إنها مصر

غزو الكويت وإيقاظ الشيطان !

كرم جبر
كرم جبر

2 أغسطس 1992، أتذكر ذلك اليوم جيداً.
كنت مسئولاً فى مكتب جريدة كويتية بالقاهرة، وعندما اتصلت بالجريدة فى الكويت، لإرسال الأخبار والموضوعات الصحفية كالمعتاد، رد عليَّ الهاتف أفراد من الجيش العراقي، احتلوا الكويت ومبنى الجريدة.
كانت القاهرة فى ذلك الوقت تحتضن المؤتمر الإسلامى فى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، فألغى المؤتمر، واتجهت العيون والقلوب صوب الكويت، والكل ينتظر أحداثاً تشبه يوم القيامة.
صدام حسين، عندما قرر غزو الكويت فتح جرحاً عربياً لا يندمل أبداً، كل الجراح تطيب إلا هذا الغزو، الذى تزداد سخونته بمرور السنين، ولا يزال ينزف حتى الآن.
وجاءت الجيوش الأجنبية من كل صوب، وسلَّم صدام المنطقة للغزاة وتحول الهلال الخصيب «العراق والشام» إلى مستنقع الدم والبارود واتخذ الغرب قراره الحاسم: إيقاظ الشيطان.
والشيطان هو الجماعات الإسلامية المسلحة، التى مزقت أشلاء العروبة، وقطَّعت الدول إرباً، وجاءت لنا بعصابات أسوأ من أى مستعمر مرَّ عليها.
قبل الغزو بشهرين، دعا صدام إلى قمة عربية فى قصره ببغداد، وظن أنه الأذكى، ويستطيع أن يخدع الجميع.
ارتدى ثوب العروبة وكان كاذباً ويفعل مثل الثعالب الماكرة، وقال كلاماً هو الأعظم فى تاريخ العمل العربى المشترك، واتخاذ التدابير التى تواجه الأمن القومى العربي.
وقرر صدام فى قمة الخديعة أن يسالم إيران ويغلق جبهتها، ولم يكن ذلك من أجل صالح العرب كما زعم، ولا من أجل السلام مع إيران، ولكنه كان يمهد الأجواء لغزو الكويت، فأطلق سراح الأسرى الإيرانيين.. وظن أن الطريق إلى الكويت أصبح مفروشاً.
قبل الغزو بشهر واحد، جلس مع السفيرة الأمريكية فى بغداد جلاسبي، ونصبت له المصيدة، وقالت له كلاماً غامضاً حول حياد أمريكا، فهم «هو» منه أن واشنطن لن تتدخل ضده إذا قام بغزو الكويت.
واستعرض عضلاته العسكرية، وجيشه البرى الذى يستطيع أن يغرق جيوش الغرب فى مياه الخليج فابتلعته الرمال، وركبه الشيطان من رأسه حتى قدميه، ولم يستجب لأى نداء بحقن الدماء، وصمم أن تكون الكويت المحافظة «19».
دون أن يغضب منى أحد أقول: نحن ندفع ثمن خطيئة صدام، وكان طبيعياً أن يكفر أبناء العرب بالعروبة، بعد أن انقسم الشارع العربى على نفسه واشتعلت الفتن والمعارك الكلامية.
أعذر الكويت وشعبها، فقد كانت سنداً قوياً للعروبة، ولم يلق الفلسطينيون ترحيباً وضيافة مثلما كانوا فى الكويت، وفجأة استيقظ شعبها على تتار صدام، يسرقون وينهبون ويحرقون ويدمرون، بدعم ومساندة المناضلين العرب الذين أكرمتهم الكويت.
وتوالت توابع الزلزال.
كل يبكى على ليلاه ويبحث عمن يحميه، ووصل الأمر إلى درجة الكفر بالعروبة، وقال البعض «فعلت بنا أكثر من أى مستعمر بغيض».
وكم هزمتنا الحماقة أكثر من الحروب.