يوميات الأخبار

العالم يولد من جديد

عادل حلمى
عادل حلمى

«الكراهية تختفى والحب يعود والبشرية تسترد إنسانيتها.. الأرض تنصاع لخالقها والأديان تتوحد للمرة الأولى فى تاريخها، والمعمورة قبل «كورونا» ليست كما بعدها، والحقيقة الكاشفة الآن هى أن العالم يولد من جديد».

أيام عدة، كنا نلعب نلهو نمرح ولا نبالى، نمزق أوصالنا نغتاب بعضنا ونقطع صلات أرحامنا، القوى لا يرحم الضعيف والغنى يتجاهل الفقير، حروب وقتل ودماء فى جميع قارات العالم، تدمير للطبيعة وتلويث للبيئة وإفساد فى البر والبحر والجو.. القوى العظمى تنظر إلى بقية دول العالم على أنها توابع لاقيمة لها تدور فى أفلاكها، وبلايين الدولارات رصدتها الدول الخمس الكبرى الحاكمة فى الكون لتعزيز ترساناتها النووية وأسلحتها الفتاكة، والحقيقة أن كل هذه الجيوش الجرارة لم تمكنهم من هزيمة فيروس لايرى بالعين المجردة ينهش أجساد البشرية، وأجلس بنى أدم أجمعين فى منازلهم، لم يرسل الله طوفاناً ولا براكين ولا زلازل ولا غيرها من جند الله التى لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى، لم يخسف الأرض بساكنيها ولم يهدمها فوقهم، ولكنه أعطى البشرية درساً لن تنساه أبداً بأن الله خلقنا لإعمار الأرض لا إفسادها وأن تعاوننا وتعارفنا وتكاملنا من سنن الله فى خلقه، وأن دياناتنا تتكامل لا تتعارض وأن مآلها الوحيد إلى الرب الواحد.. إن فيروس كورونا ليس شراً مطلقاً لبنى البشر كما يظن البعض، بل من نعم هذه المِحنة على العالم أنها كشفت لنا حقيقتنا البشرية ووضعتنا فى حجمنا الطبيعى أمام قدرة الخالق، لقد فعل هذا الفيروس الخفى مالم تفعله كل دعوات السلام فى ربوع الأرض، لقد كشف للدول الكبرى قبل الصغرى ضرورة أن نفتح صفحة جديدة فى علاقاتنا الدولية تتوقف فيها آلة الحرب وتتراجع فيها سطوة السلاح والعنجهية والنظرة الفوقية، وأن نعلى قيمة البحث العلمى والعلم والعلماء ونمنحهم المقام المحمود الذى يستحقونه، أن نحول مخصصات الحروب وآلات القتل والدمار إلى إعادة بناء أنظمة صحية عالمية متطورة لحماية الإنسان الذى خلقه الله لإعمار كونه، أن نتكامل لتأسيس اقتصاد عالمى موحد لاتنهش فيه آلة الرأسمالية المتوحشة أجساد الفقراء فى الكون، أن نمنح أنفسنا فرصة أخرى لتواصل الحضارات وتقارب الثقافات والأديان ورعاية مصالح بَعضنا.. أنا لست رجل دين أو إفتاء حتى أرد على الذين يقولون أن كورونا عقاب من الله للبشرية، ولكن أذكرهم ان أبوعبيدة بن الجراج أحد العشرة المبشرين بالجنة وكبار الصحابة ماتوا فى طاعون عمواس فى بلاد الشام، فهل كان هذا عقاب من الله، إذا كان سبحانه لم يعاقب الذين لم يعبدوه بل والذين أنكروا وجوده أصلاً، فكيف يكون حاله سبحانه بالمقبلين عليه، فديدنه سبحانه الحلم والعفو والجود والكرم، فهو القائل سبحانه: «دعونى وخلقى فلو خلقتموهم لرحمتموهم».
 حكايات الغريب
 قدر هذا الوطن أنه ولد ليكون عظيماً، فقد فتح أبوابه لكل المحببن لترابه، ومنح المأوى والسكن لمن طلب الحماية والأمن والعيش فى كنفه، حتى أصبح قبلة المضيومين فى الأرض.. عاشت جميع الجنسيات والأعراق والديانات والحضارات فى سلام ووئام على أرضه.. فراعنة، أغريق، رومان وبطالسة وأرمن.. فاطميون وألبان وأتراك.. أيوبيون وأمويون وعباسيون.. فرنسيون وبريطانيون وألمان، وغيرهم مروا من هنا واصطبغوا بصبغة المصربين ووقعوا فى غرام «المحروسة».. ألف حكاية وحكاية من حكايات الغريب، الذى خطب ود هذا البلد واحتمى بحماه. أنبياء وأئمة وعلماء ومشايخ وفلاسفة وشعراء وأدباء، طاب لهم المقام فى ربوع مصر فهى خزائن الأرض وملتقى الشرق والغرب وبلد الله الآمن التى تجلى فيها الرب، وهى كنانة الله فى أرضه.. مصر التى احتضنت آل بيت النبى الكرام، ومنهم السيدة زينب، التى آثرت الحياة فيها، لما عرفت من حب أهلها لآل البيت، ودخلتها فى سنة 61 هجرية، ومعها فاطمة النبوية وسكينة وعلى أبناء شقيقها الإمام الحسين رضى الله تعالى عنهم جميعاً، ودعت لمصر وأهلها، قائلة : «يا أهل مصر، نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا»، كما عاشت فيها السيدة نفيسة بنت الحسن، حيث خرج أهل مصر لاستقبالها فى العريش. ورحبوا بها وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم، وأيضا السيدة عائشة بنت جعفر الصادق.. مصر هى مسرى إبراهيم الخليل، التى تزوج منها السيدة هاجر أم سيدنا إسماعيل عليهم السلام جميعا، وعاش بها أنبباء الله إدريس ويعقوب ويوسف، وفيها ولد موسى وهارون ويوشع بن نون ودانيال وأرميا ولقمان، ومؤمن آل فرعون، وأوى إليها المسيح وأمه مريم البتول، عليهما السلام، وكان بها الخصر وآسيا امرأة فرعون وأم اسحاق وماشطة بنت فرعون، ومنها أهدى المقوقس الرسول عليه الصلاة والسلام مارية القبطية، فتزوجها وأنجب منها إبراهيم، وفى التوراة : «مصر خزائن الأرض كلها، فمن أرادها بسوء قصمه الله».
 طلاق فرعونى
 هجرتك ولم تعد لى حقوق عليك كزوج.. إبحثى عن زوج غيرى، لأننى لا أستطيع الوقوف إلى جانبك فى أى منزل تذهبين إليه، ولا حق لى عليك من اليوم فصاعدا باعتبارك زوجة لى تنسب إلى أو شريكة لحياتى إذهبى فى الحال بلا إبطاء أو تراخ.. إمضاء: «زوجك الذى استراح منك للأبد»، بهذه الكلمات طلب آمون حوتر، من توت حوتر كاتب السجلات، أن يكتب له وثيقة طلاقه من زوجته على ورقة بردى، وعلى ظهرها توقيع أربعة شهود وختم التسجيل.
الوثيقة تبين أن الفراعنة كما كانوا متفردين فى حضارة تحدت الزمان والمكان، ومازالت تبوح بأسرارها، ولها السبق فى شتى مناحى العلم والحياة، قد عادت اليوم لتكشف أن أول وثيقة طلاق فى العالم كانت فرعونية عمرها 4700 سنة، والمدهش أن المشرع المصرى القديم، أعطى للزوحين الحق فى طلب الطلاق إذا أخل الطرف الآخر بالشروط والتعليمات الواردة بوثيقة الزواج.. وعندما سألوا آمون حوتر، «الزوج الذى طلق زوجته»، لماذا طلقتها، قال إنها أفقدته الرغبة فى الحياة، بكثرة غيرتها وشكوكها، وعندما سألوا الزوجة، قالت : «زوجى عينه زائغة.. لا تمر امرأة أمامه، إلا واعتبرها فريسة سهلة المنال، ويبدأ فى معاكستها، وكم أوقعنا فى بحر من المشكلات حتى وصلت إلى مسامع كهنة الإله آمون فى طيبة».
 حنجرة وكزبرة
 حالة مؤسفة وصلت إليها ساحة الغناء المصرى، بعد انتشار أغانى «بير السلم» بشكل لافت للنظر خلال الفترة الأخيرة. أغانى وفيديو كليبات لقيطة لمطربين، لا يمتون بصلة لعالم الغناء. فى الخفاء خرجت علينا جحافل حمو بيكا ومجدى شطة وحنجرة وكزبرة ونمبر وان، وغيرهم الكثير لتطل علينا فجأة لتنغص علينا حياتنا بعد مطاردتنا، ليلاً ونهاراً، عبر القنوات الغنائية الفضائية والمحطات الإذاعية ووسائل التواصل الاجتماعى المختلفة.
الغريب أنه لا أحد يعلم من جاء بهؤلاء ومن هى الشركة أو المسئول عن إعداد وتقديم هذه النوعية من الفن الهابط. والأعجب من ذلك حالة الرواج والشهرة التى ترافق هذه الأغانى والإقبال المفرط عليها من متابعيها والتغنى بها فى المنازل والمقاهى والتكاتك والسيارات العامة والخاصة. هل انحدر الذوق العام إلى هذا المستوى المتدنى من الغناء؟، وهل غاب سميعة الزمن الجميل مع تراجع سطوة الراديو والتليفزيون أمام طوفان التكنولوجيا الحديثة؟.
وما يؤسف أيضا تقلص أعداد الأصوات الغنائية الجميلة إلى درجة كبيرة وسط هذا السيل الجارف من ضجيج الأصوات الغوغائية، إضافة إلى تراجع الكتابة الغنائية وظهور مسوخ من كتاب الأغانى الشوارعية بلغة لا تعلم من أين جاءت؟، ومتى تسللت إلى الشارع المصري؟، وما سر انتشارها كالنار فى الهشيم؟. واكب ذلك ألحانا لا تعرف لها مكانا فى أى مقام أو نوتة موسيقية، فهى ليست إلا نشازا يرفع ضغطك ويوتر أعصابك ويصيب من يسمعه بالصمم. والعجيب فى الأمر هو ذلك الصمت والغياب التام لنقابة المهن الموسيقية، والتى يعتلى هامتها فنان بقيمة وقامة أمير الغناء العربى هانى شاكر، الذى أثق أنه لا يرتضى أن تنتشر هذه الأغانى فى عهده، وإن سكت على ذلك فإن التاريخ لن يرحمه أنه شارك بشكل أو بآخر فى استمرار هذا الوباء الغنائى.
إن الموسيقى والطرب يرتقيان بالذوق العام وهما اللغة السامية للشعوب المتحضرة وفى مدرستهما تخرجت الأجيال المحبة للفن الأصيل، وعلى سميعة الزمن الجميل أن يقاوموا تتار الغناء الجدد ليحرروا الآذان من هذا التلوث الموسيقى.
لدى حلم
 لدى حلم بأن يتوقف الناس عن الكراهية، وأن يبسطوا فى قلوبهم ساحة واسعة للعفو والتسامح والغفران.. لدى حلم بأن يتوقف البشر عن سوء الظن ببعضهم، فكم قطعت الظنون صلات الأرحام، وفرقت بين الخلان، وهدمت بيوتا وحولت أحبة إلى أعداء.. لدى حلم بأن تعود شوارعنا واحة مفتوحة للمودة والتراحم، وأن يرحم كبيرنا صغيرنا وأن يوقر أطفالنا وشبابنا شيوخنا، وان نعفو عن بعضنا ونصبر ونهجر الغضب.. لدى حلم بأن يعم السلام المعمورة وتختفى النزاعات والحروب وأن تتكامل الأديان والحضارات والثقافات فيما بينها.. لدى حلم بأن يعود المسلمون إلى إسلامهم، وألا يظنوا أن الإسلام لحية يطلقونها، أو جلباب يرتدونه، أو ركعات يؤدونها، بل هو كما قال عنه الرسول المصطفى:" إن الدين المعاملة"، فقد دخلت النار امرأة كانت صوامة قوامة لكنها كانت تؤذى جيرانها، فأخبر خير خلق الله، أنه لا صلاة لها ولا قيام لها والنار لها... لدى حلم بأن نهجر وسائل التواصل، وأن نفرغ وقتا طويلا للتواصل مع أهلنا وأحبتنا، وأن يختفى ببغاوات" التوك شو" من حياتنا إلى غير رجعه، فكم أشعلوا من فتن ونشروا من أكاذيب وهتكوا من أعراض وهددوا أمن وسلم الوطن.. لدى حلم بأن تتبوأ فيه بلادى مكانتها التى تستحق بين الأمم، وأن تعود القاهرة واحدة من أجمل مدن العالم.. لدى حلم، بأن يسترد المصريون أناقة الأربعينيات والخمسينيات، وأن تعود المسطحات الخضراء لتزين شوارعنا كما كانت. لدى حلم بمصر متطورة متحضرة بدون فقر أو مرض أوجهل.. لدى حلم بوطن علم البشرية جمعاء كيف تكون الحياة.
رحيق الكلام
 > من يحبك حقاً لن يجرؤ على مرور الوقت بدونك، سيحن، سيشتاق، سيتألم، سيصنع المستحيل ليحادثك.. مورجان فربمان.
> الحياة قد تصبح رائعة، إذا تركك الناس وشأنك..  شارلى شابلن.
> كلما زاد نقاء المرء زادت تعاسته..  أنطون تشيكوف.
> حياة يقودها عقلك، أفضل بكثير من حياة يقودها الناس.. غاندى.
  خواطر
 > لاتحزن عندما يهجرك أو يتغير عليك البعض، ربما هى دعوة ذات ليلة تحققت تحت قول: «وأصرف عنى شر ما قضيت».
 > الغاضبون من مصر سيأتى اليوم الذى يحمدون الله أنهم يعيشون فيها.. أسألوا الذين ذاقوا مرارة البعد عن المحروسة.