حروف ثائرة

وكلاء الرحمة وصكوك المغفرة

محمد البهنساوى
محمد البهنساوى

«هو فيه ايه».. جملة تتعالى بها أصواتنا عندما نرصد سلوكا أو تصرفا شاذا على مجتمعنا.. مخالفا للثوابت المصرية الراسخة منذ قرون.. وما أكثر ما يحدث من تلك التصرفات هذه الأيام لتصبح جرس إنذار شديدا أن هناك خطرا داهما على مجتمعنا يجب الإسراع فى مواجهته قبل استفحاله!
لكن هناك ظاهرتين استوقفتانى بشدة.. وأراهما تهددان بنيان المجتمع المصرى وتنالان من أهم ثوابته الأخلاقية والعقائدية بمسلميه ومسيحييه.. الظاهرة الأولى تجرّؤ الكثيرين على قدسية الموت وحرمة الموتى بالنيل منهم تنمرا وإساءة واتهامات بلا أساس.. فجميعنا يحفظ عن ظهر قلب «اذكروا محاسن موتاكم» وعلى صخرة هذا الحديث تتحطم كل محاولات الإساءة للموتى حتى ولو بحق ويقين.. فما بالنا بالظنيات والافتراءات؟!
والظاهرة الثانية تنصيب الكثيرين لأنفسهم وكلاء للحكم الإلهى.. أوصياء على رحمته ومغفرته.. وحمل كل منهم رحمة الله يصيب بها من يشاء ويمنعها عمن يشاء رغم أن هذا الفعل لله وحده.. الغريب أن من يتحدث نيابة عن الذات الإلهية بعيد كل البعد عن التفقه فى الدين والغوص فى بحوره العميقة.. فمن يفقهه الله فى الدين لن يجرؤ أبدا على تلك الفعلة الشنعاء.. ولو فتح الله عليهم بصيصا ولو ضعيفا من نور هديه لخبروا الكثير من الآيات التى تسير عكس اتجاههم هذا.. فالله سبحانه الذى «كتب على نفسه الرحمة» قال أيضا بمحكم التنزيل «يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء».. وقال «عذابى أصيب به من أشاء» وأردف فى نفس الآية «ورحمتى وسعت كل شىء».
ولعلنا نعلم أنه لا ذنب يعادل عند الله تعالى قتل النفس البشرية التى جاءت حرمتها كحرمة هدم الكعبة.. ورغم ذلك فإن رحمة الله تلك بسطها على الرجل الذى قتل مائة نفس ومات قبل أن يفعل خيرا.. لكنه دخل الجنة بسعيه فقط للتوبة الذى كان كفيلا أن تسعه رحمة الله.
اليوم نعانى كمجتمع أشد المعاناة من التنمر والجرأة على حرمة الموتى.. وتوزيع صكوك غفران الله ورحمته على البشر ومن البشر.. ومع الانتشار الرهيب لوسائل التواصل الاجتماعى وقوة تأثيرها المتضاعف أصبح هذان الأمران تهديدا مباشرا لسلامة مجتمعنا وتماسكه.. ودعوة مفتوحة للاقتتال الفكرى به وتفتح مجالا لتقسيمه ونشر الفتنة والطائفية وخلق جيل جديد مشوه الفكر ومشوش العقيدة.
وإذا كان ما سبق واقعيا بلا أية مبالغة.. فهل نقف مكتوفى الأيدى.. نكتفى بالمشاهدة وكأن ما يحدث «لعب عيال» سينتهى حتما للا شىء.. الى ان يجرفنا تيار الفتنة لمستنقع يصعب الخروج منه؟! أين دور الدولة من التدخل وبحزم لوقف تلك الحروب الكلامية ومعاقبة مؤججيها؟.. وهل سيكتفى الأزهر والكنيسة أيضا بدور المشاهد وتوجيه النصح على مضض؟ الا يجب عليهم أن يهبوا هبة من يشعر بالخطر على الوطن والعقيدة.. ليعيدوا ثوابتنا الدينية أولا.. ويضعوا حدا لكل من يتحدث باسم الذات الإلهية موزعا صكوك الغفران والرحمة وأيضا العذاب على من يشاء.. وإنا لمنتظرون.