يوميات الأخبار

حوار افتراضى مع كورونا!

مفيد فوزى
مفيد فوزى

بقلم/ مفيد فوزى

أما هذا اللقاء الافتراضى فلا توجد معلومات محددة تسبقه. ربما كانت (محاورة عبثية)، ولم لا، والحياة كلها مسرحية عبثية!

«مالا يتحقق فى الواقع، قد يرسمه الخيال كما يريد» عبارة قالها ألبيركامى.. ومضى.
وقد اقتربت كثيراً من هذه المقولة حين قررت التحاور الافتراضى مع فيروس كورونا (اللى مدوخنا)! وأعترف ان الخوف دب فى أوصالى مع أنى حاورت رؤساء جمهورية وقادة جيوش ومشاهير الفن والفكر والادب ولم اشعر بالخوف وكنت أذاكر الشخصية قبل اللقاء، اما هذا اللقاء الافتراضى فلا توجد معلومات محددة تسبقه. ربما كانت (محاورة عبثية)، ولم لا، والحياة كلها مسرحية عبثية! وتصورت أنى أقابل السيد الفيروس فى احد المستشفيات بعد تطبيق القواعد الصحية. ولا أدرى إذا كان كورونا أو كوفيد 19 مذكراً أو مؤنثاً. وإن كنت أميل للتصور أنه مؤنث. فالانثى - عفواً - قادرة على التمحور - والتغير وعدم الثبات الانفعالى! ولو كانت الكورونا رجلاً، فهو يسير فى خطوط مستقيمة وقلما يتبدل أو يتمحور. ولكن كورونا تختلف عن شقيقاتها من الفيروسات مثل الكوليرا والسل والطاعون. فالكوليرا كانت تصيب منطقة ما من سكان الارض ولكن كورونا جاءت «عابرة للقارات» واصابت سكان (الكوكب) كله وحصدت الأرواح من كل جنسيات الارض.
كان طبيعياً أن يكون سؤالى الأول الافتراضى: من أنت؟ وهكذا مضى السيناريو الافتراضى العبثى!
قالت كورونا: إسأل العلماء الذين قاموا بتخليقى!!
قلت: هل انت بكتيريا أو حشرة أم شىء لانعرفه؟
قالت كورونا: الاجابة فى المعامل الامريكية الغامضة التى ولدت بين أنابيبها ونشأت وترعرعت!!
قلت: أفهم من ذلك أن (التخليق) أثمر ولادتك ولكن ما الهدف من وجودك فى هذه اللحظة من تاريخ البشرية؟
قالت كورونا: سمعتكم تقولون أنه بمثابة (عقاب إلهى) للبشر الظالم وسمعتكم تتكهنون انى جئت لضرب اقتصاد الصين.
سألت: وهل هذه حقيقة؟ ان امريكا تغار من تفوق الصين الاقتصادى.
قالت كورونا: لم يعد العلم موظفاً لخير البشرية، بل صار فى خدمة البشر.
واستطردت كورونا تقول: مضى جيل الحروب بالدبابة والصاروخ وطائرة بلا طيار. وجاء جيل الحروب الكيميائية. وحان وقت الفيروسات (الموت والفراق بهدوء). لا نيران ولا دخان ولا قنابل تأكل الاخضر واليابس!!
قلت بدهشة: إذا كان التخليق والولادة قد تم فى معامل امريكية غامضة كيف تفسرين تعاظم الاصابات فى أمريكا؟!
قالت كورونا: إنه عمل مخابراتى فائق الشيطنة، فقد انتقل من المعامل الامريكية التى ولدت فيها إلى مدينة صينية ربما لم يسمع عنها إنسان لتبدو اللعبة متقنة. وهى ان الوباء صينى وتحل اللعنات فوق رأسى!!
قلت: ولكن الصين ردت الصفعة صفعتين وطردتك من حدودها!
قالت كورونا: لأن الاقتصاد محور السياسة ومحور النشاط الانسانى فإن القتال فيه صامت لا يعرف الصخب.
قلت: لماذا اخترت الجهاز التنفسى ميدانا لنشاطك؟
قالت الكورونا: ليس هذا اختيارى بل اختيار من «خلقونى» وأنتم تعرفون أنى اهاجم الرئة لإحداث فشل فى الجهاز التنفسى.
قلت: لهذا نضع المصابين على (جهاز التنفس الصناعى) رغم أنه غير مستحب. ولكن اين يكمن هذا الاختراق؟
قالت كورونا: فى (العطس والرذاذ والكحة المتلاحقة)!!
قلت: كيف يفطن الانسان انه مصاب بالانفلونزا لا كورونا؟
قالت كورونا: انا والانفلونزا متشابهان، اننا من عائلة واحدة!!
قلت: لماذا تهبط على الاسطح حتى النقود الورقية نمرر عليها منديلاً مبللاً بالكلور؟
قال: انا لا اطير لاهبط على الاسطح ولكن اعيش داخل تعاملات الناس، والنقود تنتقل من يد لاخرى وربما احياناً بين الاصابع.
 قلت: هل لهذا السبب نغسل اليدين بالماء والصابون لنحرمك من التحرك نحو جهازنا التنفسى؟ هل لهذا صار العالم كله «مدججا» بالكمامة؟
قالت الكورونا: اسأل الاطباء وخصوصا اطباء الامراض الصدرية أكثر.. فهم الاكثر احاطة بأمرى!
قلت: بعض الدوائر الطبية تستخدم دواء علاج الملاريا. وفرنسا هاجمت هذا العلاج وأعلنت أنه يساعد على عدم انتظام ضربات القلب!
قالت كورونا: اسأل الاطباء ولكنى لا أظن أن علاج الشقيقة الملاريا ينطبق على العلاج من اصابتى. انا أعرف طريقى جيداً. جهاز تنفسك!
قلت: لا يزال معمل التحليل فى العالم عاجزاً عن الوصول الى حماك ربما لم نعرف سر اختراقك الحاد للجهاز التنفسى!
وأضفت: انا لا أدخن ولا أتعامل مع الشيشة!
قالت كورونا: أصبت؟
عدت اسأل: هل المادة p.c.r الخاصة بالتحليل عن طريق «مسحة» من الانف، غير متوفرة؟
قالت كورونا: اسأل معامل العالم فعندك السر!
هنا سألت: واللقاح المضاد، هل معامل العالم محتفظة به الى لحظة معينة وتفرج عنه؟ ماذا يخبئون؟!
قالت كورونا: انت تجرنى للكلام فى السياسة. ولست مصدراً يعتد برأيه فى أمور السياسة!!
قلت بانفعال: هذه ليست اموراً سياسية إنها قمة مطالب الكون، الافراج عن اللقاح المضاد.. لتتوقف عمليات «الموت الصامت» العالم يحلم بهذه اللحظة. العالم يتمنى الوصول لشاطئ النجاة.
وعلماء الدنيا الحاصلون على نوبل لن يعرفوا طعم النوم العميق حتى يعثروا على العلاج من اختراقك للجهاز التنفسى. أنك حصدت ارواح اطباء يعالجون. وكاد رئيس وزراء انجلترا أن يفارقنا. والحياة متوقفة، حتى دور العبادة التى نركع فيها ونصلى مغلقة.. الناس فى بيوتها صادقت الوحدة وادمنت الحظر والمعاهد والجامعات تتعامل on line. فكيف تقول أن العلاج باللقاح المضاد «أمور سياسية»؟!
قالت كورونا: إسـأل ساسة العالم.
قالتها ببرود وبهذا الايجاز!
قلت: ان اقتصاد الدنيا يتهاوى. الاتحاد الاوروبى رسب فى الامتحان. الاحلاف فشلت. وإن كانت مصر بحزمة قرارات استطاعت ان تقلل الاصابات وعدد الوفيات. فالدولة بقيادة رئيسها استطاع عبر ادارة الازمة أن يستوعب بأبوة بالغة قضايا كل اطياف المجتمع وناس مصر.. بين الملتزم الخلوق والمستهتر الطائش يواجهون خطرك النافذ المخترق وتقول لى هذه امور سياسية. صدقنى ان الاسئلة حولك وعن كنهك وعن اصلك وفصلك وهل أنت قادم من وراء الغيب والغيم. وهل انت شرارة بفعل قضايا المناخ. صدقنى انها أكثر من الاجابات!
قالت كورونا: هل ترتدى الكمامة؟
قلت: نعم!
قالت: هل صادقت حوض غسيل يديك دائماً؟
قلت: نعم!
قالت: هل تراعى فى جلستك مع الغير «التباعد البدنى»؟
قلت: نعم!
قالت: هل تراعى أهمية جهاز مناعتك؟
قلت: نعم!
قال: هل تتحفظ فى التواجد فى مجتمع جمهرة؟
قلت: نعم!
قال: لماذا تخشى الاصابة، أكاد اشعر أنك مصاب بذعر وفزع؟
قلت: سألت الاطباء عنك وخصوصاً مستشار الرئيس الصحى د. عوض تاج الدين وهو من علماء مصر فى أمراض الصدر فقال إنك تخترق الخلايا وكأنك تصوب طلقة على الهدف.
قالت كورونا: بالطبع فأنا لا ألعب معك البلياردو!
قلت: هل يضايقك أن يقال عنك (وباء)؟
قالت: كيف يضايقنى المسمى الحقيقى لى؟!
قلت: بدأت الدول - إيها الوباء - تنادى بالتعايش معك، ما قولك؟
قالت كورونا: انه الحل العملى الواقعى وإلا افلست الدول!
قلت: إن التعايش معك ضرورة ولكن الرهان على وعى الناس، رهان على مستحيل!
قالت كورونا: لن أرحم المستهتر ولن أرحم من يستهزأ بى. سيكون الندم كبيراً حين يفقدون الأحباب.
قلت: أن الدول - حسب ظروف اقتصادها وحسب الاعداد التى فقدتها بالوفاة، تقرر مساحة الانفراجة قبل ان تتحول الى كارثة!
قالت كورونا: ان العودة المفاجئة للحياة العادية كأنك تفتح باب جهنم. ولهذا لاحظت ان الدول تقرر مساحة الانفراجة طبقاً لظروفها.
قلت: أيها الوباء لقد دفعت الدول مبالغ خرافية وميزانيات فلكية لحماية مواطنيها من هجومك وتهجمك غير المبرر. ان الدول فى سبيل التعايش معك تحيا on line حتى تتجنب الجموع. لقد خلقت دون أن تدرى فئات من الشعب تعطلت عن العمل وفئات جائعة وفئات تحيا على ما قررته الدولة من اعانات للحياة وبعض رجال الاعمال لم يتبرعوا بمبالغ مالية لانهم لم «يرفدوا» عاملاً أو موظفاً واحداً. لكن دولاب العمل ودوران العجل متوقف حتى إشعار آخر!
قالت كورونا: وستطول اقامتى حتى آخر مهمل فى صحته. ستطول إقامتى والحروب بينكم معلنة. ستطول اقامتى والثرى يزداد ثراء والفقير يشتد فقراً. ستطول اقامتى ما بقيت العدالة مفقودة.
قلت: كلامك مقبول ومكحل بانسانية غريبة على شخصكم ولعلك على علم بثقافة جديدة خلقها وجودكم فى حياتنا، فقد تغيرت نظرتنا للممرضة وجاءت بطولة الجيش الأبيض وجسارة فرسان جدد هم الاطباء المعالجون الذين يسقط بعضهم فى حبائلك. دخلت برامج التليفزيون وصارت بعض فقرات برنامج شيخ الحارة والجريئة فيه: «ساعة الحظر ما تتعوضش» و«ماذا اسوأ من كورونا؟» هذا غير سيل من المقالات فى الصحف والمجلات يذكر فيها اسمك وصرت العنوان الأول على كل شاشات الكون واحصاء يومى باعداد الاصابات واعدادالوفيات. وانتشرت ملايين النصائح الطبية على مواقع التواصل وتطوعت بعض المعامل فى شتى بقاع الارض لاختراع «مصل مضاد» يزيح حالة السخط الكونى لوجودك غير المرغوب وينشر بصيصاً من الأمل.
كورونا هل يقل السخط لو وافقت منظمة الصحة العالمية على مصل مضاد ثبت فاعليته وجدواه؟
قلت: هذا مؤكد لان كل انسان يتحمل مسئولية التزامه أو إهماله وعثورنا على المصل المضاد يعجل برحيلك من الكون.
قالت كورونا: سمعت البعض يقول (المحنة فيها منحة)؟
قلت: إننا نسلى انفسنا وصار وجودك والتعايش معك يفرض بروتوكولا جديداً للحياة، فالحياة قبلك غير الحياة بعدك.. صادقنا الوحدة ومنحتنا بعض التأمل!
قالت كورونا: كنتم كشعوب الارض تحتاجون لهزة.. للافاقة!
قلت: سؤال محدد، متى ترحلين؟!
قالت كورونا: إسأل رجال السياسة والعالم الذى يفوز بجائزة نوبل!!