نبض السطور

قمة ناجحة للشراكة والصداقة فى باريس

خالد ميرى
خالد ميرى

القاهرة قطب استقرار الشرق الأوسط.. ومدينة النور تستقبل الزعيم السيسى بموكب أسطورى

مصر أكبر من فرض شروط للتعاون معها.. واتفاق على إطفاء حرائق المنطقة

التعاون الاقتصادى يحاول اللحاق بقطار العلاقات السياسية.. وحرية الرأى لا تعنى إيذاء مشاعر المسلمين

قصر الإليزيه مقر الحكم الفرنسى فى قلب باريس مدينة النور، شهد بالأمس وقائع قمة مصرية فرنسية ناجحة للزعيمين عبدالفتاح السيسى وإيمانويل ماكرون.. قمة شهدت انطلاقة قوية جديدة لعلاقات شراكة راسخة بين البلدين، لتعزيز التعاون الثنائى فى كل المجالات وحل مشاكل الشرق الأوسط والبحر المتوسط الملتهبة.
دفء العلاقات والاستقبال الحافل للرئيس السيسى أزاحا أى شعور بالبرد مع انخفاض درجات الحرارة. موكب الرئيس فى قلب باريس وفى طريقه لقصر الإليزيه عكس بوضوح الاحترام الكبير والتقدير الأكبر لزعيم مصر، وأجبر الفرنسيين وكل من يسير فى شوارع باريس أن يقف ليشاهد الموكب الأسطورى وحفاوة الاستقبال، عندما وجهت فرنسا الدعوة لزعيم مصر لزيارتها كانت تعرف جيدًا أن مصر قطب الاستقرار فى الشرق الأوسط، وأن ما فعله الرئيس السيسى فى ٦ سنوات هو قصة نجاح حقيقية تستحق الإشادة والتعلم منها، واحتلال مصر للمركز الثانى للنمو عالميا منذ بداية جائحة كورونا يحكى بوضوح أن دولة التاريخ التى علمت العالم وقادته مازالت قادرة على أن تقدم دروسًا فى النجاح على كل المستويات.
لقاء القمة بين الزعيمين استغرق ساعتين وبعدها كان المؤتمر الصحفى الناجح الذى عكس التفاهم الكبير حول كل القضايا، ولهذا لم يكن غريبًا أن يبدأ ماكرون كلمته بمقولة صديقى العزيز وهو نفس ما فعله الرئيس السيسى، كلمات أكدت أن العلاقات بين البلدين تشهد زخمًا حقيقيًا وتقاربًا وتفاهمًا غير مسبوق، وكانت روح الود والتفاهم واضحة فى كل ما قيل.
قبل بداية الزيارة كانت بعض الصحف الفرنسية معروفة الانتماء ووسائل إعلام مختلفة لها علاقات واضحة بجماعة الإخوان الإرهابية قد حاولت إثارة نقاط للخلاف أو الاختلاف حول ملف حقوق الإنسان وحول ما حدث من إساءة لرسولنا الكريم برسوم مسيئة أثارت مشاعر كل المصريين وكل المسلمين، وخلال المؤتمر الصحفى حاول صحفى فرنسى أن يجذب انتباه ماكرون إلى هذه الخلافات، لكن إجابات الرئيس الفرنسى كانت واضحة وكاشفة، ففرنسا تحترم سيادة كل دولة.. وماكرون لا يمكن أن يضع أى شرط فى التعامل مع مصر الكبيرة، ماكرون أكد أن هناك حوارًا مفتوحًا مع زعيم مصر حول كل القضايا والذى لعب دورًا مشهودًا فى تحقيق الاستقرار بمصر على كل المستويات.. كما كان رد زعيم مصر واضحًا بأن مصر لم ولن تكون دولة مستبدة، مصر بلد ١٠٠ مليون مواطن بينهم ٦٥ مليون شاب لا يمكن لأحد أن يكبلهم أو يقيد حريتهم، مصر تحترم شعبها والعمل يتواصل بها ليل نهار، مصر حققت الأمن والاستقرار وتعمل لمصلحة شعبها واستقرار المنطقة بأكملها.
ما قاله الرئيس السيسى حقائق لا ينكرها منصف أو عاقل، وما تحقق فى مصر خلال ٦ سنوات كان يحتاج إلى ٣٠ عامًا، العمل يتواصل ليل نهار ومصر استعادت قوتها وريادتها وكامل دورها فى سنوات قليلة وما تحقق على كل المستويات اقتصاديًا واجتماعيًا وعلى مسار الحريات واحترام الأديان غير مسبوق، لكن بعض من فى قلبهم مرض كانوا وسيستمرون فى محاولة تصدير صورة غير حقيقية عن مصر بأنها دولة مستبدة، صورة لا تليق بشعب مصر العظيم ولا بحضارته ولا بإنجازاته، لكنهم لا يتمنون لمصر استقرارًا ولا يهمهم إلا إعادتها لمربع الفشل بعد أن صدمهم نجاحها.. يتحدثون عن حقوق الإنسان ويحاولون اختزالها فى ملف واحد ويتناسون كل ما حدث من إنجازات فى ظل حرب لا تتوقف على الإرهاب، ينسون أن بمصر ٥٥ ألف منظمة مجتمع مدنى تمارس عملها بكل حرية ولا يتحدثون إلا عن حالات فردية تتفق وأهدافهم، ينسون أن مصر تستقبل كل عام ٢ مليون و٥٠٠ ألف طفل جديد وعليها توفير كل سبل الحياة الكريمة لهم وهى تفعل ويتحدثون فقط عن عالمهم الافتراضى الذى يريدون ولو على أنقاض دولة ومستقبل شعب.. مصر ليس لديها ما تخفيه أو تخاف منه وهى تجاهد وتواصل العمل للبناء والتعمير فى منطقة مضطربة.
أما عمّ حدث من رسوم مسيئة لرسولنا الكريم التى تسببت فى إيذاء مشاعر مئات الملايين من المسلمين وفى مقدمتهم المصريون فكان حديث زعيم مصر واضحًا، أن حرية الرأى يجب ألا تتسبب فى إيذاء مشاعر مئات الملايين، ومصر شعبًا وحكومة ترفض أى إرهاب أو تطرف مهما كانت مرجعيته، فنحن ندين الإرهاب مهما كانت أرضيته ومن حق كل إنسان أن يعتنق أى دين، ولكن القيم الإنسانية يجب ألا تسبق القيم الدينية أو تسمح بانتهاكها، وهى مسألة تحتاج للهدوء والتوازن لمعالجتها، كما تحدث ماكرون بوضوح بأنه لا يمكن منح أى غطاء للعنف بسبب كلمة أو رسم، ولكنه يأسف بسبب ما حدث من بعض الرسوم، وقال إن هذه الرسوم تستهدف أحيانا كل الأديان الإسلامى والمسيحى واليهودى ولا تعبر إلا عن صاحبها، وهى ليست رأى الدولة الفرنسية ولا تعبر عنها، ولكن القانون الفرنسى يفصل الدولة عن الدين ويضع الإنسان الحر العاقل فى المقدمة، وكل ما دار من نقاش حول هذه القضية هو نقاش مهم جدًا ومشوق.
العلاقات الثنائية احتلت جانبًا مهمًا من لقاء القمة، وهناك اتفاق تام على أهمية زيادة التعاون التجارى والاقتصادى، وزيادة الاستثمارات الفرنسية بالقاهرة خاصة فى المشروعات القومية العملاقة التى تزين كل مكان بمصر الآن، وأيضا فتح أسواق جديدة فى فرنسا للصادرات المصرية، فالحقيقة أن العلاقات الاقتصادية والتجارية لم تصل بعد إلى المستوى غير المسبوق للعلاقات السياسية والتفاهم الكبير حول مختلف القضايا، كما كان الاتفاق واضحًا حول دعم التعاون الكبير ازاء قضية لا خلاف عليها وهى محاربة الإرهاب، فمصر من أكبر الدول التى تضررت من الإرهاب ودفع شعبها شهداء ثمنا لهذه الحرب الضروس.. كما أن فرنسا تعانى من ويلات الإرهاب وتريد التخلص منه، كما كان الاتفاق على استمرار التعاون العسكرى غير المسبوق فى مجالات التسليح والتدريب وتبادل المعلومات، كما جرى الاتفاق حول تعزيز التعاون العلمى والثقافى، ووجه زعيم مصر رسالة طمأنينة للشعب الفرنسى بأن المقاصد السياحية بمصر آمنة تمامًا من وباء كورونا وأن مصر ترحب بهم، وهناك إجراءات احترازية كاملة تضمن سلامتهم مع استمتاعهم بشمس مصر وأجوائها الساحرة.
أما القضايا الإقليمية المتعددة والملتهبة فكانت محل حوار واسع وشامل فى القمة المصرية الفرنسية، وكشفت عن استمرار العمل المشترك والتنسيق غير المسبوق لمحاولة إطفاء هذه الحرائق وحل القضايا المشتعلة سياسيا بما يضمن للشعوب سيادتها واستفادتها وحدها من مواردها.
وكانت ليبيا قطعًا على رأس القضايا التى تناولتها المحادثات، وموقف الدولتين واضح ومتحد بضرورة دفع الحل السياسى إلى الأمام برعاية الأمم المتحدة، وحل وإخراج جميع الميليشيات وجماعات الإرهاب والتطرف من ليبيا.. والتى ترعاها فى الأساس تركيا ودول أخرى، ماكرون أكد أن الموقف المصرى لا غنى عنه لحل الأزمة، وأن الحل لا يمكن أن يكون عسكريًا لكن لا يمكن السماح لأحد بأن يفرض حلًا باستخدام الميليشيات والإرهابيين.
وهو نفس الاتفاق الذى خرج به الزعيمان حول قضية الاستقرار والسلام بمنطقة شرق البحر المتوسط، وضرورة إنهاء التوترات والتدخلات وأن تستفيد كل دولة من مواردها بشكل حر وطبيعى بما يعود بالفائدة على شعوب هذه الدول.
والمؤكد أن ما عرضه الرئيس الفرنسى على الرئيس السيسى ونقاط التوافق حول حل القضيتين سيكون على جدول أعمال قادة الاتحاد الأوروبى فى لقائهم الخميس القادم، حيث يتصدر جدول الأعمال المطالبة بموقف أوروبى واحد وصارم ضد التدخلات والاستفزازات التركية فى ليبيا وشرق البحر المتوسط، وهو أمر لم يعد أمام قادة الاتحاد الأوروبى فرصة لإضاعته، أى عدم التعامل معه بجدية كاملة وبقرارات واضحة وصارمة.
لقاء القمة المصرى الفرنسى أيضا كشف عن توافق كامل حول حل القضية اللبنانية المعقدة وتشكيل حكومة جديدة يمكنها إيقاف النزيف وإعادة الاستقرار للدولة الشقيقة، كما كشف عن توافق حول أهمية استئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل وفق المرجعية الدولية بما يضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود ٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
القمة التى تم استئناف محادثاتها مساء أمس بقصر الإليزيه كشفت عن عمق العلاقات بين زعيمين وبين شعبين ودولتين، قمة أكدت أن قطار العلاقات يسير على القضبان الصحيحة وأنه تمت إعادة إطلاقه بالسرعة القصوى بما يعود بالفائدة على الشعبين وكل شعوب المنطقة والعالم.
من قلب قصر الإليزيه فى باريس شهدنا وقائع قمة ناجحة للصداقة والشراكة، قمة تحقق مصالح الشعبين المصرى والفرنسى وتساهم فى إطفاء حرائق الشرق الأوسط الملتهبة.