مصر الجديدة :

مذكرات هانى شنودة

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

مذكرات الفنانين قليلة جدا فى حياتنا لذلك كان جميلا أن يفاجئنا الموسيقار الكبير هانى شنودة بمذكراته، كما أن من أملى عليه المذكرات وصاغها هو الكاتب الصحفى مصطفى حمدي، وهو مشهود له بالدقة واللغة السهلة الممتعة. المذكرات صادرة عن دار ريشة للنشر والتوزيع. ولأنى من الجيل الذى تربى على الطرب العربي، نفس جيل هانى شنودة،إلا أنه كموسيقار تمرد على القوالب التقليدية للموسيقى كما تمردنا نحن الكتاب على القوالب التقليدية للكتابة. لكن يظل الفارق كبيرا فتمرده سهل الوصول إلى أكبر مساحة من الناس إن لم يكن كل الناس ولا يظل محصورا بين المثقفين والقراء كما يحدث معنا معشر الكتاب. وهذا هو فن الموسيقى يمتلك الفضاء، وكما يقول هو فى الكتاب إذا كانت الكلمات وردة فالموسيقى رائحتها. رحلة هانى شنودة مع التجديد هى رحلة مجتمع ينهض. سهل أن تعرف كيف كان تكوينه فى بيت تحب فيه الأم العزف، وفى مدينة مثل طنطا بها الموالد والرقص والغناء فى المناسبات الدينية، ثم دخوله المعهد العالى للتربية الموسيقية بالقاهرة تدشينا لموهبته واثراءً لها، وبالطبع مثله وقد قرر كيف تكون حياته كان يعرف مايحدث فى العالم فى الموسيقى والغناء. ولأنه عاش طفولته وصباه فى مدينة كوزموبوليتانية تجتمع فيها كل الملل والجنسيات شأن مصر كلها يوما ما، لم يكن اتصاله بالعالم مفاجأة. لقد كان الموسيقيون الأجانب يملأون النوادى والملاهى الليلة حتى حدث الخروج الكبير لهم فى الستينيات، وكان لابد أن يملأ مكانهم الشباب المصرى فدخل هذا السوق. يحكى كيف قابل الموسيقار اللبنانى «نبيل شديد صعب» الذى كان فى حاجة إلى عازف بيانو ليكمل فرقته فكان هو هذا العازف. سافر صعب من مصر بعد عام فالتقى بالعازف يحيى خليل العائد من أمريكا وانضم لفرقته التى فيها عمر خورشيد وعمرخيرت وغيرهما وكانت هذه فرقة «البتى شاه» التى تقدم أغانى البيتلز والإيجلز وتومبلاج وغيرها والتى أسسها وجدى فرانسيس عام 1967. أعطته البيتى شاه معنى حرية التجريب والتجديد ومعهم بدأ يجد الحرية فى تنفيذ أفكاره. يحكى تجربته معهم وكيف اقترح فكرة «نادى الإثنين» وهو اليوم الذى يخلو من الرقص فى الملهى الليلى وكيف أعاد توزيع الأغانى الغربية فتضاعفت الحجوزات فى هذا اليوم بفندق فلسطين فى الإسكندرية بالصيف حتى أن نجيب محفوظ ذهب وأجرى حوارا معهم هؤلاء الذين أخذوا كل اهتمام الشباب. بعد ذلك يتوالى الحديث عن تجاربه ولقاءاته مع كبار النجوم. عبد الحليم ونجاة وعبد الوهاب ممن يختلف مشروعهم الموسيقى عنه بالطبع وكيف آمنوا به وشجعوه بتفاصيل حية مثيرة عن اللقاءات وماجرى فيها، ثم لقاؤه بالشاعر عبد الرحيم منصور الذى قدم إليه محمد منير وكيف وهو يقيم بروفات ألبوم منير الأول «علمونى عينيكي» بدأت شرارة التفكير فى فرقة «المصريين» التى كونها هانى شنودة وكانت فاتحة لفرق أخرى كثيرة.شعراء تقابل وعمل معهم، عمر بطيشة وصلاح جاهين وشوقى حجاب وقفزة جديدة فى الغناء،وغِيرة من شاعر مخضرم كحسين السيد ومعارك، ودنيا إنتاج الشرائط الموسيقية وتقدم فرقة المصريين وماجرى فيها من تغير فى أصوات الغناء مما يحتاج مساحة كبيرة للكلام حتى صارهانى شنودة علامة فارقة فى الموسيقى وهذا كلامى أنا وليس كلامه. كان طبيعيا أن تتلقفه السينما ليقدم موسيقى تصويرية مدهشة لأفلام مثيرة مثل ولا عزاء للسيدات وشمس الزناتى والأفوكاتو وغيرها، ولقد رأينا ماتحدث عنه كيف عُزفت موسيقاه حين تسلم الممثل الأمريكى ذو الأصول المصرية رامى يوسف جائزة الأوسكار كأحسن ممثل كوميدى العام الماضى. متعة قراءة الكتاب تصل إلى متعة سماع موسيقى هانى شنودة بتعدد أصوات موضوعاتها والهارمونى الذى أقامه بينها مصطفى حمدى محرر الكتاب الذى لابد تأثر بصاحبه.