إنها مصر

«هات وخد» !

كرم جبر
كرم جبر

صرنا نفتش عن القيم النبيلة والمعانى الجميلة، لنجعل منها «حدوتة مصرية»، بعد أن أصبح القبح «ماركة مسجلة» فى كثير من تفاصيل حياتنا.
سر فرحة الناس بسيدة القطار، أنها نموذج لأمهات الزمن الجميل، بقوتها وشخصيتها وعطفها، فكانت الفرحة تعبيراً عن أشياء افتقدناها فى حياتنا، وليس مجرد دفع التذكرة.
وسر الاحتفال بطالب الفريسكا، التحمل والجلد والصبر، بينما تعبث مواقع التواصل الاجتماعى بصور وحكايات أولاد وبنات فيرمونت.. العار يخلى ساحته للشرف.
والجندى المتربى المؤدب، الذى تحمل سخافات ورزالات لا تطاق، وكل أب وأم يتمنى أن يغرسا الأدب الجميل فى أولادهم بهذا الشكل، فى زمن أبناء الجحود والتطاول.
وسر عداء الناس لسيدة المحكمة، أنها أعادت للأذهان ذكريات الفوضى والضياع، وهى تعتدى بمجون على ضابط يؤدى خدمته.. كفاية عدوى الميادين.
لا غبار فى أن نبحث بدبوس إبرة عن الأخلاق التائهة فى زحام الحياة، ونرد اعتبارها فى أى صورة من الصور، ونحتفل بها ونبالغ فى ردود الأفعال.
لم تصدر أوامر أو تعليمات للناس بأن يشيدوا بسيدة القطار أو الجندى أو طالب الفريسكا، ولم يحشد الإعلام الرسمى الناس، ولم يؤثر أحداً فى الرأى العام.
المواطنون أنفسهم صاروا إعلاميين وصحفيين وكتابا وأدباء ومصورين ومخرجين، والسرعة فى صالحهم، كما لو كان مايسترو يقود انفعالاتهم ويوجه تعليقاتهم.
الناس.. فعلوا ذلك يوم جمعة فى نوفمبر الماضي، عندما أذاعت فضائيات الشر فيديوهات قديمة، وزعمت أن ميدان التحرير «مولع»، فخرج الناس بالموبايلات يكذبون، فالميدان فاضى تماماً ولا أحد فيه.
الإعلام الشعبى هو الموجة الأولى للثورة التكنولوجية الزاحفة كالطوفان، وهو المتفاعل والمؤثر والمحرك للرأى العام، وهذه هى أهم مزاياه.
ولكن من مساوئ الإعلام الشعبى أن تسيطر عليه جماعات شريرة شاردة، فتدبر وتبدع فى الشر، وتحرك الناس نحو الخراب والدمار، أو على الأقل تخلق جبالاً من الشك بين الناس ودولهم.
والحل هو تعظيم الفوائد ومقاومة السلبيات، بالسرعة والمصداقية والشفافية، فالشائعات التى تسرح وحدها لمدة ساعة، تكتسب «شرعية التصديق».
لو تأملت صورة خالد سعيد «2010»، بوجهه زى القمر وبجوارها صورة أخرى لوجهه هيكل عظمى متآكل، فالمقصود الذى تم تمريره هو «هكذا تفعل الدولة بالناس»، وملأت الشائعات الأرض والسماء.
واختلط مفهوم الدولة بمكوناته الراسخة، بتصرفات فردية أو جماعية تجرمها القوانين ولا تسقط بالتقادم، وركب أهل الشر موجة الحماس لتدمير الدولة كلها، بدلاً من تصحيح أخطاء ومحاسبة مسئوليها.
لم يعد أمام الإعلام الرسمى إلا أن يفتح كل الطرق والكبارى والجسور والأنفاق، مع الإعلام الجديد، ويتفاعل معه ويؤثر فيه ويتأثر به «هات وخد».
نستبدل الشجار بالحوار، والشائعات بالحقائق، والشر بالخير.. والحديث يطول.