبية للهند، وجنوب أفريقيا، وغرب أستراليا، وفي النهاية غرقت في قاع المحيط. 

 

الثقافة الشعبية

في عام 1868 نشر عالم الأحياء الألماني، إرنست هيجل، كتابه «تاريخ الخلق»، وهو موجه إلى عامة الناس؛ إذ روج لرؤيته عن التطور، ووضع هيجل مهد البشرية في آسيا وأفريقيا وأشار إلى الجزيرة الافتراضية بين هاتين القارتين، فقد لعبت ليموريا هنا دورًا رئيسيًّا بصفتها طريقًا محتملًا لهجرة البشر إلى أفريقيا وإندونيسيا، وقد كتب هيجل:


«يُفترض هنا أن الموطن البدائي المُحتمل أو «الجنة» هو ليموريا، وهي قارة استوائية تقع حاليًا تحت مستوى المحيط الهندي، ويبدو أن وجودها السابق محتمل جدًّا من خلال العديد من الحقائق في جغرافيا الحيوانات والنباتات».

فجرى عرض ليموريا بوصفها مهد الإنسانية، وهو ما نشر فكرة القارات الغارقة إلى جمهور أكبر، الذي اعتبر وجود قارة ضائعة توصف على أنها  مهدًا ضائعًا للبشرية، مثيرة للاهتمام سواء بالنسبة لبعض المجموعات العلمية، أو للثقافة الشعبية، أوالكُتاب.

وفي عام 1888، نشرت عالمة السحر والتنجيم والوسيطة والمؤلفة الروسية، إيلينا بلافاتسكايا كتابها «The Secret Doctrine»، وقد اقترح هذا الكتاب فكرة وجود سبعة أجناس قديمة للبشرية، وأن ليموريا كانت منزل واحد منهم. 

 

قالت بلافاتسكايا إن هذا العرق الخنثى بلغ طوله 15 قدمًا، وكان له أربع أذرع، وقد كانوا يتشاركون ليموريا مع الديناصورات، بعد ذلك، وجدت ليموريا طريقها بشكل مفهوم إلى الروايات والأفلام والكتب المصورة في الأربعينيات، وهكذا أصبحت ليموريا الأسطورية جزءًا من الثقافة الشعبية.

 

القارات تتحرك

وجد الباحثون أن الزركون في صخور صلبة، وليس فقط في رمال الشاطئ، مما وجه انتقادات للدراسة الأولية التي تؤكد أن الزركون يمكن أن يكون قد جُرف إلى الشاطئ من قارة أخرى موجودة. يقول لويس أشوال، مؤلف الدراسة: «من المحتمل أن يكون ما زال هناك العديد من قطع القارة غير المكتشفة».

وهذا يعني أن سكلاتير وبعض العلماء الآخرين في منتصف القرن التاسع عشر كانوا على حق جزئيًّا بشأن ليموريا، على الرغم من معرفتهم المحدودة، رُبما لم يكن هناك قارة مفقودة غرقت فجأة في المحيط الهندي واختفت دون أن تترك أثرًا، لكن، الثابت بدرجة ما حاليًا أن كان هناك شيئًا ما منذ زمن بعيد؛ شيء ذهب حينها إلى الأبد.

اقرأ أيضا: لـ«حافظ إبراهيم».. قصيدة «اللغة العربية» تنعي حظها